الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة في مركب القاص مهدي عيسى الصقر

رحيم الحلي

2021 / 11 / 28
الادب والفن


خطواته الاولى في ميدان الادب كانت محاولات شعرية ثم انعطف نحو القصة التي وجدها اقرب إلى نفسه في طبيعتها التعبيرية ، في مساحتها الواسعة في رسم الصور الإنسانية بتفاصيل دقيقة ، وابتدأت الكتابة عنده بين عامي 1947 و1948، ونشر بعض القصص في مجلة (الأديب) اللبنانية. ينتمي ادبياً إلى جيل الخمسينات ونجومها بدر شاكر السياب، فؤاد التكرلي، وغائب طعمة فرمان. وفي كتاباته القصصية يعتبر من رواد الكتابة الواقعية في العراق وربما كان عمله في شركة نفط البصرة لأكثر من خمس وعشرين سنة ومعايشته لمعاناة العمال وفقرهم وبؤسهم واضراباتهم الكثيرة من اجل تحسين شروط حياتهم في الخمسينات حيث كانت هناك في تلك الفترة مساحة مقبولة للتعبير عن الرأي قبل ان يخسر العراقيون فيما بعد تلك الفسحة الصغيرة في التعبير عن حقوق الناس في انتقاد السلطات الحاكمة .
لم يكن بين طموحات مهدي عيسى الصقر ان يكون قاصاً برغم انه ادمن في طفولته وشبابه قراءة الروايات البوليسية التي كانت اجاثا كريستي بارعة في نسجها في اربعينيات القرن الماضي.. الى جانب انه كان لظروف اسرية قد عاش مع جدته وكانت امرأة بارعة في رواية الحكايات التي دارت وتدور في مدينته الاثيرة البصرة. ولظروف تتعلق بالمعيشية لم يستطع مهدي الصقر من ان يكمل دراسته فانخرط ليواجه العالم بائعا للقماش اقصى حدود طموحاته ان يوفر رزقاً لعائلته وان يستقطع جزءاً من وقته للانكباب على هوايته الاثيرة القراءة .. وشيئا فشيئا تحولت هذه القراءات الى رغبة ملحة في تجربة كتابة القصة القصيرة ذلك ان شيئاً في داخله راح ينفض عن نفسه الغبار ويكشف عن مادة قصصية لاتنفد1 * .
كان في الخمسينات ومن خلال عمله في شركة النفط يدرك معاناة العمال وشاهد نضالهم من اجل تحسين حياتهم المعاشية ، فساهمت تلك المعايشة في جعل كتاباته الادبية اقرب الى الناس تصور حياتهم وترسم تفاصيلها ، ومن يتابع كتاباته الاولى يلمس تأثره الواضح بالمدرسة الواقعية في الادب ويلمس عمق التأثير الناتج عن تلك القراءات الكثيرة التي تركت اثرها الواضح في نضوج لغته القصصية وفي رسم اسلوب الكتابة ، فقد عده الناقد الدكتور علي جواد الطاهر من أحد القاصين المتميزين في الأدب القصصي ومن متابعة أولى مجموعاته القصصية في عام 1954 المعنونة «غضب المدينة» نجده قد اسس رؤية نقدية للواقع، باسلوب فني جيخوفي ، وكتاب القصة العراقيين في الخمسينات وجدوا في اسلوب تشيخوف القصصي يقربهم من القصة العالمية الحديثة. ويكشفون بفنيته عن ما تحت سطح الاحداث اليومية من واقعهم المغلف بقشور واهية . كان تشيخوف بنبرته الشعرية، وجمله القصصية القصيرة المكثفة واحداً من أساتذة فن القص عالمياً.
وبعد انقطاع طويل استمر ربع قرن من الزمان منذ أخر قصة نشرها عام 1960 "غضب المدينة" ، عاد لكتابة القصة وظهرت له عدة منشورات قصصية في فترة الثمانينات وبنفس اسلوب الواقعية الأدبية فقد كانت كتاباته تصور واقع الحرب التي اكلت العراقيين بشراً وموارداً وتركت ندوبها في قلوبهم ووجوههم وكانت قصصة تحاول تقديم خطاب ادبي لايغضب الحاكم المستبد الذي اشعل الحروب وحاولت ان لاتكون بعيدة عن مايريده الحاكم من ادباء ومثقفي العراق والذي حاول كسبهم إلى جانب ماكنته الإعلامية التي خصص لها جزء مهم من موارد البلاد لتسويق حروبه ضد الجيران.
ابتدأ مهدي عيسى الصقر في كتابة القصة مبكراً في العراق لذلك فهو يعد من رواد القصة العراقية ففي عام 1948 كتب قصة قصيرة بعنوان "الرجل المجنون" ولكنه لم يعرف كروائي أو كقاص إلا في عام 1954 عندما صدرت مجموعته الأولى تحمل العنوان "مجرمون طيبون" ، في عام 1960 صدرت قصة "غضب المدينة". وأهم أعماله مجموعات قصصية: "حيرة سيدة عجوز" صدرت في عام 1986 و"أجراس" عام 1988 و"شواطىء الشوق" عام 1999 و"شتاء بلا مطر" عام 2000، وروايات: "الشاهدة والزنجي" كتبهاعام 1988 وفي عام 1998 ظهرت له رواية "رياح شرقية - رياح غربية"، وفي عام 2004 رواية "إمرأة الغائب" ورواية "الشاطىء الثاني". كما صدرت "المقامة البصرية العصرية" و"حكاية مدينة" عام 2005 وفي هذا العام، 2006، وقبل رحيله ظهرت روايته عن حروب العراق "بيتٌ على دجلة.
كتابه "وجع الكتابة"، عبارة عن مذكرات صدر عام 2001.
في آخر «شهادة» قدمها الصقر عن عمله الروائي، والمسار الذي اتخذه في الكتابة، قال مستعيداً ما جاء على لسان اعرابي عندما سئل عما يجعل «المراثي» اجود ما جاء به شعرهم من القول، فردّ الاعرابي قائلاً: «لأننا نقولها وأكبادنا تحترق». وعلق الصقر على ذلك بالقول: ان الصدق مع النفس هو سبيل الكاتب الى الصدق في التعبير، مؤكداً انه في ما يكتب انما يعمل على ان يجعل قارئه يشاركه حيرته وألمه مما يرى ويعيش في هذا الواقع، داعياً القارئ الى "ان يبحث معي عن اجوبة لمئات الاسئلة التي تشغل أيامي وتشغله " .كتب الصقر ما كتب ، ليفتح فضاء البحث امام قارئه عن اجوبة لمئات الأسئلة ، التي حمل في نفسه مئات أخرى منها ورحل.عن الحياة. *2
توفي في 14 مارس عام 2006.
ـــــــــــــــــــــــــ
المصادر
*1 مهدي عيسى الصقر .. صانع الحكايات علي حسين.
*2 بمناسبة رحيله .. مهدي عيسى الصقر رائد الواقعية في الرواية العراقية ماجد السامرائي .
*3 كتابات منشورة في صفحة القاص مهدي عيسى الصقر في الفيس بوك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با