الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيئات الحاضنة للفساد

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 12 / 2
الفساد الإداري والمالي


الأسباب الكامنة وراء الفساد وتفشيه في المجتمعات، يمكن إجمال مجموعة من العوامل المرافقة والمساعدة لممارسة الفساد التي تشكّل في مجملها ما يسمى ببيئة الفساد . وتجدر الملاحظة هنا إلى أن هذه الأسباب، وإن كانت متواجدة بشكل أو بآخر في المجتمعات كلها، تتدرج وتختلف في الأهمية بين مجتمع وآخر، فقد يكون لأحد الأسباب الأهمية الأولى في انتشار الفساد في بلد أو مجتمع ما، بينما يكون في مجتمع آخر سبباً ثانوياً. وبشكل عام، يمكن إجمال هذه الأسباب في النقاط الآتية:

ضعف سيادة القانون:

في معظم المجتمعات التي لم تستكمل حزمة التشريعات الخاصة بتنظيم العمل العام، وعدم كفاية التشريعات الخاصة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، أو وجود ضعف في احترام سيادة القانون تُنتهك الحقوق والحريات دون رادع، وتصادر حرية الرأي والتعبير والتنظيم، كما يحاصر دور الصحافة ووسائل الإعلام، وتهمّش الأحزاب والنقابات، وتضعف معها مؤسسات المجتمع المدني، ويختلّ التوازن بين السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ويستشري الفساد الاقتصادي والاجتماعي، وبذلك يتم نسف مرتكزات التنمية السياسية جميعها.

ضعف الجهاز القضائي:

إنَّ استقلالية وفعالية أجهزة النيابة العامة التي تتولى التحقيق والملاحقة للكشف عن الجرائم وتقديمها إلى محاكم لا يتمتع قضاتها بقدرتهم على تنفيذ الأحكام التي يصدرونها، يفتح المجال للإفلات من العقاب والمحاسبة والردع بما يشجع بعض الأشخاص على استسهال التطاول على المال العام، أو استغلال موقعه الوظيفي للحصول على مكاسب خاصة له أو لجماعته.

ضعف الإرادة والنية الصادقة لمكافحة الفساد:

وتتمثل في عدم اتخاذها إجراءات صارمة وقائية، أو علاجية عقابية بحق عناصر الفساد، بسبب انغماس هذه القيادة نفسها أو بعض أطرافها في الفساد، وبالتالي لا يتم تطبيق النظام بدقة وفاعلية على الجميع بسبب الحصانات، ويفلت من العقاب مَن لديه وساطة، أو محسوبية، أو نفوذ.

ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها:

إنَّ عدم استكمال بناء مؤسسات الدولة الرقابية بدءًا من وجود برلمان يراقب أعمال الحكومة كلها مرورا بوجود هيئات رقابة مالية وإدارية مثل ديوان الرقابة المالية والإدارية يضعف آليات المساءلة في قطاعات المجتمع المختلفة خاصة في الدول التي لا تلتزم بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، في النظام السياسي؛ مما يقود إلى طغيان السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة. يقود غياب الرقابة والمتابعة، بطبيعة الحال، إلى غياب الشفافية، خصوصاً فيما يتعلق بالأعمال العامّة للدولة. وينتج عن ذلك تمتع المسؤولين الحكوميين بحرية واسعة في التصرف، وبقليل من الخضوع للمساءلة؛ مما يشجعهم على استغلال مناصبهم، لتحقيق مكاسب شخصية.
تدخل الحكومة في السوق الاقتصادي:

وتتمثل في كونها منافساً للتجار بديلا عن دورها الإشرافي والرقابي وصنع السياسات العامة، فالأرباح المتاحة تجعلهم المسؤولين في هذه الحالة عرضة للرشاوى من أطراف في القطاع الخاص أو استخدام السلطة الممنوحة والصلاحيات للحصول على تسهيلات للأطراف ذوي العلاقة من الأقارب والمحسوبين عليهم.

ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني:

إن ضعف دور المؤسسات المدنية في الحياة العامة، والمؤسسات المتخصصة بمحاربة الفساد، أو التي تعمل على التوعية بأهمية مكافحته. إنَّ ضعف المؤسسات الأهلية بأشكالها المختلفة مثل النقابات بأنواعها، والمؤسسات الأهلية بما فيها الجمعيات الخيرية والمهنية، ومؤسسات البحوث المتخصصة في المشاركة في بلورة السياسات العامة وإقرار الموازنات والخطط الوطنية في المجالات المختلفة والرقابة على تنفيذها بشكل عام وعلى أعمال الحكومة بشكل خاصّ، والأعمال العامّة بشكل عام. خاصة إذا ترافق ذلك مع ضعف دور وسائل الإعلام ومحدودية الحريات التي تتمتع بها هذه الوسائل في الكشف عن قضايا الفساد.

ازدياد فرص انتشار الفساد في البلدان التي تمّر في مراحل انتقالية:

تشهد هذه البلدان ظروفاً خاصّة، سواء كانت سياسية مثل الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة بناء الدولة، أو ظروفاً اقتصادية مثل التحوّل من نظام اقتصادي إلى آخر، أو ظروفاً اجتماعية خاصة تؤثر على النظام السياسي بشكل كبير. خاصة عندما يترافق الوضع الانتقالي مع حداثة بناء المؤسسات الوطنية والقوانين أو عدم اكتمالها؛ الأمر الذي يوفر بيئة مناسبة للفاسدين، وتزداد الفرص للفساد مع ضعف الجهاز الرقابي في الرقابة على أعمال الموظفين في هذه المراحل الانتقالية.

انتشار الجهل مع ثقافة متساهلة:

يسهم الجهل والتخلف وعدم الوعي بأهمية المحافظة على المال العام ونبذ الواسطة والمحسوبية والإبلاغ عن الفاسدين في تفشي الفساد، فحيثما هناك جهل عام بالحقوق الفردية للمواطن وبحقه في الاطلاع والمساءلة على دور الحكومة، وعملها في كثير من المجالات. وكذلك قلة الوعي بطبيعة الفساد وأشكاله ومخاطره، إضافة إلى ضعف الوعي الديمقراطي، والوعي بحقوق المواطن يساهم في انتشار الفساد، بالإضافة إلى عدم المعرفة بالآليات والنظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة؛ وبالتالي عدم القدرة على الاعتراض على أعمال الحكومة بسبب عدم استخدام نظام للشكاوى فعال.

انخفاض أجور الموظفين الحكوميين وارتفاع مستوى المعيشة:

وهو الأمر الذي يشكل دافعاً قوياً لقيام البعض بالبحث عن مصادر مالية أخرى، حتى لو كان ذلك من خلال الرشوة الصغيرة بخشيش أو إكرامية التي يتم تبريرها أحيانا من قبل البعض لحصوله على الخدمة بشكل أفضل دون الانتباه أن ذلك قد يكون على حساب الحق في القانون أو على حساب آخر.

لا يمكن لأي منظومة تحارب الفساد وتعزز قيم الشفافية أن تنجح من دون تأمين البيئة القانونية و الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المناسبة والتي تمكن هذه المنظومات من تطبيق القانون وتعزيز قيم الشفافية في المؤسسات والمجتمعات .


المراجع

1. المهنية والنزاهة قطاع الخدمة العامة – مركز النزاهة في قطاع الدفاع ، 2015
2. معالجة تضارب المصالح في القطاع العام– مركز النزاهة في قطاع الدفاع ، 2015
3. إدارة المال العام - تفويض صنع القرار – مركز النزاهة في قطاع الدفاع ، 2015
4. تنمية الإدارة المهنية في المؤسسات العامة– مركز النزاهة في قطاع الدفاع ، 2015
5. الحصول على المعلومات وحدود الشفافية العامة– مركز النزاهة في قطاع الدفاع ، 2015
6. إدارة مخاطر الفساد والاحتيال العقاري في قطاع الدفاع– مركز النزاهة في قطاع الدفاع ، 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص