الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن وانسحاب السلفيين من الساحل الغربي!

منذر علي

2021 / 12 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ما يجري في الساحل الغربي له صلة مباشرة بما يجري في الساحل الجنوبي والشرقي. قبل أكثر من ثلاثة أشهر، تجرأ محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، بإيعاز من الشرعية، وطلبَ من الإمارات أن تنسحب من منشأة بلحاف لكي يتم تشغيلها والاستفادة منها بما يخدم الاقتصاد الوطني، لكن الإمارات اعتبرت ذلك الطلب ليس جراءة غير مقبولة فحسب، بل وقاحة لا تغتفر، وحاولت المراوغة أمام طلب المحافظ، بن عديو، وضغط قطاع واسع من أبناء شبوة، واستعانت الإمارات بالسعودية لكي تتوسط، تحاشيًا للصدام مع السلطات في شبوة. تدخلت السعودية، كعادتها، وتم الاتفاق على حل وسط بين سلطات شبوة والإمارات، وهو أن تنسحب الإمارات من بلحاف بعد ثلاثة أشهر، وتظاهرت الإمارات بالرغبة في الانسحاب من منشأة بلحاف خلال ثلاثة أشهر، ولكن الإمارات قالت شيئًا وأضمرت أشياء أخرى. الإمارات لم تكن ترغب في الخروج من بلحاف في شبوة، ولكنها كانت ترغب بقوة في البقاء في بلحاف، وتسعى بقوة أشد لإخراج محمد صالح بن عديو من شبوة، وإسقاط سلطات حكام شبوة في شبوة، تحت ذريعة أنهم إخوان مسلمون وإرهابيون وقتلة ومتواطئون مع الحوثيين، وعملاء لتركيا وقطر، ودخلاء على شبوة إلى آخر المعزوفة المعروفة. ولقد قال ذلك الإماراتيون وكأنّهم غير ما هم عليه، لكي يظهروا أمام العالم واليمنيين أنهم علمانيون، عصريون، متنورون، شبوانييون وطنيون وذوو نزعة عروبية رائعة، توحي لمن يسمعهم بأنهم يقفون في الصفوف الأمامية أمام بيت المقدس لصد العدوان الصهيوني عليه.
وبما أنَّ الإمارات لا تريد الاصطدام مباشرة بالقوات اليمنية في شبوة، سعت للاستعانة باليمنيين لقتل اليمنيين، وتسوية المسرح لها، وأقدمت على بعض المناورات الدبلوماسية، والاستعانة بالقوى الدولية لمساندتها على تحقيق أهدافها التوسعية في اليمن. كيف؟
***
فمن جانب طلبتِ الإمارات من الحوثيين أن يدخلوا مأرب ويجتثوا الإخوان المسلمين وبقايا الشرعية المهترئة، والأهم من ذلك، أو لنقُل بنفس القدر من الأهمية، طلبت من الحوثيين إلا يتقدموا صوب شبوة، وفي مقابل ذلك وعدتهم الإمارات أن تنسحب من الساحل الغربي وتفسح الطريق أمام قواتهم لكي يسيطروا على أجزاء واسعة منه. وفي ذات الوقت طلبتِ الإمارات من طارق عفاش أن يعزز سيطرته على المخاء وأن يوسع نفوذه إلى أطراف من محافظة تعز، ويقوم باجتثاث الإخوان المسلمين، وفي تناغم غير مُعلن مع الحوثين على الطرف الآخر، وبذلك يكون تم القضاء على "الشرعية" والإخوان المسلمين، ليس بصفتهم رجعيين عدميين أو حتى متدينين متطرفين أو منحرفين عن الدين الصحيح كما ترى الإمارات، ولكن بصفتهم مناهضين لها، ومواليين لقطر وتركيا. ولكن ما الحقيقة؟ الحقيقية، هي أن قطر وتركيا والإمارات والسعودية وإيران يستهدفون اليمن، أرضًا وشعبًا!
***
وفي سياق هذه المناورات السياسية والعسكرية المعقدة في اليمن، لعبتِ الإمارات على الوتيرة الدبلوماسية أيضًا، فسعت، بالتنسيق مع الأمريكيين والإسرائيليين، وبعثت بوزير خارجيتها، عبد الله بن زايد، إلى دمشق قبل أيام، لكي تخلط الأوراق وترسل رسالة سياسية لإيران مفادها أنها مختلفة عن السعودية، وأنها لا تعادي محور المقاومة، وخاصة إيران حيث تبلغ التجارة البينية بينهما قرابة 12 مليار دولار سنويًا. وهذا يعني أن التهديدات الحوثية الفضفاضة للإمارات لا معنى لها، على الأقل في الوقت الحاضر، ذلك أن قصف الحوثيين لإمارة دبي أو لأبي ظبي، يعني، بمعنى ما، قصف لإيران ذاتها، أو لنقُل الحاق أضرار بالغة بالمصالح الحيوية لإيران، وهذا غير ممكن.
كما اتفقت الإمارات مع البحرين وإسرائيل والولايات المتحدة لإجراء مناورات عسكرية كبرى في البحر الأحمر، وكأنها تقول للحوثيين والإيرانيين إن لم تتفهموا مطالبنا وتراعوا مصالحنا، ثمة مقاربات أخرى جاهزة للتعامل معكم، فالعصا لمن عصى!
***
وفي ضوء كل ذلك طلبتِ الإمارات من القوات السلفية التابعة لها في الساحل الغربي أن تنسحب من الحُدَيْدة وضواحيها وتتوجه إلى الجنوب وتستعد لدخول أبين وتلتحم مع قوات المجلس الانتقالي هناك وتكتسح شبوة، تحت ذريعة تحريرها من الحوثين والإخوان والمتطرفين، وتخرج محافظ شبوة من مركز المحافظة عنوة، أو تقتله، وتنصب غيره محافظًا للمحافظة، وتبقى في بلحاف في ظل سلطة جنوبية شكلية تابعة لها.
***
وبعد أن تتم السيطرة على شبوة، سيُطلب من تلك القوات السلفية أن توسع سيطرتها، ضمن اتفاق بين الإمارات والسعودية، وبما يلبي مصالحهما المشتركة، على حساب الوطن، وإذا أعترضَ الجناح اليساري في المجلس الانتقالي على ممارسات الإمارات والسعودية، سيُنعتون حينئذ، كم نُعتَ الذين من قبلهم، بأنهم إرهابيون وقتلة، وسيتم رشوتهم، أو قتلهم، وسيُطلب من القوى السلفية والأجنحة القبلية في المجلس الانتقالي أن تقوم بالمهمة، كما عملت مع الإخوان. وإذا أعترض السلفيون على ممارسات السعودية والإمارات، سيُتهمون، كما أُتهم الذين من قبلهم، بأنهم إرهابيون متطرفون، وسيُطلب من الانتقاليين والعفاشيين أن يقوموا بتصفية السلفيين، وإذا أعترض السلفيون والانتقاليون والعفاشيون والحوثيون على ما جرى من اتفاقيات وتقاسم للمصالح، سيُنعتون جميعهم، كم نُعت الذين من قبلهم، بأنهم إرهابيون وقتلة ومتطرفون، وستقوم السعودية والإمارات برشوة المعارضين، وسيُطلب من إسرائيل، التي تسبح في البحر الأحمر، أن تقوم بمهمة التصفية الانتقائية للرافضين. وفي كل الأحول وحتى لو استقرت الأمور على هذا النحو، فسيجري إضعاف الحوثين من قبل السعودية والإمارات وأتباعهما في الداخل، ولكن سيُؤجل أمر تصفيتهم، فالأمر، في الأول والأخير، مرهون بتطور الأوضاع السياسية في المنطقة العربية، والحوار الدائر بين السعودية وإيران، وبين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي.
***
وفي الأخير، سنكون أضعنا الوطن، بسبب تمزقنا وحماقاتنا، وستبرز أمامنا ثلاث مناطق نفوذ: منطقة الحوثي الإيراني في الشمال، من شمال تعز إلى أقصى شمال صعدة، مع مأرب والجوف شرقًا والصليف والحديدة غربًا، وستحكمها إيران بشكل غير مباشر، ومنطقة الانتقالي الإماراتي في الضالع ولحج وعدن وشبوة وسقطرى والمخاء وجزيرة ميون، وستحكمها الإمارات بشكل غير مباشر، ومنطقة النفوذ القبلي السلفي في المناطق الشرقية كالمهرة وحضرموت، وستحكمها السعودية بشكل غير المباشر. وكل هؤلاء سيكونون تحت المظلة الأمريكية والصهيونية في عصر الانحطاط والهوان اللذين يعصفان بالوطن والعالم العربي. وبذلك سيكون الإخوان المسلمون قد أصبحوا خارج اللعبة، واليسار قد ذبح، والشرعية ماتت والقطة السوداء بالت فوق صلعة الرئيس الشرعي.
في الختام، هذا، مع الأسف، ما سيكون عليه الحال، ولكن هذا لا يعني أنَّ هناك قدر بائس لا مفر منه، فالنهوض مازال ممكنًا، غير أن ذلك مرهون بالوعي وبوحدة الإرادة الوطنية التي ينبغي تعلو على المصالح الطائفية والجهوية والقبلية. والآن يمكنكم أن تغضبوا لكن لا ينبغي أن تسمحوا للتشاؤم أن يسيطر على عقولكم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست