الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأنفال التي بدأت ولم تنته
جليل البصري
2006 / 8 / 27حقوق الانسان
حقيقة ربما غفلت عنها اقلام كثيرة تناولت جريمة الانفال المخزية هي ان احداث نيسان عام 1987 في وادي باليسان وما تلاها من تداعيات كان البروفة الاخيرة بل وبداية عملية الانفال ..
فقد شنت قوات النظام العراقي مدعومة بافواج الجحوش والدبابات والمدرعات والسمتيات هجوما على وادي باليسان الذي لم يكن خاضعا لسيطرتها ليلة 16/4/1987 بعد ان امطرت قريتيه الرئيسيتين (باليسان وشيخ وسان) ومسالكه الجبلية بعشرات القنابل التي احتوت على غاز الخردل والذي تجاوزت فيه اعداد الضحايا الى 150 شخصا وجرى احتلال الوادي واعتقال الكثير من الرجال من اهاليه ناهيك عن ان رجال الامن قاموا باعتقال كل الرجال والنساء والاطفال المصابين الذين لجأو الى مستشفى رانية بشكل رئيسي او ذهب البعض منهم الى اربيل ونقلوا بشكل سري الى سجن امن الطواريء في اربيل حيث مات العشرات منهم بعد ان منع عنهم الدواء وقام رجال الامن بدفن جثثهم في اماكن مجهولة فيما سيق الرجال جميعا بعد مدة الى مكان الى مكان مجهول حيث لا يعرف مصيرهم بالتحديد الى الان وهو نفس ما فعلوه في عام 1988 في حملات الانفال المشؤومة .. مع فارق هو انهم اعادوا النساء الى الوادي ليكن شهودا على الرعب ويبقى الجرح مفتوحا مثل جرح الاف البرزانيين المغيبين .
في تلك الفترة بدأ التمهيد لعمليات الانفال واستمرت بحملات تدمير القرى حتى في القرى الخاضعة لسيطرة الجيش او القريبة من الطرق الرئيسية فدمرت في الشهر الخامس من نفس العام قرى (شيخ محمود ياه) و (سيساوه) بعدها وعشرات القرى في سهل حرير وجمعوا في مخيمات كبيرة قرب مدينة حرير نفسها او في العراء .. واصطدمت هذه العمليات بمقاومة باسلة من قوات البيشمركة فتوقفت الى حين حيث لم تكن اوضاع النظام في حربه مع ايران على ما يرام وبدأ يخطط لتطور عمليات ابادة الريف الكردستاني وتحويله الى مخيمات لتشمل عمليات انتقامية واسعة من سكان القرى المدنيين في المناطق والقرى التي كانت خاضعة لسيطرة قوات البيشمركة .. والتي تلقت تهديدات بالرحيل وترك قراهم واملاكهم وبساتينهم والحضور للعيش في الخيام .. هكذا تعامل النظام تحت اشراف المجرم (علي حسن كيمياوي) مع هذا الشعب وكانت الذروة في عمليات الانفال التي ابتدأت في شباط عام 1988 ولم تنته الا في اواخر نيسان لتصبح هذه السهول والجبال العامرة باهلها وبقراها وخيرها وبركتها اطلال شاهدة على اكبر جريمة يرتكبها نظام في حق شعبه ويعيد الى ذاكرة التاريخ الغزو المغولي التتاري الذي اغرق الدنيا بالدم.
وقد تصاعدت هذه العمليات مع تصاعد حدة الحرب مع ايران في قاطع حلبجة والذي اتخذ ستارا لتامين اكبر مجزرة وابشعها ترتكب بحق مدينة امنة نفذت باسلحة دمار شامل هي الاسلحة الكيماوية القاتلة .. وكانت تتويج لتصعيد الرعب الذي ابتدأ في 16/4/1987 في باليسان وشيخ وسان .. وكانت هذه السهول والجبال والشعاب تمور بالهاربين الاطفال والنساء والانفس من مسلسل الرعب .
صحفي الماني من مجلة (دير شبيغل) حضر الى كردستان في تلك الفترة برفقة مصور اسود وشاهد في تخوم وادي باليسان وسما قولي المئات من العوائل الهاربة من مناطق كرميان وكلة زرده وعبر سهل كويسنجق تصحب معها النزر اليسير من حاجتها على ظهور الحمير او على الاكتاف وتقطع هذه المسافات الطويلة لا تلوي على شيء غير الحصول على مكان امن حيث لم تكن عمليات الانفال قد بدأت في منطقة باليسان وسهل كويسنجق .. قال لي انه سأل أحد القادة وهو ينظر الى هذه الجموع المهاجرة وقد علت وجوهها اثار الرعب والنكبة .. ماذا تستطيعون ان تفعلوا لهم .. فقال له اكتبوا كلمة حق عن ما يفعل بنا على غير حق .. فقال هكذا قالوا لي وسافعل ..كانت الوديان والجبال تعبق بالحرائق والوجوم القاتل .. توقفت الحياة وصار الفلاح مشلولا لا يقدر على ان يمنح الارض التي عرفت ابائه واجداده الاقدمين حبه وعرقه .. يقتله الرعب في انتظار جيش المغول لياتي من كل حدب وصوب فيدمر البيوت ويهلك الزرع وينهب كل شيء ويأخذ البشر الى مصير مرعب مجهول ..
قال لي مزارع من كليسه وهي قرية في سهل كويسنجق: لقد هاجمنا الجيش من 13 جهة وسدوا علينا كل المسالك وكان القصف لا يرحم والرعب من الكيماوي والانفال يجعلك لا تستطيع ان تتنفس الهواء؟ انت المزارع الذي عاش امنا رغم الحروب والمصائب .. امنا على اهله باقل تقدير وعلى بقائه في هذه البقعة التي لا يعرف غيرها في ارض الله الواسعة .. اخذت زوجتي وابني الوحيد وسرت مع جبل هيبة سلطان يقع الجبل في مكان صعب وبقينا في شعابه بلا طعام وماء توقضنا حركة الجنود في الاسفل والصياح والدخان المنبعث من كل مكان ليخطف جمال السهل المنتهي بمدينة كويسنجق الباكية .
حدثني هذا الرجل الهارب من هذه القرية النائية على الزاب في سهل كويسنجق عن رحلة العذاب التي دامت 28 يوما لتنتهي في الحدود الايرانية في هذه الخيمة التي يجلس فيها .. لم يكن سياسيا او معارضا .. لم يكن جحشا او مرتزقا لم يكن غير مزارع يعيش في امان الله ..
في تلك الليلة استسلم هو وزوجته وبناته للبكاء وهم يعدون الاهل والاقارب الذي لفهم طوفان الحقد البربري الانفالي الى عوالم الرعب المجهولة وكانوا بالمئات اذ لم ينج من القرية غير بضع عائلات تعد على كف اليد الواحدة ..
وبكى قائلا:من يعيدهم الينا ؟ ومن يقول لنا ما جرى لهم لكي نستريح من هذه الحسرة الراسخة في القلب ..
نعم ليست الانفال هي الرقم (182 )الف مؤنفل فقط بل هي كل هذه العذابات التي تجرعها الناجون والتي يعيشونها مع الذكريات القلق والسؤال .. بل هي كل الرعب المحير الذي ارتسم في قلوب المؤنفلين وهم يعانون الهوان والموت على يد جلادي النظام ومجرميه دون ذنب اقترفوه .. انها المعاناة التي لم يراها شعب على يد الغزاة الحاقدين حكام البلد ..
نعم انها الانفال التي ابتدأت ولم تنته لليوم .. فالضحايا باقون في الانتظار .. والمؤنفلين بلا مصير معلوم .. والديار لم تلملم جراحها .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لمنحهم بطاقات مسبقة الدفع.. إيلون ماسك ينتقد سياسة نيويورك ف
.. تقرير للأمم المتحدة: أكثر من 783 مليون شخص يعانون من الجوع ح
.. ثلثا مستشفيات غزة خارج نطاق الخدمة وفقا لتقرير الأمم المتحدة
.. ماذا تفعل سلطنة عمان لحماية عاملات المنازل الأجنبيات وضحايا
.. برنامج الأغذية العالمي: غزة بؤرة لمجاعة وشيكة هي الأخطر