الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة؛ سؤال الكينونة الدائم الحضور

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2021 / 12 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفلسفة تساؤل دائم الحضور في العالم وسؤال الكينونة والكائن هو سؤال الفلسفة الراهن، وراهنيته تنبع من صيرورة الحياة الإنسانية التى لم تتوقف ولن تتوقف عن ديمومة التغير والتبدل والتطور والتقدم والنماء إذ أن التجديد والتغيير والتطور والتقدم والنمو والارتقاء خاصية جوهرية من خصائص الحياة والتاريخ والزمان والمكان، ففي عالم ما تحت فلك القمر، عالم الأرض والإنسان والحاس والمحسوس والفعل والانفعال لاشئ يدوم على حال من الأحوال، فكل شيء في حركة وتحول وتبدل ونمو وتجدد باستمرار وهذه سنة من سنن الكون وقانون من قوانين الحياة والتاريخ. فالنمو هو جوهر الحياة وكل الكائنات الحية تنمو وتنضج وتكبر وتشيخ وتموت وتعود من جديد وتتبدل من حال إلى حال ولا يستطيع المرء أن يستحم بمياه النهر مرتين!
والتغير جوهر التاريخ بوصفه زمانًا يمضي في ثلاثة أبعاد هي الماضي والحاضر والمستقبل، في كل آن من الأوان فما كان قد ذهب إلى الأبد ويستحيل إعادتها والمستقبل هو ما لم يوجد بعد، والحاضر فقط هو الذي نعيشه هنا والآن حياة فورية مباشرة ولكنها سيالة ولا يمكن إيقافها، وبقدر ما نعيشها في كامل امتلاءها يكون لها معنى أما إذا تركتناها تمر بالعجز والكسل والخذلان فلا يمكن أن تنجم الثمار لي قادم الأيام وهذا هو معنى التاريخ عن كورتشيه.
أنه حاضرًا مستمرًا يشكلنا ونشكله في حدود الممكنات المعطاه لنا سلفًا من الماضي، وتلك الممكنات أما أن تكبلنا بثقلها التاريخي أو تحفزنا وتمدنا بالطاقة والدافعية لتجاوزها باتجاه المستقبل. والتاريخ لا يعود أبدًا مرتين! إذ هو صيرورة مستمرة في الزمان والمكان فأمس غير اليوم وغدًا غير الأمس، وحوادث الزمان والناس هي جديدة وفريدة ونوعية في كل زمان ومكان. ونحن نعيش التاريخ كما تعيش الأسماك بالماء وليس بمقدورنا الخروج منه أو مغالطة استحقاقاته الفورية المباشرة فأما أن نستجيب إلى تحدياتها ونتدبر أمرنا في كيفية تجاوزها وأما سحقتنا بعجلاتها وتجاوزتنا. ولا شيء يأتي إلى التاريخ من خارجه ولا شيء يخرج منه. التاريخ هو التاريخ يمضي إلى سبيله من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل وليس بمقدور أحد إيقافه. أنه الذي يكسر رؤوس البشر ولا يتكسر رأسه أبدًا. فهل أدركنا ماذا يعني العيش في التاريخ وكيف يمكن تدبير حياتنا فيه ولا خيارات بديلة من ذلك. وتكريم الأسلاف لا يعني النوح على شواهد قبورهم ولا التوقف عند زمانهم ولا الاحتفاظ برماد قبورهم بل يعني ويجب أن يكون استئنافًا جديدا للفعل التاريخي بما يجعل الشمعة التي اوقدوها ذات يوم متوهجة باستمرار وكل جيل من الأجيال معني بتدبير العيش في حاضره هو لا ماضي اسلافه ومواجهة تحديات حاضره هو في ظل المعطيات والشروط والممكنات المتاحة في اللحظة الراهنة والمستقبل هو أمام الناس لا ورائهم!

وفي كل عصر من العصور يعاود العقل وظيفته في تأمل العالم ومحاولة فهمه من جديد عبر التساؤل المستمر ما الوجود ؟ يعني من نحن هنا والآن وماذا بوسعنا فعله وكيف نعيش عالمنا الراهن؟ وأجوبة الفلسفة القديمة لا يمكنها أن تسعفنا في تفسير عالمنا الجديد وفهمه. فماذا يفيدنا قول بارميندس اليونان " الوجود موجود والعدم غير موجودا"؟ أو قول الفارابي" الوجود هو الذي إذا تصورته غير موجودا نجم عن تصورك محال" أو قول هيجل "العقل يحكم العالم"أو قول سارتر "الوجود أسبق من الماهية"كل الأجوبة القديمة جاءت لتشبع اسئلة زمانها فهذا المؤرخ الإنجليزي المشهور " جفري باراكلاف" من جامعة اكسفورد يكتب تحت تأثير الإحساس العميق بالأزمة:" إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديد لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة واسئلتها واجاباتها بدليل أمين لسلوك دروبه، وان أحد نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد، إن لم يكن قد فقد سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ آدم حتى اليوم" نعم من الذي ينكر أن العالم المعاصر شهد منذ منتصف القرن العشرين أحداثاً عاصفة ومتغيرات متسارعة في مختلف الصعد الحضارية والثقافية والمدنية، متغيرات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث جدتها وسرعتها وأثرها وقوتها الصادمة للروح والعقل معاً، إذ بدا الأمر وكأن التاريخ يترنح والأرض تميد بأهلها، والقيم تهتز والحضارة تضطرب، والفوضى الشاملة تجتاح كل شيء، وبازاء هذا المشهد القيامي المجنون تحيرت افضل العقول، وفقد العقل الإنساني بصيرته وقدرته النيرة في رؤية الأحداث وما ورائها، ومن ثم تفسيرها وتحليلها والكشف عن ثيماتها العميقة المتخفية في سبيل فهمها وعقلنتها وإدراك معناها. ووسط هذا السديم الحالك من الاضطراب العظيم والعمى الشامل، آخذ العلماء والمفكرون والمؤرخون يبحثون عن تفسير معقول لما يعتمل في لواقع ويدور في عالم جن جنونه وأصاب الناس جميعاً بالدهشة والذهول.ويمكن لنا تتبع حيرة الفكر المعاصر إزاء ما شهده العالم ولا يزال يشهده من اضطراب شامل في ذلك السيل المتدفق من المحاولات التنظيرية التي ترغب في توصيف ونمذجة وعقلنه المشهد التاريخي الراهن في أطر مفهومية مجردة وكلية، إذ أخذ الفلاسفة والمفكرون منذ أواخر القرن العشرين يتسابقون ويتنافسون في صياغة وإبداع ونحت المفهومة المعبرة أو الصورة الفكرية التي يمكن لها ان تعبر عن العالم المعاش، وتمنح الحقبة الجديدة اسمها ومعناها. ومن تلك التوصيفات يمكن الإشارة إلى اشهرها وهي: العولمة، ما بعد الحداثة، ما بعد القومية، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الأيديولوجيا، ما بعد الكولونيالية ، ما بعد البنيوية، ما بعد التنوير، ما بعد الشيوعية، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد التاريخ، نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، عصر الليبرالية الجديدة، عصر التفكيك، مجتمع الفرجة، أو الاستعراض، عصر الكمبيوتر، ثورة المعلومات والاتصالات، الثورة الرابعة، صدام الحضارات، القرية الكونية، نهاية عالم كنا نعرفه" مجتمع الاستهلاك، عصر الديمقراطية، عصر التقنية، عصر التنوع الثقافية، العهد الأمريكي، أو الأمركة، عصر الإرهاب العالمي، السوق الحرة، والوطن السيبرنيتي، عصر الفضاء، والكوكبية عصر كورونا وما بعد الفيروس وغير ذلك من التوصيفات الكثيرة في أبعادها المتنوعة.
السنا في لحظة تستحدث التفكير والتأمل
ومعاودة طرح السؤال من جديد؟ بإزاء تحول ثوري دراماتيكي يطال كل شيء في العالم؟ أنها الثورة الرابعة كما وصفها المفكر الأيطالي الجنسية لوتشيانو فلوريدي أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة ورئيس مجلة الفلسفة والتكنولوجيا. أستهل مقدمته لكتاب الثورة الرابعة؛ كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني. الذي قال في مستهل الكتاب ما يلي: " نحن بحاجة الى فلسفة جديدة للمعلوماتية.. فلسفة تمكننا من فهم واستيعاب التحولات العميقة والواسعة النطاق التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفهم طبيعة المعلوماتية ذاتها.. نحن في حاجة الى الفلسفة لنترقب ونوجه الأثر الأخلاقي لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات علينا وعلى بيئتنا. نحن بحاجة الى الفلسفة لبناء الإطار الفكري المناسب الذي يمكن أن يساعدنا على إدراك الدلالات والمعاني العقلية لمأزقنا الجديد، وباختصار، نحن في حاجة الى فلسفة المعلومات بوصفها فلسفة تخص عصرنا، من أجل عصرنا"
وتلك هي وظيفة السؤال الفلسفي الدائمة

ماذا ستكون الفلسفة إذن – بعيدا عن التراكم الهائل للمعارف المدعاة وضعية – إذا كانت تتشبت، ظاهريا ، بمعرفة سالبة وتنصب على الجهل المتخفي في قلب الحجة المقنعة المؤسسة على الاعتقاد؟ ألا تثير استحالة امتلاك معنى – أي قابلية فهم – ما هو كائن ، الياس فينا؟ إلا أن نقد الجهل المكابر هو استئناس والاستئيناس، بحد ذاته، يرتبط بالبدء، بالبداية. يسمي هوسرل كبار الفلاسفة ب ” البادئون الكبار”. أمسكوا الأشياء من بداياتها وهو ما مكنهم من فهم الأخطاء من خلال جينيالوجيتها (نسابتها) كتب مانويل دودكيز" التفلسف معناه الدخول إلى بداية كل بداية، إلى هذا البدء في الحكمة الذي يعلمنا بأن استنارة الفكر لا يمر من الطريق الملكية لمعرفة واثقة دائما من ذاتـها بل يمر من طريق التواضع الفكري. والحال، أن خمسة وعشرين قرنا من هيمنة العقل تبين، بجلاء، أن اللاكتمال المعرفي هذا هو، بواقع الأمر، السبيل الأمثل نحو تعميق المعرفة الحقة في مختلف المجالات. على سبيل التواضع والشك، أوقد الفكر ضياء الصفاء الذهني إزاء ذاته وإزاء السيرورة الحقة للفهم ضدا على كل أدعياء المعرفة. يلتقي ديكارت، مع كل من مونتاني وسقراط في هذه الفكرة، يقول :”إذا كان الفكر قد أعطى البرهان على أن ما يبحث عنه يتجاوز قدرات الفهم البشري، فإن ذلك لن يجعله يعتقد في جهله، ذلك أن هذه النتيجة، بحد ذاتها، التي توصل إليها ليست علما أقل قيمة من معرفته بأي شيء آخر”








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر باريس حول السودان: ماكرون يعلن تعهد المانحين بتوفير مس


.. آلاف المستوطنين يعتدون على قرى فلسطينية في محافظتي رام الله




.. مطالبات بوقف إطلاق النار بغزة في منتدى الشباب الأوروبي


.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: هجوم إيران خلق فرص تعاون جديدة




.. وزارة الصحة في غزة: ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة إلى 33757