الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوذة .. عوذة .. عوذة (*)

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2021 / 11 / 10
سيرة ذاتية


من جلولاء في شمال العراق، تحرك الفوج الرابع الآلي الذي كنت منسبا فيه الى فصيل المخابرة - أي فصيل الإشارة كما يسمى في الجيش المصري ـ تحرك في وقت ما من عام 1976، مع سائر تشكيلات اللواء السادس عشر المدرع باتجاه سوريا، ليكون ضمن الفيلق العراقي الذي أتفق حزبا البعث في البلدين على مرابطته في الجبهة مع إسرائيل.

لأمر ما خشي الرئيس السوري حافظ الأسد من نوايا غير طيبة قد يضمرها أشقاؤه الألداء في الشطر العراقي من حزب البعث الذي يحكم في بغداد، وأبلغهم بتراجعه عن الإتفاق، وإغلاق الحدود السورية بوجه الفيلق العراقي,
كان فوجنا قد وصل الى ناحية الرطبة الحدودية - هي الأن قضاء - حين وصلنا أمر وقف تحركنا باتجاه سورية والمرابطة في منطقة ((H3)) الصحراوية على المثلث الحدودي العراقي ـ السوري ـ الأردني، تمهيدا لإجراء مناورات هي الأوسع في تأريخ الجيش العراقي حتى ذلك الحين.

هناك تآلفنا مع العقارب والأفاعي من مختلف الأنواع والأحجام، وتعرفنا الى حيوانات لم نعرفها من قبل. وصنع بعضنا من جلود الأفاعي الجميلة أغلفة لأحزمتهم المدنية ليتباهوا بها أمام الصحب وربما الحبيبات عند العودة الى مدنهم وقراهم. لكن أحدا لم يستفد من جلود حيوان الدعلح وهو من القوارض كبيرة الحجم، فجلده معطى بأشواك أو نبال حادة يستخدمها في حالات الدفاع عن النفس، إذ يطلقها على الحيوان أو الأنسان الذي يطاردة. وكانت نباله الطبيعية قوية الى درجة أنها أخترقت جزمة ((بسطال)) أحد رفاقنا الجنود خلال مطاردته لدعلج أنتابه الفضول لمعرفة هذا العدد الهائل من الغرباء الذين أقتحموا مملكته الصحراوية.

أقرب مدينة لموقعنا هي الرطبة التي كانت تحوز أسم مدينة مجازا فهي عبارة عن تجمع بشري في قلب الصحراء تنعدم فيه مقومات الحضارة، لأفتقارها الى مصدر الحضارة الأساسي الماء. ربما كان فيها بعض الآبار، لكنها لا تلبي كل حاجات السكان لهذا كانت مياه الشرب النقية تنقل إليها بسيارات حوضية عبر مئات الكيلومترات، كما تنقل لوحداتنا.

((المدينة)) كانت تتوفر على حمام عمومي واحد، وجد ليلبي حاجة عدد سكانها المحدود، وواجه صعوبة في استيعانا وواجهنا معه صعوبة الأستحمام، لندرة المياه، وكنا نهيئ أنفسنا عند زيارة الحمام لكارثة أنقطاع الماء وجسم الواحد منا ووجه مغطيان بفقاعات صابون الغار الذي كان في أغلبه سوري الصناعة، ويطلق عليه العراقيون أسم ((صابون رقي)) لأنه كان يصلهم في الغالب من مدينة الرقة السورية.

في الرطبة أيضا ناد للموظفين، يسهر فيه الموظفون المدنيون من غير سكان الـ ((مدينة)) وتناهى الى علمنا أنه يوفر لرواده مشروبات روحية، أنقطعنا عنها مجبرين لأشهر في سكننا الصحراوي، فغامرنا بالتوجه أليه، لكن زينا العسكري وقف حائلا بيننا وبين دخول النادي، فلم يكن للعسكري حق في أرتياد نواد تقدم المشروبات الروحية، ووقفنا على مقربة من بوابته ننتظر من يمكن أن يساعدنا في شراء ما نحتاج اليه. ننظر الى المارة، يسألنا بعضهم:

ـ ها ((أبو خليل)) ـ كنية كل جندي عراقي مجهول الأسم ـ محتاجين شيء؟

نجيب بالنفي شاكرين فلم تكن هيئاتهم توحي بانهم يمكن أن يتعاملوا مع المشروبات الروحية, طال أنتطارنا ولكن جاء الفرج أخيرا .. شاب في مثل أعمارنا يمتطي دراجة هوائية، حييناه فرد بود، شجعنا أن نعرض عليه طلبنا:

ـ أنت شاب مثلنا ولابد أن تقدر، ليس بمقدورنا دخول النادي لأننا عسكريون، ونتمنى أن تساعدنا بشراء حاجتنا من المشروبات الكحولية المتوفرة.
أنتفض الشاب كمن لدغته أفعى:
ـ عوذة .. عوذة .. عوذة يا فسقة تطلبون مني أن أجلب لكم المنكر؟

أراد بعضنا الانقضاض عليه، لكن بعضنا الآخر نبه إلى أن مفارز ((الإنضباط العسكري)) تجوب المنطقة، وقد تعتقلنا، وأضافة ألى العقوبة سنحرم من الإجازة. فتركناه خائبين تطاردنا لعناته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عوذة بمعنى أعوذ بالله منكم يا أبالسة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة