الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس مأسسة مكافحة الفساد

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 11 / 22
الفساد الإداري والمالي


عند تريد الحكومات تطبيق مكافحة فعالة للفساد فإنها تلجأ إلى مأسسة مكافحة الفساد التي تكفل الاستدامة والاستمرارية من خلال إتباع الأسس التالية :

1- التشخيص مهم - ولكنه ليس إلاّ الخطوة الأولى فقط في علاج الفساد . الفساد ظاهرة معقدة لا ينفع لمعالجتها إتباع مناهج تبسيطية، بل على العكس، يخشى منها أن تفاقم الأمور سوءا. إن الوسيلة الوحيدة لخفض الفساد، هي العمل بثبات وحزم من أجل تدعيم جميع العناصر الأساسية لنظام النزاهة على المستويين السياسي والإداري، وفي كل من القطاعين العام والخاص. ولتحقيق ذلك، ينبغي اتخاذ تدابير وقائية وقمعية على حد سواء. يستلزم بناء نظام نزاهة قوي، بذل جهد سياسي وتقني هام مستدام على مر الزمن.

2- الجهود التي تتطلبها مكافحة الفساد متعددة الأوجه. تعترف جميع المعاهدات الدولية الرئيسية بتعدد أبعاد هذه الظاهرة. وما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 إلا خير مثال على تنوع الجوانب والمجالات التي ينبغي العناية بها لكي تكون الجهود المبذولة لمكافحة الفساد ذات مصداقية وقابلة للتطبيق برمتها. تلحظ الاتفاقيتان الجنائية والمدنية اللتان وضعهما مجلس أوروبا ضد الفساد. لذلك، فإن مؤسسة بمفردها من غير المرجح أن تتمكن من معالجة جميع الجوانب التي تحتاج إلى معالجة بفعالية، حتى لو وضعت جميع قواها أو معظمها في هذه المعركة.

3- قد يعرّض تركيز جميع الجهود المبذولة مكافحة الفساد في مؤسسة واحدة )خاصة إذا كانت جديدة(، للخطر جهود مكافحة الفساد، ويسهّل الاستيلاء غير المشروع على مسار مكافحة الفساد نفسه. وعلى العكس، قد يفيد تعدد المؤسسات الموزّعة في عدة مجالات )البرلمان والحكومة والقضاء والإدارة العامة والحكومات المحلية( في المساهمة بشكل أفضل في جهود مكافحة الفساد ككل، شرط أن تعمل جميعا في الإطار المؤسسي الملائم، وأن تتوفرّ الموارد والشبكات اللازمة.

4- لقد أصبح الالتزام بالنزاهة في جميع أنحاء العالم، مسألة جوهرية للغاية لمن يشغلون وظائف الخدمة المدنية، وعنصرا حاسما بالنسبة للناخبين عند المقارنة بين المرشحين للمناصب المنتخبة أو الحكومية. يتم تشجيع النزاهة في الوقت الراهن من خلال مجموعة واسعة من الوسائل، بما في ذلك، اعتماد مدونات للقادة، ومدونات سلوك، والإعلان عن الأصول الشخصية، ورصد الأصول الشخصية والتدريب والتثقيف، والشفافية في الإدارة والسياسة العامة، والمساءلة الشخصية.

5- أدى إدراك أن المؤسسات مترابطة، وأن الإصلاحات غالبا ما تحتاج للتنسيق، إلى إعادة النظر بمبدأ المؤسسة المنفصلة ، وبقائمة المؤسسات المدرجة عادة في استراتيجيات مكافحة الفساد. وعلى الرغم من أن التركيز يبقى مسلطا على العناصر الرئيسية في الإدارة العامة، مثل الهيئات المالية والرقابية، والنظام القضائي، وأجهزة إنفاذ قانون العقوبات وغيرها من أجهزة العدالة الجنائية، وكذلك الهيئات ذات الصلة بالتوظيف في الخدمة العامة والمشتريات من السلع والخدمات، فإنه ينبغي أيضا ضم مؤسسات حكومية أخرى ومؤسسات المجتمع المدني. وبذلك، يمكن نعت النهج المنتظم لمكافحة الفساد بالنظامي.

6- المجموعات الرئيسية في القطاع العام التي يجب عادة ضمّها إلى هذه الاستراتيجيات النظامية هي البرلمانات، والحكومات، والإدارات العامة على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية، والقضاء والمؤسسات الداعمة له، المؤسسات الرقابية الرئيسية مثل مدققي الحسابات أو المفتشين، وكالات إنفاذ القانون وغيرها من هيئات نظام العدالة . وينبغي، لكي تكون أي إستراتيجية بهذا الصدد ذات مصداقية، ضم أيضا حكومات الحكم الذاتي المحلية، وتمويل الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية.

7- تدلّ الخبرة الدولية في جميع أنحاء العالم أن المؤسسات الرقابية المركزية حققت بعض النجاح فقط في البلدان ذات الإدارة الرشيدة عموما. ومع ذلك، في معظم بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، لا تقتصر جهود مكافحة الفساد وتنفيذ السياسات الداعمة للنزاهة على وكالة أو مؤسسة واحدة، بل هناك عدد من المؤسسات والآليات التي تضطلع بمسؤوليات وأدوار مختلفة، مع القدرة عادة على مراقبة الواحدة الأخرى، ونسج الشبكات في نفس الوقت. أما في بيئات الإدارة الضعيفة، فقد تم إنشاء هيئات مكافحة الفساد بسبب الضغوط الخارجية بصفة عامة . لكنها تفتقد غالبا للمصداقية، بل وربما تبتز الفوائد لنفسها. غالبا ما تم التأكد من ارتباطها بمصالح خاصة سواء مشروعة أو غير مشروعة أو كليهما. في الواقع، أتثبت عدم فعاليتها بشكل عام.

8- اتضح أن هيئات مكافحة الفساد غير المنغرسة في الإطار المؤسسي السياسي والإداري الأوسع، قد تصبح السبب الرئيسي للفشل. والدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من هذه الإخفاقات، هو ضرورة إعطاء الأولوية للتركيز على جهود الإصلاح التي تدعّم جميع نظم الحكم الديمقراطي المختلفة في البلاد. من المرجح أن تفشل أي مؤسسة متخصصة إن أهملت هذه الأعمال التحضيرية الخاصة بمكونات الإدارة الأساسية. تحدّد الإرادة السياسية ملامح دور الحكومة في منع ومكافحة الفساد، لاسيما رئيس أو حكومة منتخبان ديمقراطيا مع وجود إرادة سياسية حازمة . علاوة على ذلك، فإن الإرادة السياسية أمر حاسم لتنفيذ ومراجعة التشريعات القائمة على نحو فاعل، ومن أجل اقتراح التعديلات اللازمة لملء الفجوات والثغرات. والالتزام السياسي أمر حيوي لإصلاح نظم الإدارة الرشيدة ووضعها على الطريق الصحيح.

9- التعاون الدولي مهم، شرط ألاّ تفرض المنظمات الدولية أو أطر التعاون الثنائي أي حلول مؤسسية أو تنظيمية معينة. ينبغي أن ييكون الحوار السياسي مبنيا أساسا على مبادئ أن يترك الإدارة الرشيدة التي ينبغي تعزيزها وضمانها، وعلى النتائج التي يجب تحقيقها، بدلا من التركيز على السبل والوسائل لتحقيق هذه الأهداف. إنه أمر بالغ الأهمية لتجنب رفض النماذج الثقافية المفروضة من الخارج، والتي غالبا ما يتم تقديمها على أساس أنها تصحّ في كل مكان، على الرغم من أنها انبثقت من ظروف تاريخية وسياسية محددة.

إن مأسسة مكافحة الفساد يستهدف الاستثمار في الأجيال القادمة ويؤسس لثقافة راسخة في علوم النزاهة والمصداقية والسلوك القويم اليوم وغدا وإلى يوم يبعثون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت