الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الحفل العالمي- و-إعادة التعيين الكبرى-

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2021 / 11 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تقرير معهد الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية الدولية (RUSSTRAT)
• (ترجمة)
همروجة فيروس كورونا "المتوقعة" منذ بضع سنوات [1] هي، على الأرجح، من صنع الإنسان. يتضح هذا من خلال كل من حركية الأحداث وبعض المصادفات المحددة. ففي صيف عام 2020، ظهر مشروع"The Great Reset" (K. Schwab) المرتبط بالوباء كعامل يسهل تحويل النظام العالمي لصالح الشركات. ثم تمخص عن مشروع خاص به لـ"نظام عالمي جديد" مجلسُ العلاقات الخارجية (CFR)الذي اقترح رئيسه آر. هاس "حفلا عالميا" جديداً مماثلاً لذاك الذي تمت إقامته في بداية القرن التاسع عشر [2].

نادي روما والعولمة
مشروع تشكيل عالم الشركات مشروع موجود منذ زمن طويل. وقد تم تنفيذ الصيغة التفصيلية للمشروع من قبل نادي روما في سلسلة من التقارير البرنامجية. وكانت أفكار الخطباء الرئيسية هي الحد من التنمية وتقليص تعداد السكان وتقليص استهلاك الطاقة. ومن المفترض أيضًا أن يقسم العالم إلى مناطق اقتصادية وجمعيات طوائفية تجمع ما بين الطوائف المختلفة على أساس "دين عالمي واحد".
الفكرة العامة هي على النحو التالي. تنقسم الإنسانية إلى طبقات عليا ودنيا. العليا تكتسب بفضل التكنولوجيات الحيوية الاختراقية المتقدمة جداً، إن لم يكن الخلود، فحياة طويلة بلا حدود. أما الطبقات الدنيا فتتألف من الخدم والحشم الذين، بمساعدة التقنيات الاجتماعية والطبية، سيغرقون في الفوضى.
وسيتم ضبط التعداد المقلص تقليصا شديداً والمتدني للغاية للناس الدونيين الأقل شأنًا في حدود لا تتجاوز الـ500 مليون شخص عن طريق التحكم الخارجي. وسيتم تدمير الصناعة والزراعة ليسود الكوكب ما يسمى "العصر الذهبي" – أي عصر الثبات التراتبي الذي لا نهاية له، يدعمه الاستمرار في تدمير الهويات والقضاء على الذاكرة التاريخية ومحوها.
لقد كان الأساس النظري لخطط الفصل الطبقي الجديد هو انتشار نظريتي الاصطفاء الطبيعي (تشارلز داروين) والفائض السكاني (ت. مالتوس) اللتين عند نقطة تقاطعهما وخط تخومهما ظهر علم تحسين النسل (لمؤسسه غالتون)، هذا العلم الذي جهد لإزالة القيود الدينية والأخلاقية من طريق "التحسين" الاصطفائي للإنسان.

أضيفت إلى كل ذلك الابتكارات الرئيسية في علم الجغرافيا السياسية البريطانية والأمريكية التي تعارض ما بين البحر والأرض. وقد أدى تطبيق هذه الآراء النظرية إلى تشكيل المهمة الحضارية للغرب في شكل توسع على مراحل في وسط أوراسيا.
وتم وضع رؤيته، في شكلها الأكثر تركيزًا، في المخطط النازي الرئيسي "أوست" Ost (الشرق)، وكذلك في مشاريع غربية مماثلة مخصصة لتفكيك أوصال "روسيا الكبرى". وكان من المفترض أن يتم تحويل عالم الدول إلى عالم الشركات بمساعدة العولمة، من خلال تدمير الدول وتفتيت الهويات مع التشتيت والتفريق اللاحق للأفراد.
لقد اندلعت الحرب العالمية الثانية من أجل العودة إلى تنفيذ خطة الحكومة العالمية. إلا أن الهزيمة الحاسمة لألمانيا النازية على يد الجيش الأحمر والمشاركة الكاملة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في تشكيل النظام العالمي لما بعد الحرب لم تسمحا بمنح الأمم المتحدة مكانة "المؤسسة العليا".
ولم تتمكن الدوائر الحاكمة في الغرب اليوم من الحفاظ على سيطرتها على مسار التطور العالمي، بعد أن استهانت بإمكانيات روسيا والصين. وعند تحليل الخيارات الممكنة للمزيد من تطوير الاتجاهات الحديثة، ينبغي للمرء أن يضع في اعتباره وحسبانه الخبرة الموصوفة أعلاه في تشكيل النظام العالمي العالمي بعد الحربين العالميتين. فيرتبط الخيار الأول الذي يتم تنفيذه حاليًا بشكل أساسي، بتحدي روسيا والصين للغرب من داخل النظام الرأسمالي نفسه. أي أن روسيا والصين قبلتا عمومًا قواعد اللعبة العالمية المعمول بها وهما تكافحان للسيطرة على مجرى تنفيذها.
الخيار الثاني هو تشكيل بديل نظامي، أي نظام عالمي آخر له قواعد لعبة خاصة به. وتعد مشاريع تكامل دول ما بعد الاتحاد السوفيتي ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية نموذجًا أوليًا لمثل هذا البديل.

تحولات "التنمية المستدامة"
الدين والأيديولوجيا في نشأتهما كمشروعين لهما – كما للأواني المستطرقة - خاصية الاستبدال والتكامل. على هذا الأساس أطلق المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) مسيرة دمج العامل الديني المرتبطِ بتكوين "دين عالمي واحد". وكان قراره الرئيسي هو وضع المسيحية في ذيل ومجرى اليهودية من خلال الاعتراف بـ"أقدمية" الأخيرة وانتماء المسيح المخلص "بفضل رابطة الدم" إلى الشعب اليهودي (استبدال المثالي بالمادي: أي استبدال الروح المسيحية هنا بالعامل العرقي).
وقد ارتبط هذا الاتجاه بالمسيرة المسكونية écuménisme. ففي عام 1995، تم على أساس مؤسسة غورباتشوف الدولية، إنشاء منتدى تحت مسمى "حالة العالم"، وكان أهم أهدافه تنظيم الحوار بين الأديان. وفي عام 2001، تم التوقيع على الميثاق المسكوني الذي يوحد الكاثوليك والبروتستانت [3].
في الوقت الحاضر، تُبذل من خلال بطريركية القسطنطينية المسكونية محاولات لإشراك الكنائس الأرثوذكسية أيضا في هذا المسار الميثاقي. وفي المجال الأيديولوجي، تم أيضاً في الستينيات إطلاق عملية الاندماج في العولمة، مع إنشاء نادي روما، المتصل بالكرسي الرسولي وقيام الحركة المسكونية ورعاتها العائلات الأوليغارشية. وكان يتم تنفيذ "اللعبة" المشتركة من خلال بنك الفاتيكان. كما تم استخدام طريقة ضم البنوك "الكاثوليكية" إلى الشبكات المصرفية والتحالفات التي تسيطر عليها الأوليغارشية بمساعدة الرهبنات الكاثوليكية (المالطية، Opus Dei، إلخ).
وكان الاختيار لصالح موضوع البيئة والموضوعات "الخضراء" من قبل نادي روما لأن الغرب والشرق، خلال الحرب الباردة، لم يريا موضوعات مشتركة أخرى.
تم استثناء قضايا الأمن البيئي في البداية من النطاق العام لمشاكل الأمن القومي. بعد ذلك، وبواسطة التفسير "الواسع" لمفهوم الإيكولوجيا (علم البيئة)، جُعلت مثابة حقيقة مطلقة ووضعت فوق مسألة الأمن القومي وأي أمن آخر.
هكذا تشكل المفهوم الأيديولوجي الرئيسي التقاربي للعولمة – مفهوم "التنمية المستدامة". ولكن، في الواقع، وضع مدبجو المفهوم فيه محتوى الهيمنة الأيديولوجية للتنمية المصممة خصيصاً لمنع تآكل الهيمنة الغربية.
وقد دخلت العولمة في مرحلتها النشطة في سبعينيات القرن العشرين، وهو الأمر الذي ينعكس من خلال سلسلة من الأحداث التالية:
- 1971 - استبدال نظام بريتون وودز المعتمد على المعيار الذهبي بالنظام الجامايكي غير المربوط بالذهب؛
- 1972 - إنشاء المعهد الدولي لأبحاث النظم التطبيقية (IISA) في فيينا، معهد "التقارب" (convergence) بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي؛
- 1972 - إصدار أول تقرير لنادي روما بعنوان "حدود النمو"" (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا). وتصوغ الوثيقة وتحدد هدفين اثنين هما: الحد من السكان والحد من التنمية الصناعية (التي تم ترميزها الآن باسم "مكافحة الانبعاثات البشرية المنشإ")؛
- 1972-1973 - إنشاء اللجنة الثلاثية التي وحدت نخب أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان. وفي عام 1975، أوكلت اللجنة إلى هانتنغتون S. Huntingtonوكروازييه M. Croisier وواتانوكي Watanuki, J.إعداد تقرير حول "أزمة الديمقراطية"، نُشر على نطاق واسع في الغرب، وارتبط فيه الحفاظ على الرأسمالية بالنزعة التقليدية؛
- 1973-1974 - الاستبدال التدريجي في الولايات المتحدة للرئيس نيكسون ونائب الرئيس أغنيو اللذين كانا قد نجحا في انتخابات الرئاسة بعميلي الأوليغارشيا غير المنتخبين ج. فورد ون. روكفلر ؛
- 1975 - القانون الختامي لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا في هلسنكي، الذي وافق الاتحاد السوفيتي في نطاقه، مقابل "ضمان" ثبات حدود ما بعد الحرب العالمية الثانية، على الانخراط في "قضايا العولمة"؛
- 1975 - إنشاء مجموعة فانجارد Vanguard Group، وهي شركة أساسية لإدارة الأصول؛ وفي ظل هجوم الاحتكار الكامل الذي حصل، هذا النوع بالذات من "المستثمرين العالميين" هو الذي يتحكم في الاقتصاد العالمي.
ينبغي التذكير هنا بدراسة أجريت في مطلع أعوام 2000-2010. في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا (SHIPT)، تم فيها تحليل هيكلية وروابط 43 ألف بنك وشركة، ونتيجة لذلك تم تحديد مجموعة أساسية "واسعة" من 1,318 مؤسسة. وعثروا في داخلها على نواة "ضيقة" من 147 شركة مالية وصناعية رئيسية. وتشكل شركات إدارة الأصول، التي يقدر عددها الإجمالي في نطاق عشر إلى خمس عشرة شركة، النواة "الضيقة للغاية" للاقتصاد العالمي.
انخراط الاتحاد السوفياتي في قضايا العولمة تم بدعم مباشر من رئيس مجلس الوزراء ألكسي كوسيجين [4]. فأصبح الاتحاد السوفيتي أحد مؤسسي معهد فيينا لأبحاث النظم. وتم تأسيس فرع محلي له تحت اسم "معهد أبحاث النظم السوفياتي" – VNIISI وكذلك عدد من المعاهد ذات الصلة. وفي عام 1983، تم بأمر سري من يوري أندروبوف Yuriy Andropovإنشاء لجنة تابعة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي تعنى بالإصلاح الاقتصادي، ترأسها رئيس الوزراء نيقولاي تيخونوف ونائبه نيقولاي ريجكوف. وكانت القيادة الفعلية هي للاقتصاديَين شاتالين و د. غفيشياني. وضمت اللجنة مجموعة من "إصلاحيي" الغد الآتي، وبينهم يغور غيدار (رئيس حكومة "صبية شيكاغو"، أول حكومة روسية إثر تسلم يلتسين السلطة بعد فرط عقد الاتحاد السوفياتي- م.ي.) وأناتولي تشوبايص (وزير بطاقات "الفاوتشر" والنصّاب الشهير- م.ي.) وآخرون.
ينظر الغرب إلى عملية المناخ على أنها طريقة للسيطرة على الموارد الطبيعية للبلدان النامية، وأداة لإجبارها على إلغاء التصنيع وشراء المنتجات الغربية "الخضراء" والتقنيات "الخضراء". ومن المتوقع أن تحقق الريادةَ التكنولوجية في إطار الرقمنة "الخضراء" والذكاء الاصطناعي.
هذا، في الواقع، هو جوهر مشروع " إعادة التعيين الكبرى" "The Great Reset". وتعد المشاركة في عملية المناخ، بالنسبة لروسيا والصين، أداة لتعزيز السيادة. لذلك، أعاد بوتين إلى جدول الأعمال طرح مسألة ربط الانبعاثات الصناعية بامتصاصها بواسطة البيئات الطبيعية. وأشار إلى تفوق غاز الميثان على غاز ثاني أكسيد الكربون في تكوين ظاهرة الاحتباس الحراري بما يقرب من 30 ضعفاً.
يترتب على ذلك أن مكافحة تغير المناخ يجب أن تتم من خلال معالجة الميثان، وليس الاحتيال والمساومة في شأن حصص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. فالمصدر الرئيسي للتنمية المنخفضة الكربون في خطاب بوتين كان اسمه الطاقة النووية، وليس مصادر الطاقة المتجددة المزعومة التي أثبتت في أوروبا الشتاء الماضي عدم جدواها [5]. بالإضافة إلى ذلك، أوضح شي جين بينغ آفاق النمو الأقصى للانبعاثات في الصين بحلول عام 2030 وتحقيق "الحياد الكربوني" بحلول عام 2060 لا قبل [6].

"التنمية المستدامة" و"التنمية العالمية"
تشمل شبكة مؤسسات "التنمية المستدامة" مجالين رئيسيين. الأول يدمج البيئة بالاقتصاد والمجال الاجتماعي. وتمثله مؤسسة الأمم المتحدة للمؤتمرات حول البيئة والتنمية. ويتم عقدها كل عشر سنوات.
الاتجاه الثاني يطبق موضوع التنمية المستدامةsustainable development على المجال السياسي أيضا. فيتم تنفيذ الانتقال من خلال مؤتمرات القمة حول أهداف التنمية العالمية، والتي عُقدت أول واحد منها، وهو المعروف باسم قمة الألفية، في عام 2000. فطرحت قمة عام 2000 الأهداف الإنمائية للألفية؛ وقامت قمة 2015 بتحديثها باعتماد أهداف التنمية المستدامة. وكان "الهدف" في كلتا الحالتين هو "الشراكة العالمية".
فبواسطتها يتم نقل المسألة إلى مفهوم "الدبلوماسية الوقائية"، وهي آلية للتسويات الداخلية "في ما بعد النزاع". إذ يتم إشعال النزاعات مبدئيًا أولاً ثم تدويلها لاحقاً، مما يضمن انتقال البلد المعني إلى سيطرة الغرب. وهذا يسمى عادة "بناء السلام" (peacebuilding). ولإدارته تستحدث هيئة خاصة داخل هيكلية الأمم المتحدة تسمى "لجنة بناء السلام" ( (PBC.
تمت الموافقة على المفاهيم الأساسية "للتنمية المستدامة" و "بناء السلام" في وثائق برنامج الأمم المتحدة ذات الصلة. وتهدف "التنمية المستدامة"، على النحو المنصوص عليه في تقرير لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحوكمة والتعاون العالميين "تجاورنا العالمي" (1995)، إلى إنشاء "مجتمع عالمي" لا تُمنح فيه الأمنَ والأمانَ الدولُ، بل "الكوكب والبشر."
إن هذا لآلية للتدخل الكامل الشامل في كل مكان؛ ويتم تنفيذها حتى الآن تحت شعارات حقوقية. أما الموارد إياها فيتم تحويلها إلى "مشاعات عالمية"، تدفع البلدان من أجل استخدامها "ضرائب عالمية" للأمم المتحدة [7].
لقد تم تسليط الضوء على أهداف بناء السلام peacebuilding في تقرير فريق الأمم المتحدة الرفيع المستوى المعنون "عالمٌ أكثر أمانًا - مسؤوليتنا المشتركة" (2004) [8]. وكلتا الوثيقتين لهما مكان مشترك. إنه خطط تكييف مجلس الأمن مع المبدأ الإقليمي، وهو المبدأ المحوري للعولمة.

المعارضة من جانب روسيا والصين
ترتبط خطة إعادة التعيين الكبرى لشواب المذكورة أعلاه ارتباطًا مباشرًا بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، أي بحلول عام 2030. هذا هو المكان الذي ترتبط فيه التنمية المستدامة sustainable development بالرقمنة digitalization.
في القلب من جميع الإنشاءات النظرية المتعلقة بـ "إعادة التعيين الكبرى" يوجد تحالف من ثلاث قوى "مسؤولة" عن تعزيز التغييرات العالمية - العامل الحكومي وقطاع الأعمال الخاص والمجتمع المدني. ومع ذلك، في هذا المزيج، يفسرون الأمور على طريقتهم ويكسبونها المغزى الذي يريدون. فعلى مستوى الأمم المتحدة، يتوحد قطاع الأعمال الخاص من خلال "ميثاق عالمي"، جوهره تسجيل البنوك والشركات في البلدان النامية ضمن شروط معينة مطروحة أصلا لتتطابق مع مستوى البلدان المتقدمة.
أما "المجتمع المدني العالمي"، فيُفهم أيضًا فهماً خاصاً محدداً – أي على أنه مجموع نخبته المنظمة التي تمثلها المنظمات غير التجارية والمنظمات غير الحكومية. وجميع الوثائق الرسمية المتعلقة بالتنمية المستدامة يعود تدبيجها لهذه المنظمات بالذات. وفي الوقت نفسه، تتميز العلاقة بين قطاع الأعمال الخاص والمنظمات غير الحكومية والحكومات باقتباس توضيحي من تقرير الأمم المتحدة "تجاورنا العالمي": "الحوكمة والتعاون عبارة عن مجموعة من الطرق العديدة التي يتصرف بها الأفراد من رجال دولة وقطاع خاص والمنظمات العامة والخاصة، شؤونهم المشتركة. وهذه عملية مستمرة لتهدئة وتدوير التناقضات في المصالح واختلافاتها من أجل تنفيذ الأعمال المشتركة. وتتضمن هذه العملية مجمل منظومة المؤسسات الرسمية المصممة لضمان الامتثال والموافقة وتثبيت الاتفاقات غير الرسمية القائمة بين الأفراد والمنظمات ”[9].
وهذا يعني أن دور الدول لم يعد ضمان أمنها، بل ضمان المصالح الخاصة لمجموعات معينة. علما أن "الاتفاقات غير الرسمية" التي "تلبي مصالح" "الأفراد والمنظمات" لا تعدو في الواقع كونها صفقات مافياوية. وليس إدراج "المؤسسات الرسمية" ضمنها إلا الفساد عينه.
كيف نفسر هذه الأحجية؟ ليس"الأفراد والمنظمات" أكثر من تعبير ملطف عن الأوليغارشية العالمية. بعبارة أخرى، يتم حشر الدول في "تحالف" مع مؤسسات الأعمال الخاصة والمنظمات غير الربحية لا كشركاء متساوين (وحتى أكثر من ذلك لا كموجِّهين للعولمة)، بل كموجَّهين مقادين.
تماشياً مع هذا المنطق، تم تشكيل مجلس الرأسمالية الشاملة في الفاتيكان Vatican Council on Inclusive Capitalism، الذي عُرض على الجمهور في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، والذي أعلن عن نفسه كـ"مقر الحركة العالمية". وهذا يدفع إلى التعامل مع مجلس هو بمثابة الحزب العالمي، أو بالأحرى مع لجنته المركزية. ويتضمن التسلسلُ الهرمي لبنية هذا الحزب أربعة مستويات.
"الطابق" الأعلى هو اليسوعي (الجزويتي) البابا فرانسيس.
"الطابق" الثاني في القائمة هو مستوى "الحرّاس guardians . وينتمي إلى الأوليغارشية التي تجسدها الشخصية الأيقونية لين دي روتشيلد. في هذه القائمة، يعود الدور الريادي إلى كبار رجال الأعمال وممثلي المنظمات غير الحكومية. لكن هنا لا يوجد تمثيل لمصالح الدول على الإطلاق. باختصار، هذا نوع من مكتب سياسي. تحته يأتي أعضاء "اللجنة المركزية" الذين يزِنون أقل.
وهناك فارق بسيط آخر مهم، يحاول أصحاب المشروع عدم تركيز الانتباه عليه: من بين المنظمات التي هي أعضاء في المجلس "الشامل" (inclusive) ما يسمى شبكة JLensوتعرّف عن نفسها كالآتي: "JLens التي تأسست في عام 2012، هي عبارة عن شبكة من المستثمرين تستكشف رأي اليهود في الاستثمار في ميدان النفوذ وهي بمثابة جسر بين الجالية اليهودية ومجالات الاستثمار المسؤول اجتماعيا (SRI) والمسؤولية الاجتماعية للشركات ((CSR. الاستثمار في النفوذ هو مصطلح جديد للتعبير عن مفهوم قديم حيث يتم توسيع رقعة القرارات الاستثمارية لتشمل القيم والأخلاق والرسالة. لكن هذا المجال تحول في السنوات الأخيرة إلى حركة عالمية مبنية على القيم، إذ أوجدت منتدى جديدًا جاذباً ومثيرًا لتطبيق الحكمة اليهودية. فتشرف شبكة JLens على إنفاذ وتطبيق القيم اليهودية لحماية مصالح الجاليات اليهودية سواء في الجهود الدعائية أو في استراتيجيات تكوين محفظة في حوالي ثلاثمائة من الشركات الأكثر نفوذا في الولايات المتحدة) . [10] (أبرز هذا الأمر مدبجو التقرير أنفسهم).
وهكذا، فإن تحالف الكاثوليكية مع اليهودية، المتشكل في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي على يد المجمع الفاتيكاني الثاني، يدفعه الآباء اليسوعيون (الجزويت) في اتجاه سيطرة الرساميل اليهودية على الشركات الرأسمالية الرئيسية.

أقنومان للعولمة الحديثة
إن ظهور المفهوم الجديد المسمى بـ"الحفل العالمي" (global concert) يدل خاصة على حقيقة أنه لا توجد كلمة واحدة فيه عن التنمية المستدامة sustainable development. ففي إشارة إلى ضعف الغرب، الذي عززه ظهور "اللاديمقراطيات"، ما يعني بوضوح موسكو وبكين، صرح رئيس مجلس العلاقات الأجنبية (Council on Foreign Relations -CFR) )) الدكتور ريتشارد هاس Dr. Richard Haass أن النظام العالمي الليبرالي "للديمقراطيات" أثبت أنه غير قادر على ضمان الاستقرار العالمي.
لذلك، هو يدعو الغرب إلى التصالح مع مسألة الاعتراف بالمساواة مع الخصوم المعارضين، ودعوتهم إلى تعزيز النظام العالمي القائم من خلال تشكيل مجموعة من ست دول كبرى ذات مسؤولية خاصة عن مصير العالم. وتضم القائمة الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وروسيا والولايات المتحدة. ويُقترح أن لا تكون في هذا الاتحاد عضوية رسمية. إذ يرى هاس في "الحفل" هيئة استشارية. والاتفاقات التي يتم التوصل إليها هناك، والمتجسدة في "التوصيات"، سيتم تنفيذها من قبل المؤسسات الرسمية. وفي الوقت نفسه، لا يصار إلى إلغاء "إعادة التعيين الكبرى"، فكأنما يتم تأجيلها وحسب.
لينشأ لدى المرء انطباع بأن "الحفل" إياه ليس بديلاً البتة عن شيء ما، بل هو فترة تحضيرية. وبمجرد أن يحل "الحفل" مهام تشتيت الانتباه وصرفه الموكلة إليه، فإن كل شيء في العولمة سيعود إلى مجاريه. تقولون: لماذاا؟
أولاً، يشير انتقاد هاس للأمم المتحدة بشكل لا لبس فيه إلى عمل "الحفل السداسي" المقترح على أساس تقويض النظام القائم برئاسة مجلس الأمن. وإذا أضفنا إلى هذا وعد بايدن بالدعوة إلى اجتماع "منتدى الديمقراطيات" من دون روسيا والصين، اتضح أن بلدينا في قوام "الستة" ستُعرض عليهما أجندة "منتدى تجريبي"، ستُعتبر مثابة أولوية مقارنة مع أجندة الأمم المتحدة.
وسيشمل الرفض نظام "العزلة الجماعية للتحريفيين" الذي ينص عليه هاس على وجه التحديد. والأهم من ذلك، أن الدور المركزي للأمم المتحدة، الذي تؤيده موسكو وبكين، سيُعتبر منتهياً في هذه المرحلة. إن خفض قيمة وأهمية الأمم المتحدة في إطار "الحفل" ضروري لتعزيز تقدم مشروع "إعادة التعيين الكبرى". ويحاول واضعو المشروع في طريقهم حل مشكلة أخرى ألا وهي إحلال "الستة" المقترحة محل اجتماع قادة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الذي اقترحه بوتين.
ثانيًا، إذا تم نُقل مركز الأحداث العالمية إلى "الستة" المذكورة، فإن ميزان القوى في العالم سيتغير جذريًا. في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الانقسام ثلاثة إلى اثنين لصالح الغرب. لكن حق النقض يُبطل هذه الأغلبية الدنيا. أما في "الستة" فسيكون هناك أربعة لصالحه مقابل اثنين وبدون حق النقض.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من "الأصوات" لصالح الغرب مع عضوين دائمين في مجلس الأمن - الولايات المتحدة وفرنسا. وإلى جانبهم تقف دولة أخرى هي بريطانيا، وكذلك ألمانيا. وفي نفس الوقت، سيغطي الغرب نفسه بطموحات ألمانيا واليابان والهند، المتحمسة للانضمام إلى مجلس الأمن، وسيبدأ في تسخين هذهخ الطموحات. ناهيك عن حقيقة أن الغرب، في إطار الدول الست، سوف يزرع التعارض في ما بين الصين الهند، الأمر الذي يقوض منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس.
ثالثًا، تم إعلان أولويات "الحفل" ألا وهي دعم الحدود القائمة والقمع العنيف للحق في تقرير المصير. لكن اعتماد هذه الأحكام سيلغي ميثاق الأمم المتحدة. في ظل هذه الظروف، يُحدِّد الوضع الراهن القسري حتمية تفكك روسيا، في حين أن الغرب، على العكس من ذلك، يحمي نفسه من ذلك.
رابعا، "الحفل" السيئ السمعة لم ينقذ بلادنا من تحالفات الغرب المنفردة في القرن التاسع عشر أيضا. وقد بلغت هذه المسارات ذروتها في حرب القرم، وكذلك في حروب الأفيون في الصين. فتوافق «الحفل» كان مقصوراً على شؤون الغرب وموجهاً ضد الشرق.
خامساً وأخيراً. بالنسبة لموقع المقر الرئيسي "للمحفل"، تم اقتراح عنوانين لهما تشابهات تاريخية محددة ومغزى معاصر: جنيف وسنغافورة، ويرتبطان ارتباطًا وثيقًا بعشيرة روتشيلد الأوليغارشية.
انطلاقا من كل هذا، من الممكن اشتقاق صيغة شرطية للتقسيم القسري للمشروع العالمي الواحد إلى مرحلتين. "الحفل" يساوي "إعادة التشغيل (التعيين)" مطروحًا منها التنمية المستدامة sustainable development.

استنتاجات
أولا . يشير ظهور مشروع Great Reset و Global Concert إلى محاولات تنشيط عمليات العولمة التي تهدف إلى إنهاء التاريخ ووقف التنمية. ويفترض تثبيت فصل الإنسان العاقل Homo sapiens إلى نوعين فرعيين مختلفين تثبيتاً تدريجياً على مراحل. فالطبقة العليا، أو النخبة المحصورة ببضع مئات من العائلات الأرستقراطية والأوليغارشية وممثلي العلم، تسعى جاهدة من أجل تطويل فترة وجودها المادي أكثر ما يمكن. أما تعداد الطبقة "الدنيا" فتريد تخفيضه جذرياً من خلال سلسلة من الأزمات والأوبئة والحروب وما إلى ذلك.
ويُنظر إلى العولمة على أنها أداة لفرض تآكل الدول وانهيارها وتفتيت (تفريق atomization) الهويات (الإتنية والعرقية والقومية والدينية إلخ – م.ي.) مع "تجميع" حطامها لاحقاً على أساس عالم شركات في مجتمع جديد من خلال التكامل الاقتصادي العام والشامل. ويُعتبر مثابة النموذج لهذه العمليات تقسيم العالم عبر الحدود إلى "مدينة عالمية" – كناية عن منظومة (شبكة) من التجمعات الحضريةmetropolitan areas المتصلة فيما بينها بوسائل اتصال حديثة و"قرية عالمية" – هي كناية عن منطقة بينهما، منغمسة في الفوضى والتخلف المريع. وبانتشار الفصل بين "المدينة" و"القرية"، تتعمق التناقضات، مما يؤدي إلى ظهور الصراع وتصاعده.
ثانيًا . إن مفهوم التنمية المستدامة sustainable development يعني بكلام آخر أيديولوجية وطريقة التحكم في التغيير العالمي في هذا الاتجاه، وهو يشكل الاتجاه المتمثل في وقف التنمية عن طريق الحد من التقدم الصناعي، المتخفي في زي مكافحة التلوث البيئي وتغير المناخ.
وقد وُضعت أهداف التنمية المستدامة (2015-2030)، وهي الإصدار الثاني من الأهداف الإنمائية للألفية (2000-2015)، في صلب التنفيذ العملي لبنود التنمية المستدامة. فـ"الأهداف" هي ملخص لـ"جدول أعمال" القرن الحادي والعشرين. وحتى عام 2030
للسيطرة على هذه العمليات، يتم استخدام البرامج المتخصصة ووكالات وصناديق الأمم المتحدة بنشاط. و"تدوبل" إدارةَ الأمانة العامة للأمم المتحدة إدارةُ المؤسسات الخاصة للتنمية المستدامة sustainable development - مؤتمرات الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية ومؤتمرات القمة العالمية للأمم المتحدة حول أهداف التنمية.
ثالثاً . في الوقت الحالي، يأتي التحدي الرئيسي لنظام الحكم العالمي هذا من التقارب السريع في ما بين روسيا والصين. فبواسطته يتشكل مجموع إمكانات في أوراسيا لتحقيق التوازن مع القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية للغرب الجماعي. والأساس الأيديولوجي لذلك هو النظرة البديلة لموسكو وبكين حول الحوكمة (الإدارة ) العالمية ككل.
ولتعزيزها، تستخدم روسيا والصين التفسير الحرفي لوثائق وأهداف التنمية المستدامة، الذي يترجمها إلى مستوى مصالح غالبية البشرية.
رابعاً . إن موقف روسيا والصين لا يناسب أبداً "أصحاب" مشروع التنمية المستدامة، الذين بدأوا، من أجل التغلب على "التحريفية" الروسية-الصينية، في تشكيل مؤسسات عالمية ذات ترتيب أعلى. وكانت أولى هذه المؤسسات التي ظهرت كجزء من التنفيذ العملي لمشروع "إعادة التعيين الكبرى" The Great Reset هي مجلس الرأسمالية الشاملة.
في هيكلية هذا المجلس تتحد مصالح الأوليغارشية وزعماء المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير التجارية الذين تغدق هذه الأوليغارشيا عليهم العطايا، بهدف تقويض الدول وسيادتها لصالح "السيادة الجماعية" العالمية. ويشير تمحور التركيبة التنظيمية الهرمية التي شكلها المجلس حول بابا روما إلى أن المجلس قد وُهِب معاني النشاط المسكوني. هذه المعاني تنبع من تحالف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مع المراكز الرئيسية لليهودية العالمية المعقود في ستينيات القرن الماضي.
وتفتقر النخب الغربية إلى القدرة على التغلب بشكل مباشر على معارضة روسيا والصين. ويؤدي هذا إلى تبني قرارات ملطفة تشمل مشروع "الحفل العالمي" المذكور أعلاه، والذي يخفي انتماءه إلى العولمة بالتظاهر بعدم الاكتراث بالتنمية المستدامة sustainable development. ويرتبط الجانب التكتيكي لهذا "التعرج" في مقاربة الموضوع بمحاولة إشراك موسكو وبكين مع إضعاف الدور المركزي للأمم المتحدة في الوقت نفسه.
خامساً . يبقى الشرط الأكثر أهمية الذي لا جدال فيه لمواجهة خطط العولمة بشكل فعال هو التعزيز الشامل للشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية. والأسس لذلك هي تعزيز دمج الإمكانات العسكرية للاتحاد الروسي بالقوة الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية.
وإن الدور الأهم هنا يعود إلى نظام القيم لدى روسيا والصين، والذي يختلف عنه لدى الغرب. وإسقاط هذه المزايا على المرحلة المعاصرة من تطور البشرية يسمح لنا بالأمل في وقف وهزيمة العولمة.

ملحوظات:
1 - - انظر: Pavlenko V.B. البوندستاغ الألماني في مجرى السيناريو "الوبائي" لمؤسسة روكفلر
2 - - Haass R., Kupchan Ch. The New Concert of Powers. How to Prevent Catastrophe and Promote Stability in a Multipolar World
3 – - الميثاق المسكوني
4 - - نادي روما. تاريخ إنشائه، تقارير وخطب مختارة، مواد رسمية. تحرير / إد. م. جفيشياني، أ. كولتشينا، إي في نيتيسوفا، أ. سيتوف. - م، 1997 ص 33. 
5- - أنظر: http://www.kremlin.ru/events/president/tran-script-s/65425
6 - - أنظر https://rg.ru/2021/04/24/borba-s-klimaticheskimi-izmeneniiami-trebuet-realnyh-dejstvij.html
7 - - جوارنا العالمي. تقرير KGUS.، موسكو، 1996 ص 86–87، 89، 229–230.
8 – - وثيقة الأمم المتحدة A/59/565 . الصفحات 40، 44، 74-75، 86-87
9 - - جوارنا العالمي. تقرير لجنة الحوكمة والتعاون العالميين. - م، 1996 م 19.
10- - راجع https://www.inclusivecapitalism.com/organization/jlens/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار