الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدة الحالة الثورية والعامل الذاتي.. المقدمة الضرورية للثّورة الاجتماعية

خليل اندراوس

2021 / 11 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



تعرف النظرية العامة عن القوى المحركة للتغيير الاجتماعي وقوانينه التي وضعت على أساس اكتشافات ماركس – باسم المفهوم المادي عن التاريخ، وقد تم التوصل إلى هذا المفهوم بتطبيق النظرة المادية إلى العالم على حل المشكلات الاجتماعية، ولأن ماركس قام بهذا التطبيق فإنّ المادية معه لم تعد مجرد نظرية تستهدف تفسير العالم وانما مرشدًا لممارسة تغيير العالم، وبناء مجتمع ليس فيه استغلال انسان لإنسان.
وللمادية التاريخية في المقام الأوّل دلالة معاصرة، فهي قابلة للتطبيق، وهي تؤدي إلى استخلاصات لا عن أسباب أحداث الماضي فحسب بل كذلك عن أسباب الأحداث التي تقع الآن، وبالتالي عما ينبغي عمله وعن السياسة التي ينبغي النضال من أجلها لكي تلبّي الحاجات الحقيقية للشّعب، لذلك نستطيع أن نقول بأن موضوع المادية التاريخية هو دراسة المجتمع وقوانين تطوره.

وهذه القوانين موضوعية، أي مستقلة عن وعي الانسان تمامًا كقوانين تطور الطبيعة، ومثلها مثل قوانين الطبيعة يمكن معرفتها ويستخدمها الانسان في نشاطه العملي. وإلى جانب هذه السمات المشتركة توجد هناك فروق جوهرية بين قوانين الحياة الاجتماعية وقوانين الطبيعة، وتعكس قوانين الطبيعة فعل قوى عفوية عمياء، بينما تظهر قوانين التطور الاجتماعي دائمًا من خلال أفعال الناس ككائنات واعية تضع لنفسها أهدافا معينة وتعمل على تحقيقها. ولكن علينا التأكيد بأن قوانين الحياة الاجتماعية لا تُدرس من جانب المادية التاريخية وحدها، بل كذلك من جانب العلوم الاجتماعية الأخرى، الاقتصاد السياسي، التاريخ، علم الجمال، علم التربية الخ.. لكن جميع هذه العلوم تدرس مجموعة معينة فقط من الظواهر الاجتماعية وتتناول المجتمع من أحد جوانبه فقط، دون أن تعطي فكرة عن عملية التطور الاجتماعي ككل. على سبيل المثال، يدرس الاقتصاد السياسي العلاقات الاقتصادية أو الانتاجية بين الناس ويهتم التاريخ بتطور المجتمع في مختلف العصور ومختلف البلدان، ويقتصر علم الجمال على مجال الفنون وهكذا.


وخلافًا لعلوم المجتمع المحددة تدرس المادية التاريخية أهم قوانين التطور الاجتماعي، وبحكم كونها جزءًا لا يتجزأ من النظرة الماركسية – اللينينية إلى العالم تقدم المادية التاريخية تفسيرًا علميًا وماديًا جدليًا لظواهر الحياة الاجتماعية، وهي تعالج كذلك المسائل العامة الهامة للتطور التاريخي كالعلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي، وأهمية الانتاج المادي في حياة الناس وأصل ودور الأفكار الاجتماعية والمؤسسات المناسبة لها. وتساعدنا المادية التاريخية في فهم دور الشعوب والأفراد في التاريخ، وكيف نشأت الطبقات وكيف ظهر كل من الصراع الطبقي والدولة ولماذا تحدث الثورات الاجتماعية وما هي أهميتها بالنسبة للعملية التاريخية وعدد آخر من المسائل العامة لتطور المجتمع.


فماركس وإنجلز لأول مرة في كتاب "الايديولوجية الالمانية" صاغا النظرية المتكاملة ومتعددة الجوانب لأوّل اكتشاف عظيم لماركس وإنجلز وهو الفهم المادي للتاريخ. وبذلك قدّما الأساس التاريخي الأول وهو الأساس الفلسفي لنظرية الشيوعية العلمية.
وفي صلب هذا الانجاز ايضاح الطبيعة الديالكتيكية للقوى المنتجة وللعلاقات الانتاجية، ذلك الاكتشاف الذي ساعد على صياغة الفهم المادي للتاريخ كنظرية متكاملة، وكانت نتيجة هذا الكشف هي الايضاح النهائي لبناء المجتمع الانساني العام (القوى المنتجة – العلاقات الانتاجية – البناء الفوقي السياسي – اشكال الوعي الاجتماعي)، وكذلك ايضاح القوانين العامة لتطوره التاريخي (بداية نظرية النظم الاجتماعية)، إضافة إلى الاستنتاج عن حتمية الثورة البروليتارية الشيوعية كنتيجة لتطور التناقضات بين القوى المنتجة والعلاقات الانتاجية في المجتمع البرجوازي. إن الفهم المادي للتاريخ أصبح أساسًا منهجيًا وسندًا نظريًا لأبحاث ماركس في مجال الاقتصاد السياسي، تلك الأبحاث التي قادته إلى اكتشافه العظيم وهو اكتشاف القيمة الزائدة ووضع نظرية القيمة الزائدة. إن تعرية أسرار الاستغلال الرأسمالي عن طريق هذا الاكتشاف الجديد كانت بمثابة البرهان الاقتصادي النهائي والثاني من الناحية التاريخية لنظرية الشيوعية العلمية. وهكذا بفضل اكتشافي ماركس العظيمين (المادية التاريخية الجدلية والقيمة الزائدة) تحوّلت الاشتراكية من طوباوية إلى علمية.


إن واحدًا من أهم الفوارق العميقة للنظرية الجديدة التي وضعها ماركس وإنجلز، قد صيغ بشكل كلاسيكي في موضوعة ماركس الأخيرة عن فورباخ! "ان الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة، ولكن المهمة تتقوم في تغييره". (ماركس "موضوعات عن فورباخ" في ماركس وإنجلز ومختارات في أربعة اجزاء، الجزء الأول – دار التقدم موسكو 1968 ص 40 الطبعة العربية). فماركس وإنجلز أكّدا بأن تغيير الوعي من دون تغيير العالم ذاته، يعني الاعتراف بالموجود، وذلك بمنحه فقط شرحًا آخر وتفسيرًا آخر، وتأويلاً آخر. من أجل تحرير الناس لا يكفي تغيير وعيهم، بل من الضروري تغيير الواقع الاجتماعي الموجود.


وهذه هي العلاقة الجدلية بين الوعي والوجود، فالثورات الاجتماعية تعود إلى فعل القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي. "وفي النشاط الثوري يجري تبدل الذات نفسها في آن واحد مع تحول الظروف" (ماركس – موضوعات عن فورباخ).
عثر العاملون في المعهد الدولي للتاريخ الاجتماعي عام 1962 في امستردام على ثلاث صفحات غير المعروفة من قبل، من مخطوطة "الايديولوجية الألمانية" وتم نشرها لأول مرة ومن بينها، الورقة الأولى من مخطوطة ماركس وإنجلز، حيث قام مؤلفا "الايديولوجية الالمانية" في بداية بحثهما بمعارضة الخيالية المثالية المسكن والملبس لأنفسهم. و"التحرير" قضية تاريخية وليست قضية فكرية، والعلاقات التاريخية هي التي تقود اليه".


والشروط المادية لعملية التحرير أي إحداث الثورة الاجتماعية هما شرطان أساسيان، الأوّل الدرجة العالية لتطور القوى المنتجة، ويرتبط معها بالضرورة، الشرط الثاني – تجمع البروليتاريا وتكوين الطبقة الثورية، فبدون هاتين المقدمتين الماديتين تكون الثورة الاجتماعية مستحيلة.
وفي النهاية كل اكتشاف ثوري في التاريخ لم يتحقق الا حين نضجت الظروف له وقامت الحاجة إليه، وهكذا لم تتحقق الاكتشافات العظمى للعلم الطبيعي الحديث إلا حين خلق تطور اسلوب الانتاج شروطها والحاجة اليها. والأمر نفسه صحيح بالنسبة إلى اكتشافات ماركس الاجتماعية، والثورة الاجتماعية في المستقبل لا يمكن أن تحدث الا بعد أن يخلق تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج شروطها والحاجة اليها.
فضرورة الثورات الاجتماعية تعود إلى فعل القوانين الموضوعية للتطورات الاجتماعية، ولكن علينا أن نؤكد بأن نضج العامل الذاتي هو الشرط الرئيسي لتحقيق امكانيات الحالة الثورية، ثم إن وحدة الحالة الثورية والعامل الذاتي الناضج هي المقدمة الشاملة والضرورية للقيام بالثورة الاجتماعية، وتشكل وحدة الظروف الموضوعية والعامل الذاتي عند لينين القانون الأساسي لأي ثورة اجتماعية. (انظر لينين المؤلفات الكاملة المجلد اع – ص 77-79)، وحينها كما يتنبأ إنجلز بأن الانسان سيسيطر في المستقبل ليس على قوى الطبيعة وحدها بل على قواه الاجتماعية أيضًا ويصوغ هذا الاستنتاج في أهم موضوعة ماركسية عن المستقبل: "يبدأ الناس إبداع تاريخهم بأنفسهم بكل وعي".

ومن أجل تحقيق الاشتراكية مستقبلاً ينبغي على الطبقة العاملة ألا تعتمد على التطور التلقائي للنضال الجماهيري من أجل ظروف أفضل، بل عليها أن تتزود بالنظرية الماركسية بالفهم العلمي للرأسمالية ولموقف مختلف الطبقات في ظل الرأسمالية، والادراك العلمي المادي الجدلي للأحداث والمجريات، لأن التحرر لا يمكن أن يتحقق الا بتوحيد كل القوى وكل شرائح المجتمع من أجل الاطاحة بالرأسمالية وإحداث الثورة الاجتماعية واقامة الاشتراكية .ولا تستطيع الطبقة العاملة أن تنتصر على الرأسمالية دون القوة الموجهة والمنظمة للنظرية الماركسية للنظرية الاشتراكية العلمية. فوحدة النظرية الماركسية العلمية الجدلية مع حركة الطبقة العاملة الجماهيرية شرط للتقدم، شرط لبناء مجتمع المستقبل مملكة الحرية على الارض.



المراجع:
ماركس إنجلز – مختارات. أسس المعارف الفلسفية – أفانا سييف
مدخل إلى المادية الجدلية – موريس كورنفورت
مبادئ ما هي الثورة – ياكوفليفا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز




.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز