الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوشٌ عربية تملك دولها .. وليس العكس!؟

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2021 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


فجأة تغير كل شيء في المنطقة العربية وتغيرت معطياتها من النقيض إلى النقيض ، بعد فترة هدوء نسبي شهدتها هذه المنطقة البائسة ، مكتفية بأحداثها الدموية اليومية المعتادة !
 وكان انقلاب السودان العسكري الأخير واحد من تلك المعطيات ، والذي ينبأ بعودة السودان لحضن العسكر من جديد وقبل أن يفلت من ذلك الحضن تماماً ، وواحدة من سمات هذه عودة حكم العسكر اطلاق سراح رموز نظام البشير السابق ، وعلى رأسهم أمين عام حزب البشير!
*****
فانقلاب السودان العسكري الأخير ـ ومما يثير الريبة فيه ـ أنه نفذ بعد 48 ساعة من وصول المبعوث الأمريكي (جيفري فيلتمان) إلى السودان .. وهذا يعني أن هذا الانقلاب كان بقبول ورضا أميركا ـ أو بعلمها على الأقل ـ وسماحها هي للعسكر ولمجموعة (عبد الفتاح البرهان) بالذات بتنفيذه ، رغم معارضتها الشكلية له بعد رؤيتها لحجم الرفض الشعبي السوداني والأفريقي لهذا الانقلاب!
فالبرهان هو موضع ثقة أميركا والصهاينة وهو بطل "التطبيع" مع الكيان الصهيوني ، كما أنه كان بطل الانقلاب الأول على نظام البشير الاسلاموي.. لكل هذا فهي ـ وكذلك الصهاينة ـ لا يريدون ذهاب البرهان الآن قبل أن يكمل جميع المهمات التي كلف بها من قبلهما قبل السماح له بتنفيذ انقلابه الأول على البشير!
*****
فبعد انفجار أوضاع السودان الاجتماعية ودخوله شعبه إلى ما يشبه المجاعة سمح للبرهان بتنفيذ انقلابه على البشير ، واعطيت للسودانيين وعود واغراءات بالرخاء والرفاه إذا ما طبع السودان مع الكيان الصهيونـي ، وبنفس صيغة الاغراءات التي قدمت للشعب المصري سابقاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني ، لكن الأيام والسنين والعقود التي مرت على تطبيع السادات اثبتت أن الشعب المصري زاد فقراً ومعاناة وهموماً لم تكن لتخطر على باله ، وسوف لن يكون حظ السودان والسودانيين ـ وأي شعب عربي آخر ـ أفضل من حظ المصريين ، إذا ما طبعوا مع الصهاينة واعترفوا بكيانهم المصطنع.. فكل وعودهم كذب وسراب وتكبيل بالقيود!؟
لكن انقلاب السودان وجميع انقلاباته الكثيرة السابقة المتكررة تقول ـ وبالعربي الفصيح ـ عن ما هو أهم وأكبر من كل الذي اَشْرْناهُ عنه في اعلاه تقول :
 أن هناك جيوشاً عربية قد تزوجت شعوبها ودولها زواجاً كاثوليكياً لا انفصام له ولا خلاص منه ، فهي جيوش تملك هذه الدول وليس هذه الدول تملك هذه الجيوش كما هي بقية دول العالم!!
 وملكية هذه الجيوش العربية لدولها تأتي بعدة صور واشكال متنوعة ومتعددة ، فبعضها بصورة مباشرة كما هو السودان ، وبعضها بصورة غير مباشرة كما هي مصر ، وبعضها الآخر تمتلكها جيوشها من وراء الستار ، كما هي وضعية الجزائر!!
*****
 فالسودان : ومنذ ما يسمى ـ بالاستقلال عن مصر عام 1956 ـ دخلت في دوامة انقلابات لا تنتهي ، فما أن ينتهي انقلاب حتى يتبعه انقلاب ثان ، وكل انقلاب منها يعد شعبه بالديمقراطية والرفاه الاقتصادي بعد "فترة انتقالية" يحدد هو مدتها وبعدها يسلم الحكم للمدنيين ، لكنها "فترة انتقالية" لا تنتهي أبداً إلى أن ينهيها انقلاب آخر ، ويقوم هذا الانقلاب الجديد بنفس الدور ويعد السودانيين بنفس الوعود ، إلى أن وصل السودان إلى انقلاب البرهان ، وكرر نفس وعود الانقلابات التي سبقته وزاد عليها "التطبيع" ـ الذي نفذه حرفياً ـ والشراكة مع المدنيين التي نكل عنها ، فالعسكريون السودانيون لا يتحملون وجود المدنيين في الحكم ولا حتى وجودهم إلى جانبه فيه ، وهذا هو الذي أدى بالبرهان إلى القيام بانقلابه الثاني على شركائه في الحكم من المدنيين .. فمن وجهة نظر العسكريين السودانيين أن
فقد أصبح السودان ملكاً للجيش السوداني ملكية أبدية ، وليس السودان هي التي تملك جيشها هذا!

 أما مصر: فقد قام الجيش المصري بثورة حقيقية بقيادة الراحل العظيم جمال عبد الناصر وحكم "بشرعية ثورية" وقد قدمت الثورة لمصر مكاسب عظمى نقلتها من عصر إلى عصر آخر ، كما أن ثورة عبد الناصر قد حركت المياه الراكدة عند العرب والافارقة وشعوب العالم الثالث كلها ، وساعدت على قيام حركة تحرر وطني عالمية حققت لشعوبها في حينها الاستقلال ومكاسب كثيرة أخرى!
لكن خلفاء عبد الناصر انقلبوا على مبادئه ، وساروا بسفينة مصر باتجاه أميركا والغرب والصلح مع الكيان الصهيوني ، وتطليق العرب والعروبة وفلسطين وقضيتها!
فالسادات في البداية قد لبس مسوح الراهب وسجد لصورة عبد الناصر متعهداً بالسير على نهجه ، لكنه كان أول من خان ذلك العهد وانقلب على ذلك النهج بذريعة "التحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية الديمقراطية" ثم سار بسفينة مصر بعيدا عن ذلك النهج وحتى عن الديمقراطية التي وعد بها ، مما أدى إلى أن يدفع حياته ثمناً لخيانته المبادئ التي ادعى الانتماء إليها .. لكن السادات وقبل اغتياله قد (وَرَثَ مصر) لجنرال آخر من جنرالات الجيش المصري أسمه "حسني مبارك"!

وقد حكم هذا الجنرال مصر ثلاثين عاماً بــ "باستفتاءات صورية" تجدد كل أربع سنوات ، وشهدت مصر خلالها تراجعاً في كل شيء بدءاً بمركزها الدولي وبدورها كقائدة ورائدة في أمتها وفي افريقيا ، وانتهاء بالفقر والجوع والبطالة التي عمت مصر كلها ، مما أدى بالمصريين إلى القيام بثورة كبرى عمت مصر من أقصاها إلى اقصها ، وأدت إلى خلع مبارك واستلام قائد الجيش الفريق حسين طنطاوي الحكم لـ "فترة انتقالية" أيضاً ، سلم الحكم بعدها لقاضٍ مدني لمدة سنة واحدة ، ثم جرت انتخابات تنافس فيها المدنيون وحدهم وفاز فيها الاخواني "محمد مرسي" ، وباقي القصة معروف للجميع!!
لكن وتحت ظل الاضطرابات الثورية أثناء ثورة المصريين ظهر إلى الوجود من بين الزوايا المظلمة للمخابرات المصرية والدولية ، وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي" الذي عينه محمد مرسي نفسه ، وركب ظهر ثورة المصريين وتضحياتهم ، وتحت لافتتها قام (بمسرحية التفويض) ونحى محمد مرسي وفريقه الاسلاموي وركب على ظهر الجميع ، واصبح رئيساً لمصر بانتخابات لا تختلف عن (استفتاءات السادات ومبارك كثيراً) وبدون منافسين حقيقين ، وحكم مصر لما يقارب العشر سنوات إلى الآن ، وعلى المصريين أن "يحمدوا الله" إذا ما اكتفى رئيسهم الجديد السيسي كمبارك بثلاثين سنة من الحكم المطلق!
المهم أن السيسي قد أرجع مصر إلى حكم العسكر وملكيتهم الأبدية لها ، لأن جنرالات مصر جعلوا من مصر "عـــزبــــة" يتملكها الجيش المصري ، ويسلمها جنرال (كعهدة) لجنرال آخر منهم!
*****
 أما الجزائر: (فحكايتها حكاية): فهي مفخرة العرب وصاحبة أعظم ملحمة من ملاحم التحرر الوطني في القرن العشرين ، فهي أخذت استقلالها بقوة السلاح من الاستعمار الفرنسي ، بعد دفعها لضريبة من دماء وارواح مليون ونصف مليون جزائري .
ومجاهدو الجزائر الذين عرفوا باسم "جيش التحرير الوطني الجزائري" هم انفسهم الذين تكونت منهم حكومة الاستقلال ، وحكمت الجزائر لمدة تقارب الستين عاماً!
فجبهة التحرير الوطني الجزائري تحولت بعد الاستقلال الى حزب سياسي باسم "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري" ، و "جيش التحرير الوطني الجزائري": تحول أيضاً بعد الاستقلال وحمل اسم "الجيش الوطني الجزائري" ، وقد حكم الاثنان الجزائر معاً لمدة تقارب الستين عاماً تقريباً!
وحزب "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري" يعتبر حزباً وسطياً ، فهو يضم بين جنباته احزاب وحركات وشخصيات متعددة وهو الذي حكم الجزائر منذ استقلالها.. وكان هو الذي يفوز في كل انتخابات أو استفتاءات تجرى في الجزائر حتى عام 1989 ، إذ اقرت في هذا العام التعددية الحزبية في الجزائر ، وجرت على اساس منها انتخابات فاز بها الإسلاميون الغى الجيش نتائجها ، مما أدى إلى وقوع مذابح مروعة في الجزائر لمدة عشر سنوات ، فاطلق على هذه الفترة اسم "العشرية السوداء" لأنها كانت فترة دموية سوداء فعلاً!
يعتبر الجيش الجزائري هو الحاكم الفعلي للجزائر فقد حكم الجزائر بيد من حديد من وراء الستار ، وكان لا يمكن لرئيس أو وزير أو مسؤول كبير في الدولة أن يصل إلى منصبه ، إلا من خلال مصفاة الجيش الجزائري وحدها وبعد قبوله به ورضاه عنه ومباركته له!

وسطوة الجيش الجزائري هذه على الدولة وحتى على المجتمع الجزائري ، هي واحدة من أهم اسباب ثورة الجزائريين الأخيرة على حكم (عبد العزيز بو تفليقة) الرئيس المقعد الذي حكم الجيش الجزائري لمدة عشرين عاماً متواصلة ، بإرادة الجيش وموافقته ورضاه عنه.. وحسب موقع فرانس24: يعتبر ((الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لفترة طويلة صانع السلام ومهندس المصالحة الوطنية لدوره في إنهاء الحرب الأهلية في بلاده، وتحول إلى رئيس فائق النفوذ، قبل أن يصاب بالمرض ويضعف، ثم يستقيل تحت ضغط الشارع الذي اتهمه بالتشبث بالحكم.))
وحتى بعد ضغط الشارع الشديد واستقالة بوتفليقة استطاع الجيش الجزائري ـ بصورة من الصور ـ فرض (عبد المجيد تبون) ـ المنتمي لحزب جبهة التحرير ـ رئيسا على الجزائر والجزائريين.. لأنه ـ أي الجيش ـ يشعر شعوراً باطنياً قوياً بأنه هو الذي أوجد هذه الدولة الجزائرية وبدونه لم تكن لتوجد ، ولهاذا فهو صاحبها الشرعي الوحيد .. وفعلاً كان هو صاحبها على مدى سنوات الاستقلال ، وقد يبقى هو صاحبها في المستقبل أيضاً!
*****
وهكذا توزع العرب كملكيات خاصة:
بعضها لجيوش عربية متنفذة!
وبعضها لملوك وامراء عرب يتوارثون شعوبهم أباً عن جد!
وبعضهم الآخر: لجمهوريات عربية شبيه بالملكيات ، ولا تختلف عنها إلا بالاسم فقط!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي