الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبّع و التطبيع (4)

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2021 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


من البديهي أن هناك فروقا جوهرية بين " تطبيع " العلاقات بين الدولة المصرية و الدولة الصهيونية في سنة 1978 من جهة و بين هذه الأخيرة و منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1993 من جهة ثانية ، ليس لأن خمسة عشرة سنة تفصل بين الإتفاقيتين و لكن لانه لولم تُوقّع الأولى لمَ وُقِّعت الثانية ، فهذه كانت ضرورية ولازمة لكسر جميع المغاليق بالقوة ، تدشينا لمرحلة " التطبيع " التي تكشف بعض تجلياتها بين الفينة و الفينة ، عن نوعيتها الأساسية بما هي رزمة من الإجراءات أو بروتوكول غايته في الواقع فرض الطاعة و الإنقياد على الآخر و ليس إحلال علاقات طبيعية معه من خلال إطلاق سيرورة تفتح المجال امام تبادل منطقي عقلاني حضاري .

لا نجازف بالقول في هذا السياق أن في ما يخص مصر فإن " التطبيع " يتعلق بالعلاقات بين الدولتين حصريا ، و لا يعني المصريين ، مهما يكن فإن الإتفاقية لم تعرض عليهم في استفتاء عام في و قت من الأوقات .و أظن في السياق نفسه أن اتفاقية أوسلو تتضمن قيودا كثيرة تضاعف من ضغوط الإحتلال على الفلسطينيين و تضيّق عليهم الخناق . بكلام آخر لا تؤسس هاتان الاتفاقيتان لعلاقات طبيعية ،فهما تبقيان تحت الرماد جذوة الصراع ضد المشروع الغربي الاستعماري الصهيوني ، كون الإحتلال ليس طبيعيا ، أو بالأحرى لا يستقر العيش السوِّي ما لم ينته الاحتلال أو يزول الذين ينوءون بحمله .

تحسن الإشارة هنا إلى أن السلطة الحاكمة فضلا عن نظام الدولة نفسه ، لا يمثلان بالضرورة أكثرية الناس ، أو قل أن التمثيلَ ليس دائما على الإطلاق ، و أن القدرة على النطق باسم الآخرين تتأثر بظروف و عوامل كثيرة و لكنها متغيرة و متبدلة . نذكر منها في المدى المنظور ، الضمانات المؤقتة و الإستجابة للرغبات الآنية و استغلال الإنتهازية و الانحطاط الأخلاقي و العصبيات الهوياتية و المعتقدات الغيبية ، الى غير ذلك من المنافع و المفاسد التي لا يكاد أن يخلو منها مجتمع في بلدان العام بوجه عام و المجتمعات في بلدان العرب على وجه الخصوص . فيجوز بالتالي الإفتراض بأن أهل السلطة في الدولة العربية ، سواء الذين تصالحوا مع القيادة الصهيونية والذين يسلكون نهج الصلح معها ، لا يبتغون في الحقيقة خدمة شعوبهم في الراهن و في المستقبل ، و إنما يفعلون ذلك انصياعا و خوفا على مواقعهم و على أنفسهم من رعاة المشروع الغربي الإستعماري ، ظنا منهم أن حظوظهم أوفر من خلال المساومات و التنازلات على عكس السير في طريق بناء المجتمع القومي و التصميم الجاد على التحرر من الاستعمار .

مهما يكن فمن من نافلة القول أنه ليس منطقيا أن نقارب مسألة " تطبيع " العلاقات بين الدولة الصهيونية من ناحية و بعض دول العرب من ناحية ثانية دون أن نأخد بعين الإعتبار ظلال فروق تتحكَّم في هذه الأخيرة في صياغة المواقف و تحديد السياسات الديبلوماسية ، أضف إلى أختلاف نوعية العلاقة بين الحاكم و المحكوم من كيان إلى آخر نتيجة لتباين في الثقافة و البيئة . فلاشك في أن " التطبيع " بين دولة خليجية شاركت في حروب" الربيع العربي " و بين اسرائيل التي شاركت فيها أيضا ، ليس له نفس الصدى و المدلول "للتطبيع " بين اسرئيل و مصر أو منظمة التحرير الفلسطينية ، بما تمثل كل منهما حدا أقصى من حدود قضية التحرر القومي العربي .

و لا بد في هذا السياق ، أن نشير أيضا إلى الدول العربية التي أدرج على الأٍرجح أحتلالها وتدميرها و إنزال العذابات بأهلها ، إلى جانب تقسيمها جغرافيا و إثنيا و طائفيا ، في إطار إعادة رسم الخرائط ، كمرحلة من المراحل المقررة في المشروع الغربي الإستعماري تمهيدا لمحو جميع مصادر المقاومة ، بالقوة ، لاعتراض تنفيده . ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان