الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكائن المفكر الأوحد

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 12 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقدم:
قبل الفاصل تحدثت، كما فهمت، عن ثلاثة أنوع من الوجود:
1- الوجود المادي، وهو ذلك التجسيد المحسوس الذي تشترك فيه كل الكائنات الحية وغير الحية مع مادة الكون ذاتها. فكل الأشياء في هذا الوجود الواسع متحدة في أصل منشأها من مجموعة معلومة من العناصر والمكونات. ثم فيما بعد تمايزت فيما بينها في مسارات تطورية مختلفة عبر رحلتها الوجودية الممتدة منذ ملايين السنين. والإنسان جزء من هذا الوجود.
2- الوجود الإدراكي، وهو ذلك الذي لا يتحقق سوى بعد تكون الإدراك لدى مدركه. هذا الوجود يقتصر على الكائنات الحية القادرة ذاتياً على إدراك وجودها المادي ومن ثم السعي للمحافظة عليه. كل الحيوانات والكائنات الحية تشاطر الإنسان هذا الوجود لأنها أتت إلى الحياة مسلحة بحزمة من الأدوات الوجودية التلقائية (الغرائز الفطرية) التي تدفعها حتى من دون قصد أو إرادة منها للمحافظة على وجودها وتحسين فرص النجاة.
3- الوجود الإدراكي التطوري، وهو ذلك الوجود المتفرد بقدرة ذهنية خاصة قادرة ليس فقط على إدراك الوجود المادي، لكن تحسينه وتطويره أيضاً عبر عملية بناء إبداعية أسميتها الفكر. هذا الوجود حكر على الإنسان، لأنه وحده القادر على التفكير، أو هو الكائن المفكر الأوحد في الكون. وقد وعدت سيد إبليس أن توضح معنى التفكير بالنسبة لك.
إبليس:
حسناً، التفكير ينطلق من قدرة مادية (دماغية) خاصة تكونت لدى صاحبها عبر رحلة وجوده الإدراكي. وهي متوفرة لدى الإنسان فقط. الإنسان، كما ذكرت للتو، هو مفكر الكون الأوحد. لكن، ماذا يعني التفكير في الممارسة؟

التفكير هو القدرة على البناء من مفردات قديمة ومألوفة لتخليق أشياء جديدة ومبتكرة لم تكن موجودة من قبل. إليك مثالاً. من بين كل الكائنات الحية، سواء التي تبني أو لا تبني بيوتاً لأنفسها، كان الإنسان ولا يزال وحده هو القادر على استخدام مواد كونية قديمة موجودة بالفعل ليخلق منها عمارة رائعة ليس لها من وجود طبيعي أو مسبق. إذ بينما ظلت بيوت النحل والنمل وأعشاش الطيور على حالتها القائمة منذ ملايين السنين، شهدت العمارة البشرية ولا تزال من كافة النواحي تطوراً لا ينتهي. وهذا بفضل التفكير.
المقدم:
لكن مثالك لم يوضح كيف يحدث التفكير، كيف تعلم الإنسان البناء.
إبليس:
حسناً. تخيل نفسك في مكان مهجور. ثم فجأة أحاطت بك مجموعة من كلاب الشوارع الشرسة تنبح عليك وتهم بمطاردتك. سأطلب منك أن تحصي عددها. 3، 4، 5 أو غير ذلك. سأخبرك هنا أنك نفسك في هذا الموقف أنجزت عملية تفكير ناجحة، لأنك أبدعت شيئاً جديداً عبر بناء أو تركيب مفردات موجودة وقديمة. سنفترض أن عدد الكلاب 3 فعلاً: (كلب أسود)+(كلب أبيض)+(كلب ملون)= 3. لكن في الواقع، الموجودة حقيقة هي الكلاب فقط، ولا وجود مادي على الإطلاق لهذا المدعو "3". هذا الأخير لا يوجد سوى في ذهن صاحبه، وهو ناتج عملية تفكير لا يمارسها ولا يقدر عليها سوى الإنسان فقط.

أي حيوان آخر يستطيع أن يرى الكلاب الثلاثة ويستجيب نحوها بالفعل المناسب له ويخزن صورتها في دماغه تماماً مثلما يفعل الإنسان، لكنه لن يستطيع أبداً أن يخلق منها الرقم "3" لأنه غير موجود (مادياً) من الأصل- وجوده افتراضي، أو ذهني.

هكذا نحن أمام وجود آخر من نوع جديد- الوجود الافتراضي أو الذهني، وهو ذلك الذي ليس له من وجود حقيقي في الكون المادي المحسوس لكنه بالقطع يمثل امتداداً وانعكاساً لهذا الكون بصورة أو بأخرى. بل كون هذا الوجود هو دماغ الإنسان ذاته، والإنسان خالقه. فإذا كنا نجهل خالق الوجود المادي المحسوس ونعدم وسائل الاتصال به، نحن بالتأكيد نعلم خالق الوجود الافتراضي الذهني وكائناته، كما نعلم الغايات والمقاصد من وراء كائناته الافتراضية.
المقدم:
حسناً، يكفي. دعنا نكمل حديثنا عن هذا الوجود الافتراضي المزعوم بعد الفاصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل