الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحكي بين فعل السرد والكيفية السردية / كاظم مؤنس

كاظم مؤنس

2021 / 12 / 3
الادب والفن



بلاشك أن مصطلح السرد مفهوم واسع كان وما يزال يثيرالكثير من الجدل والنقاشات فهو ممارسة ذهنية لصياغة وتشكيل المعلومات داخل قالب معين أو بعبارة أخرى هو كيفية نوعية لتسييق أحداثا زمكانية في سلسلة من الاسباب والمسببات ، لها بداية و وسط ونهاية ، ومن الواضح أن المفهوم يشير إلى سرد قصة ما. ونتفق جميعا على أن مصطلح السرد والسردية قد شاع كثيرا، و شغل موقعا كبيرا في الذهنية الثقافية المعاصرة وكان فيها لمرادفات كالخطاب والمحكي والقصصي والمروي والمسرود تمثلات عديدة لا يتسع المكان هنا للتعرض إليها. ومع ذلك فتناولنا للسرد كمفهوم لغوي يعني أن يتقدم شيء على شيء ما شريطة أن " ياتي متسقا بعضه في أثر بعض متتابعا ,يقال سرد الحديث سردا : أذا كان جيد السياق ( ويقال) وسرد فلان الصوم إذا والاه وتابعه " . بمعنى أن السرد يأتي منسقا ومتتابعا . وكل جديد إنما يمهد السبيل لنسق أو سياق جديد حيث يمكن للقصة أن تحتوي على العديد من الأنساق ...ويمكن أن يتبع نسق نسقا آخر مباشرة، كما يمكن لها أن تتشابك بعضها مع بعض حيث يتوقف البسط المبدوء به ليفسح مجال الدخول إلى نسق آخر ...فهناك أساليب معينة كالتوازي والتكرار وغيرها تفضي في النهاية إلى أنه يمكن للقصة أن تتألف من عدة أنساق، ويوسع رولان بارت من هذا المفهوم فيرى بأن السرد " تحمله اللغة المنطوقة شفوية كانت أم مكتوبة والصورة ثابتة كانت أو متحركة والإيماء " . ويرى أيضا بان السرد كان وما يزال متوفر في جميع الأمكنة والأزمنة، إذ يبدأ مع التأريخ ولكل التجمعات الإنسانية والطبقات سردياتها. لكنه بحسب راي بارث لم يحظ بكل هذا الاهتمام إلى أن احتل التقدم الحاصل في حقل تحليل الخطاب السردي تطورا بيناً فمع إطلالة حقبة الستينيات من القرن الماضي وشيوع الممارسات النقدية في حقل السرديات والسيميوطيقا الحكائية يكون قد حقق وجودا راسخا .
ويضيف مرتاض بأن السرد كذلك يحضر " في الأسطورة والحكاية والملحمة والمأساة والملهاة وفي اللوحة الزيتية ". وقد ظهر وأنتشر المفهوم كثيرا في العصر الحديث، حيث خلق لنفسه مسارا منهجيا مغايرا من خلال تعرضه لفن الحكي، لذا يمكن القول بأن مفهوم السرد يختص بفعل السرد حصرا كما يخصه جينيت بأنه الفعل السردي المنتج والمنفتح " على مجموع الوضع الحقيقي أو التخييلي الذي يحدث فيه ذلك الفعل " ويدخل في هذا الفعل ما هو واقعي وما هو تخيلي على حد سواء ويعتبره بنكراد " إنزياحا عن زمنية عادية من أجل تأسيس زمنية جديدة تهيء للتجربة التي ستروى بؤرتها وإطار وجودها " وهو كذلك يتخلق بالكيفية التي تقدم الروي فضلا عن ما يمكن أن يمارسه الراوي من مؤثرات سواء كانت تتعلق بشخصه أو ذات صلة بالحكاية ذاتها، لذا فالسرد يقترن بالطريقة التي تقدم بها القصة، ومن الطبيعي أن تختلف هذه الكيفية من كاتب لآخر، فالقائم بالاتصال ( الراوي) يقدم حكايته للمتلقي الذي يبدي إستجابته وتأثره بالطريقة التي أتبعها الراوي، وبالتالي نجدنا بين طرفي معادلة في طرفها الأول المستوى النصي وفي طرفها الثاني مستوى التلقي مما يجعل السرد يؤكد معناه ودلالته عبر التفاعل بين طرفي المعادلة بعد ان يقوم المتلقي بفك شفرات النص المقرؤ أو النص المرئي على حد سواء، ويعد فلاديمير بروب هو أول من عرف السرد في كتابه الشهير مورفولوجيا القصة عام 1928 أثناء بحثه عن أنظمة التشكل الداخلية، ثم تطور هذا المفهوم بواسطة ابحاث الشكلانيين الروس التي مهدت لدراسة البنيات السردية من أبحاث بروب وتحليلاته. وبغض النظر عما ذهب إليه الشكلانيون الروس وإقتراحهم لما أسموه بالمتن الحكائي المتمظهر بالمضمون ومحتوى القصة أو الأحداث، بينما المبنى الحكائي فقد تمت إحالته إلى الطريقة التي تظهر بها تلك الأحداث في العمل الحكائي نقول بغض النظرفقد تطورت مفاهيم السرديات (Narratologie) كمصطلح أطلقه تزفيتان تودوروف سنة 1969 بدلالة علم الحكي وشيوعه وتطور حقول الأبحاث، مما فسح الطريق لتقدم مفهوم آخرتمثل هذه المرة بمصطلح السردية ( Narrative ) مع جيرار جنيت، ويرى كل من كريستيان أنجلي وجان هيرمان بأنها فرع معرفي يهتم بتحليل مكونات المحكي، وأن لكل محكي موضوع وهذا الأخير هو الحكاية ، و هذه تصل إلى المتلقي بواسطة السرد، "والسرد هو الفعل الذي ينتج هذا المحكي،وهناك اتجاهان للسرديات الأول المسمى عادة بالسيميائيات السردية يمثله بروب، بريمون ، غريماس ...وآخرون ويهتم بسردية الحكاية دون الاهتمام بالوسيلة سواء كانت رواية أو فلما أو رسوما، بينما الاتجاه الثاني فيهتم بدراسة العلاقات بين الثلاثي المتمثل بالمحكي والحكاية والسرد . المفهوم ينكشف على الشعرية التي تُعنى باستخلاص النظم والمباديء التي تستوفي شروط أبنيتها، ومن هنا يتأتى قولنا بأنها كل ما يختص بالوسائل المنتجة لشكل الخطاب "بمظاهر الخطاب السردي اسلوبا وبناءا ودلالة " وهذا القول لايستبعد المحتوى المادي للقصة لأنها في النهاية ممارسة تحليلية لمكونات الروي وميكانزماته وتتكرس إشتغالاتها على الوسائل المنتجة للبنية السردية، إنطلاقا من كون النص السردي نتاج تشابك وتداخل وتفاعل تلك المكونات.وعلى العموم فإن هذا المجمل الكلي الذي يتشيء كقالب متماسك بفعل السرد يطلق فنا سرديا يتمظهر في بناء محبوك يتمثل بشكل شريط يجسد وقائعا واحداثا متتابعة ومتداخلة تدور وتتطور وتجري على التوالي في أحيازٍ زمكانية معينة مشغولة بعدد من الشخصيات التي تأخذ على عاتقها تمثيل ما يجري من وقائع متصلة ومتتابعة تنتج مع بعضها نسقا حكائيا مستوفيا لشروطه على المستويات كافة باعتباره نظام يتخلق بالأسلوب والبناء المحكم والدلالة، وقولنا هذا يحيل المفهوم إلى الكيفية التي تحكى بها الحكاية أو الأحداث بحيث يمكن لهذه الحكاية أن " تحكى بطرق متعددة ، وأن هذه الطرق والكيفيات هي التي تميز أنواع السرد عن بعضها البعض، فعند وجود مادة ما يمكن تقديمها بطرق مختلفة، ويمثل " السرد (المبنى) لدى كل من تودوروف وجينت وريكارد شكل الحكاية بينما تمثل هذه الأخيرة ( المتن) على اعتبار أن السرد (المبنى) والحكاية وجها المروي المتلازمان" ولتجسيد طبيعة هذا التلاصق فيما بينهما فيمكن وصفه بأن المتن الحكائي يمثل المادة التي تطلق المبنى وتحرره، ولعل هذا التلازم الثنائي من أبرز الظواهر التي إلتصقت بالسرديات المعاصرة بعد أن دفع بهما توماشفسكي إلى البروز، ومن الطبيعي أن يقتضي الخطاب السردي ( الحكائي) وجود " سارد أو راوٍ لهذه القصة كذلك يفترض وجود من تُحكى له هذه القصة ( المسرود له أو المتلقي) " والذي يعلق عليه في التفاعل مع الأحداث والمضامين التي فيها. وتلك هي الممارسة العملية لوظيفة التواصل البيني لطرفي عملية الاتصال: الراوي حيث يعبر عن حضوره بالنسبة للمتلقي.
وتأسيسا على ذلك فهو تواصل مناط بالمحكي الواقع على السرد وبنيته، وهو بالضرورة خطاب تواصلي ، ويتسق هذا التصور مع رأي جنيت القائل " باستحالة وجود محكي دون سارد ".فلا وجود لمحكي دون لغة تنتجه، والمحكي يشترط تحقيقه بموجبتين أن ينتظم في شكل بنية قصصية محكومة بتدفق أفقي على المستوى الكرونولوجي والثانية الأحداث التي تتمثلها الشخوص باعتبارها عناصر حكائية . ومن أهم وظائف السرد الجمالية هو تركيب الأحداث بكيفيات تتوخى ذلك كأستبدال مواقع بعض الفصول، الأمر الذ ي "يبرز لنا على هذا النحو القوانين الجمالية " فمقابل المتن الحكائي يوجد المبنى الحكائي الذي يتألف من الأحداث نفسها ، بيد أنه يراعي نظام ظهورها في العمل، كما يراعي ما يتبعها من معلومات تعينها لنا " وهذه الكيفية السردية ليس فقط تضفي سمة جمالية فحسب، بل تخلع على المحكي دلالاته التي تغيرت بتغير السياق، ولعل هذه الخاصية هي ابرز ما يمنح السرد وظيفة الجمال ويخلع عليه سمة التخيل وفنية التوصيل المعرفي والتصوير السردي، ولأنه كذلك فلابد لمنتجه من رسم آثار قابلة للملاحظة والدراسة والتحليل. وتلك هي وظيفته "رواية الحكاية كما يرى فورستر".و هي الوظيفة الأبرز في اقل تقدير لأدوار السارد المتعددة.
هــوامـــــــش :
ـ أبن منظور : لسان العرب.
ـ فلاديمير بروب : مورفولوجيا القصة كريم الخفاجي: المصطلح السردي في النقد الأدبي الحديث.
ـ سعيد بنكراد:السرد الروائي وتجربة المعنى.
ـ ـ كريم الخفاجي: المصطلح السردي في النقد الأدبي الحديث.
ـ رومان جاكوبسون وآخرون : نظرية المنهج الشكلي.
ـ يوسف وغليسي : الشعريات والسرديات.
ـ كرستيان أجلي، جان هيرمان وآخرون : نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير.
ـ عبد الله إبراهيم : السردية العربية بحث في البنيسة السردية للموروث الحكائي العربي.
ـ حميد لحميداني : بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي.
ـ بوريس إيخنباوم : نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس
ـ فورستر: أركان القصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-