الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من غرس بذرة انعدام المساواة بين البشر؟

شهد السويدي
باحثة و كاتبة

(Shahad Al-suwaidi)

2021 / 11 / 20
حقوق الانسان


لسوء الحظ ليس لدينا الات زمنية للسفر الى الوراء والوصول الى النقطة الزمنية قبل بداية الثورة الزراعية ؛ لكن هذا لا يعني اننا لا نستطيع الحصول على صورة دقيقة للفرق بين الحياة الزراعية والصيد .
فالصيد وجمع الثمار هو الاستراتيجية التي كانت متبعة لتغذية المجتمعات الانسانية منذ حوالي 1.8مليون سنة مضت منذ ظهور الانسان المنتصب “homo erectus"
وكذلك قام الانسان العاقل منذ حوالي 0.2 مليون سنة باتباع نفس استراتيجية اسلافه
فعلى الرغم مما ننعم به اليوم من متاجر البقالة بشتى انواع الفواكه والخضار الندية و اللحوم الطازجة والمجمدة
الا ان الباحثين في الوقت الحالي يؤكدون ان اتخاذ قرار الزراعة كان احد اسوأ القرارات التي اتخذتها البشرية على الاطلاق ضمن فترة وجودها على سطح الكوكب
قبل الزراعة كانت حياتنا نصطاد ونجمع مستمتعين بنظام غذائي متنوع استغرق القليل من العمل المذهل مقارنة بالمشاق التي تعرضنا لها منذ اكتشافنا للزراعة
ان حدوث الثورة الزراعية ادى الى اكتظاظ البشر والحيوانات الاليفة معتمدين على نظام غذائي غير متنوع وغني بالحبوب التي ادت الى مجموعة مشكلات صحية لا نزال نعاني من تبعاتها حتى يومنا الحالي اي بعد 12000 سنة من خلال محاولاتنا باستبدال الحبوب ( التراث الغذائي للمجتمع الزراعي ) بالانظمة الغذائية المعتمدة على اللحوم والدهون الحيوانية بالدرجة الاساسية
فهل يا ترى نحن نحاول ان نعود الى الماضي بطريقة او باخرى ؟
هل الماضي كان افضل من الحاضر؟
من خلال فحص الهياكل العظمية للمزارعين الاوائل والصيادين في نهاية حقبة الصيد وجد اننا فقدنا حوالي خمس بوصات من الارتفاع والتي استعدناها فقط في القرن العشرين
كما ان هذه العظام ( للمزارعين ) اظهرت علامات اكبر للامراض فبالتالي كان عمرهم اقصر من عمر الصيادين
من باب اخر لولا الثورة الزراعية لما وجد المجتمع الحديث ابدا فبالتالي نجد ان الحجة المعتمدة ضد الثورة الزراعية هي حجة سخيفة في ظاهر الامر
بشكل واضح..فاسلوب الحياة المعتمد على الصيد والقطف هو قاسي جدا مقارنة مع توفره رفاهية الحياة الحديثة
اذا ما هي كلفة الانتقال الى الزراعة ؟
يرى الباحثين ان اول تكلفة دفعها الانسان عند تبنيه المجتمع الزراعي هي التخلي عن المساوة بين الصيادين والجامعين فقد تخلينا عن شئ لم نسترده حتى هذه اللحظة
يمكن ان نجد ذلك في شعب الكونغ في صحراء كالاهاري المقفرة ( على الرغم من محاولة المجتمع الحديث فرض قيوده العصرية وتدجينهم ) حيث يظهر الشعب المسالم المساواة الجنسية الغير متوقعة بالضرورة لقبيلة بدوية فبينما يميل الرجال لصيد الفرائس تقوم النساء بجمع الثمار كالفواكه والمكسرات والبيض وغيرها كما يمكن ملاحظة هذا ايضا لدى شعوب البوشمن فيتم تقاسم الموارد بالتساوي حيث ان مفهوم الملكية لديهم يكون من خلال شكل الارتباط بالمكان او الشئ بدلا من امتلاكه فيتم تقاسم الطعام بين جميع افراد القبيلة بالتساوي بعد صيده او جمعه وفي بعض الاحيان يقوم الزعيم او الفرد الاكبر سنا باخذ دور المسؤول عن توزيع الطعام لكنه ياخذ نفس القدر الذي يحصل عليه اعضاء القبيلة الاخرين ومن يحاول من افراد القبيلة فرض هيمنته او انشاء منصب قيادي يتعرض للسخرية والنبذ من الجميع وكذلك الحال كان لدى مجتمع الصيد القديم
ان صفات المساواة هذه تم محوها في المجتمعات الزراعية المبكرة ( نهاية العصر الميزوليتي)
ان الميزة الكبرى التي تفوقت بها الزراعة على الصيد والجمع هي انها تمكن من انتاج فائض من الغذاء لكن كلنا نعلم ان الزراعة متقلبة وتعتمد على الطقس فاذا كان الطقس سئ او النباتات مريضة يتحول الصيادون الجامعون الى مصدر غذائي اخر بينما لا يمكن القيام بذلك في المجتمعات الزراعية التي تعتمد على مجموعة صغيرة من المحاصيل الزراعية المنتجة ومثال ذلك مجاعة البطاطس الايرلندية في العهد الفكتوري
بالتالي ادت الفوائض الغذائية للمجتمعات الزراعية الى التخلي عن الضرورة والبحث عن الرغبة من اجل السيطرة عليها فيعلن بذلك الجين الاناني لطبيعتنا البشرية نصره مرة اخرى
مما ادى الى البحث عن ادوار العمل لكل جنس ( الجندرية ) فقام الرجال باعمال الحراثة والزراعة كبديل لما كانوا يقومون به من صيد
وانحسرت مهمة الانثى بتربية الاطفال والعمل المنزلي فكانت هذه بداية اعلان الانثى كمواطن من الدرجة الثانية واصبحت النساء تنجب طفلا كل عامين بعد ان كانت في مجتمع الصيد والجمع تنجب طفل واحد كل ٤ اعوام..
ان فائض الطعام بعد التحول للمجتمع الزراعي هو العامل الرئيسي والمباشر لنشوء التسلسل الهرمي وتقسيم المجتمع الى ادوار ضمن مسرحية الحياة الزراعية فتم اختراع ادوار المسؤول والجندي والكاهن والخادم ؛ كان للجندي اهمية كبيرة لان الزراعة كانت غير مستدامة مقارنة بالصيد والجمع فادى تقلب الزراعة الى تشجيع الهجرة الى الاراضي المجاورة بحثا عن المزيد من الموارد والحرب معهم .. فكان القبض على العبيد مهما جدا لان الزراعة عملية شاقة. فبدا الناس يتاقلمون مع الادوار المسرحية الجديدة
ان هذا التقسيم في العمل وعدم المساواة الاجتماعية له عواقب وخيمة للغاية فعلى سبيل المثال في حين ان غالبية الناس كانوا يعانون من صحة كارثية مقارنة باسلافهم من الصيادين الجامعين فالهياكل العظمية للعائلة الميسينية تتمتع باسنان افضل واطول بثلاثة بوصات من رعايهم ..
على الرغم من ان نوعية حياتنا تحسنت بشكل ملحوظ الا ان درجة عدم المساواة لم تتحسن ابدا في مجتمعاتنا.
يمكن نقض الحجة القائلة بان مجتمعات الصيد والجمع كانت افضل وذلك من خلال اخذ جولة في احد الاسواق المحلية ( السوبر ماركت ) ولكن قد تقرا هذه السطور وانت تعيش في احد اكثر الاماكن ثراء في العالم بينما هناك الكثير من ابناء جنسك يعيشون في ظروف قاسية بشكل لا يصدق على الرغم من ارتفاع الثروات التي يملكها الجنس البشري
لنضع على سبيل المثال ما اعطته اخر الدراسات عن التباين في العمر بين اليابانين والسيراليون في غرب افريقيا 83.7 مقابل 50.1 اي ان الفجوة حوالي اربعين بالمية

ونفس الكلام ينطبق على عصرنا الحديث من التسليم للاستغلال الراسمالي وجعل الانسان (شئ ما) حسب ما تقتضيه مصالحهم الاقتصادية فاذا احتاج اصحاب المال لشئ يسمى ( المهندس مثلا) من اجل انعاش منظوماتهم الربحية نجد التسويق الاعلاني القوي للسيطرة على عقلية الجمهور بتبجيل المهندس او ذكر اهميته او مجرد اعلان نراه عابر وبلا معنى او تحريض ولكن المعنى كما يقال في قلب الشاعر فعقلنا الباطن هو الذي سيستقبل كل هذه الامور قبل ادراكنا لها
وعند اختيار الدراسة الجامعية لمجال ما ( التي اجدها في اغلب الاحيان مجرد خدعة لاستعباد البشر بطريقة علمية وبالتاكيد فلا ينفع اليوم اساليب البارحة كأن ياتي لنا الجنود ليسوقونا للحقل من اجل ان نحرث لصاحب المال ) نجدنا نضع اختيارات لا نعرف عنها شئ وليس لنا اطلاع بها ولكن حسب ما تم برمجة عقولنا عليه من بروباغندا ممنهجة لأحداث لهدف المنشود؛ قاتلين بذلك كل الطموحات التي يمكن ان تزهر فينا
بجعلنا مشروع تم تدجينه منذ الطفولة على ايدي المسوقين فلا نستطيع اكتشاف انفسنا حتى آخر لحظات حياتنا
ويصبح اله المال ( هو العبد والمعبود والمعبد ) كما قال الشاعر احمد درويش
هل هذا يعني اننا يجب ان نرجع الى الادغال ونتخلى عن الممتلكات المادية والعيش في المجتمع المتمدن؟
بالطبع لا..
لكن لا بد من تسليط الضوء على انعدام المساواة لانها ليست طبيعية على الرغم من انها الحالة التي نعيش في ظلها منذ اختراع الزراعة منذ ١٢٠٠٠ سنة لا بد لي من الاعتراف بأنه مشوار يصعب السير فيه ولكن لابد لنا من السير على درب الالام هذا من اجل احداث ازاحة كبرى في التسلسل الهرمي جاعلين ذاتنا المغموره بسياق عمره الاف من السنين تنفصل لتتصل بسياق طازج لتكون اثاره عظيمة على البشرية جمعاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط