الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع مع سوريا: طابخ السم ذائقه

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2021 / 11 / 22
السياسة والعلاقات الدولية



من مفارقات القدر وسخرياته المرّة والكبرى، أن تحطّ، قبل فينة، طائرة أكبر مسؤول عربي تقود بلاده قاطرة التطبيع وإعادة العلاقات مع ما تسمى إسرائيل، وأقامت لذلك علاقات كاملة وتبادل سفراء مع إسرائيل، (وتنويهاً كانت ذات الدولة قد منحت، مؤخراً، جنسيتها وجوازها "الذهبي" لخمسة آلاف مواطن إسرائيلي في وقت تضنّ فيه، كغيرها من الشقيقات، ورجاء ممنوع الضحك، على السوري البسيط العادي بفيزا عمل، والتي لا تحصل إلا بإجراءات دونها خرط القتاد، وتوصد هذه الدولة "الشقيقة" أبوابها بوجه فقراء لاجئين)، ويـُستقبل هذا المسؤول استقبالاً رسمياً بروتوكوليا ودبلوماسياً عالياً، ويحتفى به بمراسم رئاسية، وذلك على مبعدة أمتار قليلة، فقط، مما يسمى بـ"مكتب مقاطعة إسرائيل"، دون أن تسمع ولو "نحنحة" بسيطة وسعالاً أو مجرد "خشخشة"، في أرجاء وردهات المكتب الشهير أو أحد منابر ومعابد المقاومة الشهيرة وأبواقها الكثيرة، مقارنة بزمن صهيل مضى، كانت تصب فيه حمم ذات الأبواق، على ناشط أو كاتب مسكين يبدي رأياً "مرناً" بالصراع مع إسرائيل.
وقد يبدو من باب التصادف المحض، فقط، أنه كانت قد جرت قبل أيام من هذه الواقعة، اتصالات أخرى، وعلى مستويات عالية، أيضاً، بين سوريا، وبين دولة جارة، وشقيقة، كانت ذات يوم دولة "طوق" و "مواجهة" لكنها باتت تقيم، ومنذ عقود خلت، علاقات دبلوماسية ثابتة وراسخة مع "الكيان" الإسرائيلي.
ولقد زعمت سوريا ولوقت طويل أنها تقود جبهة الرفض والمقاومة ومناهضة التطبيع ضد ما يسمونه هنا رسمياً، بـ"الكيان الإسرائيلي"، ومـُنحت دمشق كمتزعمة لجبهة الصمود والتصدي ومقاومة الإمبريالية والصهيونية العالمية شرف استضافة وزعامة مناهضة التطبيع وكانت الأعلى صوتاً بين الجميع، بمناهضة التطبيع، واختارت جامعة الدول العربية، أيام "النطوطة" و"الصهيل" القومي العربي، سوريا كمقر رسمي معتمد لـ"مكتب مقاطعة إسرائيل"، الذي لا يزال شامخاً في "عرين العروبة" (دمشق أي عاصمة الاحتلال العربي والإسلامي الذي يحتفي به القوميون ويـُعلون كثيراً من شأن هذا الاحتلال والغزو ويسمونه بالفتوحات)، ويراقب، وعلى أساس، كل ما تسمى عمليات وحركة التطبيع ويدوّن، كعريف الصف الغليظ، أسماء المطبـّعين مع الكيان الإسرائيلي، ويصدر القرارات والفرمانات والمواقف ضدّهم وضد كل من له علاقات مع إسرائيل.
وحقيقة، كان، موضوع التطبيع مع إسرائيل أمراً إشكالياً شائكاً، ومسبباً لحالة استقطاب حادة بين العرب والمستعربين، بين مطبع ومناهض للتطبيع، بين طالب ورافض له، وأدى لنشوء حفلات تخوين كبرى، بين فصائل وقبائل وشرائح متعددة من العرب والمستعربين على حد سواء، أدت لحالات قطيعة ومعارك إعلامية طاحنة واتهامات بين الفريقين، وأصبح التطبيع بنظر كثيرين عبارة عن خيانة عظمى حقيقية، تستوجب كل أشكال الحساب والعقاب والمساءلة والرد القانوني.
ودارت الأيام، ومرّت الأيام، على قولة أم كلثوم، وبعد أن تعددت "القضايا العربية المركزية" وبعد مخاض الربيع العربي، وطرد سوريا من "وكر الجواسيس" (حسب الخطاب المقاوم)، ينقسم العرب والمستعربون، اليوم، كما انقسموا، ذات يوم، حول حول قضية التطبيع مع إسرائيل، لتصبح القضية هي "التطبيع مع سوريا" بذات الحساسية والأهمية والحدية، التي كانت ترفع، ذات يوم، ضد المطبعين مع إسرائيل وتأخذ أبعاداً ومواقف عربية، وإقليمية، ودولية متباينة حيالها، لدرجة ربما صار معها، لدى البعض، هناك حاجة لإنشاء "مكتب مقاطعة سوريا"، تماماً كمكتب مقاطعة إسرائيل في دمشق، الذي يخيـّم عليه، اليوم، صمت مهيب، وباتت تصفر الرياح الصفراء صـَفـْراً فيه.
يا سبحان مغير الأحوال، ومن باب العظة والتأمل "الكارمي"، لقد بات السوريون، أصحاب الطرب القومي الأصيل، والذين كان يوزّعون شهادات الشرف والوطنية و"المئيويمي" والنضال القومي ومناهضة التطبيع على الآخرين، بحاجة لشهادات حسن سلوك، وتستجدي علاقة مع هذا، وزيارة من ذاك، وتتفاخر وتتباهى باتصال من هناك، وبلمحة ود من أهيناك، وتتوسل ووتسول الشهادات وتصاريح مرور وعبور من نفس هؤلاء الآخرين "المشبوهين"، والمطبـّعين...
رحم الله جدتي التي كانت تقول: "المثل ما ترك شيئاً وما قاله"، وأستذكر المثل هنا إذ يقول: "طابخ السم ذائقه"، وكما جاء كتب التراث السوري القديم: "كما تـُدين تـُدان، وستكال بذات الكيل الذي كنت فيه للآخرين تكيل"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظة صغيرة
عبد الفادي ( 2021 / 11 / 22 - 23:28 )
كعادتك استاذ نضال متألق دائما في كتاباتك ، ملاحظة صغيرة اود ان انوه فيها أن المثل الذي ضربته حضرتك في آخر سطر من مقالتك ليس من التراث السوري القديم ، ارجو ان تعيد التدقق في عائديته مع الشكر والأحترام


2 - عبد الفادي
نضال نعيسة ( 2021 / 11 / 23 - 07:40 )
أعلم يا صديقي العزيز هو من الكتاب المقدس...والكتاب المقدس من التراث الفكري والثقافي والقيمي لسوريا....


3 - طاب يومك
عبد الفادي ( 2021 / 11 / 23 - 11:29 )
اردتُ ان امسك عليك ولو مسكة صغيرة ولكني فشلت لأن التلميذ لا يقدر ان يجاري استاذه ، طاب يومك


4 - عبد الفادي
نضال نعيسة ( 2021 / 11 / 23 - 20:02 )
من بعدك يا غالي أنت الأستاذ ونحن التلاميذ
تحياتوووووووو


5 - والله استاذ نضال
Mahmoud saed ( 2021 / 11 / 24 - 00:40 )
قصة الدول العربية اصبحت عجيبة غريبة
الخليج ماسك فستان امريكا حتي تعبروا الشارع
المغرب العربي مشغول بالمناوشات مع بعضهم البعض مثل الضرائر
الاردن حتي الله لا يعرف هل هم مع اسرائيل ام ضدها
فلسطين مشغولين يضربون اسرائيل كم صاروخ و عينهم علي قطر لاستلام المقسوم و توزيعه بينهم وكل واحد يشتري سيارة جديدة و زوجة جميلة و صغيرة و لبنان پاريس الشرق اصبح …كما يقال اللهجة العراقية وصلة مسح بس باقي جزر القمر
واريتيريا هؤلاء مختفين من شاشة الرادار
تحياتي واحترامي


6 - Mahmoud saed
نضال نعيسة ( 2021 / 11 / 24 - 06:54 )
أخي محمود انا اشرت وكتبت كثيرا عن العرب والمستعربين هناك فرق كبير بين العرب والمستعربين فلا يمكن وضعهم جميعا في سلة واحد فلا يمكن للمستعرب أن يصبح غربيا وأما العربي القح الأصلي فيرفض ويأنف أن يكون مستعرباً أو أن يتكنى بهم ويعتبر المستعربين بدرجة اجتماعية أقل وأدنى من العرب ولذلك ترى العربي يرفض دخول المستعربين لبلاده ويعامل الأجنبي الهندي والفليبيني والغربي -الكافر- و-المشرك- باحترام أكثر، وأكبر مما يظهره للمستعرب الذي يمنع عليه التملك والزواج والتجنس بالجنسيات -العربية- الذهبية، وبالتالي فالسلوكيات والأفكار والمواقف الناجمة عن الطرفين مختلفة جداً ومن هنا فقد فشلت جميع محاولات ما تسمى بالوحدة العربية وانتهت لكوارث ولن يتحقق منها شيء طالما الفجوة والبون شاسع بين العربي والمستعرب الذي يدعي الانتماء للعرب والعروبة والأخرين هؤلاء يقابلونه بالرفض والإنكار ولذا ترى حدة المواقف وعمق التباينات...
تكبيررررررررر


7 - ملل ونحل وقبائل
منير كريم ( 2021 / 11 / 24 - 09:21 )
تحية للاستاذ نضال المحترم
منطقتنا منذ قرون مجزأة طبيعيا ثم جاء المرحومان سايكس وبيكو وحولا التجزئة الطبيعية الى تجزئة قانونية واسسا لنا دولا حديثة خربناها بعد ذلك بايدينا
ا كل شعب داخل بلده مجزأ الى ملل ونحل وقبائل , فهذه شعوب مفككة وغير ناضجة ولا توجد ثقافا ت وطنية لها سوى هذه اللهجات السائدة
ولذلك لاتنجح معهم ديمقراطية او اشتراكية اما الوحكة العربية فهي وهم ليس الا
شكرا


8 - منير كريم
نضال نعيسة ( 2021 / 11 / 24 - 13:33 )
صديقي العزيز المنطقة لم تكن متحدة بتاريخها بكيان سياسي ووطني وقومي واحد أما الاتحاد تحت سلطات الاحتلال العربي والتركي فليس قانونيا ولا يمكن اعتباره ضمن إطار الكياني السياسي القانوني والوطني الواحد

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي