الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن ما يحدث في المغرب و السودان : باختصار شديد

احمد المغربي

2021 / 11 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في سياقات مختلفة و نتيجة لأسباب مختلفة اندلعت مظاهرات جماهيرية متزامنة في المغرب و السودان و رغم أنه نظرا لما سبق لا يمكننا تصنيفها كتجسيد لمد ثوري على غرار الموجة الأولى (2011) أو الموجة الثانية(2019) من الربيع فهناك نقاط مشتركة تتعلق بقضايا سياسية مهمة للثورة في المنطقة و سنحاول في هذا المقال التطرق بإيجاز شديد لبعض المسائل المرتبطة بالأحداث الجارية في المغرب و السودان دون إغفال الفرق بينهما بالطبع
المغرب :
اختتمت الجماهير العظيمة شهر أكتوبر باكتساح شوارع معظم المدن المغربية بعد أسبوع من الوقفات الاحتجاجية على إثر إعلان حكومة الملياردير عزيز أخنوش عزمها فرض جواز صحي يَحرِم الغير الملقحين من الولوج إلى المقاهي و المطاعم و الفضاءات العامة
و قد لا يولي(و لم يولي) العديد لهذه الاحتجاجات أهمية كبيرة إذ تعامل معها البعض من منطلق أنها احتجاجات عابرة مشابهة للتي حدثت في أوروبا و تعامل معها آخرون(يُفترض أنهم مناضلون !) من منطلق "طبّي"(خاطئ فوق كل شيء) دفعهم لتقديم الدعم لقرار الحكومة أو للامبالاة سلبية في أحسن أحوالهم لكن احتجاجات الشعب المغربي التي بدأت يوم 31 أكتوبر لها أبعاد تتجاوز رفض جواز التلقيح لأن هذا الأخير في حد ذاته كان تجليا للنقطة الي أفاضت الكأس من جهة و تجسيدا لصرخة شعب أكّدت أن حب الحرية و الكرامة الموجود في هذا الشعب العظيم بالقوة يمكن أن يؤكد وجوده بالفعل كلما تجرأ الطغاة على تجاوز كل الحدود في انتهاك الحرية و الكرامة بدافع من أوهامهم و غرورهم
و لتقدير القيمة الحقيقية لهذه الاحتجاجات علينا تقدير قيمة الاحتجاج في ظل نظام دكتاتوري و عدم التغاضي عن التراكمات المتعددة التي تجعل الوضع قابلا للانفجار في المغرب و يدرك النظام هذين العاملين بعمق شديد و لهذا فقد اعتمد في مواجهة تلك الاحتجاجات على المنع أكثر من القمع إذ طبق سياسة ديناميكية تجلّت في التراجع عن التعامل بالجواز في الواقع دون الاعلان عن التراجع عن ذلك القرار رسميا من جهة و في عدم استخدام عنفه "المعتاد" في تفريق المظاهرات من جهة أخرى لكن هذه السياسة لم ترضي المحتجين الذين رأوها (عن حق) تكريسا للاحتقار الذي يتعامل به النظام مع الشعب المغربي فاستغرب هؤلاء المحتجين (الذين كانت تلك الاحتجاجات أول تجربة لجزء كبير منهم) من تعامل الشرطة مع احتجاجاتهم "السلمية" ضد قرار حكومي شعروا أنه أكثر إثارة للاستغراب و سرعان ما برزت خلال تلك المظاهرات التي طغت عليها العفوية شعارات تندد بالقمع و غلاء الأسعار
و لهؤلاء الذين كانت تلك الاحتجاجات أول تجربة لهم قيمة كبيرة و تنبع منها معظم أهمية الأحداث الجارية في المغرب لأن ما يميز هذه الأحداث عن الحراكات التي اندلعت في المغرب بعد اختفاء حركة عشرين فبراير من المشهد السياسي هو طابعها الوطني الذي يمنحها قوتها التي لا تظهر في صورة الاحتجاجات المناهضة للجواز الصحي فإن قارنا هذه الأحداث مع أحدث حراكي الريف و جرادة قد تبدوا أهميتها ضئيلة لكن عندما نتناول المسألة من كل الجوانب ندرك ما يَحظر في هذه الاحتجاجات هو مفتاح النصر الذي غاب (و عمل النظام بوعي على تغييبه) في تلك الحراكات المجيدة فانحصار هذه الأخيرة في حدود إقليمية مع غياب شبه تام للتضامن الوطني معها كان يجعل نجاحها شبه مستحيل و منح ذلك النظام القدرة على حصارها و سحقها بعد استنزافها أما المظاهرات التي بدأت في يوم 31 أكتوبر فلا يتعلق الأمر بنجاحها أو فشلها بل بالأثر الذي ستتركه (و الذي تركته) في وعي الجماهير المغربية التي شاركت فيها لأن القمع أو المنع و التشويه الذي تعاملت به قوى النظام و أذيالها(صحافة المرتزقة) ليست شيئا جديدا في المغرب وقد تعوّد معظم هؤلاء المواطنين على مشاهدته يُمارس بدرجات أكبر من الوحشية في الريف و في جرادة و ضد الاساتذة المتعاقدين و غيرهم لكن الفرق هنا يكمن في أنه لم يعد مجرد مشهد أو قضية فئوية لا تعنيهم بل صار واقعهم الملموس و قضيتهم المشتركة التي امتزجت فيها المصلحة العامة بالخاصة فرأينا أمهاتنا "العاديات" و "البسيطات" يدافعن بشراسة بطولية عن أبناء لم يولدوا من بطونهم و شاهدنا من كانوا من متابعين أوفياء لصحافة المخزن يهاجمونها و يشنون حملات لمقاطعتها و بعد أن كنا نرى تعليقات الناس "العاديين" في مواقع التواصل الاجتماعي تشيد بدور الشرطة في الحفاظ على "الامن" كلما وجدت صورة لشرطي صرنا نرى التعليقات إما لعنا للبوليس و هجوما على المدافعين عنهم أو سردا لتجارب المواطنين الذين كانت لهم أوهام بددتها ممارسة الشرطة معهم خلال مظاهرتهم "السلمية" و لهذا كنت اعتقد شخصيا أن حالة قتل متظاهر في مدينة ما كان يمكن أن تؤدي لانتفاضة وطنية قد تبدأ بالمطالبة برحيل الحكومة لتنتهي بالمطالبة "بإسقاط النظام"
الآن بعد تراجع الدولة (المؤقت ربما) عن تطبيق قرارها على أرض الوقع لتقدم تنازلا ضمنيا للمحتجين ضد الجواز الصحي تندلع هنا و هناك وقفات ضد القرار الاجرامي المتمثل في حرمان الشباب من حقه في الشغل و في وضع قابل للانفجار كوضع المغرب فقد تسير الأمور لما هو أبعد بكثير بدافع تأثير من هذا الظرف أو ذاك إما بعد أسابيع أو بعد شهور أو حتى بعد سنة لكنني أعتقد أن ما يجب أنْ يستحوذ على الاهتمام الرئيسي لأنصار الثورة و التغيير التقدمي ليس هو النتيجة الحتمية التي قد تحدثها أي صدفة تعبر عن الضرورة بل مستقبل المغرب و شعبه بعد تلك النتيجة و أُشَدد على هذه الضرورة لا فقط لإدراكي لتعقيدات الوضع المغربي التي قد تتجاوز مأساوية الوضع الليبي (مجرد تجرء ابن المجرم على الترشح بعد سنين من الفوضى يقدم لمحة عن ما أقصد ) في ظل واقع ينذر بتصدر الخونة و الأوغاد المشهد الثوري في المغرب بل أيضا لإدراكي أن أشرف المناضلين و الثوريين المغاربة يتعاملون مع هذا الواقع بنوع من القدرية التي تحاول تبرير ذاتها بادعاءات من قبيل أن "ما سيحدث فسوف يحدث بغض النظر عن أي شيء" أو أن "لا قدرة لنا على تغيير القدر"
السودان :
منذ اندلاع ثورة ديسمبر التي ستحل ذكراها الثالثة بعد شهر لم يهدأ شارع السوداني رغم الدماء التي سالت فيه و لم تتحقق المطالب الأساسية للثورة رغم التضحيات التي قدمها الشعب السوداني في سبيلها لكن تميز الوضع السوداني يتمثل في أن الثورة لم تنهزم رغم عدم انتصارها و كانت التسوية(أو الهدنة) المؤقتة التي تمت بعد مجزرة يونيو 2019 أبرز تجسيد لهذا الوضع إلا أن هذا الأخير رغم تميزه خاضع لقوانين الثورات التي تؤكد استحالة استمرار وجود سلطتين متناقضتين لوقت غير محدود و هذا ما حدث حتى قبل الانقلاب الأخير و المحاولة الانقلابية التي سبقته إذ أن الجنرالات لم يطيقوا وجود المنظمات الجماهيرية التي تشكلت خلال ثورة ديسمبر 2018 رغم وجود الاصلاحيين الذي من المُفترض أن يطمئنهم بضمان "الاستقرار" فتوالت هجمات ضد تلك المنظمات طوال هذه الفترة المُفترض أنها كانت تمهيدا للانتقال الديمقراطي
لكن صمود الثورة رغم القمع و خيانة التكنوقراط الليبيراليين و استمرارهم في تطبيق السياسات التقشفية التي كانت من مُحركات ثورة ديسمبر دفع الجنرالات لتغيير تكتيكهم و حاولوا تطبيق الدرس المصري الذي يتضح أنهم لم يفهموه جيدا فقرروا استنزاف الثورة عبر استغلال الوضع الاقتصادي و تواطئ الاصلاحيين في فرض البؤس على الجماهير و ظنوا أن الجماهير ستستقبلهم كمحررين مثلما استقبلت الجماهير المصرية السيسي كبطل لأسباب تختلف كثيرا عن ما يعتقد جنرالات السودان
و يظهر أن القدرات العقلية لجنرالات السودان ضعيفة و ربما أضعفها الهوس بالسلطة و الثروة لأن المواكب العظيمة التي تلت محاولتهم الانقلابية التي فشلت كان يجب أن تكون كافية لإقناعهم بأن الوقت غير مناسب للاستيلاء على السلطة لكنهم قرروا تكرار محاولتهم حتى قبل أن يهدأ الشارع و الواضح أنهم افترضوا أنه ربما ينجح الاكراه الصاخب(القمع الاجرامي) في ما فشل فيه الاقناع الصامت(خيانة التكنوقراط المدنيين لتطلعات الجماهير) إذ أنهم شنوا بعد انقلابهم قمعا سقط ضحيته عدد كبير من الجرحى و الشهداء إلا أن الجماهير السودانية العظيمة أكدت بصمودها البطولي لحد الآن أن "عجز الاكراه الخالي من الاقناع عن الحكم بدون التهديد بحرب أهلية تهدده هو في حد ذاته" حقيقة لا جدال في صحتها
إلا أن مجرد استمرار الجماهير في التضحية بأرواحها الطاهرة لن يؤدي للنصر الذي يبشرها به الليبيراليين المخادعين و في رأيي فإن ما طرحه جو أتارد في مقالاته الثلاثة حول السودان(منشورة في موقع ماركسي و في الحوار المتمدن) يمثل الحل الواقعي الوحيد الذي يُفترض أن يصل له أي تفكير منطقي سليم لكن ما أجد أن من الضروري إضافته هو أنه بغض النظر عن رأي أو ثقة السودانيين في الحل الاشتراكي فإن مجرد مطلب ثورتهم المتمثل في "حل كل المليشيات المسلحة وإعادة تكوين قوات الشعب المسلحة خلال فترة محددة، وفق عقيدة وطنية هدفها حماية حدود الوطن وحقوق الشعب في الحرية والسلام والعدالة" لا يمكن تحقيقه خارج إطار نضال خلاق و بمعنى آخر فلن يمكن تشكيل هذا الجيش ذو "العقيدة الوطنية" من فراغ و لا يمكن أن يكون أفراده غير الجماهير المتمردة الآن و القوات التي ستنشق للانضمام لها و فقط هذا الجيش من يمكنه حماية الشعب و اعتقال قادة الانقلاب و نزع سلاح الميليشيات و...تحقيق مطالب و أهداف الثورة السودانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي