الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 19

علي دريوسي

2021 / 11 / 19
الادب والفن


من باب الاسترخاء والهطول في يم النوم بالدرجة الأولى وددت قراءة قصة جديدة في كتاب إيمان "والورد إذا تنفس". حقيقة أنا لست بذلك القارئ الدؤوب والمثابر ولا أقرأ فن القصة القصيرة إلا نادراً. أعترف بذلك ولا أخجل فأنا لست الوحيد الذي يعاني من عُسْر القراءة، معظمنا لديه هذه المشكلة، وخاصة حين يتفزلك الكاتب فتكون قراءة الكلمات ما بين السطور أكثر أهمية من قراءة الكلمات المتواجدة في السطور ذاتها. المهم أريد أن أقول أنني تذكرت حواراً جرى بيني وبين إيمان:
سألتها يومها من الذي سيقرأ هذا الهراء الذي تكتبينه؟ أليس أجدى أن تؤلفي أو تترجمي كتاباً طبياً؟
أجابتني بمرح: بالتأكيد لا ينتظر القرّاء أمام باب بيتي كي يتلقفوا ما أكتبه؟ ولا النقّاد ينتظرون إشارة مني كي يكتبوا عني؟ بالتأكيد لا ياصديقي، لا أحد يرغب بالكتابة عن أمثالي. لكن حين أكتب، أكتب بقصد شطب وظيفة من الوظائف المتراكمة في دفتر ملاحظاتي ومواعيدي، وحين أفكر بطباعة كتاب يكون هدفي إغلاق أحد أبواب الغرف المفتوحة في عقلي للبدء بفتح باب غرفة جديد. أخي راتب يعمل سائق تاكسي أجرة. سأرجوه أن يضع بضع نسخ من كتابي في السيارة. حين يصعد زبون سيكون لديه الفرصة للاطلاع على الكتاب وقد يُعجب به ويشتريه. وأخي سالم حلّاق سأرجوه أيضاً أن يفعل الشيء ذاته في صالون الحلاقة الذي يعمل فيه. إذا طبعت كتاباً وقرأه ألف شخص - حتى لو لم تُباع منه إلا نسخ قليلة، فاعلم حينها أن فكرتك قد وصلت وأن كتابك قد لاقى رواجاً معقولاً. ما رأيك بالفكرة؟ أن أكتب قصة خير لي ألف مرة من ترجمة كتاب علمي مجاناً. أرجو أن تعذرني، لعلك لن تفهمني الآن، لكنك ستفهمني لاحقاً.

القصة الثالثة أتت بعنوان "نهاية شلعوط ":
آخيراً تزوج صديقي السوري سمير الشلعوط. حضرت حفلة عرسه يوم السبت الماضي في مطعم جوناتان بوروفسكي وهنأته. كنت قد جلست مع صديقتي التونسية إلى طاولة مستديرة جلس إليها معارف عروسته الألمان.
تزوج سمير من بيرناديت، إمرأة ألمانية في مثل عمره، نحيلة، باردة، شعر رأسها خفيف، صفراء، صوتها بليد، باختصار إمرأة لا علاقة لها بالجاذبية. قبل أن يتعرَّف سمير إليها كان وطنياً حتى نقي العظم، كان ساقطاً في حب الرئيس حدَّ الأرق ـ أقصد هنا رئيسه في العمل، مدير مؤسسة المياه التي أرسلته في منحة دراسية. ينام ويصحو على ذكر اسم الرئيس والدعاء له بالخير والصحة والبقاء.
كان الآدمي سمير يحلم ليلاً نهاراً باليوم الذي سيتخرج فيه من الجامعة بصفة دكتور مهندس، كي يعود إلى الوطن بسرعة القطارات الحديثة قبل أن تفتك الرياح الشمالية بحديقته العذراء. في أوقات الفراغ كان يشرح لنا عن أحلامه في خدمة الوطن ورغبته الشديدة في تأدية الإلزامية العسكرية، وكيف سيضع نفسه تحت تصرف الرئيس إلى أن توافيه المنية. فجأة تسمعه وقد اغرورقت عيناه بالدموع يُقسم بشرف أبيه وهو يقول: سأعمل المستحيل كي أدعو الرئيس لحضور زفافي على إمرأة شريفة مثلي ومن وطني الذي أعشق ترابه.
تغيّر الدرويش سمير كلياً حالما تعرَّف إلى بيرناديت مصادفة في مطبخ السكن الطلابي. صار متقلباً كالحرباء، أخذ مع الأيام ينتقد النظام ـ أقصد هنا نظام إدارة مؤسسة المياه ـ بل بات يتجرّأ على انتقاد الرئيس ـ رئيسه في العمل. حين اِلتقاها كانت بيرناديت هذه كئيبة، خرجت لتوّها من علاقة عاطفية فاشلة لم تعمّر طويلاً، وكانت تبحث عن حب جديد تُغيظ به صديقها الألماني الذي رماها بعد أن اختبرها ووجد بديلاً لها، ومع هذا بقيت صديقة وفية له.
حين بدأنا ـ في وقت متأخر من الليل ـ ننهض لتقديم هدايانا للعروسين وأخذ الصور التذكارية معهما، لفت نظري شخص طويل نحيل بعيون خضراء، راح الرجل الأنيق هذا يقبّل بيرناديت زوجة صديقي على وجنتيها، ثم وهو يقفل لها السلسلة الفضية ـ هديته لها ـ حول عنقها رسم على شفتيها قبلة وداع.
وحين جاء دوري للمباركة سألت صديقي باللغة العربية عمن يكون الرجل الطويل أنيق الملابس، وقبل أن يصلني جوابه أردفت: عزيزي سمير، لا تقل لي أنك فعلتها حقاً ودعوت الرئيس ـ أقصد رئيسك في مؤسسة المياه ـ لحضور حفل زفافك!؟
أجابني سمير بصوت مرتجف: لا لا ليس هذا هو الرئيس، بل كلاوس، عشيق زوجتي السابق!
أغلقت الكتاب مع نهاية القصة ودخلت في عالم النوم والحلم.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه