الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق الأديان نسبيّة وقاصرة حتى مع وجود الإله.

اسكندر أمبروز

2021 / 11 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لنبدأ هذا الموضوع مع بعض التعريفات البسيطة لكل من الأخلاق , والمطلقيّة بمعناها الأخلاقي. فأولاً تعريف الأخلاق الأقرب الى الواقع هو الوعي بأن بعض الأمور خيّرة وبعضها سيّئ , وأيضاً الحدس لمعرفة أنه علينا القيام بما هو خيّر وعدم القيام بما هو شر. وأما تعريف المطلقيّة فهو عدم التأثّر بالمشاعر أو الآراء الشخصية والنظر في الحقائق ورؤيتها كما هي عليه , والتي لا تعتمد على العقل من أجل الوجود الفعلي.

وعلى ضوء هذه التعريفات السابقة يمكننا الحكم وبكل سهولة على أخلاق الأديان أنها أخلاق نسبية لا مطلقة ! والتي يسقط معها ادعاء المؤمنين أن الأديان مصدر مطلق للأخلاق لا تبديل فيه ومسطرة أخلاقية كما يدعي بعض المؤمنين المغيَّبين عن الواقع والحياة.

فالمؤمن بأي دين , يعتقد بأن أخلاق دينه مطلقة , وهي مسطرة أخلاقية لا تبديل فيها , ولكن كيف حكم عليها بأنها أخلاقيّة في المقام الأوّل ؟ فالمؤمن بالمسيحية مثلاً يحكم على دينه بأنه أخلاقي وعلى الأديان الأُخرى أنها لا أخلاقية , ولكن كيف وصل الى هذا الحكم ؟ أي كيف له أن يقرر ويجزم ويضع المسيحية ضمن تعريف الأخلاق ؟ فهو وغيره من المؤمنين يحكمون على أديانهم وأديان غيرهم من خلال النظر اليها من منظورهم الشخصي وأخلاقهم هم. وبالتالي الأخلاق الدينية تتحوّل من المطلقية , الى نسبيّة من يحكم عليها من البشر , وهذا ما يجعل من أخلاق البشر وطبيعتهم ومنشأهم وبيئتهم المحيطة بهم مصدر الأخلاق والحاكم النهائي لا النص الديني.

ولو قلنا مثلاً أن اله أي دين موجود , مثلاً اله الإسلام , وأنه هو مصدر الأخلاق , فهو من يحدد ما هو شر وما هو خير , وما علينا فعله لنكون أخلاقيين وهذا ما يجعل الأخلاق الدينية مطلقة أليس كذلك ؟ كلا...

ويمكننا رؤية هذا من خلال التعريف السابق للأخلاق والذي يتضح من خلال طرح السؤالين التاليين , لماذا علينا فعل ما هو خيّر ؟ وكيف علمت أن أوامر الهك خيّرة ؟ وقد يجيب المؤمن بأن الله من عرّف الخّير والشرير , ولهذا علينا فعل ما يأمر به الإله , ولكن هذا ليس بتبرير فلسفي على الإطلاق , فهو أعاد المشكلة الى الله , فلماذا علينا فعل ما يأمر به الإله ؟ لأنّه خيّر ؟ ولكن كيف حكمت عليه بأنه خيّر ؟ لأنه عرّف الخير ؟ ولكن كيف علمت أن ما عرّفه بأنه خير هو خير فعلاً ؟ ونرى أن الأمر تحوّل الى دائرة منطقية مغلقة. والحُكم في النهاية يعود للبشر الذين لهم النسبية ليختاروا ما هو خيّر من أوامر الإله وما هو شرّير وما عليهم القيام به وما عليهم تركه.

فلو كان الله موجوداً فالأخلاق لن تكون مطلقة بنائاً على أوامره هو , فكما رأينا آنفاً , فوجود الإله وأخلاق الأديان تعطينا منطقاً دائريّاً سخيفاً تاركاً للبشر للحكم على الأمور من خلال تجربتهم وواقعهم , فكيف لأي شخص أن يثبت أن أمراً الهياً للقيام بشيء ما , أو نهي عن القيام بشيء آخر , هو خيّر أو شرّير بدون ملكات عقله هو والحكم النسبي منه هو شخصياً على هذه الأوامر والنواهي ؟

وهذا ما يصل بنا الى النقطة الثانية في هذا المقال , ألا وهي مطلقيّة الأخلاق بعيداً عن الأديان...فالمسطرة الأخلاقية الحقيقية مبنيّة كما بيّنا على الواقع وما يحيط بنا كبشر وعلى تجاربنا وخبراتنا الشخصية , وعلى تقييمنا الشخصية للأمور بنائاً على نتائجها على أرض الواقع , وهذه هي الأخلاق البشرية المُجَرّدة والمطلقة , فلا يمكن لأي كان أن يحكم على أوامر اله بالخير والشر دون العودة الى أخلاقه هو ومحيطه , وبهذا يستحيل أن تكون أخلاق الأديان مطلقة أو مسطرة للأخلاق فلسفياً وعقلانياً وحتى علمياً.

ولهذا الحكم على الأمور بالخير والشر من المنظور الإنساني المحايد وعقلنة الأمور والتصرفات ووضعها في ميزان النتائج التي تأتي بها هو مصدر الأخلاق الحقيقي لكل البشر حول العالم مؤمنين كانوا أم ملحدين , فالأخلاق مُطلقة بمفهومها الإنساني ونتائجها على الأرض , ومتطوّرة نحو الأفضل بتاريخها الطويل كما نعلم (ولمن يريد الدليل على هذا عليه بقرائة كتاب the better angels of our nature , والذي نصحت به مراراً وتكراراً).

ومحاولة حصرها وتحجيمها وقصقصتها على الهيئات الدينية المشوّهة وصبّها ضمن قوالب النصوص الدينية الجامدة هو شرّ ما يمكن فعله , ونتائجه الفظيعة لا نزال نرى آثارها الى اليوم , من خلال نصوص الإسلام القذرة التي كانت متخلّفة أخلاقياً حتى في زمنها , والتي يعيد اجترارها المؤمنون بها ليل نهار مدّعين أنها مطلقة وصالحة لكل زمان ومكان , محيّدين لعقلهم وتفكيرهم وإنسانيتهم وأخلاقهم , متشبثين بقالب النصوص الصفراء الداعشية , والنتيجة...مصائب لا تحصى.

وللتأكيد على هذه النقطة أود أن يسأل كل مؤمن يقرأ هذا المقال السؤال التالي , ان لم يكن هنالك اله , هل ستستمر بالقيام بالأفعال الخيّرة ؟ ولا أريدك أن تجيبني أنا أو أي أحد آخر , بل أجب نفسك , وإجابتك هي ما سيحدد إن كانت نصوص دينك هي ما يحكمك أم أخلاقك وحكمك على الأمور شخصياً وبنفسك.

فمسطرة دينك الأخلاقية عزيزي هي مسطرة مكسورة منطقيّاً ولا يمكن لها أن تقيس التصرفات البشرية والأخلاق بتعقيداتها الفلسفية العميقة , وهذا يبيّن أحد أمرين أولهما أن الهك غير موجود , وثانيها أنه حتى وإن كان موجوداً فهو قاصر على إنتاج نظام أخلاقي أفضل مما أنتجه البشر , والذي يحكم العالم اليوم شاء من شاء وأبى من أبى , وبالتالي الهك ليس بإله أصلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah