الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما قال فلوبير ..انا ...مدام بوفاري

عبد الغني سهاد

2021 / 11 / 30
الادب والفن


عندما قال غوستاف فلوبير ..انا مدام بوفاري ؟
بعد ان اشترى والده قصرا كبيرا يطل على نهر السين قرر الابن فلوبي ران يتخد منه مسكنا . وكان يكتب لمدة ستة ساعات في اليوم ويمزق ما كتبه في اليوم الموالي ..وفي ذلك الوقت يلتقي بالشاعرة لويز كوليه التي سرعان ما اصبحت عشيقته .حدثها عن حيرته في الكتابة كان قد قرا عليها قصة بعنوان البائسون وما ان انتهى من القراءة حتى قدف بالاوراق من النافذة وصاح ( هراء ...هراء ...كل ما كتبه هراء .متى متى تبدأ يافلوبير بدليتك الحقيقية ؟)..
قالت له كولييه ( يجب ان تعدل تماما عن كتابة موضوعات غامضة ..خد موضوعا من الواقع ..الم تقرأ في الصحف عن حكايو مدام (دلفين ديلمار )..انها تستحق عملا ممتازا بشرط ان لا تقول لي انك كنت احد عشاقها ؟)..
_ لللسف لم اكن في قائمتها .
_ حسنا اكتب عنها اذن .لو كنت امتلك موهبتك لما ضيعت هذه الفرصة ...
_ ماذا لو تعرضت الى مضايقة عشاقها ؟ هل تريديني ان انهي بقية عمري في السجن بتهمة التشهير بمواطنين شرفاء ....
ضحكت كوليه على عبارة مواطنين شرفاء. وكانت تدرك في قرارة نفسها ان الموشوع قد اسنهوى فلوبير وانه سيكتب عليه قريبا ..
اخد فلوبير يبحث عن حكاية المدام ديلمار . فماذا وجد ؟
كان الزوج يوجين ديلمار طالب طب يدرس الجراحة على يد والد فلوبير .(....).
وكان طابلا عاديا فشل في العديد من الاختبارات الجامعية ولم يستطع نيل دبلوم الطب فاصبح مامورا في احدى مراكز الصحة.و في ذلك الوقت تزوج بامراءة تكبره في السن لكنها توفيت بعد سنوات فاصبح وجيدا وراح يبحث عن رفيقة لحياته . عندئد قابل فتاة في السابعة عشرة من عمرها جميلو دات شعر اشقر وقوام متناسق كانت ابنتة لواحد من مرضى ديلمار . تعلمت في دير وقد امتلاء راسها بالاحلام التي تثيرها قراءة الروايات الرومانسية . في البدء انها تزوجت بفارس احلامها لكنها سرعان ما اكتشفت ان ديلمار انسان فاشل بل وثقيل الظل ولا يملك الطموح .وهي كانت تحلم برجل مندفع ومثير .لكنها بدى من ذلك تزوجت بانسان غبي يصفه فلوبير بدقة :( كان حديثه مسطحا مثل رصيف الشارع .انه لا يستطيع السباحة .لا يستطيع المبارزة والامساك بسلاح ناري .مشاعره عادية .يعانقها في اوقات محددة .واصبح الجلوس معه لا يحتمل .يحلو له ان يلتهم الطعام الذي امامه بشراهة ثم يذهب ال الفراش ليستلقي على ظهره ويشخر ..)
وكانت كثيرا ما تردد حين تكون وحدها :( يالاهي لماذا تزوجت ؟)..وتحاول ان تتخيل ذلك الزوح الذي لم نعرف رجلا وسيما وفطنا ومتميزا وجدابا ..وتسال نفسها ما العمل :؟
هل سيدوم هذا البؤس الى الابد ؟وهي تتوق الى الحياة الصاخبة تبحث عن الحب عن رجل يختطفها ويطير بها بعيدا . لذلك قررت ان تفتح الباب المظلم .ففي مقابل احتقارها لزوجها وللحياة السخيفة التي تعيشها معه نظرت في المرأة ال جمالها وايقنت انه بامكانها ان تحول احلام اليقظة الى واقع حي .قررت ان تكتشف عالما اكثر اثارة يجقق لها وجودها . وبدات تبالغ في انفاق الاموال على الالبسة وحضور الحفلات دون ان يعلم زوجها . وسرعان ما تراكمت عليها الديون وبعد ان تفقد الشهوة في الملابس والحفلات تقرر مع نفسها ان تغوي الرجال ..في البداية كان العشيق جارا لها يدعى كامبيون , ثم عامل المزرعة ,ثم كاتب العدل والعقود ,ثم العديد من الموظفين الشباب ..ويكتب فلوبير في الرواية لقد بدات تعيد الى ذهنها بطلات الرويات التي قراتها . وبدأ هذا الفيلق من النساء العاشقات يغرد في راسها ..اهملت زوجها وابنتها الصغيرة واقاربها وجيرانها .لكنها في النهاية بدات تشعر بالملل . كل هؤلاء العشاق الذين مارست معه الجنس مخيبون للامال ..واخيرا في فجر السادس من اذار 1848م بدات المشاكل تحاصرها . زوجها افلس .العشاق تبخروا .وهي تقرر ان تتناول جرعة مميتة من الزرنيخ لتنهي حياة بلا طعم ولا امل ...
كان فلوبير مقتنعا بان بان قصة (ديلمار )هذه هي الوسيلة الوحيدة لاثبات موهبته الادبية . ولاسكات الاصوات التي كانت تقول ان هذا الشاب الذي دخل عامه الثلاثين سيظل مجرد مراهق ابله طائش يلهت وراء رائحة النساء . الا ان هناك مشكلة يجب ان يجد لها حلا ..فاقصة سوقية ونشرتها معظم الصجف الصفراء ..لكنه لم يستطع مقاومة سحر السيدة ( ديلمار ) واصرارها على التمتع بكل ذرة منجسدها . بقيت مشكلة اخرى هي رفض امه القاطع ان يكتب موضوعا عن هذه السيدة خوفا من مقاضاته ..وايضا لان الموضوع مبتدل ..لكنه في النهاية استطاع اقناعها بعد ان قرر تغير اسماء الشخصيات لتتحول السيدة (ديلمار ) ال المدام بوفاري ..فلا اخد يعرف هذه الاخيرة ...
حسنا ...سارت الرواية ببطء شديد في كتابتها .ستة صفحات في كل اسبوع ..ومرو قال لامه : ( يالها من مهنة صعبة مهنة الكاتب ..والقلم اشبه بمذاف ثقيل ..)
ظل يعمل سبع ساعات في اليوم على مدى اكثر من خمس سنوات ..درس خلالها كل ما يتعلق بالروايات الرزمانسية ربما التي قراتها السيدة (ديلمار )..او مدام بوفاري ..وحاول دراسة ثاتير مادة الزرنيخ على وظائف الجسم ومن حين لاخر كانت الكتابة تصيبه بالمرض ..يقول :( عندما كنت اصف تسمم ايما بوفاري كنت احس بطعم الزرنيخ في فمي وقد عرضني ذلك الى الام في النعدة وسوء في الهضم ..رافقني طول حياتي .)
ويكتب ال صديقه :( لقد توقفت عن الكتابة ؟ لا استطيع مغالة دموعي ؟)..
ولم يكتف فلوبير بشهادات الجيران ومعارف السيدة (ديلمار) بل ذهب الى القرية يستطلع مجريات الاحداث التي تتعلق بتفاصيل حياة البطلة .. وفي الدوائر الرسمية ومراكز الشرطة اطلع على التقرير التالي ( يوم السادس من اذار 1848م انتخرت في قرية ري نورمانديا سيدة في السادسة والعشرين من عمرها بتعاطي كمية كبيرة من الزرنيخ )
وفي النهاية يجد نفسه قد كتب اكثر من 1800 صفحة من القطع الكبير .
لم يحاول فلوبير قراءة الرواية على المقربين منه . زيكتب ا مه :( اشعر انني كتبت عملا كبيرا .لا اريد عرضه على هواة تحطيم الادباء وحفاري قبور الاعمال الفنية . ساذهب بالمخطوطة الى الناشر ..توا )..لكنه ما ان يسلم هذه الحزمة الكبيرة من الاوراق الى احد الناشرين المعروفين الذي وجد صعوبة في قراءة خطه الرذيء . وايضا لم يستهويه الاسم . من يشتري رواية اسمها (مدام بوفاري )؟ كما ان الرواية تحتاد الى تعديلات سيقوم بها الناشر نفسه بدءا من الاسم الذي سيتغير الى (قلوب في العاصفة ) وانتهاءا بمشهد الموت حيث اقترح الناشر ان تقتل المدام بوفاري على يد زوجها بعد ان يضبطها متلبسة بالخيانة ....لم يريد فلوبي ران يصفع الناشر لكنه طلب منه بهدوء ان يرد الية مخطوطته ..وانصرف .
ذهب بروايته الى( صديقه مكسيم دو كامب ) الذي نشرها في مجلة ( ريفيو دو باريز ) على ستة اقسام . وقد اثار نشر الاجزاء اولى عاصفة .فما ان ظهرت الرواية حتى ثار المشتركون في المجلة وصاحوا غضبا ِ| ان المجلة تنشر قصصا فضائحية و لا اخلاقية | وكتبوا رسائل يهددون الناشر لان الرواية تسيء الى سمعة فرنسا بكاملها | وهل ثمة امثال تلك المراة . نساء يخدعن ازواجهن .ويقابلن عشاقهن في الفنادق وبيت الزوجية |
ويحاول الناشر ان يهدئ غضب القراء بان يطلب من المؤلف ان يجري تعديلات على الاحداث ..(اسف لن اعدل حرفا ..) اجاب فلوبير ..
_ انت لا تعرف حرج موقفي ...؟قال الناشر وهو يخرج من جيبه خطابا من سكرتير القصر الامبراطوري الفرنسي يقول فيه ان نابليون الثالث ..مزق العدد الذي نشرت فيه اول حلقة وقدف به في وجه السكرتير .....وما ان تمضي المجلة في نشر الحلقات الاخرى حتى تقوم نقابة الاطباء برفع دعوى تطالب فيها المؤلف والناشر بتعويض مالي كبير نه اساء الى سمعة الطب والاطباء .بعدها يتقدم عدد من المواطنين بدعاوى جديدو الى المحكمة بتهمة نشر عمل اباحي يسيء الى الدين ....ويقف فلوبير امام القضاء مدافعا عن وليده ..قائلا:( ايما بوفاري من ابتكارات خيالي ونتاج عبقريتي الفنية .. ايما بوفاري ...هي انا ...)
واخيرا اصبحت مدام بوفاري حرة ..واقترح احد الاصدقاء نشر الرواية كاملة في مجلدين ..وحلال عام 1857م صدر الجزء الاول الذي بيع منه 50.000 نسخة في شهر واحد. وارسل فيكتور هيغو تهانيه الحارة واعجابه الشديد بالرواية (مدام بوفاري ) وقال عن مؤلفها ان له اسلوب خاص به .

ع.س








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما