الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيمائية العتبات النصيّة وأسماء الشخصيات والأماكن في روايات (إنعام كجه جي )

حيدر مكي الكناني
كاتب - شاعر - مؤلف ومخرج مسرحي - معد برامج تلفزيونية واذاعية - روائي

(Haider Makki Al-kinani)

2021 / 12 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أ‌- مدخل سيميائي:
يبدو أن السيميائيات أمست حقلا معرفيا موسوعيا جديدا، كالحقول المعرفية الشمولية التي عرفها الفكر الإنساني قديما كالفلسفة, و حديثا كالتاريخ, فأصبح مفهوم العلامة السيميائية مفتاحا معرفيا, لولوج كلّ مجالات الدراسة, و البحث و الاستقصاء, لما يوفّر هذا المفهوم من قدرة على الوصف, و التفسير و التجريد, و إمكانيات الفهم و التحليل. ( )
ومن أهم المحاولات في تعريف هذا العلم (فردينان دي سوسير,1857-1913 ) فهو من مهّد له فقال:" إن اللغة نسق من العلامات التي تعبر عن الأفكار، وإنها لتقارن بهذا من الكتابة ومع أبجدية الصم والبكم، ومع الشعائر الرمزية، ومع صيغ اللباقة، ومع العلامة العسكرية (...) وإننا لنستطيع أن نتصور علما يدرس حياة العلامات في قلب الحياة الاجتماعية، و انه العلاماتية (...) وانه سيعلمنا مما تتكون العلامات وأي القوانين تحكمها" ( ). فقد تنبأ (سوسير) بإمكانية هذا العلم في دراسة الأنظمة العلاماتية، من خلال تصوّر هذا العلم وتبيان اشتقاقه, وأصله و علاقته بعلم النفس, وعلم اللسان الذي سيكون جزء منه, وبيّن ذلك من خلال وظيفته, وأهميته في بيان مدلولات الإشارات وقوانينها فقال:" يمكننا إذن تصور علم يدرس حياة العلامات في صدر الحياة الاجتماعية، وهو يشكل جزء من علم النفس الاجتماعي، وبالتالي من علم النفس العام، ويطلق على هذا العلم (السيميولوجيا)(Semiologie ) تلك التي تدلنا على كنه وماهية العلامات، وما الألسنية إلا جزء من هذا العلم العام." ( ) فمهمة السيميائية حسب (سوسير), دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية.
لكن مفهوم العلامة عند (شارل ساندرس بيرس) انبثقت من نزعته الفلسفية المستوحاة من (كانط), وهذا يدلّ على سعة الخلفية المعرفية لــ( بيرس) في الفلسفة والمنطق والرياضيات, حتى أنه قال: " لم أكن في يوم ما قادرا على دراسة كل ما درسته – رياضيات، ذهن، ميتافيزيقا، تجاذب، علم الحراريات، البصريات، الكيمياء، التشريح، المقارن، علم الفلك، علم النفس، الفونيتيك، الاقتصاد، تاريخ العلوم(...), ما لم تكن دراسة سيميائية." ( ) فهو يعني بعلم السيمياء"مذهب الطبيعة الجوهرية والتنوعات الأساسية للدلالة الممكنة " ( ).
يمكننا القول وفق هذا بأن الإشارات و العلامات المحيطة بنا, تتكلّم عن نفسها، سواء أكانت معلومة أو مجهولة بالنسبة لنا. فالعالم مليء بالعلامات و الإشارات, بالرموز و الشيفرات، التي استدعت في مجموعها حضور هذا العلم، ليعمل إلى جانب العلوم الأخرى في زعزعة نظام الاعتباطية, ذلك العلم هو علم (السيمياء). ( ) وعُدَّت الدراسات التي قدمها (سوسیر) نموذج التأسيس وعلم للعلامة ، لاعتماده مبدأ ثنائيات لسانية، فَعَمِدَ للتمییز الجذري بین الّلغة والكلام، أو بین النظام الّلغوي العام.


فاللسان واقعة لها خصوصية, من ناحية الرقي والأهميّة بالنسبة لباقي الأنساق, بل يمكن عدّه الأداة الوحيدة, التي من خلالها نعقل الكون ونحوّله من مجرّد (معطيات حسيّة بلا نظام) إلى كون يُعقل من خلال المفاهيم, وتبرز أهميّة اللسان, من خلال استحضار الروابط الممكنة بين الأنساق وموقعها, حينها نُدرك أهمّية اللسان ودوره الرئيس في التواصل وتنظيم التجربة, ودوره في التجربة وإنتاج الدلالات وتنويعها. ( ) ويعدّ "اللسان أرقى هذه الأنساق لأنه يعد مؤولها ووجهها اللفظي. وهو أيضا المصفاة التي عبرها تحضر هذه الأنساق في الذهن. فلا يمكن الإحاطة بجوهر هذه الأنساق ومعرفة طرق اشتغالها, فاللسان وحده يستطيع أن يكون في نفس الآن أداة للتواصل ( فهـو أرقـى وسيلـة للتواصل وتبـادل المعـارف والخبـرات الإنسانيـة )". ( )
وفي الوقت الذي حدّ (دي سوسير) السيمياء بأنها علم يدرس حياة العلامات في الحياة الاجتماعية, قال (بيرس ): " إن المنطق بمعناه العام...هو اسم آخر للسيمياء...وهي مذهب شبه ضروري وشكلي للعلامات ". ( )
فمثلما ربط (بيرس ) هذا العلم بالمنطق, عرّف (ديسويسير) وربط السيميائية بالمجتمع. لكن (جوليا كريستيفا ) قصدت بالسيميائية استعادت المفهوم الإغريقي لمصطلح semeion)) كـــ(علامة مميزة خصوصية، اثر، قرينة، سمة مؤشر، دليل، سمة منقوشة أو مكتوبة بصمة ،رسم مجازي). في حين يرى (رولان بارت) أن السيمولوجيا استمدّت هذا العلم من اللسانيات, ويمكن تحديده رسميا بأنّه علم الدلائل العلامات ، ومفاهيمه الإجرائية من اللسانيات." ( )
ب‌- السمیولوجیا والسیمیوطیقا/ أولا- السميولوجیا (علم للعلامات):
عرّفه (سوسير) كنسق من العلامات المعبّرة عن أفكار, وشبّهه بأبجدية الصم والبكم, أو بأشكال الآداب والإشارات العسكريّة, لكنّه عدّه أرقى من هذه الأنساق, ومن هنا جاءت إمكانية البحث عن علم يقوم بدراسة هذه العلامات داخل الحياة الاجتماعية, تكون مهمّته التعرّف على كنه هذه العلامات والقوانين التي تحكمها, ويمكن أن نطلق على هذا العلم (السمیولوجیا) (علم للعلامات), وبما أن هذا العلم لم يوجد بعد, فإننا لا نستطيع التنبؤ لا بجوهره ولا بالشكل الذي سيتخذه. إننا نسجل فقط حقه في الوجود, ولن تكون اللسانيات إلا جزء من هذا العلم العام, وستطبّق قوانينه التي سيتم الكشف عنها على اللسانيات. ( )
نلاحظ أن ( سوسير) يجعل من تحديد هوية اللسان وتحديد موضوعه وعناصر تشكّله, مدخلا أساسيا لفهم كنه العلامات غير اللسانية. فكانت نقطة البدء عنده من هنا, وحتى يحدّد مفهومه للعلامة, انطلق من تحديد صارم ودقيق للسان. فاللسان يتميّز بالانسجام والوحدة وهو مستقل وأكثر الأنساق قابل للوصف. فاللسانيات والسمولوجيا عنده نشاطان معرفيان متداخلان ومتشابكان, فحتى تتأسّس(السمو لوجيا) نحن في حاجة إلى المعرفة اللسانية, وحين تتأسّس فإن قوانينها الجديّة هي ما يطبّق على اللسانيات.


فعدّ (سوسير), فكرة (أن اللسان مدوّنة), فكرة بسيطة و ساذجة, أي إنّه يتكوّن من مجموعة من الكلمات التي تتناسب وواقع الأشياء في العالم الخارجي. فقد رفض أن تكون هذه الكلمات مجرّد ظلّ للأشياء. فاللسان عنده لا يعكس الواقع, ولا ينسخه بل يقدّم مفصلة مزدوجة له, فالمفهوم الذي تحضر عبره الأشياء إلى اللغة, ليس مادة بل تصوّرا نفسيّا تم الحصول عليه عبر سيرورة ترميزيّة بالغة التعقيد. ( ) وقد علّل ( سوسير) سبب رفضه في القول (بأنّ اللسان مدوّنة) إلى سببين : ( )
الأول: أن القول بأن اللسان مدوّنة, معناه بأن الأفكار سابقة في الوجود على الكلمات. والحال أن لا شيء واضح قبل ظهور اللسان, ولا شيء يُدرك خارج ما تسمح به العلامات. كون ذاكرة العالم ليست مضمونا فكريا يوجد خارج أي لسان, بل هو مضمون من طبيعة لسانية, ومن خلال وحدات اللسان تتوضّخ الأفكار وتصنّف التجارب, فالعلامة ليست غلافا تسنده الصدفة إلى الفكر, بل هي عضوه الضروري والأساس, ومن خلالها فقط يكتسب كامل معناه.

الثاني: إن القول بأن اللسان مدوّنة معناه القول ببساطة العلاقة بين الكلمات والعالم الخارجي, والحال خلاف ذلك, فَتَشَكُّلُ الدال وتَشَكُّلُ المدلول خاضعان لسيرورة بالغة التعقيد والتركيب, فإذا كانت الدوال من صنع التواضع والتعارف فالمدلولات تستدعي تحكّماً تجريدياً في التجربة الواقعية.
لذا رأى (سوسير) في اللسان مؤسسة اجتماعية شبيهة بباقي المؤسسات الأخرى التي خَلَقَها المجتمع ليمنحها قِيَمِه وأخلاقه وفكره وحضارته. ويمكن القول "إن هذا التحديد القاضي بإقصاء الذات المتكلمة من فعل اللسان, والقذف بها إلى عالم الكلام, معناه البحث عن موقع العلامة داخل اللسان لا خارجه , وهو أيضا ما يفسر التمييز الذي يقيمه سوسير بين نشاطين مختلفين في الأشغال ومترابطين في الوجود, فلا يمكن لأحدهما أن يوجد دون الآخر, ويتعلق الأمر بإحدى الثنائيات الشهيرة: اللسان والكلام." ( )
فيمكن لنا النظر إلى اللسان كنسق من العلامات الموجودة خارج إرادة الذات المتكلّمة, فالّلسان ليس فعلا, ولكنّه المخزون من الكلمات والقواعد في وجود الفرد. لأننا لا نتكلّم اللغات الميّتة, فيُبيح لنا ذلك دراستها وإعادة رسم ميكانيزماتها. وهذا ما دفع (سوسير) إلى تشبيه ( العلامة اللسانية) بالقطعة النقدية, فهي تسمح لنا باقتناء بضائع ما, ومن جهة أخرى تسمح لنا بتحديد قيمتها داخل نظامها النقدي الذي تنتمي إليه.
أما الكلام فهو على النقيض من اللسان, فردي وليس اجتماعياً, لكونه يعود على الفرد, وقدرته علـى تحويل النسق إلـى إجـراء, الثابـت إلى متغيـّر, العلامـة المفـردة إلـى خطـاب. ( ) وقـد أمسـك ( سوسير ) بالفردية " من خلال:
1- التأليف الذي من خلاله تستطيع الذات المتكلمة استعمال سنن اللسان للتعبير عن أفكارها.
2- الميكانيزمات النفسية والفيزيولوجية التي تسمح بإخراج هذه التأليفات." ( )
وهذا لا يعني أنّ الفرديّة تمنح الذات المتكلّمة حرية استعمالها لعناصر اللسان وفق أهوائها الخاصّة حسب(سوسير ), بل على العكس من ذلك فهي محاصرة بقوّتين: الأولى تكمن في قواعد اللسان وما يقدمه من ضوابط وأرغامات تحدّ من حركة التأليف وحريّته. الثانية تكمن في الإكراهات المتمثّلة ذات الطابع الاجتماعي والديني والأخلاقي, التي تمارس ضغوطا على الذات المتكلّمة رغم وجودها خارج اللسان, من خلال فرض انتقاء تراكيب وفق مقتضيات المقامات والسياقات المتنوّعة. ( )
ثانيا- (العلامة): إن فهم (سوسیر) للّغة على هذا الأساس، جعل تصوّره للعلامة ثنائیا، عكس (بیرس) الذي كان تصوّره للعلامة ثلاثيا، فقد اعتمد (سوسیر) في تثبیت فكرته للعلامة على مبدأ المحایثة، الذي یعني أن النص لا ینظر إلیه إلا في ذاته، مفصولا عن أي شيء یوجد خارجه، فالمحايثة حسب هذا المعنى، هي عزل النص عن كلّ السیاقات المحیطة به، إن هذا الفهم للّغة والانجاز في إقامة الثنائیات الضدّیة، هما من حدّد تصور(سوسیر) للعلامة، فهذا التصور قائم على الفصل بین الدال والمدلول، وإقصاء المرجع الخارجي، واعتماد مبدأ المحايثة عند التحلیل. ( )
ويرى (سوسير) أن العلامة اللغوية اعتباطية ، بمعنى أنها ليس لها مع المدلول أيّ ارتباط طبيعي بالواقع، وقال مستدركا أن من مميزات العلامة أنّها لا تكون اعتباطية على نحو كلّي، فاستثنى من الاعتباطية, صيغ الكلمات التي تحاكي أصوات الطبيعة وصيغ التعجب، ومن ثمَّ أطلق (سوسير) على العلامة اللغوية اسم العلامة الرمزية، ويقول متفاديا كلمة الرمز: إنما الكلمات هي مجرد علامات الأشياء، و يعني بهذه العلامات الكل الممزوج الذي يفيد الدال والمدلول ,أن العلاقة بين العلامة ومعناها اعتباطية، أما الرمز فيفترض علاقة طبيعية مسببة بين الدال والمدلول، كأن نرمز للماء بالصفاء والنقاء والحياة، وفي حين ينطبق الدال على المدلول تماما في حالة العلامة اللغوية، يختلف الأمر يختلف عن ذلك في الرمز. ( )
ت‌- السیمیوطیقا /أولا/ سيميائيات بيرس: مثلـما كـان (سوسير ) يصنـع حلمـه اللغـوي اللساني (السميولوجي), على الضفة الأخرى من العالم, في أمريكا " كان الفيلسوف والسيمائي الأمريكي شارل سندرس بورس (1839 -1914) ينحت من جهته, انـطلاقا مـن أسس إبستمولوجية مغايرة, تصوراً آخر لهذا العلم سيسمه السيميائيات. والسيميائيات عنده لا تنفصل من جهة عن المنطق باعتباره القواعد الأساسية للتفكير والحصول على الدلالات المتنوعة, ولا تنفصل من جهة ثانية عن الفينومينولوجيا* ( ) باعتبارها منطلقا صلبا لتحديد الإدراك وسيروراته ولحظاته فهي باعتبارها تبحث في الأصول الأولية لانبثاق المعنى من الفعل الإنساني تقتضي, في تصوره, النظر إليها باعتبارها طرقاً استدلالية يتم بموجبها الحصول على الدلالات وتداولها. وهذا ما دفع بورس إلى تعريف السيميائيات باعتبارها منطقاً ." ( )
فالسميائيات يكون ارتباطها الوثيق بعمليات الإدراك التي تأخذ بيد الكائن البشري للخروج من ذاته, لينتشي بها داخل عالم مصنوع من الماديّات يجهل عنها كلّ شيء, وهنا يرى (بيرس) أن كلّ ما يفعله الإنسان وما يجربه وما يحيط به, يمكن النظر إليه من ثلاث مستويات : ( )
المستوى الأول: مثول العالم أمامنا على شكل أحاسيس ونوعيات مفصولة عن أي سياق زماني ومكاني, فالسعادة مثلا, قبل أن يكون هناك إنسان سعيد, لم تكن سوى حالة شعورية محتملة.
المستوى الثاني: تجسيد الأحاسيس للوجود الفعلي للسعادة , فيمثل أمامنا (رجل سعيد مثلا).
المستوى الثالث: باعتباره قانوناً, وهذا يجعلنا نؤول سلوكاً ما باعتباره دالاً على السعادة لا التعاسة.
إذن لا يمكن فهم التصور البورسي للعلامة إلا من خلال استيعاب الميكانيزمات* ( ) الإدراكية كم تصفها هذه السيرورة, فهذه المقولات الثلاث, هي المقولات الثلاث التي تشير إلى سيرورة إدراكية غير مرئية, فهي أصل ومنطلق إدراك الكون والذات وإنتاج المعرفة وتداولها, فلا حدود تفصل بين المرئي والمستتر, الممكن والمتحقّق, فكلّ ما يؤثّث هذا الكون يشكّل وحدة تامّة. ( )
فكلّ شيء عند(بیرس ) یدلّ بوصفه علامة، لها مدلولها الذي تدلّ علیه، فدورة حياة الإنسان ومراحله الحياتية, هي سلسلة من العلامات عند (بيرس ) " فالتجربة الإنسانية كلها، بدء من صرخة الرضيع، إلى تأمل الفیلسوف، لیست سوى سلسلة من العلامات المترابطة والمتراكبة." وقد عرّف (بيرس ) العلامة على إنّها "شيء یحل بدلا عن أمر أو شيء، ضمن علاقة ما، أو تحت عنوان ما، وهو معد لكي یخاطب أحد، أي یخلق في ذهن الشخص علامة متعادلة، أو علامة ربما كانت أكثر اتساعا، وهذه العلامة التي بنشؤها، أدعوها العلامة الأولى، تلك العلامة تحل بديلا عن الموضوع دون أن تمثله في علائقه كلها، بل یؤثر الرجوع إلى فكرة دعوتها أحيانا أساس التمثیل."( )
وقـد استمـدّ (بیـرس ) مصطلـح (السیمیوطیــقا ) مـن المصطلح الذي أطلقه (جون لوك), (1632- 1704) على العلم الخاص بالعلامات والدلالات والمعاني، والذي عدّه (لوك ) علم اللغة. متفرعا من المنطق. ( ) فقد اقترن اسم (جون لوك ) عام (1690 ) بعنوان كتابه (مقال الفهم البشري )، فــ" قد استعمل لوك مصطلح سیموقراطیا، لیعني بهذا العلم الذي یهتم بدراسة الوسائط والطرق التي یحصل من خلالها على معرفة نظام الفلسفة والأخلاق، وتوصیل معرفتها، ویكمن هدف هذا العلم في الاهتمام بطبیعة الدلائل التي یستعملها العقل، بغیة فهم الأشیاء، أو نقل معرفته إلى الآخرین". ( )
يحاول الإنسان منذ بدايته، أن يوصل دلالاته وسلوكه للعالم من حوله، من خلال التواصل مع الآخر عبر تلك الدلالات، بتسخير طاقاته التعبیریة والتأویلیة وتطويرها، لكونه كائنا سیمیائیا بالفطرة. ويكمن الانجاز البیرسي الأكبر, في تصنيف كلّ المعطیات المدركة والمعاشة في الحیاة، بمجموعات مختلفة من العلامات, قادر الإنسان على استيعابها، مدركا لأبعادها حتى يتسنى له إدراك معنى الوجود, ومعنى الحیاة نفسها، ويكمن ذلك فـي تكـوین شبكـة مــن العـلامات, لا مــفرّ للإنسـان منـها، وقسّمها (بیرس) في ثلاث مجموعات:(الأیقونات، المؤشرات, والرموز). ودون اتفـاق مـسبـق كـانـت الریادة مـشتركة من (بیرس) و(سوسیر), فكان الثاني مميّزا في علم اللغويات, والأول قد تألّق في علم المنطق. ويرجـع الازدواج فـي تسمية هذه النظرية اللغوية والنقدية إلى (سوسير) فأسماها بالــ( سیمیولوجیة ) في حین أسماها ( بیرس ) (السیمیوطیقیا )، وبقرار اتخذته الجمعية العالمية للسیمیوطیقیا في باريس(1969)، تم الاتفاق على اسم موحّد، لكن البعض استمر في استخدام المصطلحين كمترادفين متساویین في المعنى تماما. ( )
وقد ركّز كلّ من (سوسیر ) و( بیرس ) على العلامة التي تبنّاها. فـ(سوسیر) كانت وظيفته اجتماعية في العلامة, أما (بیرس ) فكانت وظيفته منطقية في العلامة .
ثانياً- الدلائل الإيقونيّة عند بيرس :
1- الإيقونة Icon: والأيقونة "كمــا يوضحها معجـم السيميائيات هـي العلامة"( ) وتختص هذه العلامة السيميائية عن غيرها من العلامات بخصائص تتفرّد بها، فقد حدّد (بيرس ) ثلاثة أنواع للإيقونات كـــ" الصور التي ترتكز على المشابهة بين الكيفيات البسيطة بين وحدتين بينهما علاقة، والرسوم البيانية التي تتأسس على المشابهة بين العلامات الداخلية بين الوحدات المعينة والاستعارات التي تمثل الطبيعة التمثيلية التي ليست بالضرورة أن تكون قائمة على الاستدلال والمماثلة، وإنما على التوتر، ومبدأ فائض المعنى" ( ), وقد حصر معجم المصطلحات اللغوية والأدبية دلالة الأيقونة على " الصورة أو التمثال أو التكوين الفسيفسائي الذي يمثل شخصا مقدسا " ( ).
الصورة
تعدّ (الصورة الصحفية) الأيقونة التلغرافية التي تُخبر أو تسجّل أو تفسّر اللحظة بشكل جمالي وتوثيقي، فالصورة الصحفية الفوتوغرافية "هي الصورة البيضاء أو السوداء أو الملونة المعبرة وحدها أو مع غيرها بصدق وموضوعية عن الأحداث والشخصيات أو الأنشطة أو القضايا أو النصوص أو الوثائق أو المناسبات المختلفة المتصلة بمادة تحريرية معينة تنشرها على صفحات الصحيفة، وتلتقطها عدسة المصور بطريقة تعكس حبسًا فنيا اتصاليّا، وغالبًا ما تكون وظيفتها إخبارية أو تسجيلية أو تفسيرية أو جمالية، أو وثائقية" ( ).
وقد ميّز (رولان بارت) الصورة الصحفية بكونها "ذات استقلالية بنيوية، وتتشكل من عناصر منتقاة ومعالجة وفق المطلبين الجمالي والأيديولوجي اللذين يعطيانها بعدًا تضامنيّاً" ( ). ويمكن القول أن (اللغة البصريّة ) التي من خلالها تولد مجمل الدلالات داخل الصورة, شديدة التركيب والتنوّع في بناء نصوصها, وتعتمد على مكونين: الأول- ما يعود على العلامة الإيقونية. الثاني- ما يعود على العلامة التشكيليّة.
وتعدّ الصورة " من هذه الزاوية, ملفوظاً بصرياً مركباً ينتج دلالاته استناداً إلى التفاعل القائم بين مستويين مختلفين في الطبيعة, لكنهما متكاملان في الوجود: فكما أن العلامة الإيقونية تشير إلى تركيب لمجموعة من العناصر المؤدية إلى إنتاج دلالة ما, فإن العلامة التشكيلية لا تشتغل باعتبارها كذلك إلا في حدود تأويلها ككيان حامل لدلالات." ( )
2- المؤشر Index )): ترجمها بعضهم بالقرينة, أو الشاهد, أو المؤشّر, وقد عرّفها (بيرس) فقال: هي "علامة تشير إلى الموضوع الذي تعبّر عنه عبر تأثّرها الحقيقي بذلك الموضوع. فهي لا يمكن أن تكون، إذن العلامة النوعية, لأن النوعية ماهية مستقلّة عن أي شيء آخر. وبما أنّ المؤشّر يتأثّر بالموضوعة فلا بدّ أن يشارك الموضوعة في نوعية ما، والمؤشّر يقوم بالدلالة بصفته متأثّراً بالموضوع . فالمؤشّر يتضمّن، إذن، نوعاً من الأيقون مع أنّه أيقون من نوع خاص. فليست أوجه الشبه فقط - حتّى بصفتها مولّدة للعلامة - هي الّتي تجعل من المؤشّر علامة، إنّما التعليل الفعلي الصادر عن الموضوع هو الّذي يجعل المؤشّر علامة." ( )

وللمؤشّر أمثلة كثيرة منها مثلا كـدلالة الحمّى على المرض، أو الغيوم على المطر، والدخان على النار، وهكذا, فالقرينة هي "علامة تفقد حالاً الميزة الّتي تجعلها علامة إذا انعدم موضوعها، لكنّها لا تفقد هذه الميزة إذا لم يوجد تعبير". ( ) وقد ارتبط مصطلح المؤشر بمصطلحين هما المؤشر والإشارة, و"يرتبط استخدام كلمة (مؤشّـر ) فـي الصيغـة التأشيريّة ارتبـاطا وثيقـاً باستعمـالاتها فـي الّلغـة الإنجليـزيّة ( Index ), فهي تعني أيضا فهرس كتاب وتعني إصبع السبَّابة. ويقدّم بيرس مقاييس متنوّعة لتحديد المؤشِّر. ( يدلّ ) المؤشِّر على أمر. وعلى سبيل المثال ( تدلّ المِزْوَلَة أو الساعة على الوقت". ( )
وتحدَّث (بيرس) عن (علاقة أصيلة ) بين الإشارة والموجودة, لا تعتمد على (الفكر المُفسِّر), فالموجودة ( قائمة بالضرورة ), والمؤشّـر يرتبـط بالموجـودة فهنـاك (ارتبـاط فعـليّ ), وقد يكون (ارتباطا ماديّا مباشراً ), فالإشارة التأشيريّة, كأنّها قطعة مأخوذة من الموجودة. بخلاف الإيقونة قد تكون الموجودة المتعلّقة بها خياليّة, فتتّصف الإيقونيّة بالتشابه, في حين التأشيريّة تتّصف بالتجاور, لأنّه من الناحية النفسيّة, يعتمد عمل المؤشّرات على ارتباط التجاور, وليس ارتباط التشابه أو العمليات العقليّة, لكن (إليزابيت براسّ ) عدّت التأشيريّة علاقة وليست صفة, لذا لا يحتاج الدالّ إلى سمات خاصّة, فيكفي برهنة ارتباطه بشيء آخر, والتوارد المكانيّ أهم هذه الروابط, وكذلك التتابع الزمنيّ والسبب والنتيجة. ( )
فكانت رؤية (بيرس) حول علاقة العلامة والإشارة أن "العلامة...علاقة مجاورة بين الإشارة و الشيء المشار إليه، مثل الغيوم مؤشر للمطر، الدخان مؤشر النار، والدلائل الطبيعية يمكن أن ندرجها ضمن الإشارات الإيمائية و التي يكون فيها ارتباط الدال بالمدلول سببا، أو كل دليل يحيل إلى الشيء المشار إليه من خلال التجاوز الطبيعي . فمثلا: الطرق على الباب يدل على وجود شخص في الخارج، أمّا بالنسبة للإشارة اللغوية، فهي التي تتلخص وظيفتها في توجيه المخاطب إلى ما يجب الالتفات إليه." ( )
الصورة الشمسيّة البيرسيّة
من بين الصِّيَغ الثلاث, (الأیقونات، المؤشرات, والرموز), تصلح الصيغة التأشيريّة وحدها كدليلاً على وجود موضوعيّ, فيقول (بيرس) عن الصورة الشمسيّة التي تعدّ شبيهة بالأصل:" الصورة الشمسيّة, بخاصة الفوريّة منها, تكشف لنا عن الكثير. نعرف أنها في بعض نواحيها هي بالضبط كالموجودات التي تمثّلها, ولكنّ مصدر هذا الشبه هو إنتاج الصور في ظروف ماديّة تجعلها تتطابق قصراً مع الطبيعة في جميع أجزائها. وهي بهذا المعنى – بسبب وجود ارتباط مادي – تنتمي إلى ... فئة الإشارات ... ( فئة المؤشّرات )." ( )
بما أنّ الصورة الشمسيّة مؤشّرُ أثرِ الضوء على طبقة حسّاسة, لذا يرى بعض الشّراح أن أهميّة الصور الشمسيّة وصور الأفلام تتأتّى من الطبيعة الأيقونيّة للوسيلة. ومع أنّ تقنيّات التصوير الرقمي مستمرة في التقليل من تأشيريّة الصور الشمسيّة, لكن لا تزال تُنسب روتينيّاً إلى الوسيلة المسئولة في الأساس عن اعتبار المتلقّين - المفسّرين - الصور تسجيلاً موضوعيّا للواقع. ( )
فقـد أكّـد (بيرس ) انعكـاس الـواقع مـن خـلال (الصـورة الشمسيـّة ) فقـال: إنّ "الصورة الشمسيّة ترتبط بصريّا بالموجودة, وهذا دليل على أنّ ما يظهر فيها هو الواقع " ( ). فالصورة الشمسيّة غير المنقّحة تعدّ إثباتاً, فيمكن أن تكون الإشارة إيقونة ورمزاً ومؤشراً، أو أي عنصرين منهما, في الوقت نفسه, فالخريطة مثلا تأشيريّة لإشارتها لمواضع الأشياء, وإيقونيّة لتمثيلها لعلاقات الاتّجاه والمسافات بين النقاط الرئيسيّة, ورمزيّة لاستعمالها رموزاً اصطلاحيّة (يجب تعلّم مغزاها ). ( )


فإنّنا " نتعلّم قراءة العالم بواسطة شيفرات وإصلاحات سائدة في السياقات والأدوار الاجتماعيّة الثقافيّة المعيّنة التي ننمو فيها اجتماعيّاً. في سيرورة تبني طريقة رؤية الأمور, نتبنى أيضاً (هويّة ). يشكّل إحساسنا بمن نكون كأفراد أهمّ نقطة استقرار في فهمنا للواقع. وإحساسنا بذواتنا كنقطة استقرار هو تشييدٌ اجتماعيّ يتزاحم على تحديده حشد من الشيفرات المتفاعلة في ثقافتنا." ( )
3- الرمز (Symbol): يمتاز الرمز بالمفاضلة عن باقي العلامات على الإطلاق، فهو أكثرها تجريداً، وذلك لأنّه علامة إنسانية بامتياز, تدلّ على موضوعها بالوضع, عكس الأيقونة والقرينة، ولعلّ شكل الصليب ودلالته على المسيحية، والهلال ودلالته على الإسلام، وشكل الميزان في دلالته على العدالة, خير مثال على ذلك. وقد عرّف (بيرس) الرمز على أنّه "علامة تشير إلى الموضوع الذي تعبّر عنه عبر عرف، غالباً ما يقترن بالأفكار العامة، الّتي تدفع إلى ربط الرمز بموضوعته. فالرمز، إذن، نمط عام أو عرف, أي أنّه العلامة العرفية، ولهذا فهو يتصرّف عبر نسخة مطابقة. وهو ليس عاماً في ذاته فحسب، وإنّما الموضوع الذي يشير إليه يتميّز بطبيعة عامّة أيضاً" ( ).
فقدّم (بيرس ) دراسة شاملة للعلامة, فكان تصوره أوسع وأكثر شمولية مما قدّمه (سوسير ) حـول العلامة, فقـد تناولها (سوسير ) مـن ناحيـة الـدال والمدلول. لكنّ (بيرس ) تناولها من ناحية ثلاثيّة, فأدمج ما أقصاه (سوسير ) من حيث تكوين العلامة, فأضاف مصطلح (الموضوع), فكانت دراسته أكثر شموليّة للعلامة, المكوّنة من ثلاثة عناصر, تجسّدت في (المصوّرة, والمفسّرة, والموضوع ), فالمصوّرة عند (بيرس ) تقابل (الدال ) عند (سوسير), والمفسّرة يقابلها(المدلول ) عند(سوسير ), ويبقى (الموضوع ) عند(بيرس ) لا يقابله شئ عند (سوسير), ولم يتوقّف إبداع (بيرس ) عند الثلاثة عناصر للعلامة, بل قسّم كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة, إلى أقسام ثلاثية أُخَر. ( )
مدخل سيميائي
تختص المقاربة السيميائية في دراسة عتبات النص, ومنها العنوان ، باعتباره العلامة الأولى التي يتم استقبالها من المتلقي، لذا اهتمّ البحث السيميائي في دراسة العناوين, كون العنوان نظام سيميائي ذو أبعاد دلالية و رمزية, يقف عندها الباحث محاولة منه في الكشف عن دلالاته و فكّ شفراته ورموزه, معتمدا في تحليله على المستويات الثلاثة: (التركيبي والدلالي والتداولي ). ويعدّ العنوان عنصرا مستقلا بالرغم من تبعيته, فالتمييز بينه وبين المتن النصّي, هو جملة العناصر اللغوية (جمل – أقوال ) المكوّنة للنص باستثناء العنوان, وتتّضح استقلالية العنوان اعتمادا على مجموعة العناصر الشكلية والدلالية: ( )
أولا: رواية (سواقي القلوب )
البِنْية التركيبية لرواية(سواقي القلوب ): إن عنوان رواية (سواقي القلوب ), يشكّل علامة إغراء وتحفيز للمتلقي, فهو يحيل الذهن مباشرة من خلال استخدام الكاتبة للّغة اليومية العراقية (القلوب سواقي ), إلى المثل الشعبي العراقي (الكلوب سواجي ) بالكاف المعجمة, فالكاتبة تحاول من أول عمل روائي لها أن تؤسّس وتأصّل لعراقيتها. كون البِنْية التركيبية لــ (سواقي القلوب ) تحمل دلالات رمزية لعل أولها الدلالة الإيحائية للأمثال العراقية الشعبية والبعد التاريخي والتداولي للعنوان, واعتماده كعتبة رئيسية للرواية, بوصفه معادلا موضوعيا لأحداث الواقع من خلال تناول شخصيات الرواية, والمناظرة بين الأصل المستوحى من التاريخ والصورة المأخوذة من الواقع فــ" من الممكن الجمع بين النظر التزامني والتاريخي في هذا الميدان..والنظام الاشاري في اللغة لا يتكون إلا بعد مرور مدة زمنية طويلة." ( )
المستوى الأيقوني:
تَظهر هذه الوحدة المعجمية أيقونا, يتألّف من حروف بارزة, وغليظة على غلاف الرواية, خصوصا في الطبعة الأولى الصادرة عام (2005) عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ), لكن هذه الحروف تقل وطئتها وبروزها على غلاف الطبعة الثانية للرواية ذاتها, الصادرة عام (2016), عن(دار الجديد ). وقد قلّت وتضاءلت صفحات الطبعة الثانية, فقد بلغ عدد صفحات الطبعة الأولى (187) صفحة, لكنها تقلصّت إلى (151) صفحة, في الطبعة الثانية عام (2016), وهذا المؤشر يحيلنا إلى المتغيرات التي حدثت للعراق بشكل خاص, والعالم بشكل عام خلال عقد من الزمان, بين طبعتي رواية (سواقي القلوب ) لتعكسها الكاتبة أيقونات وإشارات دالّة على غلاف الروايتين, فالكلمات حسب (ياكوبسن ) "قد تكون (رموزا أيقونية ) كالكلمات ‏المحاكية أو (رموزا تأشيرية) كــ( ذاك, هذا, هناك , هنا ..)" ( ).
فهذا التغيير قد انسحب على (الرمز الأيقوني ) صورة الغلاف, حيث تم الاستعانة بصورة مغايرة في الرمزية والدلالة المباشرة عن (الرمز الأيقوني ) للطبعة الأولى, التي كانت تركّز على صورة وجه بارز الملامح CLOSE-UP SHOTS, ويسمى في مصطلح التصوير لقطة قريبة, حيث "تركّز على جزء من الرأس كالعين لإظهار المشاعر." ( )

في حين الطبعة الثانية, غاب التركيز على ملامح الوجه, من خلال التركيز على صورة جسد امرأة بلا ملامح, خلف حاجز زجاجي, ويد تمتدّ تقوم بمحو ملامح الوجه بسبابتها, حيث مارست هذه الكفّ (الصفة التأشيرية الرمزية ) في إخفاء و محو ملامح وجه الجسد, هذه المقصدية في تغيير غلافي رواية (سواقي القلوب ) عند الكاتبة, جاءت عن ممارسة الكاتبة في عكس المتغيرات التي حدثت في الواقع خلال هذه الفترة الزمنية, وعكسه على غلاف الرواية عبر رموز وإشارات أيقونية.
"ويقول جاكوبسون في هذا السياق: أن الكثير من المؤشرات المقصودة يدخلها ‏أيضا صفة رمزية أو تأشيرية, كإشارات المرور مثلا فهي تأشيرية ورمزية معا, ‏ويرى حتى الإشارة في السبابة لا تُفسر دائما على أنها تأشيرية خالصة في ‏السياقات الثقافية المختلفة‏ ( )".
ومن هذه المؤشرات - خط غلاف الرواية, حجم الكلمات المحاكية في الرواية , الرمز الأيقوني للغلاف والصورة المتغيرة بين الطبعتين, ولون خط وحجم اسم الكاتبة وتحوله من اللون الأبيض في الطبعة الأولى إلى اللون الأحمر في الطبعة الثانية- كلها مؤشرات بثّتها الكاتبة لنا عبر(الرمز الأيقوني ), ومنها تغيير لون حروف اسم الكاتبة الذي يتصدر الغلاف إلى اللون الأحمر, دلالة على ما حلّ خلال هذه السنوات, من أحداث دم وتهجير." فما اللّون إلّا علامة دالّة تتضافر مع العلامات اللفظية الأخرى لتشكيل الخطاب في مستوياته الاجتماعية, والسياسية, والنفسية, والإشارة إلى دلالاته في ضوء المتكلم والمخاطب فالعلامة اللّونية ( تؤلف إشكالية لتوجيه الدلالي لدوالها, وتحدد درجة إسهامها في التشكيل العام للعبة المعنى, بعد أنْ عملت ضمن طبقتها الضمنية على تشكيل صورتها اللّونية )." ( )
فدلالة لون خط اسم الكاتبة الأبيض في الطبعة الأولى, كان يرمز إلى الطهارة والنقاء والصدق, فهو يمثل (نعم ) مقابل (لا ) الموجودة في الأسود. فاللون الأبيض هو الصفحة البيضاء, التي ستكتب عليه تفاصيل القصة, فهو البداية مقابل النهاية, والألف مقابل الياء. أما دلالة لون الخط الأحمر في الطبعة الثانية ورمزيته, فهو إثارة للنظام الفيزيقي نحو الهجوم والغزو, وهو في التراث ربما ارتبط بالافتنان, والضغينة وكثيرا ما يرمز إلى العاطفة, والرغبة البدائية, والنشاط الجنسي وكل أنواع الشهوة. ( )
لذا فتغيير لون خط اسم الكاتبة بين الطبعتين ليس اعتباطيا, فبعد عشر سنوات من الطبعة الأولى حدثت متغيرات فضيعة, وزادت طواحين الموت العراقية ضراوة, وكأن الكاتبة تريد أن تقول: أن" شيئاً لم يتغيّر في أسلوب التلقّي، لأنّ الأحوال ما زالت على حالها، إن لم نقل إنّ جرعة العنف غدت أكبر بعد تمدّد داعشي شهده الوطن العربي خلال السنوات الخمس الأخيرة. - تحولت عيناي إلى كاميرتين تدوران لالتقاط كل الغبار والهوام والسيارات المحطمة واللافتات الصدئة والصور العملاقة الملوثة بالوحل وأكياس النايلون المتطايرة مع الريح والشوك الكالح على جانبي الطريق، وكأنّ القيامة قد قامت على هذا الجانب من الدنيا- " ( ).
سواقي القلوب/ علامة إخبارية:
إن تصدّر العنوان في الطبعتين الأولى والثانية يدل على أهميته الموقعية, فهو يمثّل علامة إخبارية وإقناعية, ويدلّ على ذلك بنيته الأيقونية (بروز الحروف - تمييز الوجه والجسد ), فقد عمدت الكاتبة في إثارة المتلقي, من أول لحظة ومحاولة إقناعه, من خلال تشكيل العنوان تيبوغرافيا وأيقونيا ورمزيا, باستخدام المثل الشعبي العراقي (الكلوب سواجي ), ليحقق بعدا تداوليا من خلال المقصدية التحريضية للكاتبة, وإغراء المتلقي بل تحريضه على الدخول إلى سواقيها, خصوصا أن العنوان وصور الغلاف للطبعتين إشهاري إيحائي فــ" العناوين عبارة عن أنظمة دلالية سيميائية تحمل في طياتها قيما أخلاقية, واجتماعية, وأيدلوجية, وهي رسائل مسكوكة مضمنة بعلامات دالة, يغلب عليها الطابع الإيحائي, لذلك على السيميائيات أن تدرس العناوين الإيحائية الدالة قصد فهم الدلالات التي تزخر بها" ( ).
فضلاً عن عتبة أخرى يحتويها الغلاف, هو رجع صدى أسم الكاتبة (إنعام كجه جي ), ورمزيته وتداوله ما بين الصحافة الفرنسية والعربية, ومؤخرا كاسم روائي نسوي مميز في العرقنة والتأسيس, اضافة إلى تركيبة أسم الكاتبة الصوتية وإيقاعه المميز" (وأحسب أن اسم عائلتها يجب أن يكتب كلمة واحدة: كججي، بالجيم المعجمة بثلاث نقاط) فهذا اسم موصلي عريق يُعرف في بلاد الشام بصورة “لبابيدي” لأن كلمة “كجة” بالتركية معناها اللبّاد، و”جي” تفيد الصانع أو التاجر بتلك المادة، مثل تَنكجي أي المتعامل بالتَنَك، أي الصفيح المعدني المعروف، والجرجفجي، صانع الشراشف أو المتاجر بها، ومثل ذلك كثير: توتونجي، أي بائع التتن أي التبغ، قهوجي، للقهوة." ( )

فــ" اسم المؤلف الذي يعين العمل الأدبي، ويخصصه تمييزا وهوية، ويمنحه قيمة أدبية وثقافية، ويسفره في المكان والزمان، ويساعده على الترويج والاستهلاك، ويجذب القارئ المتلقي. ويراد من تثبيت اسم المؤلف العائلي والشخصي تخليده في ذاكرة القارئ. وإن اسم أي مؤلف على الغلاف، لا يعدو كونه ركاما من "الحروف الميتة"، " فحين يرتقي اسم المؤلف إلى مستوى النص، فإنه ينتعش ويتحرك، ويهب نفسه بحق للقراءة، أما حين يقتصر وجوده على الغلاف، فلا يكون موضوع قراءة، بل علامة على أن المؤلف مشهور أو شبه معروف أو مجهول." ( )
فاسم الكاتبة (إنعام كجه جي) ليس عتبة يحتويها الغلاف فقط, ولا يقتصر وجوده على الغلاف فقط, بل هو علامة إخبارية على الغلاف و داخل النص, لذا عمدت الكاتبة على تغيير لون الخط ما بين الإصدارين, لأهمية اسم المؤلف ورمزيته ودلالته," فالمؤلف الغلافي هو عبارة عن ذات أوطوبيوغرافية ملموسة حسية خارجية مبدعة للكتاب والعمل والنص. وبالتالي، فهو كائن من لحم ودم. بينما المؤلف داخل النص ما هو إلا كائن ورقي خيالي وافتراضي، يسبح في عوالم مجازية وفنية " ( ).
التمثيل الصوتي للعنوان:
إن المقطـع الصوتي ذو صـلة متینة مع كل مستویات اللغة, ابتداء من الفـونیم, ثـم المورفیم, والنحو والدلالة, بـل هو الأساس للوحدات الصوتیة الأخرى, كالنبر والتنغـیم والوقـف والفاصلة. ( ) يشير عنوان رواية (سواقي القلوب) إلى مجموعة من الفونيمات والمقاطع الصوتية, فكلمة (سواقي) تتألّف من ثلاثة مقاطع صوتية: (س/ وا / قي ) ( ص ح / ص ح ح / ص ح ص) أما كلمة (القلوب) فتتكون من أربعة مقاطع صوتية: (الــ/ ق / لو / ب) ( ص ح ص/ ص ح / ص ح ص/ ص ).
احتوت كلمة (سواقي ) ثلاث نبضات صدرية حسب نظرة بعض اللغويين للمقطع الصوتي من الناحية (الفسيلوجية), فكل مقطع لديهم يمثّل (نبضة صدرية). ( ) أمَّا كلمة (القلوب) فمثّلت أربع (نبضات صدرية) بزيادة نبضة واحدة عن كلمة (سواقي ).
أ‌- كلمة سواقي: " المَسْقى: وقتُ السَّقْيِ. والمِسْقاةُ: ما يُتَّخذ للجِرار والكيزان تُعَلَّق عليه.‏‏ والساقية من سواقي الزَّرع‎:‎‏ نُهَيْر صغيرٌ." ( )‎
حرف (السين): وقد استهلّت عتبة العنوان (سواقي القلوب) تركيبتها الصوتية بحرف (السين). وهو حرف يُنطق باعتماد طرف الأسنان العليا, والتقاء مقدمته باللثة العليا, بوجود منفذ ضيق للهواء فيحدث الاحتكاك, وقد يصيب هذا الصوت شيء من الإجهار.( )
وهي اغلب المعاني التي تدلّ على الساقية, التي هي مفرد سواقي, فصوت (السين) الذي يوحي بإحساس الانزلاق والامتداد, يحيلنا إلى المعاني نفسها التي تدل عليها الساقية مفرد سواقي من انزلاق وامتداد وانسياب لمجرى الماء. فحرف السين هو صوت مهموس أسناني, يتناسب مع الروح الكبيرة, لشخصيات (السواقي ), لكنه يوحي بالضعف والانكسار في الوقت نفسه, وهي صفات شخصيات رواية (سواقي القلوب) التي هربت بجلدها من بلدٍ أورثها قسوة الواقع, ومرارة وصعوبة الحياة, التي طبعت آثارها على نفسياتهم, فانعكست على سواقيهم لتتوحد في ساقية واحدة.
وعندما يقع حرف (السين) في أول اللفظة لابد أن يشدّ المتكلم على صوته أثناء التلفظ به، فيمنحه ذلك فعالية انزلاقية تحاكي الأحداث الدالة على التحرك والمسير.( ) وهذه الحركة لحرف (السين) تخف وتضعف إذا لم يأتِ في بداية الكلمة كما في كلمة (سواقي) فالحركة والمسير هي صفة ملازمة لحركة وسير الساقية .
حرف الواو: " اما مخرج الواو فليس الشفتين فقط كما ظن القدماء، بل هو في الحقيقة من اقصى اللسان حين يقترب من اقصى الحنك، غير ان الشفتين حين النطق بها تستديران او بعبارة ادق تكمل استدارتهما، ولعل وضوح استدارة الشفتين مع الواو هو الذي جعل القدماء ينسبون مخرج الواو الى الشفتين."( )
حرف الألف: لينة جوفية, من زمرة الحروف البصرية, والألف اللينة التي تقع في أواسط المصادر أو أواخرها يقتصر تأثيرها في معانيها على إضفاء خاصية الامتداد عليها في المكان أو الزمان. ( ) وخاصية الامتداد لهذا الحرف تحيلنا إلى شخصيات (السواقي ) التي امتدت مكانيا بين (العراق ) و(فرنسا ) وبالعكس, فكل شخصيات (السواقي ) مارست الامتداد, حتى التي مثّلت سلطة البعث و استخباراته في باريس, فقد امتدت واختفت فجأة كشخصية (طرّاد ) وتهديده المستمر للسارد (بطل الرواية ) فصل (29 ) من رواية السواقي .
حرف القاف: نلاحظ أن حرف (القاف ) قد هيمن على هذه التركيبة الصوتية, فقد تكرر مرتين فـهو من أطلق عليه سيبويه اصوات المجموعة الأولى (وقفات – انفجارية ), وفقا للأخذ بظاهرة وقوف الهواء وانفجاره , ويطلق عليها مصطلح (الوقفات الانفجارية ) من حيث كيفية مرور الهواء عند النطق بها. تكرار حرف القاف في التركيبة الصوتية لــ(سواقي القلوب ), يحيلنا إلى القساوة والصلابة والشدة, التي مرّت بها بشخصيات الرواية, فكان لكل شخصية ساقيتها وحكايتها المغمسة بالألم, تسير شخصيات السواقي تحمل أحلامها كفخار منكسر أو فقاعات سرعان ما تنفجر قبل تكوينها نحو, تسير هذا الشخصيات في سواقيها نحو اللا وطن, لكي تلتقي وتتواصل بالفطرة, في ساقية واحدة تلتحم هذه الشخصيات تحت سقف وطنٍ ظِل, تُناضل في العودة إلى أوطانها, فعتبة عنوان الرواية جمع شتات وحميمية مفرطة فـ(القلوب سواقي ).
حرف الياء: من زمرة الحروف البصرية, فالياء لينة جوفية. يشبه شكلها في السريانية صورة اليد. وهي للانفعال المؤثر في البواطن. ( )
ب‌- كلمة القلوب: " والقَلْبُ: مُضْغةٌ من الفُؤَاد مُعَلَّقةٌ بالنِّياطِ. القَلْبُ الفُؤَاد، مُذَكَّر، صَرَّح بذلك اللحياني، والجمع: أَقْلُبٌ وقُلوبٌ، وجائزٌ في العربية أَن تقولَ: ما لَكَ قَلْبٌ، وما قَلْبُك معك؛ تقول: ما عَقْلُكَ معكَ، وأَين ذَهَبَ قَلْبُك؟ أَي أَين ذهب عَقْلُكَ؟ وقال غيره: لمن كان له قَلْبٌ أَي تَفَهُّمٌ وتَدَبُّرٌ. وَرُوي عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: أَتاكم أَهل اليَمن، هم أَرَقُّ قلوباً، وأَلْـيَنُ أَفْئِدَةً، فوَصَفَ القلوبَ بالرِّقة، والأَفْئِدَةَ باللِّين. وكأَنَّ القَلْبَ أَخَصُّ من الفؤَاد في الاستعمال، ولذلك قالوا: أَصَبْتُ حَبَّةَ قلبِه، وسُوَيْداءَ قلبه." ( )
ألـــ: جاء في المعجم الوسيط, أنها أداة تعريف للاسم, وهمزتها همزة وصل مفتوحة وقد تدخل على الفعل المضارع, والتعريف وظيفتها هنا . ( )
القاف : هو من زمرة الحروف السمعية و"هو شديد. يلفظه بعضهم مجهورا، وبعضهم يلفظه مهموسا..." ( ).
اللام: الحرفان الذوقيان هما: اللام والراء, أما حرف اللام فهو مجهور متوسط الشدة. يشبه اللجام شكله في السريانية, أما صوته يوحي بمزيج من الليونة والمرونة والتماسك والالتصاق. ( )
الواو: " نصف العلة الواو, عن طريق رفع مؤخر اللسان في اتجاه منطقة الطبق اللين بشكل يسمح بمرور الهواء, ولكن مع احتكاك طفيف."( )
الباء: "عند النطق بالباء يقف الهواء الصادر من الرئتين وقوفاً تاماً عند الشفتين . إذ تنطبق هاتان الشفتان انطباقاً كاملاً , ويضغط الهواء مدة قصيرة من الزمن . ثم تنفرج الشفتان فيندفع الهواء فجأة من الفم , محدثاً صوتاً انفجارياً, ويتذبذب الوتران الصوتيان في أثناء النطق. ومن صفات حرف (الباء ) -الاتساع -فبعد أن مُلئت قلوب أبطال (السواقي ) قيحا وهمّا, تحاول أن يسع بعضها بعضا لتتوحد في ساقية واحدة. فالامتلاء أيضا من صفات حرف (الباء ), تقاوم شخصيات (السواقي ) بقاءها في وطن الظل (باريس ), فمثلما للماء سواقيه, فللقلوب سواقي.
فقد أشار التمثيل الصوتي للعنوان إلى مجموعة الفونيمات, والمقاطع الصوتية لعتبة سواقي القلوب, وقد أحالت إلى المعاني التي تم ذكرها, ولمقصدية الكاتبة ومعرفتها بصفات الأصوات وخصائصها, تمكنّت من التحكم في دلالات الأصوات الأولية, وإدارة مقاصدها من خلال الانفتاح على البؤر العميقة, فقد ظهر عنوان (سواقي القلوب ), في تركيبة صوتية خاصة منحت كل صوت تأويله الخاص, ووصفه الدقيق في تشكيل الدلالة والمؤشر, فتكرار حرف (القاف ) مثلا.
في التركيبة الصوتية لــ(سواقي القلوب ), قد أحالنا إلى القساوة والصلابة والشدة, ‏التي مرّت بها ‏شخصيات الرواية, فحكايات الشخصيات المغمسة بالألم, تشبه فخار منكسر أو فقاعات سرعان ما تنفجر قبل تكوينها, وهي صفات حرف (القاف ) الذي تكرّر مرتين, فقد انزلقت شخصيات (السواقي ) في مطبّات كثيرة في أوطانها وخارج أوطانها, مما فرض عليها فلسفة الامتداد القسري, نحو وطن الظل (باريس ), ليجمعها هذا الامتداد القسري في ساقية الغربة تحت سقف ذكرى وحدّتها الحروب والتهجير, ونظام فاشي زرع شخصياته الاستخباراتية لتلاحقهم في الخارج, فكانت شخصية (طرّاد ) أحدى تلك الشخصيات الاستخباراتية البعثية وامتدادها, الذي هو الآخر حاول أن يمتد إلى بلد مجهول, بعد أن أحسّ بقرب سقوط نظامه. فامتدّ وتلاشى كقطرة وقعت في بركة ماء.
التركيبة النحوية: يتكون عنوان (سواقي القلوب ) من وحدتين: سواقي + القلوب.
جملة اسمية متكونة من مسند إليه محذوف ويمكن تقدير (هذه ) كمبتدأ ومسند في لفظ (سواقي ) كخبر مدعوم بمضاف (القلوب ), إن المسند إليه المحذوف (هذه ) دلّت عليه قرينة معنوية في متن الرواية, ليكون التقدير (هذه سواقي القلوب ) لتكون هرم الحديث السردي وعموده في بناء الثيمة الرئيسة للرواية, ليكتسب العنوان بصورته التركيبية وتشكيلته النحوية الدلالة المركزية, فهيمنة الأسماء سمة نحوية في عنوان(سواقي القلوب ). فقوة الدلالة الاسمية أشدّ تمكنا, وأخفّ من الدلالة الفعلية على الذوق السليم. ( )
فمجيء العنوان بالصيغة الاسمية, والحذف في منطقة المبتدأ يضيف تأثيرا دلاليا وجماليا, خصوصا أن الكاتبة تؤصل إلى العرقنة من أول نص وهو العنوان. فرواية (السواقي ), هي تصوير للضياع في أقسى أشكاله, ضياع الإنسان وخروجه من أرض وطنه إلى أرض أخرى، كضياع الماء إذا خرج من ساقيته إلى ساقية أخرى، لتصبح العودة إلى ساقيته الأولى عسيرة، فــ" لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين أبدًا" ( )
البِنْية الدلالية لرواية (سواقي القلوب ): " كثيرا ما يكون العنوان لغزا يخلق لدى القارئ تطلّعا ولهفة وحالة انتظار. فالمفردة أي الوحدة الدلالية المتداولة وحدة معّقدة أي أنّها مركّبة من جملة المعاني البسيطة أو الأصولية التي لا يمكن تفكيكها." ( )
فيمكن تحليل العلاقات السيميوطيقية, بين الدلائل اللغوية التي تحقق عنوان رواية (سواقي القلوب ), وتمثيلاتها الذهنية الدلالية التي تحيل إليها المركبات اللغوية, في علاقتها بالسياق الذي تحيل إليه هذه الدلالات. ( ) فتتمثل الدلائل المكونة للعنوان في الوحدة المعجمية: (سواقي + القلوب ) بإضمار الفعل المؤشر على الزمن, الذي يمنح العنوان خصوصية العنصر المركزي في الخطاب, فمقصدية الكاتبة في جعل عنوان رواية (سواقي القلوب ) عنصرا أساسيا من بين العناصر الموازية للمتن النصّي. يجعل دلالتها أساسية لدلالة خطاب الرواية.
فنلاحظ أن الوحدة المعجمية: (سواقي + القلوب ) تشير إلى تجمع لمجموعة أفراد ضمن نسق معين وتلغي الأفراد بل تلغي وجود فرد واحد فالسواقي لــ / جماعة /, / مجموعة أفراد/. وهذا التجمع هنا خاص وليس عاما, تجمع خاص للذين تتآلف قلوبهم, وتمتد في اتجاه واحد, وهذا ما دلّت عليه البِنْية الصوتية للوحدة المعجمية(سواقي القلوب ), فصوت (السين ) الذي يوحي بإحساس الانزلاق و الامتداد , هو رمزية لسير الساقية نحو الأمام رغم كل التحديات فلا ساقية تسير إلى الخلف.
ربما واجهت الكاتبة وشخصيات الرواية بعض الانزلاقات لكنها تمتّد, وهذه إشارة صريحة وواضحة لشخصيات الرواية التي تحاول السير لأمام, حتى وإن غيرت مساراتها, الحروب و الحصارات. فرواية (سواقي القلوب ) حاولت أن " تصور الضياع في أقسى أشكاله: ضياع الإنسان إذا خرج عن أرض وطنه يطلب أرض وطن أخرى، كما يضيع الماء إذا خرج من ساقيته إلى ساقية أخرى، قد يغدو إلى حين في منزلةٍ بين المنزلتين، ولكنه لا يلبث حتى يصير لا هو هذا ولا ذاك، فتصبح العودة إلى الساقية الأولى غير ميسورة، لأن “النهر للمنبع لا يعود” كما يقول شاعر الشتات: البياتي ." ( )
لكن شخصيات (كجه جي ) رجعت ولو بعد حين إلى ساقيتها الأم, وطنها الأصل وليس الظل, مما جعل (كجه جي ) من خلال ساردها الذي بلا اسم أن يفتتح القص بالعودة إلى ساقيته الأم وطنه هو وباقي ( قلوب الساقية ) فقال:"دخلت.. ( )" لكن تبقى هويات الذي يجتمعون في هذه السواقي مجهولة, غير محددة بل غير مخصصة لمجموعة ما دون غيرها.
فسواقي العنوان قبل الدخول إلى المتن الحكائي, تحيل إلى مسارات متعددة: (- أفراد مميزون يقومون بعمل ما. - أفراد عاديون لا يقومون بأي شيء. - تؤشر على أفراد يحاربون ضمن مبدأ معين. - تدل على أفراد يجمعهم حب الــ ( الوطن, القيم, المبادئ, ...). - مجموعة عشاق ملتاعون. - مغتربون, مهاجرون, مهجّرون. – معارضون ..). فيمكن أن تحيلنا السواقي إلى عدة إحالات ايجابية وسلبية, فمسارات المتن الحكائي تنمو من النواة الرئيسية للعنوان, بصفتها (ممكنة ) أو (محتملة ), فالإضمار التركيبي والتمييز الأيقوني لعنوان (السواقي) مؤشرات تحدّد بِنْية العنوان وتركيبته الأيقونية.
وهي كلها مؤشرات تدل على قوة وهيمنة (سواقي القلوب ). خصوصا أن العنوان هو تمثيل لمثل عراقي معروف (الكلوب سواجي), وما توالي - النصوص الموازية الداخلية - إلا تأكيد على هيمنة وقوة عنوان رواية (سواقي القلوب) فقد وردت هذه - النصوص الموازية الداخلية - بدلالات مهمة ومختلفة لتؤكّد رمزية العنوان وأهميته: "- ألا تعرف.." ( ),"- لنقل إن ..‏" ( ), "- ورفعت كأسي.." ( ), "- القلوب سواقي .." ( ) فمفردة النبوءة الشعبية مؤشرعلى العنوان الدال على المثل الشعبي (الكلوب سواجي) وتحقّقه في المتن الروائي.
ثانيا: رواية (الحفيدة الأمريكية )
البِنْية التركيبية لرواية (الحفيدة الأمريكية ): - الحفيدة الأمريكية - عنوان يثير المتلقي ويغريه ويحفّزه, سواء كان المتلقي المتابع التقليدي أم المختص, فدلالة العنوان الذي يربط بين مفردة (الحفيدة ) التي تحيلنا إلى ماضي الشخصية والمفردة الثانية (الأمريكية ) التي هي إشارة واضحة إلى الانتماء إلى حاضر الشخصية وربطها مكانيا, فثمة صلة وصل دلالية بين المسند والمسند اليه في هذه العتبة النصية (الحفيدة الأمريكية ), وهو إشارة وإحالة واضحة إلى متن النص وفحواه, الذي يحيل ذهن المتلقي بكل أنواعه إلى مفردة (الاغتراب ).
هذا الاغتراب الذي خاضته الكاتبة بشكل شخصي من خلال هجرتها إلى فرنسا, ومثّلت له في شخصية (الحفيدة ) زينة. فالبِنْية التركيبية لــ عنوان (الحفيدة الأمريكية ) تحمل دلالات رمزية لعل أولها الدلالة الإيحائية للعنوان وبعده التداولي, من خلال مفردة (الاغتراب ) فهو اغتراب مع الذات أولا وربما مع الآخر, فهو إشارة إلى حياة امرأة مختلفة عن باقي النساء, تحاول الخروج عن (التابوات ) المألوفة, وتناول رموز محرمة كرموز الطهر والدنس, بين رؤية الشرق والغرب لها, وكيف يرفض ويقبل بها, فالجدة تمثل قيمة عليا - تابو- لا يمكن تجاوزه, مرتبط بالوطن, لذا نجد أن اعتماد الكاتبة لعتبة النصية (الحفيدة الأمريكية ) كعتبة رئيسية للرواية, قد أنتج معادلا موضوعيا لأحداث الواقع من خلال تناول شخصية زينة الراوية والكاتبة في ذات الوقت, لوطنين هما يمثلان إشكالية العالم ومصائبه حتى اللحظة (العراق وأمريكا) وهل بطلة الرواية (زينة ) أكثر انتماءً لعراقيتها أم لأمريكا؟
وهل هذا هو سبب صراعها بين هويتها العراقية وجنسيتها الأمريكية وقد ظهر ذلك واضحا من خلال (الرمز الأيقوني ) لصورة الغلاف, التي مثّلت وجهين متناقضين لعملة واحدة, فتكوّر شعر المرأة في صورة الغلاف على الجهة اليمنى دلالة على الأنوثة الشرقية, أما حلاقة الرأس من الجهة اليسرى فهي دلالة على شخصية المجنّدة الأمريكية.
المستوى الأيقوني: تَظهر هذه الوحدة المعجمية أيقونا, من خلال العنوان الذي يتألّف من حروف بارزة, وغليظة على غلاف الرواية, يتصدرها اسم الكاتبة (إنعام كجه جي ) باللون الأبيض, فكان تمثيل حروف اسمها أقل حجما من حروف العنوان الرئيسي الذي كتب باللون الأبيض أيضا, وكان غلاف رواية (الحفيدة الأمريكية) متّشحا باللون الأخضر, - الأبيض متشحا بالأخضر- أما دلالة اللون الأبيض لعتبة اسم الكاتبة وعنوان الرواية فهو دلالة للـ" الطهارة والنقاء والصدق,..., إنه يمثل البداية في مقابل النهاية..." ( ).
أما دلالة اللون الأخضر, فهو يوحي إلى " التجدد والنمو والأيام الحافلة للشبان الأغرار." ( ) كما أنه " يرتبط بمعاني الدفاع والمحافظة على النفس." ( ) وهي معانٍ متحققة في شخصية (الحفيدة الأمريكية ) فالشباب وأيامه الحافلة بالأحداث ملتصقة بهذه الشخصية, وقد تجسد إيحاء اللون الأخضر في ص10 و ص11 من الرواية, بعد رجوع (زينة ) من العراق الذي غيرها إلى إنسانة أخرى, تمتاز بالتجدد حين قالت: " أقرُّ بأنني.." ( ), كما أن معاني الدفاع والمحافظة على النفس المتحققة في اللون الأخضر هي من سمات الشخصية العسكرية, وهي علامة واضحة في شخصية المجندة الأمريكية (زينة ). وقد أحتوى غلاف الرواية, الكثير من الدلالات السيميائية المهمة، التي خدمت المعنى العام للرواية، وكون الصورة علامة دالة, وهي تمثل (رمزا أيقونيا ) له دلالاته, فقد توسّطت صورة (زينة )غلاف الرواية وهي بريشة الرسام العراقي (فيصل لعيبي ), تمثل بطلة الرواية (زينة ) بنظرتها الحزينة التي تُبحر في فضاء مجهول النهاية، وقد ركزّ الغلاف على الرأس والكتف، وفي الرأس هناك الكثير من الدلالات السيميائية, كــ(لون الشعر الأسود ) الذي يرمز إلى المرأة الشرقية، وقصة الشعر التي تحمل دلالاتين مهمتين: دلالة النصف الأيمن الذي تكوّرَ فيه الشعر، ودلالة النصف الأيسر الذي تظهر فيه (زينة ) حليقة الشعر كأنّها رجل، وهي إشارة لكون البطلة مجندة في الجيش الأمريكي، وهو عمل للذكور أكثر منه للإناث، لذا حملت الصورة دلالتين تدل على ازدواجية شخصية (زينة ), والحياة المزدوجة التي تعيشها (زينة ) بجسد واحد ذي وجهين يتأرجح, بين الجمال والعنف.
فالجهة اليُسرى تمثيل للموت والخوف, والقتل وبرودة المشاعر, من خلال اصطباغ أُذن (زينة ) باللون الأحمر, وموقعه في الأُذن الموجودة في الجانب الأيسر الذي يرمز إلى (زينة ) المُجندة، وهذا المؤشر إحالة إلى حياة المجندة التي تتصف بالترقب الدائم للموت، وهناك دلالات سيميائية مهمة متعلّقة بجسد (زينة )، المتمثل بكتفيها فقد جاء كتفها الأيمن مُغطى بثوب لونه أزرق فاتح، وهو رمزية للعلو والرفعة. أما الجانب الأيمن من الرأس صورة المرأة العراقية المعروفة بحشمتها وسمو مكانتها. وهو نقيض الكتف الأيسر العاري، وقد شكّل هذا العُرِيّ مع الجانب الأيسر من الرأس صورة المرأة الأمريكية, وهذا العُرِيّ يحيلنا إلى دلالةٍ أخرى هي عُرِي (زينة ) من هويتها الوطنية. وحصولها على الجنسية الأمريكية، فإنّها تبقى مواطنة من الدرجة الثانية عارية الهوية والانتماء. ( )
الحفيدة الأمريكية / علامة إخبارية: إن تصدّر العنوان على عتبة الغلاف يدلّ على أهميته الموقعية, فهو يمثّل علامة إخبارية وإقناعية وربما استفزازية. خصوصا لذوي البعد الواحد فمن خلال الرسم الأيقوني لمفردة -أمريكا أو الاحتلال أو قوات التحالف أو الجيش الأمريكي - فكلها مفردات تحيلهم للمستعمر الجديد امريكا.
ونسبة لابأس بها من الشعب العراقي بشكل خاص والشعوب العربية بشكل عام, تحيل هذه المفردات إلى مفردة واحدة برمزية مطلقة للاستعمار الجديد امريكا. فاستخدام الكاتبة لهذه العتبة النصية - العنوان- مثّل علامة اخبارية ذات ابعاد رمزية اغلبها تشير للمستعمر عندهم.
لذا استدركت الكاتبة ذلك من خلال كلمة صفحة الغلاف الأخير. حين أشارت لذلك بانها - صحافية وكاتبة، مصرّة، رغم إقامتها الفرنسية ‏المديدة، على عراقيتها - فكلمة (مصرّة ) هي اشارة لبراءتها من المحتل وإحالة ذهن المتلقي خصوصا ذا البعد الواحد إلى أن عتبة النص هو حكاية لحفيدة أمريكية وليس مدحاً أو تمجيداً لقوات التحالف - الاستعمار الجديد- .
فعنوان الحفيدة علامة اخبارية بامتياز دلّ على ذلك بنيته الأيقونية و(بروز الحروف - تمييز الوجه والجسد), فقصدية الكاتبة واضحة في إثارة المتلقي من خلال صورة الغلاف ومحاولة إقناعه وإغرائه, بتشكيل العنوان تيبوغرافيا وأيقونيا ورمزيا, باستخدام لوحة تحمل مدلولين لوجهين في وجه واحد, فصورة الفنان التشكيلي لعيبي, مؤشر للمرأة الشرقية العراقية والمجندة الأمريكية - سيفصل ذلك في الأجراء التداولي من هذا الجزء- فقد حقّق العنوان وصورة الغلاف بعدا إشهاريا إيحائيا ذا دلالات سيميائية .
التمثيل الصوتي للعنوان: يشير عنوان رواية (الحفيدة الأمريكية ) إلى مجموعة من الفونيمات والمقاطع الصوتية, فكلمة (الحفيدة ) تتألّف من أربعة مقاطع صوتية : (الــ/ ح / في / د / ة ) (ص ح ص / ص ح / ص ح ص / ص ح / ص ح ). أما كلمة (الأمريكية ) فتتألّف من خمسة مقاطع صوتية: ( الــ / أم / ري / كي / يت ) (ص ح ص / ص ح ص / ص ح ص / ص ح ص / ص ح ص) .
أ‌- كلمة (الحفيدة ):
" حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحَفَداناً واحتفد: خفَّ في العمل وأَسرع. وحَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً: خَدَم. الأَزهري: الحَفْدُ في الخدمة والعمل . والحَفَدُ والحَفَدَة: الأَعوان والخدَمة، واحدهم حافد. وحفَدة الرجل: بناته، وقيل: أَولاد أَولاده، وقيل: الأَصهار.والحفيد: ولد الولد، والجمع حُفَداءُ. وروي عن مجاهد في قوله بنين وحفدة." ( )أما معنى اسم " هو أحد أولاد الابن أو الابنة لشخص ما. كما تستخدم كلمة سِـبْـط للمعنى نفسه ولكن تغلب على ولد البنت مقابل الحفيد، وجمعها أسباط. ويقال للمذكر حفيد وللمؤنث حفيدة وجمعها أحفاد" ( ). ‏
فالربط الدلالي بيـن(الحفيدة ) والعنوان, جاء من الإشارة إلى ‏ماضي شخصية (زينة ), فهي الشخصية النقيضة لشخصية تنتمي لجيل مختلف. هو جيل الجدة (رحمة شماس الساعور ), هي حفيدتها من خلال رابط الدم الذي وحدهما رغم اختلاف نظرتيهما للاحتلال, فكلمة (الحفيدة ) إشارة للماضي أيضا, من خلال كونها حفيدة (العقيد العراقي يوسف الساعور ) "- رأيتني أطرق باب جدّي..." ( ).
ألـــ: هناك نقطتان تثيران الانتباه في وصف القدماء للهمزة والالف معا ونسبتهما إلى أقصى مخرج في الجوف, فوصفهما سيبويه بالأصوات المجهورة, فيقول سيبويه عن الهمزة بانها حرف هوائي لأنها تخرج من الجوف فلا تقع في مدارج اللسان, ولا من مدارج الحلق, فهي واللام والواو والياء عند سيبويه هوائية.( )
الحاء: يضيق المجرى الهوائي في الفراغ الحلقي عند النطق بالحاء, بحيث يحدث مرور الهواء احتكاكاً, ولا تتذبذب الأوتار الصوتية حال النطق به, فالحاء صوت حلقي احتكاكي مهموس , وهو من الأصوات العربية صعبة التلفّظ على غير العرب, لذا يلفظونها كأنّها خاء أو هاء.( ) وصفات الهمس والصعوبة هذه إشارات للجانب الأيسر والأيمن في صورة غلاف الرواية التي ترمز للحفيدة المجنّدة. وهو مؤشر على شخصية (الحفيدة ) الدالة على المرأة العراقية المعروفة بحشمتها وسمو مكانتها، وهو نقيض الكتف الأيسر العاري في صورة الغلاف, الدالة على شخصية (الحفيدة ) من كل تلك الصفات .
الفاء: "يتم نطق هذا الصوت بوضع اطراف الثنايا العليا على الشفة السفلى ولكن بصورة تسمح للهواء أن ينفذ من خلالها ومن خلال الثنايا مع عدم السماح للهواء بالمرور من الأنف, ولا تتذبذب الأوتار الصوتية خلال النطق بالفاء"( ).
وهذه الصفات الصوتية تحيلنا إلى صراع شخصية (الحفيدة الأمريكية ) الداخلية المتناقضة الرخوة, وقد استهلّت الكاتبة الرواية بهذا الصوت المهموس الرخو, حين أنطلق صوت (زينة ) بالسرد من خاتمة الأحداث وانتهاء تجربتها مع الجيش الأميركي وعودتها من بغداد، محمّلة بشعور المرارة والندم والخذلان: "حتى ضحكتي" ( ),"- منذ أن عدت.." ( ), فالوهن والضعف هو معادل موضوعي في شخصيتها للقوة والعنف لكونها مقاتلة مجندة ضمن الجيش الأمريكي, لكنها تستشعر بالندم والخزي كون جدّتها تحسبها على الطرف الآخر(المحتل ),"- لم أعد لزيارة.." ( ).
الدال: صنّفه العرب في القديم من الأصوات الشديدة الانفجارية تحقيقا لكيفيات نطقها , وما يحدث لها من عوائق أو موانع تمنع خروجها منعا تاما أو جزئيا.( )
وقد تحقّقت هذه المعاني في الجزء الثاني من شخصية (الحفيدة الأمريكية ), شخصية المجندة المشار إليها من خلال (الرمز الأيقوني ) غلاف الرواية, فالمقاتل بصورة عامة يمتاز بالتصلّب, لا يتكلّم ولا يبوح ما بداخله, فهو آلة قتالية تنفذ ما يصل إليها من أوامر من مراجعها العليا, والموضوع يكون في شدته حين يكون المقاتل مجنّدة , تمتنع عن البوح بل تكتفي بالانغلاق على نفسها, لتعيد وحدها ما يجول بداخلها من مشاعر بعيدا عن مشاركة الآخر, أيّا كان نوعه.
وهذا الانغلاق كالهرم الذي هو دلالة حرف الدال, قد تحقّق من أول جملة استهلالية في الرواية حين افتتحت الرواية ببوح داخلي للحفيدة هو تفكير بصوت عال حين قالت: "– لو كان الشجن... نزقي* ( ) الذي كان طبعاً فيّ .", " لو كان الشجن ... إلى بل تتعثّر في الإقرار به عيناي". ( )
التاء: هو حرف مهموس انفجاري شديد, وهو يوحى بملمس بين الطراوة والليونة، كأنّ الأنامل تجسّ وسادة من قطن. أو كأنّ القدم الحافية تطأ أرضاً من الرمل الجاف, تدلّ على الضعف والرقة والتفاهة أغلب المصادر المنتهية به. ( ) وهو تمثيل للجانب الخفي في شخصية الحفيدة حيث تخفي الرقة خلف خشونتها العسكرية, الهشاشة مقابل الصلابة."- حتى ضحكتي تغيرت", " حتى ضحكتي تغيرت... إلى مقبرة بين الضلوع ". ( )
ب‌- كلمة (الأمريكية ): اسم منسوب إلى أمريكا, وهي إشارة إلى حاضر الشخصية الرئيسية لرواية (الحفيدة الأمريكية ), وبعدها المكاني عن البلد الأصل العراق ,الذي شكّل ماضي الشخصية وذكريات طفولتها. فالحفيدة الأمريكية هي عراقية الماضي أمريكية الحاضر"- أراني على الشاشة قدّيسة مخذولة.." , " أراني على الشاشة قدّيسة مخذولة... إلى ..على خصب هذه الأرض وبين هذين الرافدين ؟". ( ).
ألـــ: هناك نقطتان تثيران الانتباه في وصف القدماء للهمزة والالف معا ونسبتهما إلى أقصى مخرج في الجوف, فوصفهما سيبويه بالأصوات المجهورة, فيقول سيبويه عن الهمزة بانها حرف هوائي لأنها تخرج من الجوف فلا تقع في مدارج اللسان, ولا من مدارج الحلق, فهي واللام والواو والياء عند سيبويه هوائية.( )
الهمزة: هي من الاصوات الصامتة في العربية, وهي من مجموعة (الوقفات الانفجارية) بحسب كيفية مرور الهواء, ووصفها العرب في القديم بالأصوات (الشديدة) ولاحقا أضيف لها صفة الانفجار.( )
حرف الميم: هي من الاصوات الصامتة في العربية, وهي من المجموعة السادسة مجموعة (الأصوات الأنفية) التي تضم في العربية حرف الميم والنون بحسب كيفية مرور الهواء.( )
حرف الراء: يمكن تقسيم الاصوات المفخمة في اللغة العربية إلى ثلاثة أنواع, ويعدّ حرف الراء من النوع الثالث, صوت يفخم في مواقع ويرقق في مواقع, ومعنى التفخيم هو ارتفاع مؤخر اللسان إلى أعلى قليلا في اتجاه الطبق اللين وتحركه إلى الخلف قليلا في اتجاه الحائط الخلفي للحلق, لذا يسميه بعضهم بــ(الاطباق) أو بــ( التحليق).( )
وصفات هذا الحرف أغلبها قد تحقّقت في شخصية الحفيدة التي امتازت بالتحرك الدائم وربط الماضي بالحاضر, فعتبة العنوان هي مؤشر على ذلك, كما أن رمزية الحفيدة المتحقّقة بين ما أورثته لها جدتها وما تم تكليفها به من قبل القوات الأمريكية, هي عملية كرّ وفرّ من نوع خاص, تملّص من العادات التي تميل إليها, وثبات على الهدف الذي تنشده والذي وصفته بتحرير العراق."- مثلما قررت طاووس أن تخلّف لي ..." , جملة" مثلما قررت طاووس أن تخلّف... إلى فلا أعرف نفسي منها". ( ).
حرف الياء: هي من الاصوات الصامتة في العربية, وهي من المجموعة السابعة مجموعة (انصاف الحركات) التي تضم في العربية حرف الواو والياء بحسب كيفية مرور الهواء.
حرف الكاف: هو حرف مهموس شديد، وأحد معانيه (الاحتكاك ). ( )

البِنْية الدلالية لرواية (الحفيدة الأمريكية ):
يحيلنا عنوان الرواية إلى عناوين أُخَر:( -هذه قصة الحفيدة الأمريكية. - هذه حقائق الحفيدة الأمريكية. - هي حفيدة أمريكية. - الحفيدة العراقية. - الحفيدة الفرنسية.), وغيرها من المعاني الأُخر, وقد يدلّ العنوان على أنه علامة إشهارية دعائية للولايات المتحدة الأمريكية وتمجيدٌ لما فعلته بالعراق, لذا سرعان ما تداركت الكاتبة ذلك, من خلال استخدام (الرمز الأيقوني ) الصفحة الأخيرة لغلاف الرواية بعبارتين:
أشارت في العبارة الثانية للقارئ الذي لم يطّلع على أحداث الرواية, والذي اصطدم بعتبة النص فقالت :"إنعام ‏كجه جي صحافية وكاتبة، مصرّة، رغم إقامتها الفرنسية ‏المديدة، على عراقيتها" ( ).
فرمزية (الإقامة المديدة ) في فرنسا, يقابلها إصرار الكاتبة على (عراقيتِها ), وهو مؤشّر بان عتبة النص لن تكون تمجيدا للقوات الأمريكية, بل هي إحالة إلى أن الحفيدة الأمريكية عراقية, فالكاتبة قد تُنسب لفرنسا مثلا, مكان اقامتها وعملها حاليا فتسمى (الحفيدة الفرنسية ), لكنها مصرّة على عراقيتها برغم إقامتها المديدة في فرنسا.
فعبارة الغلاف الأخير تحيل القارئ إلى عنصر التشويق والمفاجئة, وربما الشك, كونها قد ذكرت قبل عبارة الغلاف الثانية:" الحفيدة الأمريكية, رواية من قلب الحدث, إنها قصة زينة بهنام, حفيدة عقيد في الجيش العراقي, تركت بلادها مراهقة وعادت إلي إليها بعد الغزو الأمريكي, مُترجِمَة في صفوف جيش الاحتلال, وهي لا تعرف على الأرجح أن أخا لها في الرضاعة يقاتل مع جيش المهدي." ( )
أما المؤشرات الأخرى التي ذُكرت في هذه الجملة أيضا, وتثير الشك لدى القارئ المطّلع على غلاف الرواية, كــ( الحفيدة الأمريكية - حفيدة عقيد في جيش العراق - من قلب الحدث - مترجمة في صفوف الجيش - لها أخ مع جيش المهدي). فكلّ هذه المؤشرات تحيل المتلقي إلى أن الكاتبة ستدوِّن في متن الرواية الحكائي, بطولات أو أمجاد وانتصارات الجيش الأمريكي, على العراقيين من خلال حفيدته الأمريكية.
أو ربما تعدّ تمثيلا لجيش (صدام ) وحزبه, كونها حفيدة لعقيد سابق في الجيش العراقي. لذا أصرّت الكاتبة على استخدام مفردة (أصرّتْ على عراقيتها..) في الجملة الثانية لتتدارك هذا اللبس الحاصل في عتبة النص لدى المتلقي.

ثالثا: رواية (طشاري )
البِنْية التركيبية لرواية (طشّاري ): حاولت الكاتبة (إنعام كجه جي ) من خلال عتبة رواية (طشّاري ), تشكيل علامة إغراء وتحفيز للمتلقي. فهي للمرة الثانية تواليا بعد رواية (سواقي القلوب ) تستعين باللغة اليومية العراقية لتحيل ذهن المتلقي للأمثال الشعبية العراقية المتداولة, كون هذه العتبة والبِنْية التركيبية لــ (طشاري ) ذرّت ملح الوطن على جروح مغتربيه, المهاجرين بإرادتهم أو رغما عنهم.
فمن خلال الدلالات الرمزية والإيحائية للعنوان, واعتماد الكاتبة مفردة (طشاري ) كدلالة للتشتت والتبعثر كعتبة رئيسية للرواية. فقد أفصحت عن ذلك من خلال نص موازٍ في صفحة (90) ونصوص أُخر, حين فسرت هذه العتبة من خلال ديوانها الشعري الذي جعلت منه مفتاحا لفكّ رموز ومغاليق عتبة الرواية فقالت : ‏" إنّه ديوانها..‏(طشّاري ماله... ).", , جملة" إنّه ديوانها الجاهز للطبع ... إلى وتضحك لكي لا تبكي". ( )‏‏ ‏
فقد رمزت الكاتبة للشتات باللغة اليومية العراقية (ماله والي ), كأنّها تريد أن تقول أن بندقية صيد همجية - طشّرت - عائلتها كجوقة عصافيرٍ بريّة مذعورة, ليتطشّروا ويتوزعوا على خطوط بقاع الأرض طولا وعرضا. فمفردة ‏‏(طشّاري ) تدلّ على الافتراق, والضياع, ‏والتشتت على بقاع الأرض. لأن تداول مفردة - الطشار- عراقيا يدل على شيء لا يمكن جمعه أبدا. وهي إحالة للعراقيين المهجّرين بشكل عام وللمسيحيين بشكل خاص, فكلهم ينشدون أوطانا بديلة.
المستوى الأيقوني: بدت هذه الوحدة المعجمية واضحة أيقونيا, تتألّف من حروف بارزة, وغليظة على غلاف الرواية باللون الأخضر. يسبقها اسم الكاتبة الذي خُطّ بحروفٍ اصغر من عتبة النص باللون الأحمر, وقد صدرت الطبعة الأولى عام (2013 ) عن (الدار الجديد ), أما (الرمز الأيقوني ) صورة الغلاف, فقد تم الاستعانة بصورة امرأة منحنية الرأس إلى الأسفل ترتدي كمامة, تدلّ أزياؤها على ممارسة مهنة الطب, من خلال الكمامة وربطة الرأس البيضاء, وقد تم التركيز على الوجه لإبراز مشاعر صاحبة الصورة وإظهارها, وهي رمزية واضحة للشخصية الرئيسية (وردية اسكندر ) بطلة الرواية ودلالة على مهنتها كطبيبة نسائية.
لكن صورة الغلاف قد تحيلنا إلى مؤشرين مهمين: الأول ما تمّ ذكره, والثاني ربّما لو أن الرواية قد صدرت بعد أو أثناء جائحة كورونا, لكانت المؤشرات مختلفة كونها صورة تدل على تفشي الجائحة, لشيوع لبس الكمامة فهي لا تقتصر هنا على مهنة الطب فقط.
أما دلالة انحناء الرأس, فهي دلالة واضحة للانكسارات والخيبات التي مرت بها بطلة الرواية, كما أنها رمزية ودلالة مباشرة على فقدان هذه الشخصية لمسرّاتها, برغم منحها للولادات الجديدة ذلك." بأناملها ..وتعقد..", " بأناملها التي كانت تجوب... إلى وتعقد السُرر".( )
فمن خلال الرمز الأيقوني للغلاف والوحدة المعجمية الأيقونية للعنوان, توظف الكاتبة بطلتها بدلالات إنسانية كبيرة, من خلال بثّها للخير في المجتمع الذي عاشت فيه برغم اختلافها العقائدي عنه, فهي محبوبة (الديوانية ) طبيبة التوليد النسائية, فمهنتها لها دلالات رمزية وإيحائية (وردية اسكندر ) شخصية محبة للحياة رغم قساوتها وانكساراتها, تساعد النساء دائما .


طشاري / علامة إخبارية: إن أهم ما ميّز رواية (طشاري ) عن باقي روايات (كجه جي) كعلامة اخبارية ليس تصدّر العنوان على عتبة الغلاف فقط وأهميته الموقعية. بل اللغة اليومية المستخدمة في بِنْية عتبة العنوان اللغوية, فهو يمثّل علامة إخبارية وإقناعية واشهارية, محفّزة لكافّة طبقات المتلقين المختصين وغيرهم.
فهو اشارة اخبارية للمهجرين بكل اطيافهم, فمفردة (طشاري ) احضارٌ لشتتاهم وتبعثرهم بين الأوطان, وهي إحالةٌ أيضا للمتشظين داخل الوطن والمبعثرين ماديا ومعنويا. فهناك من يعاني التبعثر وهو داخل الوطن فهو ضائع مشتّت مبعثر نتيجة للأجندات التي تحكم البلد وبعثرت إراداته وطشرت أحلامه.
فهو الآخر يعاني الشتات واللا انتماء. وهناك من هُجِّر وتم اجتثاث جذوره ويعاني التبعثر والتشتت بكلّ انواعه. فمثَّل عنوان (طشاري ) عتبة نصية اخبارية ذات ابعاد رمزية تشير للتبعثر والتشتت, وهناك نصوص موازية صريحة فسرت العنوان وافصحت عنه. كقول الساردة التي تقمّصت شخصية مؤلفة الرواية من خلال مجموعة شعرية تحمل نفس العنوان فقالت: بــ - العربي الفصيح - (تفرّقوا أيدي سبأ ).
وهو نص موازٍ لنص باللغة اليومية ذكرته المؤلفة المتقمصة يمثل عتبة الرواية حين قالت: طشاري ماله والي .. فعنوان طشاري علامة اخبارية بامتياز دلّ على ذلك بنيته الأيقونية و(بروز الحروف – وصورة الغلاف). حاولت الكاتبة من خلال صورة الغلاف اخبار المتلقي بشخصية بطلة الرواية, بأنها طبيبة نسائية أو تمارس الطب.
فقصدية الكاتبة واضحة في إثارة المتلقي من خلال صورة الغلاف ومحاولة إقناعه وإغرائه, بتشكيل العنوان تيبوغرافيا وأيقونيا ورمزيا, باستخدام مفردة يومية عراقية بخطوط عريضة خضراء, ولوحة تحمل مدلولين زمنيين من خلال زمن الجائحة والزمن السابق له, فقد حقّق العنوان وصورة الغلاف بعدا إشهاريا إخباريا إيحائيا ذا دلالات سيميائية متعدّدة .
التمثيل الصوتي للعنوان: يشير عنوان رواية (طشّاري ) إلى مجموعة من الفونيمات والمقاطع الصوتية, فكلمة (طشّاري ) تتألّف من ثلاثة مقاطع صوتية: (طش / شا / ري ) (ص ح ص / ص ح ح / ص ح ص ).
معنى كلمة (طشاري ):
من خلال النصوص الموازية التي وردت في متن الرواية يمكن تفسير معنى كلمة " (طشّاري. )‏ ‏- بالعربيّ الفصيح : تفرّقوا أيدي سبأ. ‏فــ( طشّاري ) مفردة يومية عراقية تدل على التفرقة والشتات القهري, واستحضار بندقية الصيد من قبل الكاتبة في التعريف الأول لمفردة (طشاري ), هو إحالة المعنى للتطشر القهري وارتباط مقذوفات هذه البندقية في تفريق عائلتها, كجوقة عصافير(تطشّرت ) وتشتّتْ بحثا عن الخلاص.
أما في التعريف الثاني لمفردة (طشاري ) فقد عرّفتها الكاتبة بــ - العربي الفصيح - (تفرّقوا أيدي سبأ) وقد ركّزت على مفردة - العربي الفصيح - لتميزها عن تعريفها في اللغة اليومية. فتمكّن الكاتبة من اللغة قد بدا واضحا في توظيف النص الموازي المذكور, لتفسير عتبة النص (طشّاري) من الناحيتين اللغة العربية الفصيحة و(اللغة اليومية الشعبية العراقية الدارجة ), من خلال السرد المحكي داخل الرواية والتعريف عن الرواية بالرواية نفسها. من خلال المثل (تفرّقوا أيدي سبأ.) في (تهذيب اللغة للأزهري ) ( ).
حرف الطاء: هو حرف "مهموس شديد يشبه شكله في السريانية صورة الطير." ( ) وتحيلنا هذه الصورة إلى المعنى المتحقّق من السمو, والارتفاع الذي يمارسه الطير في الهروب من بندقية الصيد, وهي صفة وظّفتها الكاتبة في تفسير العتبة كلغة يومية.
ودلالة صوت الانفجار, الذي تحدثه مقذوفات بندقية الصيد لحظة انفلاقها, وردّت فعل جوقة العصافير وتشتتها مذعورة, هاربة تنشد الخلاص. كلّها مؤشرات واحالات قد وظفتها الكاتبة في تشظي الهوية لدى العائلة العراقية المسيحية المهاجرة, المتمثّلة في عائلة الدكتورة (وردية اسكندر ),وقد تحقّق هذا المعنى في الرواية من خلال نصوص موازية عديدة لعتبة النص, كلّها تؤكد معنى الشتات والتطشّر.

حرف الشين: "يتكون هذا الصوت بأن يلتقي طرف اللسان أي مقدمه بمؤخر اللثة ومقدم الحنك الأعلى, بحيث يكون هناك منفذ ضيق لمرور الهواء, ولكن هذا المنفذ أوسع من المنفذ الموجود في حال صوت السين مثلا, وفي هذه الحالة يكون كل الجزء الأساسي من جسم اللسان مرفوعاً نحو الحنك. ولا تتذبذب الأوتار الصوتية عند النطق.( )
فهذا الضيق والانفراج والتذبذب, كلّها معان تدلّ على البعثرة والتشتت والانتشار, وهي معاني تخدم المعنى العام للرواية وقد تحقّقت في عتبة النص الرئيسية.
حرف الألف: يقول سيبويه: أن " الياء الواو والالف والهمزة هوائية في حيز واحد لأنها لا يتعلق بها شيء" ويبدو أن سيبويه قد استنتج ذلك من استاذه الخليل بن احمد الذي وضع في معجم العين الهمزة مع احرف العلة الواو والألف والياء.( )
وقد تحقّقت معاني الامتداد في حركة الشخصيات وتبعثرها, من خلال بحثها عن أوطان بديلة.
حرف الراء: هو حرف "مجهور متوسط الشدة والرخاوة .." ( ) وهو فعل متحقّق في أغلب شخصيات (طشاري) من خلال رمزية عتبة النص ودلالته.
حرف الياء: " الياء الواو والالف والهمزة هوائية في حيز واحد لأنها لا يتعلق بها شيء" . فيها دلالة على حفرة عميقة لتدلّ على حفر هذه الشخصيات في صخر الحياة والغربة للحصول على بلد بديل من خلال التشظي والتشتت, وكل هذه الصفات الصوتي والصرفية في حرف الياء, قد تحقّقت في عتبة النص .
البِنْية الدلالية لرواية (طشّاري ):
إن المنافي كانت للمهاجرين رمزاً للضياع والتشظي, هذا ما كانت تؤمن به (وردية اسكندر ), وهذا هو سبب عدم التحاقها بالمهاجرين. فالعراق بالنسبة لوردية مصدر أمان, رغم فوضاه وعدم أمانه. فــ" عنوان الرواية مؤلَّف من كلمةٍ واحدةٍ (طشّاري ) وينطوي هذا العنوان في الرواية على بُعدٍ مكاني. ويتَّخذ رموزا ودلالةً على التَّشتُّت والبعثرة ." ( )
فــ(طشّر ) هي كلمةٌ عراقيةٌ بامتياز, والرواية تحكي عن واقعٍ عراقيٍّ يعرف الكثير من الشتات نتيجة الحروب. ( ) وقد وردت نصوص موازية كثيرة داخل المتن الحكائي لعتبة النص, فسّرتها شخصيات الرواية, كقول (وردية ) بطلة الرواية وقولها: "إنهم أهلي.." ( ), وتوصيفها لـ(الطلقة الطشارية ) حين قالت: "هؤلاء مثلي أصغر.." , " هؤلاء مثلي أصغر...إلى جملة " في بلاد الله الواسعة".
فقد تحقّقت رمزية العنوان بشكل واضح في تصوير (وردية ) لهذا الشتات داخل النص, من خلال التفرّق والتفاوت في المكان والزمان, واختلاف التوقيتات بين أبناءها حين قالت: "الساعة هي الآن.." " الساعة هي الآن السابعة صباحاً... إلى وهو يقهقه زهوا بما اقترفت يداه".
هذا الشتات الزمكاني, هو تعريف بطشار (وردية اسكندر ), فالعنوان يحيلنا إلى عدة معان أُخَر منها:(-هذه طشّاري.- تلك طشّاري.- هي طشّاري). فالتطشر هو مؤشر للتبعثر والتشظي الداخلي (داخل الوطن ), ومؤشر آخر خارجي (خارج الوطن ), أما التطشر الداخلي فهو إحالة للأجساد المتناثرة أثر التفجيرات اللامتناهية داخل العراق, والتطشر الخارجي هو إحالة إلى تبعثر وتششّت النسيج العائلي وتفرق أفراد العائلة.
لذا تلجأ بعض المنظمات الدولية إلى استخدام مصطلح (لم الشمل ). فالعراقي مشمول بالتطشر الداخلي والخارجي على حدّ سواء. لذا نلاحظ أن عتبة النص (طشاري ), تتجدّد وتتنامى مع النصوص الموازية التي تحمل معنى التطشر وتناثر الأشلاء, وقد تحقّق ذلك بصراحة قاسية في قول الكاتبة.
رابعا: رواية (النبيذة )
البِنْية التركيبية لرواية (النبيذة): إن عنوان رواية (النبيذة), شكّل علامة إغراء وتحفيزاً للمتلقي, من خلال إحالة ذهنه إلى لغة الأغراء, ولغة الترك أو الطرد والنبذ, عبر دلالات رمزية إيحائية عديدة متحقّقة, من خلال عتبة العنوان الرئيسية (النبيذة), وصورة الغلاف (الرمز الأيقوني ), بإصداريه الأول عن دار الجديد في لبنان أواخر (2017) وهي النسخة التي ‏دخلت ضمن القائمة القصيرة لمسابقة البوكر العربية لعام (019 ). والإصدار الثاني ضمن سلسلة روائع الأدب، مشروع النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية, عام (2020 ). وقد استعين في النسختين بصور فوتغرافية لشخصية واقعية, وهي إحالة إلى البوم الفنان التشكيلي العراقي الرائد أكرم شكري( ) حسب تصريح الكاتبة: " كل ما في الأمر أن إحدى الشخصيات وهبتني بعض صورها. فاستخدمت الصورة على الغلاف. وهناك في متحف الفن الحديث في بغداد، لوحة لها كان قد رسمها الفنان الرائد أكرم شكري. ولا أدري هل ما زالت اللوحة هناك أم تبددت مع ما تبدد ونُهب. أنا رأيت اللوحة في كاتالوغات الفن العراقي المعاصر." ( ) فالنبيذة "امرأة تختصر في سيرتها تاريخ العراق وشطرا من تاريخ العروبة, المرأة المثيرة للجدل التي تأخذ القارئ إلى عالم القصص الساحر المزدحم بالتفاصيل التي تحبس القارئ في محطات الترقب التي لا تنتهي." ( )

المستوى الأيقوني:
تَظهر هذه الوحدة المعجمية أيقونا, يتألّف من حروف بارزة, وغليظة على غلاف الرواية, خطّت بلون النبيذ الأحمر, أما دلالة لون الخط الأحمر ورمزيته, فهو يثير النظام الفيزيقي نحو الهجوم والغزو, وهو في التراث ربما ارتبط بالافتنان, والضغينة وكثيرا ما يرمز إلى العاطفة, والرغبة البدائية, والنشاط الجنسي وكل أنواع الشهوة. ( ) وهي كلّها معان متحقّقة في المتن الحكائي للرواية, وهي مكملة للمعادل الموضوعي للرمز الأيقوني (صورة الغلاف ).
تمثل الصورة رمزا أيقونيا للأغراء في غلافي رواية النبيذة, من خلال الجسد العاري. حيث تظهر فيها منطقة الأكتاف والرقبة عارية تماما, وهي إحالة إلى عُري الجسد الكامل, وإشارة إلى شبقية هذه المرأة, واتّقاد شهوتها. فتحسس رقبتها العارية بأناملها, هي مؤشرات ومثيرات فاضحة بارزة في غلاف الطبعتين. في غلاف الإصدار الثاني رمزية واضحة وإشارة إلى البيئة المصرية. من خلال اللمسة الفرعونية البادية على اللقطة الجانبية للصورة, فهي تحيلنا مباشرة إلى الكاركترات الفرعونية, المتمثّلة بامتداد عظم الفك وبروز عظم الجمجمة الأمامي, وتزيين الرأس, ولا ندري هل هذه المقصديات والمؤشرات من قبل الكاتبة, أم من دار النشر لجغرافية المكان؟! وارتباط مكان الاحتفاء بإصدار النسخة الثانية المصرية.
أم هي إشارة وإحالة إلى قصة حياة النبيذة, فالنبيذة لا وطن لها, لا وطن لتاج الملوك كمثل خلق الله. فقد شكّلت صورة الغلافين علامة إغراء للمتلقي, من خلال لقطة قريبة جانبية لوجه امرأة عارية الرقبة والأكتاف, مع إبراز حدّة خطوط مكياج الشفتين والحاجبين في صورة غلاف الإصدار الثاني لإبراز جموح الشخصية واتقّاد حركتها الدائمة. وكلّ هذه الإيحاءات والمؤشرات, هي إحالات إلى شخصية متمردة شهوانية جريئة.
فقد اعترفت (النبيذة ) بأفعالها الفاضحة في نصوص موازية كثيرة منها:"- هذه أنا.." ( ) فالكاتبة تفسّر لنا عتبة النص وصورة الغلاف من خلال هذه النصوص الموازية, كذكرها مدرسة الرسم التي أنتجت صورة الغلاف فتقول: " تأمّلتُ صورتها العارية.." ( ) .

النبيذة / علامة إخبارية:
إن تصدّر العنوان في الطبعتين الأولى والثانية يدل على أهميته الموقعية, فهو قد مثّل علامة إخبارية وإغرائية, أكثر منها اشهارية. فإحدى معاني اسم النبيذة هي التي - ظلت العصيّة والنبيذة..- عصيّة على الواقع حيث لم تزخر به ولا تهتم لتقاليده أو عاداته, فهي لا تهتم لتقاليدهم ولعاداتهم, لذا كانت نبيذة, فكان للرواية غلافان مثلما كان للروائية (إنعام كجه جي) لروايتها الأولى غلافان لزمنين متباعدين, ها هي تختم مشوارها الروائي بآخر اصدار لها (النبيذة ), ايضا صدرت مرتين عبر زمنين متباعدين, وكان لكل غلاف علاماته الاخبارية الخاصة به, لكن الغلافين لم يخرجا من دائرة الأغراء والتشويق.
فكلا الغلافين فيهما مؤشرات إغراء واضحة من خلال تحسس شخصية الغلاف الأول لجسد عار. وصورة الغلاف الثاني, تبرز فيه وجه ذو دلالات فرعونية, يُظهر ملامح حادة بخطوط تجميلية حادة تمثل الثقافة الفرعونية القديمة بجسد عاري الكتفين. فقد تعمّدت الكاتبة في إثارة غرائز المتلقي البصرية من أول لحظة ومحاولة إقناعه بشخصية النبيذة في الغلافين, وقد برز ذلك بالتركيز على ابراز حروف عتبة النص الغليظة بلون مقارب لعصير العنب - النبيذ – ,فقد وردت نصوص موازية تدلّ على النبيذ كقول منصور البادي عنها ( تاجي عنقود من عنب... نبيذها حلو ).
تضمن ذلك رمزية أسم الكاتبة (إنعام كجه جي ) للنساء المغتربات بصورة عامة, وللإعلاميات بصورة خاصة, للعربيات والعراقيات المسيحيات الكورديات بصورة أكثر خصوصية وتأصيل. فاسمها علامة اخبارية لنساء الداخل اللواتي لم تتح لهن فرصة الخروج إلى بلدان تمنحهن المساحة التي حصلت عليها النبيذة. هي علامة اخبارية كونها امست اسما لا يغادر القائمة القصيرة لمسابقة الرواية (البوكر ), فرمزية اسمها يتداول ما بين الصحافة الفرنسية والعربية, ومؤخرا كاسم روائي نسوي مميز في العرقنة والتأسيس.
التمثيل الصوتي للعنوان:
يشير عنوان رواية (النبيذة ) إلى مجموعة من الفونيمات والمقاطع الصوتية, فكلمة (النبيذة ) تتألّف من خمسة مقاطع صوتية : (الـ / نــ / بي / ذ / ت ) ( ص ح ص / ص ح / ص ح ص / ص ح / ص ح ).
أما معنى كلمة (النبيذة ):"النَّبْذُ: طرحك الشيء من يدك أَمامك أَو وراءك. نَبَذْتُ الشيء أَنْبِذُه نَبْذاً إِذا أَلقيته من يدك، ونَبَّذته، شدد للكثرة. ونبذت الشيء أَيضاً إِذا رميته وأَبعدته؛ ومنه الحديث: فنبذ خاتمه، فنبذ الناس خواتيمهم أَي أَلقاها من يده. وكلُّ طرحٍ: نَبْذٌ؛ نَبَذه يَنْبِذُه." ( )
فــ" المنبوذ: ولد الزنا لأَنه يُنبذ على الطريق، وهم المَنَابذة، والأُنثى منبوذة ونبيذة، وهم المنبوذون لأَنهم يُطْرحون,... " ( )
حرف النون: هي" مجهورة متوسطة الشدة، رسمها في السريانية يشبه النجم. معناها لغة : شفرة السيف أو الحوت أو الدواة، ولعل رسمها في العربية قد اقتبس من صورة إحدى هذه المسميات قبل أن يتطور إلى الرسم الحالي. فالنقطة في النون تمثل نتوءً عند مقبض السيف، أو عين الحوت، أو مرتسم القلم في الدواة." ( )
حرف الباء: يقول سيبويه فيه: " فالمجهورة حرف أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه, حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت ... ومن الحروف الشديد وهو الذي يمنع الصوت أن يجري فيه .... الباء ...."( ) أغلب هذه المعاني متحقّقة في شخصية النبيذة بشدة, فظهورها منحها الفوز بالتواجد مع الملوك والأمراء فقد احتفظت " تخفي عينيها.." ( ).
حرف الياء: " لينة جوفية . يشبه شكلها في السريانية صورة اليد. " ( ) يَدٌ تحيلنا إلى تلك اليد في صورة غلاف الرواية, يدٌ لينة شبقة تتحسّس رقبتها.. يدٌ طامعة, طامحة تعرّيهم, وتتفرج عليهم ولا تسمح لهم بلمسها "- أُعرّيهم وأتفرّج .." ( ).
حرف الذال: هذا الحرف نظير للحرف المجهور الثاء, فلا فرق بينهما إلا أن الأوتار الصوتية تتذبذب في حال النطق بالذال, ولا تذبذب في نطق الثاء, فالذال صوت بين الأسنان. احتكاكي. مجهور, وتحوّل في اللغة العامية إلى دال.( ) هي صفات متحققة في ماضيها حين ينظر في عينيها شامتا فهو أكوى حرارة من نارها حين " كانت جالسة في القطار.." ( ) .
حرف التاء: هو حرف مهموس انفجاري شديد, وهو يوحى بملمس بين الطراوة والليونة، كأنّ الأنامل تجسّ وسادة من قطن. أو كأنّ القدم الحافية تطأ أرضاً من الرمل الجاف, تدلّ معاني مصادره المنتهية بالتاء, على الضعف والرقة والتفاهة. ( )
البِنْية الدلالية لرواية (النبيذة ): يحيلنا العنوان إلى" أن الفرد في عالمنا المضطرب لم يعد لصيق مسقط رأسه، وأن الهجرات صارت هي ما ترسم المصائر..." ( ) وقد تحققت هذه الإحالة في شخصية (تاج الملوك ) -النبيذة- فهي نموذج غير مستقر للهوية, مما جعلها تنفتح على الثقافات الأخرى والديانات الأخرى. فقد استثمرت زمنٌ كانت فيه المرأة العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص, مختفية خلف أسوار بيوتاتها, ممنوعة من التعامل مع مجتمعات الرجال.
فهذا ما جعلها تتفرّد دون غيرها في التواجد بين زعماء الدول وشخصياتها. في ظل مجتمع غابت فيه نساءه " غير أن ثمة ثوابت في تكوينها،...، وهذا يمتد ليطال أيضا علاقتها مع الآخر المتجسد بالتكوين الاستعماري ممثلاً ببريطانيا وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية." ( )
ومثلما دلّت عتبة النص على رمزية النبذ والترك, فقد حقّقت نصوص موازية لعتبة النص في الرواية هذه الدلالة, فالنبيذة تختلف عن باقي النساء كونها "امرأة حُرّة مُتمرّدة.." ( ) وهي عرضة للتحرش والسلب والنهب. فــ" أصحاب الصحف.." ( ) وقد دلّت النصوص الموازية لعتبة النص على تمتع (النبيذة ) بالحرية دون غيرها من النساء. لذا اعتمدت الكاتبة عتبة النص كوحدة مركزية تتحقّق في كثير من النصوص الموازية داخل الرواية.
فلا مكان للنبيذة ثابت, هي كما الأرض تدور حول نفسها فــ" لا وطن لتاج.." ( ) تعدّدت أسماؤها "تاجي. تيجان.." ( ) فعنوان (النبيذة ) يحيلنا إلى إشارتين فضلاً عن الدلالة الكلية للنبذ. في الرواية وردت شخصيات دلّت على القذف أو النبذ, فقد جمعت (تاج ) معنيين للنبذ في الرواية الأول: (ظلت العصيّة والنبيذة..).
الثاني: قول منصور البادي عنها واختلاف دلالة الاسم إلى (النبيذة ) مؤنث النبيذ وهو عصير العنب الاسود: (تاجي عنقود من عنب أسود يعاند الأرجل العاصرة. نبيذها حلو ).
بذكاء وحرفة سردية تخلق (إنعام كجه جي ) - طريدة, نبيذة- ثانية هي شخصية مكمّلة لتاج الملوك: مصابة بصمم سبّبه لها المعتوه ابن الشيخ الدكتاتور (الأستاذ ) الصغير. فــ(وديان ) لا ترى عراق (تاج ) عراقها. ولا زمن (تاج ) زمنها. هذا تأكيد على أنها بديلتها الشخصية لا الزمنية. ( )


الحواشي :
( ) السيمياء العامة و سيمياء الأدب: ص9 .
( ) معجم السيميائيات: ص17 .
( ) محاضرات في الألسنية العامة, ترجمة: يوسف غازي, مجيد نصر : ص17 .
( ) آليات إنتاج النص الروائي, (نحو تصور سيميائي: ص31-32 .
( ) السيمياء عند بيرس, عادل فاخوري : ص115 .
( ) علم العنونة, عبد القادر رحيم: ص17 .
( ) ينظر: السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها , ص62.
( ) السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها, ص64.
( ) معجم المصطلحات، لطيف زيتوني: ص18 .
( ) ينظر: الاتجاه السيميائى في نقد الرواية العربية بالجزائر , ص8 .
( ) ينظر: السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها, ص67 .
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص68 .
( ) ينظر : المصدر نفسه, ص69-70 .
( ) السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها: ص70-71 .
( ) ينظر :المصدرنفسه: ص71.
( ) المصدر نفسه: ص71 .
( ) ينظر: السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها, ص72 .
( ) ينظر: سيميائية الشخصية في رواية إصرار لبوشعيب الساوري, ص19.
( ) ينظر: البنيوية اللغوية عند فرديناند دي سوسير:- ص73.
( ) * " ... فالمعرفة يُفترض فيها أنها متعلقة بالموضوع وعارفة له. كيف يكون ذلك ممكنا؟ كيف لصورة أن تكون موافقة لشيء, هو أمر نعتقد فهمه. أما كونها صورة, فذلك مما لاقبل لنا بمعرفته لولا أن بعض الحالات قد أعطيت لنا الشيء والصورة قد كانا عندنا سواء بسواء مقارنين أحدهما بالآخر", مستلّة من الضميمة الثالثة, كتاب : فكرة الفينومينولوجيا , تأليف: إدموند هوسرل , ترجمة: فتحي إنقزو- المنظمة العربية للترجمة, الحمراء, بيروت, لبنان- ط1, 2007 , ص127 .
( ) السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها : ص87.
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص, 88-89 .
( ) * "هناك تأخذ معنى آلية وهنا بمعنى منظومة وفي مكان آخر نظام تشغيل قد ينطبق على الآلة أكثر من انطباقه على الإنسان. المصطلح في الأساس فلسفي وذو علاقة بالعلوم الطبيعية. لتبسيط الأمر نقول الانسان وقبل ان يقوم بأي عمل لتحقيق رغبة تراوده يخضع هذا التصرف لثلاثة شروط: الرغبة- الجدل- الفعل- هذا هو ميكانيزم – أو نظام تشغيل." استلّت من مقالة : الميكانيزم ..أو نظام تشغيل الإنسان. https://www.alyaum.com/articles/82667/ .
( ) ينظر: السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها, ص 89 .
( ) العلامة والروایة، دراسة سیمیائیة في ثلاثیة أرض السواد : ص9 .
( ) ينظر: موسوعة النظریات الأدبیةص365 .
( ) السیمیائیة الأصول، القواعد والتاریخ: ص26 .
( ) ينظر: موسوعة النظریات الأدبیة, ص366 .
( ) معجم السيميائيات: ص55 .
( ) المدخل إلى علم النفس: ص155 .
( ) الخطاب الإشهاري في النص الأدبي دراسة تداولية: ص91.
( ) المصدر نفسه : ص91-92 .
( ) المصدر نفسه: ص92 .
( ) السيميائيات .. مفاهيمها وتطبيقاتها : ص134 .
( ) مدخل إلى السيميوطيقا/ أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة: ص33 .
( ) علم الدلالة عند العرب, عادل فاخوري : ص22 .
( ) أسس السيميائية, دانيال تشاندلِر, ترجمة: د. طلال وهبة- المنظمة العربية للترجمة- ط1, 2008, ص89 .
( ) ينظر: أسس السيميائية, دانيال تشاندلِر, ص91.
( ) مدخل إلى السيميوطيقا: ص85.
( ) أسس السيميائية: ص91 .
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص91.
( )أسس السيميائية: ص92 .
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص93 .
( ) المصدر نفسه, ص264 .
( ) مدخل إلى السيميوطيقا: ص142 .
( ) ينظر: معرفة الآخر : مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة, ص78- 79 .
( ) ينظر: التحليل السيميائي للخطاب الروائي, ( البنيات الخطابية - التركيب - الدلالة ), ص109- 110 .
* " (التيبوغرافية) فن صياغة الحروف وهو فن وأسلوب ترتيب اللغة المكتوبة لجعلها مرئية, وسهلة القراءة وجاذبة من اختيار عائلة الخط وحجم وطول الخط والمسافة بين السطور وبين الحروف وحتى تعديل المسافة بين زوجين من الحروف والوصلات الأبجدية" , مستل من موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة,
https://ar.wikipedia.org/wiki/فن_صياغة_الحروف .
( ) سيميائية العنوان في السرد الروائي الثيمة والبِنْية.
( ) أسس السيميائية, ص94.
( ) أنواع اللقطات وزوايا التصوير..
( ) أسس السيميائية, دانيال تشاندلر, ترجمة: طلال وهبة - مركز دراسات الوحدة العربية- ص93-94 .
( ) اللّون في الرواية العراقية ( 2010- 2015 ) : ص30.
( ) ينظر: اللغة واللون, اطروحة . ص184- 185 .
( ) "سواقي القلوب" في طبعة ثانية عن دار الجديد.
( ) معجم السيميائيات: ص226.
( ) إنعام كجه جي في (سواقي القلوب ) نموذجا. عبد الواحد لؤلؤة- القدس العربي – 30/10/ 2020.
( ) السميولوجيا بين النظرية والتطبيق: ص401.
( ) السميولوجيا بين النظرية والتطبيق, جميل حمداوي, ص402 .
( ) ينظر: المقطع في بِنْية الكلمة العربية: ص5.
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص283.
( ) معجم لسان العرب لأبن منظور , حرف السين (446). .
(4) ينظر: علم الأصوات , د. كمال بشر - دار غريب للطباعة والنشر, القاهرة – 2000, ص
( ) ينظر: خصائص الحروف العربية ومعانيها, ص114
(6) الأصوات اللغوية, د. ابراهيم أنيس – مكتبة الأنجلو مصرية – ط3, 2017, ص44.
( ) ينظر: خصائص الحروف العربية ومعانيها, ص97.
(1) ينظر: علم الأصوات , د. كمال بشر, ص209.
( ) ينظر: خصائص الحروف العربية ومعانيها, ص98 - 99- 100 .
( ) معجم لسان العرب لأبن منظور , حرف القاف (546).
( )ينظر: أسماء الشخصيات في رواية: موسم الهجرة إلى الشمال, ص98.
( ) خصائص الحروف العربية ومعانيها: ص144.
( )المصدر نفسه: ص79.
(7)دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر – عالم الكتب , القاهرة – 1997, ص318.
(8) علم الأصوات , د. كمال بشر, ص248.
( ) ينظر: العنوان في الأدب العربي .., ص27.
( ) هرقليطس, ويكيبيديا .
( ) البِنْية والدلالة في الرواية (دراسة تطبيقية ): ص101.
( ) ينظر: التحليل السيميائي للخطاب الروائي, ( البنيات الخطابية – التركيب – الدلالة ), ص113.
( ) إنعام كجه جي في (سواقي القلوب ) نموذجا.
( ) ينظر: رواية (سواقي القلوب ), ص7. جملة " دخلت إلى الوطن ..الى بِنْية وزرقاء".
( ) ينظر: رواية (سواقي القلوب ), ص52, جملة "ألا تعرف.. الى مجرى واحد".
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص128, جملة "لنقل إن اللوعة.. إلى القلوب سواقي".
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص129, جملة" ورفعت كأسي ... إلى نار الوحشة".
( )ينظر: المصدر نفسه , ص128, جملة" القلوب سواقي... إلى هذه النبوءة الشعبية".
( ) اللغة واللون: ص186.
( )المصدر نفسه: ص185.
( ) المصدر نفسه: ص185.
( ) ينظر: رواية الحفيدة الأمريكية, ص9-10 ,جملة " أقرُّ بأنني.. الى وموغل في القدم".
( ) سيميائية الصورة في غلاف رواية (الحفيدة الأمريكية ) .
( ) معجم لسان العرب لأبن منظور : حرف القاف (542).
( ) https://ar.wikipedia.org/wiki/حفيد .
( ) ينظر: رواية الحفيدة الأمريكية, ص44, جملة " رأيتني أطرق... إلى هذي زُنزُن, ألم تعرفها؟".
(4) ينظر: دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر, ص344.
(5) ينظر: علم الأصوات , د. كمال بشر, ص304.
(6)علم الأصوات , د. كمال بشر, ص297.
( ) ينظر: رواية الحفيدة الأمريكية, ص9, جملة " حتى ضحكتي تغيرت... إلى مقبرة بين الضلوع".
( ) ينظر: المصدرنفسه, ص9, جملة " منذ أن عدت من بغداد ... إلى ولا أفلح في إيجاد عنوان يليق به".
( ) ينظر: رواية الحفيدة الأمريكية, ص119, جملة " لم أعد لزيارة جدّتي... إلى حفيدته الأمريكية".
(1)علم الأصوات , د. كمال بشر, ص212.
( ) " نزِقَ يَنزَق ، نَزَقًا ونُزُوقًا ، فهو نَزِقٌ، وهي نَزِقَةٌ, نَزِقَ الفَرَسُ : وَثَبَ، تَقَدَّمَ بِخِفَّةٍ، نَزَقَ, نَزِقَ الوَلَدُ : طَاشَ، خَفَّ سُلُوكُهُ , نَزِقَ الإِناءُ ونحوُه : امتلأَ إِلى رأْسه, نَزِقَ الوَلَدُ : نَشِطَ" , المراد هنا طيش وعجلة شخصية الحفيدة في اتخاذ القرارات. https://www.almaany.com/ar/%20%20.
( ) ينظر: رواية الحفيدة الأمريكية, ص9.
( ) ينظر: خصائص الحروف العربية ومعانيها, ص55.
( ) ينظر: رواية الحفيدة الامريكية , ص9.
( ) ينظر: المصدر السابق نفسه, .
(7) ينظر: دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر, ص344.
(8) ينظرعلم الأصوات , د. كمال بشر, ص214.
(9) ينظر: المصدر نفسه, ص214.
(10) ينظر: دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر, ص326.
( ) ينظر: رواية الحفيدة الأمريكية, ص103.
(3) ينظر: علم الأصوات , د. كمال بشر, ص214.
( ) ينظر: خصائص الحروف العربية ومعانيها: ص69.
( ) المصدر نفسه: صفحة الغلاف الأخير للرواية.
( ) المصدر نفسه: صفحة الغلاف الأخير للرواية.
( ) ينظر: رواية (طشاري ), ص90.
( ) ينظر: رواية طشاري, ص18-19.
( )‏ ‏" وقولهم ذهب القومُ أيْدِي سبَا, وأيادي سبا, أي: متفرِّقين, شبهوا بأهل سبأ, لما مزقهم الله في ‏الأرض كلَّ ممزق, فأخذ كلُّ طائفةٍ منهم طريقاً على حدة. واليَدُ: الطَّريق." , تهذيب اللغة , تأليف: أبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي (370هـ ), تحقيق: الدكتور أحمد عبد الرحمن مخيمر – دار الكتب العلمية, بيروت , لبنان – ج9, ص643 , سبأ, حرف السين
( ) خصائص الحروف العربية : , ص119-120 .
(2)علم الأصوات , د. كمال بشر, ص302.
(3) ينظر: دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر, ص344.
( )خصائص الحروف العربية : ص83.
(5)ينظر: دراسة الصوت اللغوي, د. أحمد مختار عمر, ص344.
( ) سيميائية المكان في رواية طشاري, أ. هاجر خالد محمد الدخيل – مجلة الاندلس,ع4,اللسنة الرابعة- 2019, ص111-112.
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص112.
( ) ينظر: رواية طشاري, ص90, من جملة إنهم ...إلى طشاري ماله والي.
(1) مواليد مدينة بغداد عام 1910. درس فن الرسم في انكلترا- سليد سكول- لندن عام 1931.درس مادة الرسم في المتوسطة الغربية- بغداد.ساهم في تاسيس جماعة اصدقاء الفن عام 1940 / عضو في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين شارك في معارض جماعة اصدقاء الفن السنوية التي اقيمت في 41,42 / . ساهم في اكثر معارض جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين السنوية./ شارك في معرض ابن سينا الذي اقيمت في بغداد عام 1952./ اقام معرضا شخصيا في بغداد عام 1956.أقيم له معرض تكريمي شامل.توفي عام 1983كتب عنه جبرا ابراهيم جبرا وشاكر حسن ال سعيد وشوكت الربيعي، وكتب عادل كامل في كتابه الحركة التشكيلية العاصرة في العراق. https://www.iraqipas.com/
( ) إنعام كجه جي: الهجرات بنات الحروب, عبدالله مكسور - https://alarab.co.uk/ .
( ) تأنيث الحضارة-قراءة في رواية النبيذة للكاتبة العراقية إنعام كجة جي.
( ) ينظر: اللغة واللون, ص184- 185 .
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص40, من جملة " هذه أنا في اللوحة ... إلى في أزقة شارع غازي".
( ) ينظر: المصدر السابق نفسه, ص40, من جملة " تأمّلتُ صورتها العارية...إلى قبل أن تتحول إلى مدام شامبيون".
( ) معجم لسان العرب لأبن منظور : كلمة (نبذ)حرف النون (438).
( ) المصدر نفسه: حرف النون (438 ).
( ) خصائص الحروف : ص160.
(4)علم الأصوات , د. كمال بشر, ص176.
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص120-121, من جملة" تخفي عينيها...إلى "وابنها الصغير فيصل".
( ) خصائص الحروف : ص98- 99.
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص42, من جملة " أُعريهم وأتفرّج .. إلى ذو حدّين".
(8)ينظر: علم الأصوات , د. كمال بشر, ص299.
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص7, من جملة" كانت جالسة...إلى " ووهن السنين".
( ) ينظر: خصائص الحروف , ص55.
( ) إنعام كجه جي: الهجرات ... هي التي ترسم المصائر.
( ) الإقصاء والعطب… رواية (النبيذة)لإنعام كجه جي .
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص41, من جملة " امرأة حُرّة مُتمرّدة ...إلى أغطي بها خيبتي".
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص54, من جملة " أصحاب الصحف ... إلى تتعمّد السهو ولا تصد".
( ) ينظر: رواية النبيذة, ص54, من جملة" لا وطن لتاج ... إلى ورثت منه ذلك الطبع".
( ) ينظر: المصدر نفسه, ص59-60, من جملة" تاجي. تيجان.. إلى وداوى غربتها".
( ) ينظر: النبيذة لإنعام كجه جي :حياة كقلادة السحرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على