الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 17

علي دريوسي

2021 / 11 / 11
الادب والفن


ما زال في جعبتي الكثير من تفاصيل حياة إيمان التي أود أن أقصها عليكم فأنا واحد من القلائل الذين يعرفون حيثيات حياتها، لكني سأتوقف قليلاً عن الاسترسال في السَّرديَّة عنها والحوارية معها ريثما أُطلعكم قليلاً على مجموعتها القصصية التي كتبتها في ألمانيا وطبعتها في بيروت عام 2009 وعنونتها " وَالوردِ إِذَا تَنَفَّسَ" وأهدتني نسخة منها آنذاك ما زالت وستبقى في حوزتي.
في منتصف الصفحة الأولى كتبت: "أثناء الكتابة باللغة العربية يترك معظمنا فراغاً/مسافة بين حرف الواو والكلمة التي تلحقه، وفراغاً آخر بين نهاية الكلمة وعلامة الترقيم التي تأتي بعدها (الفاصلة، النقطة، علامة الاستفهام أو التعجب). في الحقيقة يحيرني هذا الفراغ يربكني وأجده من ناحية الشكل والحجم خاطئاً. أنا لا أتركه في العادة وهكذا أوفر مكاناً في السطر وأجد تنسيق النص أجمل."
في أعلى الصفحة كتبت إيمان بقلم رصاص: "مرحباً أحمد، أهديك كتابي المتواضع هذا لأنك تبدو طيباً وصادقاً وسأكون مسرورة إذا ما أتيح لك أن تقرأ تجربتي الأولى في السرد وتُسمعني رأيك بها. وإذا لم يكن لديك الرغبة أو الوقت بسبب انشغالاتك بمشاريعك العلمية والخاصة سأتفهم الأمر. لا تخف يا أحمد."
لا أخفيكم سراً بأن هذا كل ما عرفته عن كتابها. رميته في درج مكتبي وأنا أتمتم ساخراً: "وكأن هذا آخر ما كان ينقصني في الغربة! كتاب!؟ّ أليس أفضل ألف مرة لو أنها أرسلت لي قطرميز مكدوس!؟"
بعد موتها خجلت من إهمالي لها ووجدت نفسي ملزماً بالمعنى الأخلاقي أن أقرأ ما أبدعت وفاءً لذكراها.
قرأت في القصة الأولى بعنوان "ثمرة تين":
تعرّف ذات يوم على صديقة ألمانية. كان يكبرها بعدة سنوات. أعجبته من النظرة الأولى. كانت الصبية طيبة، رياضية الجسد، سبّاحة، ذكية. كانت طالبة مجتهدة في كلية العمارة. تعمقت علاقتهما بسرعة. تفاهما جسدياً. راح يحبها، يدللها، يشتري لها الهدايا، يدعوها للطعام، يسافر معها في رحلات قصيرة.
أخذت بدورها تحبه، تهتم به جسدياً وعاطفياً ونفسياً، تعد له مفاجآت غير متوقعة. حتى أنها دعته لمشاركتها وأهلها في احتفالات عيد الميلاد. تطورت أمورهما بشكل جميل. مع الأيام راحا يتكلمان عن مستقبل علاقتهما، عن الزواج وإنجاب الأولاد والعمل في المدينة نفسها.
سار كل شيء على ما يرام إلى أن حدث ما لم يكن بالحسبان.
رغم أنها كانت تُقضي معظم أوقاتها في شقته، لكنها أبت أن تتخلّى عن غرفتها المُستأجرة في شقة مولفة من ثلاث غرف، حيث يشاركها العيش شابان ألمانيان يدرسان في الجامعة. وكان قد شمّ رائحة إعجابها بكليهما، لكن فرصة ارتباطها بأحدهما كانت ضعيفة والسبب في ذلك يعود لكون كل منهما يعيش حالة حب مع صديقته.
كان قد مضى قرابة تسعة شهور على علاقتهما حين دعته لقضاء الليل في غرفتها، لم يكن ذلك بالمرة الأولى، كان ذلك المساء مميزاً، احتفلا سوية بمناسبة نجاحها في إحدى الامتحانات الصعبة، جلب لها معه هدية قيّمة، عاشا حالة حب قوية، راحت تتأوه وتصرخ ـ ليس من اللذة وحسب ولا لأن هذا السلوك كان إحدى عاداتها التي تتقنها لإسعاد نفسها ـ وإنما لأنها قد ودّت على ما يبدو إغاظة جاريها في السكن!
في صباح اليوم التالي ـ متأخراً قليلاً ـ استيقظا سعيدين أو هكذا خيّل له، تبادلا القبل والمداعبات، استحما سوية وذهبا إلى المطبخ لتناول القهوة والفطور الطلابي الخفيف، كانا لوحدهما في الشقة، فقد ذهب الطالبان إلى الجامعة.
وبينما كانت شالوتي، هذا كان اسمها، تحضّر القهوة وشرائح التوست مع الجبنة، لمح صديقها على طاولة المطبخ ثمرة تين وحيدة، شهية من النوع التركي، موضوعة على قصاصة ورق صفراء. ولأن عصافير بطنه كانت آخذة بالزقزقة، ولمعرفته المسبقة بأن الألمان لا يستسيغون التين والزيتون، مدّ ذراعه وأمسك الثمرة بأصابع واثقة، رفعها إلى فمه وأجهز عليها دفعة واحدة، ثم غمغم وعيناه تبتسمان من طعمها الحلو اللذيذ: "لقد اشتقت لطعم التين يا شالوتتي، حين نسافر قريباً إلى بلدي سنقطف ثمر التين عن أمه ونأكله".
نظرت شالوتي فجأة إلى سطح الطاولة فوجدتها فارغة، تناولت قصاصة الورق وقرأت ما كتبه واحد من ساكني الشقة: "إلى شالوتي، هديتك بمناسبة النجاح". نظرت إلى وجهه بحقد واضح غير مصدّقة فعلته ثم أجهشت بالبكاء، قذفته بالشتائم متجاهلة حبه، هداياه والحميمية التي جمعتهما.
بدت معالم وجهها مقرفة وبغيضة حين طلبت منه مغادرة الشقة فوراً.
نهاية القصة الأولى.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة