الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة الوثنية لعقيدة التوحيد ، و آثارها الكارثية على الوعي الجمعي للموحدين (٣)

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2021 / 12 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


( الحقيقة الوثنية لعقيدة التوحيد ، و آثارها الكارثية على الوعي الجمعي للموحدين _ 3 )

الجزء الثالث و الأخير !

قلم #راوند_دلعو

🥀( أثر التوحيد على الجماعيّة )

تعاني مجتمعاتنا الشرقأوسطية في العصر الحديث من فقر مدقع في الأعمال الجماعية على جميع المستويات العلمية و العملية و الثقافية ... بينما نجد أن فكرة العمل الجماعي هي السّر الكامن وراء الإبداع و التميز في حاضرات الأمم المتقدمة ، فغالباً ما نجد أن كل قفزة تاريخية أو وثبة فكرية حضارية أو خرق فكري أو سبق معرفي إنما وراءه عمل جماعي متقن قد بُنِي على تراكم معرفي و توازع دقيق للأدوار ، فمعظم الإنجازات الحضارية الإبداعية الخلَّاقة حول العالم إنما قامت على فلسفة ذوبان الأنا في الجماعيّة التشاركية ، لاسيّما في العقود الأخيرة.

♦️♠️( الجماعيّة في العالم المتحضّر )

فلو قمنا برحلة بسيطة في العالم المتحضر و سبرنا ثنايا الإبداع في مختلف قطاعات و مرافق الحياة ، لوجدنا غياباً واضحاً للأنا و الذاتيّة مع حضور ملفت للجماعيّة في كل شيء خلّاق ... فمن العمليات الجراحية في المشافي ، إلى مختلف أنواع التصاميم الثورية في الشركات الهندسية إلى الصناعات الثقيلة و الكيميائية إلى مختبرات البحث العلمي إلى الفنون ثم عمليات الابتكار و التحديث في شتى القطّاعات لا سيما الفضاء و التكنولوجيا و التعليم و السياسة و القانون ... إلى إلى إلى ... فنجاح كل ذلك إنما وراءه تراكمات لعمل جماعي تشاركي منظم ... بل من هنا سمي مقر أي عمل بال ( شركة ) ... لأن العمل الإبداعي تشارك محض و تعاضد واضح ، فالفكر لا يتطور إلا بالتلاقح و التبادل و التضايِيْف ... و إلا لبقي جامداً راكداً كالماء الآسن.

و لو اطَّلَعنا على ضوابط و قواعد العمل و سلوكيّات العمال في العصر الحديث ، لوجدنا أن الجماعية مستشرية في كل حقوله و مجالاته أفقياً و عمودياً ... من رأس الهرم ( الذي لم يعد شخصاً بل مجلس إدارة يعمل أفراده بشكل جماعي ) ، إلى قاعدته ... فالكل للواحد و الواحد للكل ...

و لقد طغت في الغرب تلك النكهة الجماعية و البصمة التشاركية إلى درجة استهجان الناس للأعمال الفردية إذا صودفت على ندرتها ، و ذلك بسبب مخالفتها للسياق المجتمعي العام .

فها هي الجماعية في الغرب تبدو للراصد و قد نحتت وعيهم الجمعي بأزاميل التشارك و التعاطف و التعاضد و التنوع ... و لو عدنا إلى الماضي للاحظنا بأن الجماعية في الغرب بدأت كظاهرة اجتماعية بشكل خجول مع بدايات عصر النهضة حيث ضعفت قبضة الدين على معظم نواحي الحياة ، ثم أخذت بالتوسع و التوسع ثم انتشرت ثم تعاظم أمرها حتى دمغت جميع تفاصيل الحياة المعاصرة في الأمم المتحضرة ...

أما في مجال الثقافة و الحركة الفكرية ف#الحق_الحق_أقول_لكم .... لقد حشرت الجماعية أنفها في جميع مجالات البحث العلمي و الكتابة و التأليف و الروايات و رسالات الدكتوراه و الأبحاث و الأطروحات الكبيرة و الصغيرة ... إذ غالباً ما تقوم هذه الأعمال عند الأمم المتحضرة على فكرة التشارك الجماعي !

فلو سبرنا المقررات الجامعية في الجامعات الغربية الرائدة مثلاً ، لوجدنا أنها أعمال جماعية في الغالب ، فمن النادر أن نجد كتابَ طب أو هندسة أو فيزياء أو علوم لمؤلف واحد ... إذ غالباً ما تتشكل الفرق الأكاديمية عالية التخصص لتأليف الكتب الجامعية ، بل حتى تلك الكتب المدرسية التي قد نظنها بسيطة ، نجد أن جيشاً من المؤلفين وراء كل كتاب فيها !

و قس على ذلك كل مرافق الحياة المتحضرة تقريباً ، فلو دخلنا إلى متحف الجماعية في الغرب لوجدنا حضوراً مشعاً لجميع نشاطات الحياة الفكرية بلا استثناء ... اللهم إلا الشِّعر ؛ إذ لا يزال متشبثاً بفردانيته الأحدية ( في الغالب ) ، و انعزاليته الواحدية و برجيته العاجية ... و ذلك لأنه تجربه تعكسها أنَاً واحدة لشاعر واحد فقط ، و لكل شاعر تجربة و من النادر جداً أن يتشارك أكثر من شاعر نفس التجربة ، لهذا نجد أن الفردية جزء أساسي من صميم العمل الشعري إلى يوم البشر هذا.

⚫⚪🔵🔴

♦️♣️( التوحيد و الفردانية تغزو مجتمعاتنا )

إن ما سبق من ومضة استطلاعية إنما كان على شواطئ العالم المتحضر و مُوزاييك الأمم المتطورة ... أما لو نقلنا العدسة إلى شرقنا الأوسط الدّفين حيث العتم الدّكِين ، لوجدنا أن الواقع مُمِضٌّ منكوب بالأنانية المستشرية و الواحدية المتسلطة ... ففي بلانا يا صديقي ، يلتهم صنم الأنا الفرداني جميع مفردات الإبداع الجماعي من خلال إقصاء و تنحية فلول الجماعية من جميع القطاعات تقريباً على مسرح الفكر و الحضارة ...

💠 #الحق_الحق_أقول_لكم ... لقد لاحظنا كيف اغتالت الفردانية الجمال في كل شيء كل شيء ! ... من الفن إلى السياسة إلى الاجتماع إلى مختبرات البحث إلى إلى إلى .... {{{ فقد ابتدأت الفردانية من دائرة المجتمع اللاهوتي مع ظهور فكرة ( التوحيد: الخضوع للواحد ) ، فقتلت جمال التعددية في فكرة تعدد الآلهة ، إذ أبقت على إله واحد متسلط مصاب بمرض الإيجو ، يَعبُدُ و يُعَبِّدُنا أناه المتغطرسة .... إله أحد جبار منتقم متوحش مستأثر بكل صفات الكمال وحده ... بينما كل ما عداه نقائص مشيطنة مقبوحة مطرودة مبعدة خبيثة !

✳ و قد نبعت هذه الفردانية من وثنية اللاهوت الواحد الأحد ، و ما نشأ عنه من مؤسسة دينية سيطرت على تفاصيل حياتنا اليومية ، فأنتجت _ كما لاحظنا _ فكراً شمولياً مقولباً بالواحديّة الأنانية ، فأفرزت رسولاً واحداً ( محمداً ) و كتاباً مقدساً واحداً ( القرآن ) ، و فلسفة واحدة ، ثم انتقلت إلى شكل الحكم فأفرزت الحكومات الثيوقراطية التي يتربع على رأسها حاكماً ديكتاتوراً واحداً ( الخليفة ظل الله على الأرض ).

⛔ ثم انتقلت إلى الأسرة ، فأنتجت مفهوم رب الأسرة ، الإله الذَّكَر ، الذي يسيطر على العائلة مهمشاً دور الأنثى ممارساً أبشع أنواع الديكتاتورية الفردانية عليها .... ( و قد شرحت ذلك في الفصل السابق ).

🍒 ثم انتقلت مصائب الفردانية إلى بيئة العمل فكرّست و عمقت القطبية الواحديّة التي نشأ عنها الشِّلَلية العصاباتية و رؤوس المافيا المالية و الرأسمال المالي الذي تكدس بيد الفرد المستأثر بمعظم الأرباح ... ليصاب المجتمع بداء الطبقية ( آلهة على شكل مُلّاك للأراضي و الشركات و المعامل _ و عوام على شكل عبيد ).

و هكذا أَجهضت الفردانية كل الجمال في موروثنا الذي طغت عليه الآحادية فضمر و تقزم و تجمد مقارنة مع الخصب و الجمالية و الحركيّة المفرطة في التراث الأوروبي ( الهيليني و الروماني ) و ما يحويه من آلهة متعددة تتعاضد فيما بينها لتنسج أساطيرَ في غاية الروعة و ( الجماعية ) و التعددية و التنوع و الدراما و تنوع المهام و قبول الآخر .... }}}

#الحق_الحق_أقول_لكم .... إن الفردانيّة في تراثنا و واقعنا وحش التهم كل ألوان الطيف الضوئي و أبقى على لون واحد باهت بلا نكهة و لا طعم ... فقتل الجماعية في وعينا الجمعي و أبدلها بالأنا و الأحدية ، فقد اقتحمت الفردانيّة كل مفردات عرفنا حتى أعمته ... إنها مرض استشرى فأصاب كل مرافق الحياة حتى تلك الأمور و الأعمال المعاصرة التي لا يمكن تصورها خارج نطاق الجماعية !!!

فكم من فرد أناني في بلادنا طوى عملاً جماعياً كاملاً مستأثراً به تحت جناحه ... ؟

🍭 ( العقلية الفردانية في العمل )

و لكي أُبسِّط كيفية اجتياح العقلية الفردانية لمجالات العمل في الشرق الأوسط سأتحدث عن استشراء هذه الكارثة في قطاع الفن كأحد أهم مجالات العمل في العصر الحديث ، فلو دخلنا عالم الفن على سبيل المثال لا الحصر ، لوجدنا العجب العجاب ، ففي حين لا يمكن تصور العمل السينمائي أو المسرحي أو الدرامي خارج إطار الجماعية التشاركية في العالم الغربي .... نجده موسوماً بالفردانية و الواحدية في شرقنا الأوسط ، فقد فعلت الأنا فِعلتَها في الوسط الفني إذ حولت بعض الممثلين إلى رؤساء عصابات ... فواحدهم يرى في نفسه الإله الواحد ، فيضع اسمه بالقلم العريض على المسرحية أو المسلسل أو الفيلم ... مستأثراً بالبطولة المطلقة ... و لسان حاله يقول : أنا الممثل الأهم ، أنا الشخصية المحور ، أنا رب الفن الأعلى !!

و لو استطاع أن يلعب جميع الأدوار في العمل التلفزي أو الدرامي لما قصّر و لا توانى !!! و كأن زملاءه في العمل عبارة عن هباء منثور أو تكملة عدد أو ظلال هامشية تدور في فلك الإله الواحد ( رب الفيلم أو رب المسرحية أو المسلسل الدرامي ) ... أنا البطل المطلق ، أنا و من بعدي الطوفان !

⬅️ فمن الممثلين الفردانيين ( رؤساء العصابات ) من يلقب نفسه بالزعيم ، و منهم من اختار لنفسه لقب الإمبراطور ، و منهم الساحر و منهم الملك و منهم السلطان و منهم و منهم ... و لكلّ عصابة هو راعيها !

و أنا أرى في هؤلاء مجرد حالات عقوق و انقلابات على جماعية و جمالية العمل الفني.

و إليكم قصة وصوليّتهم منذ البداية :

في الحقيقة دائماً ما تبدأ القصة بنجاح عمل جماعي له عدة أبطال كالمسرحية المصرية ( مدرسة المشاغبين ) و المسلسل السوري ( مقالب غوار ) ؛ و هي و مثيلاتها أعمال ناجحة ، أفصحت الجماعية فيها عن نفسها بجلاء ، إذ لا وجود فيها للبطولة المطلقة ، فالكل أبطال ...

لكن للأسف ، ما لبثت أن طغت عقلية الإله و القطب الواحد المتوارثة على بعض أبطال هذه الأعمال ، فانتهت الجماعية من حياتهم مع إسدال الستارة و انتهاء الشغب في مدرسة المشاغبين و المقالب في مقالب غوار ، حيث دفعت الأنا أبطال هذه الأعمال إلى عقوق الجماعية و التمرد عليها ثم التفرد بالبطولة المطلقة في كل أعمالهم التالية ...

فكونوا لأنفسهم جماعات فنية خاصة ، و كل منهم ديك على جماعته ، إذ يبجّلونه و يسبحون بحمده و يسيدونه عليهم ، يطيعونه طاعة المربوب لربه و خنوع المألوه لإلهه ، يستأثر دائماً بالبطولات المطلقة في كل الأعمال فيتضخم لاهوته ليصبح ( الزعيم ) أو ( الملك ) أو ( الساحر ) أو ( العراب ) أو ( الإمبراطور ) أو ( السلطان ) أو ( النمبر ون ) ! ... يرضى على فلان فيُرقِّيه من رتبة كومبارس إلى ممثل ... يغضب على فلان فيهمشه حتى يموت في عين العدسة ... ! يختلف مع الكاتب الفلاني فيحاربه مادياً و معنوياً ... تغريه طالبة فاشلة في معهد التمثيل فيقدم لها دور بطولة !!! يأتيه فلان بلا موهبة عن طريق علاقة شخصية فيوظفه و يأمر بالاعتناء به و تقديمه للجماهير كفنان محترف ...!

و هكذا ، ما هي إلا بضعة سنوات حتى تحولت الساحات الفنية في سوريا و مصر إلى كانتونات و عصابات ، و كل كانتون له إله واحد وسع كرسيه سماوات و أرض الفن و لا يؤوده حفظهما و هو العلي العظيم.

⬅️ نلاحظ من خلال هذا السيناريو الذي عرضته للتو أنَّ للفردانية سيّئاتها التي لا تعد و لا تحصى على قطاع العمل و الشركات ، فمن هذه السيئات :

١_ أنها تلغي تكافؤ الفرص.

٢_ تغذي الوصولية.

٣_ تغذي الوسائطية و المحسوبيات و العلاقات الشخصية.

٤_ و بالتالي تهمش المبدع الحقيقي الذي يستحق الفرصة.

٥_ في حين تفتح الأبواب للفاشل الواصل كي يتسيد الأعمال !!

٦_ و من سيئات الفردانية أنها غيرت بنيوية بيئة العمل و ما يتفرع عنها من عمليات هيكلية كإسناد الوظائف و طرائق الترقيات و التنحيات ... مما يؤثر على هيكلية و تراتبية الهرم الوظيفي ككل.

٧_ و بما أن الفردانية تؤثر على بنيوية و هندسة بيئة العمل فهي بلا شك تؤثر بشكل واضح على طريق النجاح و إثبات الذات و من ثم الإنتاج ...

ففي العمل الجماعي يتم إسناد الوظائف إلى الناس بناء على الكفاءة ، إذ يتم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ... لتستمر الجماعية ثم لتتعمق ثم لتتطور إلى أن يتكامل المشروع مع تعدد التشكيلات و تنوع الأدوار ...

⬅️ أما الفردانية فقد لاحظنا أنها أفسدت ديموغرافية بيئة العمل و شوهتها ... فالقبول في الشركة يتم بناء على الواسطة و العلاقات مع رأس الهرم الفرداني ، لتبدأ مرحلة التسلق على أكتاف رأس الهرم ، ثم لتأتي مرحلة الانشقاق عن الشركة الأم و الابتداء بشركة جديدة و التي لن تكون بذاك النجاح ، لأن رأسها قد تم اختياره بالواسطة ثم انشق عن الفرداني الأصل ... !

٨_ و هكذا نجد أن من شأن الفردانية أن تولد بيئة عمل شوهاء تتوالد بالانشقاقات و الانقلابات ... و هي ظاهرة غير صحية و لا تؤدي إلى تطوير العمل بل تخلفه و جموده.

⬅️ و من الجدير بالذكر أن هذا السيناريو لا يقتصر على عالم الفن و المسرح و السينما ، بل يتعداه إلى جميع أنواع الشركات و المؤسسات في جميع مرافق المجتمع لاسيما مؤسسة السلطة حيث تكثر الانقلابات العسكرية في الدول الديكتاتورية ...

و قس على ذلك الحياة العملية في جميع الشركات و المعامل في شرقنا الأوسط النّكيب.

فعادة ما تبدأ الشركة الصغيرة بروح العمل جماعي لأنها تدرك أن الجماعية أساس النجاح ،ثم ما يلبث أن يسيطر عليها فرد واحد يقوم بتنحية باقي الأعضاء المؤسسين الذين يشكلون خطورة على مستقبله من منظوره الضيق ... ثم يتفرد هذا الإله بالسلطة في الشركة ، فيتم تبني الموظفين و تقليدهم المراكز بناء على الواسطة و المحسوبيات ، ثم لينقلب السحر على الساحر إذ لا يلبث أن يتمرد أحد الموظفين على مديره فإما أن ينحيه أو أن ينشق عن الشركة ليؤسس شركة جديدة تعاني من الكساح لأنها لم تنشأ عن بيئة عمل جماعي !!

🍄 و لو تساءلنا عن السبب لأدركنا مرة أخرى أَنَّهُ وعينا الجمعي المنحوت بأزاميل التوحيد و الفردانيّة ، و ثقافتنا ذات القطبيّة الواحديّة تلك الثقافة التي انبثقت عن عقيدة التوحيد الفرداني المتمثلة بديانتنا المحمدية التي نحتت وعينا الجمعي بالإقصاء و الإرهاب و الفردانية و العبودية لأنانية الواحد ... تلث الثقافة التي لا تتقبل الجماعية و لا تعرفها و لا تستسيغها !

💠 ( فَرْدَنَةُ التّجارب الجماعيّة )

و هكذا نلاحظ أن مجتمعاتنا ذات الموروث المحمدي تقوم بفردنة العمل الجماعي فيتقزم ليتقوقع في ( أنا ) الشخص ، و بالتالي يتم إجهاض المجموع في مصلحة الأنا ... بينما تقوم المجتمعات الغربية بجَمعَنَة العمل الفردي فيتعاظم و يتحول إلى عمل عملاق خلَّاق إبداعي وارف !

و لكي أشرح كيفية تعامل وعينا الجمعي الفرداني مع الأعمال الجماعية ، سأقدم المثال الواقعي التالي :

هناك فرقة من المبدعين المصريين و هم : صبري النجريدي ، أبو العلا محمد ، محمد القصبجي ، زكريا أحمد ، رياض السنباطي ، محمد عبد الوهاب ، بليغ حمدي ، سيد مكاوي ، محمد الموجي ، مأمون الشناوي ، عبد الوهاب محمد ، حمزة حمزة ، أحمد رامي ، فاطمة إبراهيم البلتاجي ... الخ.

فرقة عملت بشكل جماعي مذهل فقدمت أغان رائعة حفرت بماء الذهب في ذاكرة شعوب الشرق الأوسط و انتشرت انتشار النار في الهشيم ... بل تحولت إلى حركة إبداع عالمي و باتت إسطوانات هذه الفرقة تباع في كل أنحاء العالم حتى صارت محط تقدير جميع الهيئات الموسيقية في كوكب الأرض !!

لقد شكلت هذه الفرقة بعملها الجماعي أسطورة فنية مصريه ناجحة بشكل ملفت ، لكن للأسف يلاحظ المتابع أن كل وسائل الإعلام الشرقأوسطية _ من مجلات و صحف و جرائد و برامج و قنوات فضائية و محطات إذاعية _ إنما تقوم بنسبة هذا الميراث الجماعي الخلاق إلى فرد فقط و هو المطربة أم كلثوم ( فاطمة إبراهيم البلتاجي )... فيقال عن هذه الأعمال بأنها : أغاني أم كلثوم !! بينما الواقع أن ( أم كلثوم ) عبارة عن جزء بسيط من إسطورة جماعية تبلورت على الساحة الفنية الشرقأوسطية ككل ، فهذه الأسطورة عباره عن جيش جبار من الشعراء و الملحنين و الموسيقيين و الموزعين و مهندسي الصوت و العازفين المذهلين!

و هنا نلاحظ كيف تدخل وعينا الجمعي المنحوت فردانياً ، فزور الواقع مهمشاً جماعية هذه الفرقة ، زاجّاً لكل أعمالها في سجن الأنا الكلثومي فقط !

فيقال في الإذاعات و المحطات الفضائية :

أغنية( بعيد عنك ) لأم كلثوم ! بينما بعيد عنك لبليغ حمدي و مأمون الشناوي و أم كلثوم و سيد سالم و الحفناوي و كل من قام على نجاح هذا العمل ...

الحق الحق أقول لكم ... إنه لمن الكفر بمكان أن نقول : أغنية ( ألف ليلة و ليلة ) لأم كلثوم !!

إن السيدة فاطمة البلتاجي ( أم كلثوم ) لأضعف و أعجز و أبسط بكثير من قدرتها على إنجاز هكذا عمل موسيقي ضخم يساوق أضخم السيمفونيات روعة و جمالية و تأثيراً من حيث التطريب و السحر و الجمال !

هناك ألف شخص و شخص وراء أغنية ألف ليلة و ليلة .... لاسيما الملحن العظيم بليغ و أعضاء الفرقة الموسيقية الذين عاشوا اللحن نغمة نغمة و نوتة نوتة ...

ثم لنقس على ذلك أغنية لسة فاكر و غلبت أصالح و هجرتك و هذه ليلتي و الأطلال و إنت عمري .... الخ

فأم كلثوم ليست مسيرة امرأة ، بل مسيرة جيش من المبدعين ابتداءً من الشيخ أبي العلا و انتهاءً بآخر من ساهم بإصدار آخر إسطواناتها.

و بنفس الطريقة نلاحظ أن كلاً من فيروز و وردة و صباح فخري و و و جميع أقطاب الغناء الناجحين عبارة عن إنجازات جماعية قام وعينا الجمعي و موروثنا التوحيدي الفرداني باختصارها في شخصيات فردية... لأننا ببساطة و اختصار ننحو لاشعورياً نحو تقديس الشخص الأحد ...

➖ و أخيراً أحب أن أنوه للأخ القارئ أن فردنة التجارب الجماعية داء أصاب جميع قطاعات الحياة في بلادنا .... فلو عدنا لمصر مرة أخرى لوجدنا أنه تم اختزال الجماعية في ما يسميه المصريون بثورة الضباط الأحرار بشخصية جمال عبد الناصر .... فالثورة بدأت جماعية ، ثم تم الانقلاب الفوري على تلك الجماعية و تم اختصار البلد بشخص واحد ! لنعود مرة أخرى إلى الفردانية.

و لهذا نجد أن كل شيء في بلادنا باهت و خجول و متواضع و ديكتاتوري و ضحل من الناحية الفكرية لأنه قائم على الفردية ، اللهم إلا بعض التجارب الناجحة هنا و هناك ، و التي يقوم بها بعض الشباب المتنورين ، و ما نجاحها إلا لأنها أعمال جماعية انقلبت على محمدية الواقع المعاش في الشرق الأوسط .... لكننا مع ذلك لازلنا نصبغ الغالب الأعظم من تجاربنا بالفردانية ، لأن الفردانية نحتت وعينا الجمعي بشكل عميق ، فبتنا غير قادرين على تقبل الجماعية في بلادنا.

إنه داء التوحيد الذي زُرع كعقيدة في أرضنا بالسيف منذ ألف و أربعمائة سنة ثم تغلغل في كل مرافق حياتنا إلى أن حاصرنا ثم ثبّتنا !

الرسم لتوأم الروح #فنسنت_فان_كوخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط