الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أصبحت الكلاب من أعز أصدقائنا: رحلة ممتدة منذ القدم حتى الآن

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 11 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قصة مثيرة من التطور والاستئناس والهجرة والزمالة.

جوزي جلاوسيوز

أقدم رفقائنا: قصة أسلاف الكلاب، بات شيبمان بيلكناب (2021)

أثناء تجوالي بساحة واشنطن سكوير بارك في مدينة نيويورك قبل عدة سنوات، علقت وسط حشد من مئات كلاب الداشهند الألمانية برفقة أصحابها من البشر، ودُهشت لرؤية بعضها مكتسي بحلل مزركشة في غاية الأناقة والجمال. إنه يوم الداشهند، أو العيد السنوي لهذه السلالة الكلبية الألمانية.

الداشهند هو سلالة كلبية ذات سيقان قصيرة وجسد طويل، تفصلها من حيث الشكل وأسلوب الحياة دهور سحيقة من الزمن عن سلفها، الذئب الرمادي (Canis lupus). رغم ذلك لا تتعدى درجة الاختلاف بين الكلاب المستأنسة وأسلافها البرية ما نسبته 0.2% من تسلسل حمضها النووي الميتوكوندريائي. هذا ما تقوله عالمة الحفريات البشرية بات شيبمان في قصتها الشيقة حول استئناس وهجرة الكلاب، أقدم رفقائنا.

عكس الذئاب، تميل كلاب الداشهند- التي ربيت أساساً في ألمانيا لاصطياد حيوانات الغرير- إلى الاختلاط والتواصل مع البشر. وكذلك تفعل كل الكلاب المستأنسة: فهي الرفيق والحارس وزميل اللعب والراعي والمؤنس ومعاون الصيد، كما تكتب شيبمان.

الكلب هو أول حيوان يستأنسه الإنسان. لكن متى ولماذا أصبح رفيق دربنا في الحل والترحال؟ حول هذا السؤال نسجت شيبمان روايتها الرائعة، لتصحبنا معها في جولة حول العالم وتعود بنا للوراء في الزمن إلى حقبة أول لقاء جمع بين إنسان الهومو سابين وإنسان النياندرتال في أوروبا العصر الجليدي، وهي إحدى المواطن المحتملة لأولى محاولات استئناس الكلاب. سنكتشف أن النياندرتاليين لم يستأنسوا الكلاب مطلقاً، لكنهم اصطادوا حيوانات مشابهة للذئاب الأوروبية، معظمها آكلات عشب متوسطة إلى كبيرة الحجم، من ضمنها الغزلان.

حين وصل الهومو سابينيون إلى أوروبا قادمين من أفريقيا بين حوالي 50.000 و40.000 سنة مضت، التقوا- وتزاوجوا- مع النياندرتاليين. تقول شيبمان إن الهومو سابينيين اكتسبوا ميزة من خلال تكوين "شراكة طويلة الأمد ومفيدة للطرفين مع الكلاب" من أجل اصطياد طرائد أكبر حجماً، الأمر الذي ربما قد ساعد في التعجيل بانقراض النياندرتاليين. لكنها، من جهة أخرى، تنفي اتفاق كل العلماء على صحة هذه الفرضية.

مهارات مشتركة

تقول شيبمان إن البشر من خلال التعاون مع الكلاب، والعيش عن قرب معهم، استفادوا من قدرات هذه الحيوانات، "مثل حاسة الشم القوية، وعزيمة الركض بسرعة وبلا كلل تقريباً وراء فريسة محتملة، ومدى الإبصار الجيد". وتفترض أن الحيوانات التي تسميها الكلاب الذئبية- التي لا تشبه بالكامل الكلاب الحديثة، لكنها في الوقت نفسه لم تعد ذئاباً بعد- أصبحت رفقاء لنا ربما قبل 36.000 سنة مضت. وقد أثمر هذا التعاون عن فوائد للطرفين: كانت الكلاب الذئبية تكلف بالبحث عن حيوانات الماموث العملاقة ومحاصرتها والإيقاع بها حتى يتسنى للبشر طعنها برماحهم؛ وفي المقابل كان البشر يتعهدون بحماية الكلاب الذئبية من الوقوع فريسة سائغة لقطعان الذئاب المحلية البرية.

عثر عالم الآثار بالمعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية في بروكسل، مييتجي جيرمونبري، على جماجم وأفكاك وأسنان حادة لكلاب بمواقع أثرية في بلجيكا وجمهورية التشيك وروسيا يعود تاريخها إلى 36.000 سنة مضت. لكن هذه التواريخ الخاصة بالاستئناس لا تزال محل جدل واسع، وقد تكون "أشباه الكلاب" تلك مجرد أجناس فرعية من الذئب الرمادي. وربما الإطار الزمني الأدق لاستئناس الكلب يتراوح حول 16.000 سنة مضت. مع ذلك، تقر شيبمان "بعدم وجود خاصية تشريحية وحيدة نستطيع أن نميز بها الكلب من الذئب بدرجة يقينية".

وبدلاً من ذلك يعتمد الباحثون على اختلافات دقيقة في الحمض النووي الميتوكوندريائي والتغييرات الغذائية (المكتشفة في العظام القديمة) والتحولات الثقافية، مثل دفن الكلاب بجوار البشر، وأشهرها بموقع بون-أوبركاسل بألمانيا الذي يعود عمره إلى 14.000 سنة. في 2018، أشار تحليل أجري على أسنان اكتشفت في هذه المقبرة إلى اعتناء البشر بجرو مريض طيلة أسابيع قبل وفاته (L. Janssens et al. J. Archaeol. Sci. 92, 126–138 2018).

لكن رغم كل ما قيل، لا يزال الغموض يكتنف بعض زوايا القصة. إذ على الأقل قبل 55.000 سنة مضت، كان الأستراليون الأوائل قد أبحروا على متن القوارب عبر البحار المفتوحة ليصلوا إلى القارة العملاقة ساهول، أو أستراليا الكبرى (المؤلفة من أستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا، التي كانت كتلة يابسة واحدة في عصور انخفاض مستويات البحر). هؤلاء المسافرون كانوا من دون كلاب. وبدلاً من اصطحاب كلابهم لاصطياد فرائسهم، تفترض شيبمان أنهم اصطادوا وجمعوا الأسماك الصدفية، أو أسروا حيوانات جرابية صغيرة وطيور لا تهاب البشر لدرجة جعلتها صيد سهل المنال. ثم أحضرت كلاب الدينغو إلى أستراليا على متن القوارب قبل نحو 5.000 سنة مضت، وبعد ذلك التاريخ أنشأ الأستراليون الأصليون أواصر الصداقة معها. فربوا جراء الدنغو كحيوانات أليفة وعاملوها كرفقاء وحراس لهم سواء ضد البشر الآخرين أو الكائنات الخارقة للطبيعة.

النطاق العالمي

كذلك لا توجد أدلة تشير إلى وجود ارتباط بين الأمريكيين الأوائل الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية قادمين من سيبيريا عن طريق جسر يابسة بيرنجيا وبين الكلاب. ويرجح أن يكون جرو عمره 18.000 عام يدعى دوغر (‘صديق‘ بلغة الياكوت المنتشرة عبر شمال سيبيريا)، والذي ظهر بعد ذوبان الجليد السيبيري عام 2018، هو الجد الأكبر للكلاب أو الذئاب الموجودة هناك. لكن أقدم أثر لكلب في أمريكا الشمالية، وهي شظية من عظمة الفخذ من ألاسكا، لا يتعدى عمره 10.000 سنة.

وربما قد انحدر الشيواوا المكسيكي مباشرة من الكلاب التي عاشت في المنطقة قبل وصول الأوروبيين، لكن في أمريكا الجنوبية ظلت الكلبيات البرية مثل الكلب بوش النادر (Speothos venaticus) غير مروضة. ومما تقشعر له الأبدان أن نعلم أن الفاتحين الإسبان قد دربوا كلاب الدرواس لمطاردة وقتل السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية. لكن شيبمان تكتب أن هؤلاء السكان الأصليين أنفسهم عادوا في عصور تالية ليتبنوا بشغف الكلاب الأوروبية ويوطدوا معها أواصر صداقة حميمة.

بعد تتبعي شيبمان عبر رحلتها المثيرة، بدأت أفهم لماذا تعتبر الزمالة مع الداشهند- أو كلاب البودل أو البج أو الشيواوا- بمثابة نوع من علاقة شراكة، وليس ملكية. لقد اتضح أن صحبة الكلاب قد تساعد في التخفيف من أعراض الإعاقات الذهنية والبدنية، وتحد من القلق المرتبط بالتقدم في العمر والوحدة والانعزالية واضطرابات ضغط ما بعد الصدمة. وربما ذلك، كما تستخلص شيبمان، لأن الصداقة مع الكلاب وما توفره لنا من حماية قد ساعدتنا في البقاء على قيد الحياة والازدهار، معاً، منذ آلاف السنين.
________________________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.nature.com/articles/d41586-021-03497-0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوروبا تسجل أعلى ارتفاع في درجات الحرارة | #نيوز_بلس


.. 10 قتلى في اصطدام مروحيتين عسكريتين بماليزيا




.. تشييع مُسعف استشهد إثر اعتداء مستوطنين على قرية بنابلس في ال


.. خلال 200 يوم من الحرب ظهرت أسلحة المقاومة الفلسطينية في العد




.. الخارجية الأمريكية: لا توجد طريقة للقيام بعملية في رفح لا تؤ