الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث سمات من التفكير العلمي

مصطفي محمود

2021 / 11 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التفكير العلمي هو أحد طرق التفكير ويلجأ الإنسان بطبعه إلى طريقة تفكير محددة وفي الأغلب يحدث ذلك بدون أن يعي فقد يلجأ المرء إلى التفكير الميتافيزيقي الخرافي لتفسير الظواهر من حوله سواء كانت ظواهر عامة ترتبط بالعالم من حوله أو أحداث خاصة ترتبط به هو شخصياً وما يميز التفكير العلمي عن غيره من طرق التفكير أنه ليس مهمته أن ينتقل من المقدمات إلى نتائج وحسب وإنما ما يهمه هو أن ينتقل بك من المقدمات إلى نتائج صحيحة فهو لا يحدد لك نتائج بعينها ولكن يهب لك الأدوات التي تستطيع بها تميز النتائج الصحيحة عن غيرها من نتائج فاسدة وقد يظن البعض أن ذاك النوع من التفكير مختص بالعلماء وعلى عكس ذلك فإن التفكير العلمي هو طريقة عامة من الممكن أن يستخدمها أي شخص ولا يلزم أن يكون لديه من المعلومات العلمية الكثير بل وأن هناك من العلماء من يستخدم الطرق الخرافية في التفكير ، وهنا إن أردنا أن نستعرض ثلاث سمات رئيسية من سمات التفكير العلمي .


التراكمية

المعرفة العلمية هي معرفة بنائية يرتكز فيها الجديد على القديم ويكمل عليه فالبعض يخلط بين المعرفة الفلسفية والمعرفة العلمية ، فالمعرفة الفلسفية هي معرفة غير تراكمية ودائماً ما تظهر مدارس تناقض بعضها بعضاً وتبدأ ببناء جديد فمثلاً لدينا الفلسفة الوجودية والعدمية والفلسفة المثالية والواقعية البراجماتية ، وعلى عكس ذلك فإن المعرفة العلمية هي عملية تراكمية فقد يظن البعض أن النظرية الجديدة تأتي فتلغي القديمة وتثبت بطلانها وهذه نظرة خاطئة تماماً فالنظرية الجديدة تأتي لتوسع النظرية القديمة وتفسر وتعلل ظواهر لم تكن القديمة لتفسرها فهي تكشف أبعاد جديدة ونحن نقول النظرية القديمة والجديدة أعتباطاً والحقيقة أنه ليس هناك نظرية قديمة إنما هو تطور يحدث للنظرية فالعالم يستمد نقطة بدايته من حيث توقف علماء آخرين وهذا لا ينفي بدوره أن المعرفة العلمية كما هي بنائية رأسية فهي أيضاً أفقية بمعنى أنها كما تمتد راسياً في تطوير الظواهر التي تم فيما سبق بحثها فهي أيضاً تمتد افقي بمعنى أن المعرفة العلمية تكتشف وتفسر ظواهر لم يتطرق أحد الى تقديم تفسير لها أو كان يعتقد أنها عصية على التفسير فكان مثلاً فما سبق يعتقد أن الإنسان لا يمكن أن يتناوله العلم ولم تكن دراسة الإنسان إلا مجرد تأملات فلسفية واستمرذلك حتى مطلع القرن التاسع عشر وظهور علم النفس والأجتماع بل لم يقف الأمر عند ذلك فظهر علم النفس التطوري في منتصف القرن العشرين ليفسر سبب منشأ سلوك الأنسان وجذوره التطورية ومع أوخر القرن العشرين أدرك علماء علم الاجتماع أنه لا يمكن دراسة الأنسان والمجتمعات البشرية الا من خلال تاريخه البيولوجي فظهر علم الأحياء الاجتماعي ، ونستخلص من هذا أن المعرفة العلمية هي معرفة بنائية متطورة وهذا ما يميزها فهي ليست بالمعرفة القديمة الثابتة وانه ما كان يعتقد أنه عصي على التفسير بات من الممكن تفسيره اليوم .

البحث عن الأسباب

لا يكون العلم علماً إلا إذا بحث في أسباب الظواهر وتفسير تلك الظواهر ولكن قد تختلف كلمة سبب أختلافاً جوهرياً وقد يبحث المرء عن أسباب غير موجودة من الأساس وقد لخص أرسطو السبب والسببية عن اليونانيين في أربع أسباب رئيسية وهما

أ السبب المادي أي المادة التي يصنع منها الشئ فهي سبب في وجوده
ب السبب الصوري أي الهيئة أو الشكل الذي يتخذه الشئ
ج السبب الفاعل أي صانع الشيء
د السبب الغائي أي السبب الذي صنع من أجله الشيء

وهذه النظرة للسبب التي ذكرها أرسطو لم تكن الا عائق في تقدم النظرة العلمية فمثلاً المادة التي يصنع منها الشيء ليست إلا أداة يصنع منها الشيء والسبب الصوري ما هي الا فكرة في الدماغ لا ينتج عنها شئ في العالم المادي ، وأما السبب الفاعل في جميع الأحداث هو سبب مادي أي بمعنى أصح أسباب مادية تؤدي إلى نتائج مادية ، وفي الواقع لم يلصق أرسطو السبب الفاعل في شكل عاقل ولكن أردنا أن نفسر ذلك ،وأما السبب الغائي فهو كان أكبر عائق في تاريخ المعرفة العلمية حيث أن الإنسان أسقط ما يفعله هو على أحداث الكون فالإنسان لا يفعل فعل إلا وهو يقصد به غاية فأسقط ذلك على أحداث العالم من حوله فظن أن كل ظاهرة يكمن وراءها غاية بل و ذهب أكثر الوقت إلى أن يربط الغاية به فأعتقد أن كل ما في العالم يستهدفه هو والحقيقة أنه ذهب وراء تصور وهمي وبات يبحث له عن تفسير فالعالم تربطه مجموعة من الظواهر وكل ظاهرة تتسبب في ظاهرة أخرى في عجلة لا تتوقف .




اليقين والنسبية

المعرفة العلمية هي معرفة يقينية وهي أيضاً معرفة نسبية وهذا لا يعني أنها معرفة متناقضة ولكن من المهم أن نعرف متى تكون يقينية ومتى تكون نسبية ، فالمعرفة العلمية نسبية من ناحية أنها تبنى على براهين وأدلة منطقية ولا يمكن أن يلتقي هذا وذاك فمثلاً الجاذبية والوقت ينهاروا بداخل الثقوب السوداء والمنطق الأرسطي ينهار داخل العالم الكمي وقد تتغير قوانين الطبيعة في المستقبل لأننا لم نملك أي دليل على استمراريتها ، كما أنها أيضاً معرفة في تطور مستمر كما قلنا سابقاً فكل يوم تزداد وتتطور عن ذي قبل ، ولكنها أيضاً يقينية شمولية بمعنى أنها تسري على جميع البشر أي أنها معرفة عامة للجميع تتجاوز النطاق الفردي فهي تفرض نفسها على كل ذي عقل بالأدلة والبراهين فحتى وأن رفضها البعض تظل حقيقة فهي ليست كالفن تختلف من شخص للآخر بل أنها عامة ومجردة فهي عابرة للزمان والمكان وايدلوجيات وتحيز الأفراد فهي معرفة موضوعية ، وفي الحقيقة لا يمكن أن يكون هناك بناء معرفي صحيح إلا وهو بناء موضوعي والبناء الموضوعي يقف على أدلة موضوعية ، ومن هنا تكون المعرفة العلمية نسبية في حقائقها شاملة في موضوعيتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE