الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردي على تعليق الصديق عبد الحسين في مقالي: الماركسية ليست طوباوية

عذري مازغ

2021 / 11 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


انتهى كل شيء في الماركسية لان البرجوازي "لم يأخذ فأسه ليحفر قبره"، يعكس هذا التعليق: " البرجوازية تُنتج، قبل كل شيء، حفّاري قبرها. فانهيارها وانتصار البروليتاريا، أمران حتميّا" من زميل وصديق في نفس الوقت ينظر إلى العلوم الإنسانية بمقاييس المسطرة والمدوار والحتمية الرياضية أو الفيزيائية، العبارة كما أثيرت في التعليق هي من البيان الشيوعي في القرن 19، ما هو سياق هذا الكلام؟
إنه بالدرجة الاولى بيان سياسي لشيوعيين في فترة زمنية معينة، هو بيان يبني للتحريض السياسي كما تمارسه كل الأحزاب السياسية يمينا ويسارا، تتميز لغة البيان في العلوم السياسية كونها تفترض وعيا شعبويا بأوضاع ما، كاتب البيان يختار كلمات عامة لكنها قوية الفعل والتفعيل بمنطق الصرامة، تتميز بقوة التأثير للأتباع خصوصا ولغة البيان تنتمي إلى زمن الآلة البخارية وقوة إنتاج تعتمد في عمومها على العمال والماجورين، هذا السياق مجاله هو العلوم الإنسانية وعلم الإجتماع بالخصوص دون أن ننسى فيه تلك العوامل الأخرى ذات التأثير الثانوي أو الموضوعي كعلم النفس والتاريخ وغيره، أتذكر كلام لرفيق نقابي ماركسي استعمل العبارات التالية وهو يخاطب عمال منجميين: "إتحاد العمال ووحدتهم ضرورة ملحة فنحن نتعامل مع باترونا تملك كل وسائل القوة، مهندسين، موظفين اكاديميين يحللون اوضاعنا بشكل تخدم مصالح شركاتهم وهم في راحة جسدية همهم الوحيد هو التفكير في إخضاعنا وهزمنا، ونحن العمال نتخاصم على ابسط الامور ويشهد بعضنا في البعض الآخر انتقاما او حسدا.. "انصر اخاك ظالما ومظلوما" هذا ما يجب ان نكون عليه، يجب ان نصنع حقيقتنا بقوتنا واتحادنا (.. عاش الإتحاد! عاش..)"، ثم أضاف هذا النقابي كلاما تحريضيا مفاده: "هل رأيتم هذا الجبل، وأشار إلى الجبل، رد العمال نعم، ثم أتمم كلامه: "بقوتنا نستطيع ان نقول بأنه ليس جبلا، إنه الكنز الذي منه نغني هذه الشركة بسواعدنا"
ماركسي ينفي وجود جبل في خطاب تحريضي، استعمل فيه أي شيء يخدم قوة العمال، استعمل العبارة الدينية "انصر أخاك ظالما او مظلوما"، إنه خطاب سياسي نقابي تحريضي، لكنه من حيث الهدف خاطب حتى الفكر الجماعي كون كل العمال مسلمين.
في ماذا يختلف ماركس كاتب البيان الشيوعي عن هذا النقابي ؟
يختلف من حيث قيمة الرجلين، النقابي عامل بسيط وإن كان ماركسيا (تكوينه حقوقي اصلا) وماركس فيلسوف والفيلسوف من حيث كم اتباعه وموسوعيته الفكرية يجب ان يكون إلها وهنا بالتحديد لب المشكلة: يتفق أتباع ماركس المتعصبون ونقاده من علماء الطبيعيات في قدسية ماركس بشكل متناقض تماما أي أن اتباعه المتعصبون قرأنوا (من القرآن) نصوصه وأصبحت مقدسة ولا ينقصهم سوى إتباع أقوال ماركس بكلمة "صدق الله العظيم"، واصحاب المسطرة والمدوار والمثلث ألحدوا به والإلحاذ هذا له خلفيته السياسية هو نسف اي تحريض اجتماعي في سبيل النضال حول المكتسبات والحقوق .
هناك إشكال آخر في العلم الطبيعي فعلى الرغم من ان اتباعه يعشقون كرة القدم ويعشقون ميسي ومارادونا وغيرهم من عبيد اللوكس (أقنان اللوكس ) ويعرفون تماما انهم ليسوا آلهة، لكن لم يفكروا يوما لماذا هؤلاء ينجحون دوما في الإمتاع والتهديف برغم ان خصومهم يضربون لهم ألف حساب ويهيؤون لهم مدافعين شرسين ويدرسون علميا حركاتهم وكيف يتفادونها ومع ذلك لا يفلحون! لماذا؟ لانه ببساطة ليس الامر كعقل يتمنطق بالمدوار والمسطرة والمثلث والمختبر، إنه امر متعلق بالإنسان، إنسان له مخ يبدع في اللحظة والمكان ، هل تدريب المهاجم او المدافع غير علمي ؟ إنه علمي على الرغم من انه لا يتمتع بالحتمية المرجوة، هكذا هي العلوم الإنسانية فيها دائما ما يفاجيء والحتمية فيها نسبية.
الهدف الاسمى للإشتراكية ومن خلالها الشيوعية هو تحقيق العدالة الإجتماعية، في سياق الصراع الإجتماعي حول هذه العدالة حدثت مراوغات تاريخية، نجحت بعض أساليب الدفاع والهجوم كما في كرة القدم ونسفت الكثير من الخطط منها (أصبحت كلاسيكية) ونجح بعضها محدثة، هذه العدالة الإجتماعية منحتنا في بعض الثورات الإجتماعية نقيض هدفها وافرزت ديكتاتوريون بينما العدالة الإجتماعية تنسف الديكتاتوري نسفا والناس دائما تطاوع الامل المستحسن وترفضه حين لا يكون مستحسنا. حتى المجتمعات الإنسانية تبدع في فترة معينة قفزتها النوعية، ثورتها بالتحديد.
الإنسان كائن مراوغ، والأنساق الإجتماعية باعتبار الإنسان هو الفاعل فيها هي ايضا انساق مراوغة إنها تؤثر بالشكل نفسه الذي تتأثر هي الاخرى وهذا موضوع آخر يقودنا إلى تناقض مستويات البنية الإجتماعية بشكل يقودنا إلى فهم هذه العلاقة من التاثير والتأثر وهذا في العلوم الإنسانية يختلف بنيويا على ميكانزم الزمن والمكان وحساب المثلث والمدوار .
الحتمية في العلوم الإنسانية ليست هي نفسها الحتمية في الحسابات الطبيعية الدقيقة، إن شجرة الفاكهة، في ظروف مناخية وطبيعة ملائمة جدا يكون عمرها أقصر إن لم تتعرض لعملية التلقيم، والراسمالية في كل مسارها التاريخي خضعت لكثير من هذه العمليات والزمن في العلوم الطبيعية ليس هو الزمن في الأنساق الإجتماعية وقد تتماهى العلوم الإنسانية بأشكال ما في العلوم الطبيعية لكن ليس تماما في التطبيق .
الحتمية الاولى للماركسية: الثورة العمالية ستكون في المجتمعات الرأسمالة المتقدمة (في المركز وليس في الهامش بحسب صياغة سمير أمين) حتمية لم تتحقق زمانيا لأن الرأسمالية حولت مصانعها إلى الهامش المتخلف في الوعي السياسي وصنعت الرفاه في المركز مقابل بؤس البروليتاريا في الهامش (لا شك أن الخبر المفرح لإغراء الإستثمارات الاجنبية رائع في هذه المقارنة: المغرب يصنع السيارات والطائرات، يا للفرحة! لكن الوزير الاول دشن مشروع حكومته بإلغاء مرسوم معاقبة أهل الريع ومعدل الفقر لم يراوح مكانه ) كم من الوقت أو الزمان يكفي المغاربة للإحتفاء بالتصنيع، كم من الوقت يكفي البروليتاريا المغربية ان تعي ذاتها وتزيل لوعتها بالتصنيع ؟ وحتى هذه البروليتاريا هل هي حتمية في صناعة الثورة؟ هو السؤال الثاني الذي يطرح مشكل طوباوية الماركسية، هل ستقوم الثورة بريادة طبقة عاملة؟ الجواب محال لأن الأتمتة وفي السياق ذاته قتلت حتمية الرأسمالية تحفر قبرها، أي انها لم تعد تنتج سواعد عمالية بل تنتج روبوهات ولنفترض جدلا ان ذلك أصبح قوة العمل في المجتمعات المستقبلية: ماذا بعد ثورة الروبو؟ هل ستسمح المجتمعات الإنسانية بقتل الناس لأن الروبوهات هي القوة العاملة في الإنتاج؟ ولنذهب بعيدا، ماذا بعد ان تتجاوز الخدمات الإنسانية مثل رعاية الشيوخ والمرضى والطب وغير ذلك، حين تتكلف الروبوهات بهذه الامور، كيف سيكون مصير هذه الطبقة الانانية الرأسمالية، لمن ستبيع منتوجات روبوهاتها حين يفتقد البشر حتى وظيفة الخدمات العامة ويرعن للكسل في جنة عدن الأخرى ؟
هذه الأسئلة تبررها معطياتنا في القرن الواحد والعشرين وليس المدوار والمسطرة او حتى ماركس.
في زمن ماركس كان العامل مركز اعمال الرأسمالي، في زمننا حيث الخدمات المالية هي السائدة فإن مركز الإهتمام هو المستهلك وليس العامل .
من الجميل ان قال ماركس بان الراسمالية تحفر قبرها بنفسها ولم يقل بأن العامل هو من يحفر قبرها، نعم في الصياغة الاولى كان يقصد العامل لكن بالحدس التاريخي لم يوظف كلمة العامل ومعروف عن ماركس انه كان منبهرا بالآلة البخارية في عصره .
في السياق ذاته، هل الرأسمالية حققت الرفاه لكل المجتمعات؟ نعم خلقت الرفاع من خلال الإستثمار في العالم المتخلف : يد عاملة رخيصة تفيد كسلاء المجتمع الرفيه ذي الاوراق النقدية الضخمة، المقارنة المضحكة: شطاب في أوربا يستعمل المكنسة باجر مهندس في العالم الثالث (مع تقديري لكل عمال النظافة وإن طرحت هذا للمقارنة فقط في عقل الطبيعيين)
مع الرقميات والأتمتة، كل الوظائف التي لها قيمة اجتماعية في القرن العشرين أصبحت الآن لا شيء، حتى الخبير الذي تقدمه قناة روسيا أو اي قناة عالمية، في موضوع سياسي ما، يبدوا صاحب قناة خاصة (ذباب إلكتروني لا يتقن حتى بلاغة الخطابة احسن تحليلا في تناول الموضوعة من ذلك الخبير )..
ارحموا عقولنا !
في السياق، سياق التعليقات، أشكر جزيلا مداخلة الرفيقين حسين علوان والرفيق صباح البدران ومعهما بالطبع صديقي عبد الحسين سلمان ويعقوب ابرهامي (من خلال تعليقه في الفايسبوك والذي في ردي هذا ارد عليه هو الآخر).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في هذا المقال
عذرى مازغ ( 2021 / 11 / 10 - 13:52 )
في هذا المقال لم اطرح إشكالية نسف نظرية فيزيائية من قبل نظرية فيزيائية جديدة والحال ان النظرية الاولى برغم نسفها تبقى نظرية علمية


2 - الى عذري مازغ
جلال عبد الحق سعيد ( 2021 / 11 / 10 - 20:57 )
تحليل رائع وممتع
مع تحياتي

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا