الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملف الإيراني.. يضع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على المحك

يعقوب بن افرات

2021 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



تصريح رئيس الموساد الجديد ديدي بارنيع، بعدم السماح للإيرانيين بامتلاك سلا ح نووي، في قوله “إيران لن تمتلك أسلحة نووية في السنوات المقبلة أبداً.. هذا هو التزامي والتزام الموساد”، أثار موجة من ردود الفعل على الساحة السياسية الإسرائيلية، وساد اعتقادٌ بأنه تصريح خال من أي مضمون عملي، وغير محسوب، فضلاً عن أنه مغامر ويضر بالأمن القومي الإسرائيلي.

حكومة “التغيير” لم تغير شيء

جاء هذا التصريح الاستثنائي بإيعاز من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي يعمل جاهداً من أجل التأثير على المفاوضات الدولية، التي تجري بين طهران وواشنطن بشكل غير مباشر في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بعد الانسحاب الأمريكي الأحادي الجانب منه في عهد الإدارة السابقة، إدارة ترامب، وذلك بتشجيع من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو.

ومثلما عارضت حكومة نتنياهو الاتفاق النووي الموقع في 2015 بشدة، تستمر الحكومة الحالية بقيادة بينيت على الخط نفسه برفض الاتفاق، ولكن ما استجد هو وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض بقيادة الرئيس جو بايدن التي غيرت سياسات واشنطن الخارجية وقلبت سلم أولوياتها رأساً على عقب عما كانت لدى سابقتها.

وأمام هذا الواقع، تجد الحكومة الإسرائيلية الحالية نفسها، وهي تجمع خليطاً من اليمين المتطرف واليسار الصهيوني، أمام معضلة لم تعرفها من قبل.

مقدماً، من المهم التذكير أنه عندما قرر أوباما البدء في مفاوضات نووية مع إيران في 2015، قاد نتنياهو حينها حملة إعلامية وسياسية واسعة النطاق ضد أوباما والحزب الديمقراطي، وصلت ذروتها عند استجاب الزعيم الإسرائيلي (نتنياهو) لدعوة الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري والقى خطاباً أمام الكونغرس أغضب الديمقراطيين، ولاحقاً في الانتخابات الأمريكية وضع كل ثقله للمعركة ضد أوباما والحزب الديمقراطي، ولصالح المرشح الجمهوري ترامب.

في الواقع وخلافاً لموقف نتنياهو، هناك إجماع لدى الأغلبية العظمى من السياسيين والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في أيار/مايو عام 2018 كان كارثة بكل معنى الكلمة بعد أن أثبتت العقوبات المفروضة على النظام الإيراني فشلها في إحباط البرنامج النووي الإيراني، وأطلقت يد نظام الملالي في تخصيب اليورانيوم لدرجة أن إيران باتت قريبة جداً من أن تكون دولة “عتبة النووية”.

وحالياً، تجد الحكومة الإسرائيلية الحالية نفسها أمام خيارين صعبين، فإما أن تلتحق بسياسة الإدارة الأمريكية أو أن تستمر في نفس سياسة نتنياهو التي انتهت بفشل ذريع.

بايدن ليس ترامب

وفي الوقت التي تسعى فيه إسرائيل لإقناع العالم بأن إيران تشكل خطراً رئيسياً لأمن دول المنطقة والعالم، إلا أن واشنطن في عهد بايدن طوت صفحة عهد سلفه ترامب، وانتقلت إلى عهد جديد ووضعت سلم أولويات جديد يعالج الأمور بطريقة دبلوماسية مع التركيز على التهديد القادم من الشرق، الصين وروسيا. وبالنسبة لإدارة بايدن والحزب الديمقراطي فالخطر الرئيسي على الأمن القومي الأمريكي هو دونالد ترامب والمجموعات العنصرية المتطرفة التي تهدد وجود النظام الديمقراطي برمته، وتمثل ذلك في محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية بعد أن رفض ترامب الاعتراف بالنتائج، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يحاول رئيس أمريكي منع نقل الحكم بشكل سلمي.

أما في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية، تعتبر أمريكا الصين منافسها الرئيسي الذي يسعى إلى الهيمنة على العالم وفرض النموذج الصيني، المعتمد على نظام استبدادي يحكمه الحزب الواحد، كأفضل طريق نحو النمو الاقتصادي. هذا ويرى النموذج الصيني بأن النظام الديمقراطي يسبب خلافات داخلية وفشل في تجديد الاقتصاد، كما يشير الصينيون إلى النزاع الداخلي التناحري العميق بين جمهوريين وديمقراطيين في واشنطن لتثبيت ادعائهم.

في المقابل، جاءت خطة بايدن الاقتصادية للإصلاح الاجتماعي، بقيمة 2 تريليون دولار، والخطة لإعادة بناء البنية التحتية، بقيمة تريليون دولار إضافي، كرد على الصينيين في محاولة لإعادة هيبة الولايات المتحدة على الساحة العالمية.

التحالف مع الدول الاستبدادية

ومن هنا الموقف الإسرائيلي الذي يضع إيران كعدو رئيسي، وفي الوقت نفسه يعتبر دول الخليج الاستبدادية حلفاء لإسرائيل لا يتماشى مع الأهداف الأمريكية الجديدة، التي صاغها الرئيس بايدن، وبينما يفرز بايدن دول العالم إلى دول استبدادية وأخرى ديمقراطية، إلا أن إسرائيل تمتنع عن الاختيار وتنتهج سياسة انتهازية وتحاول الحفاظ على علاقة وصداقة حميمة مع نظام بوتين القمعي في روسيا، كما تستمر بسياساتها الإيجابية تجاه الصينيين الذين يمتلكون ميناء حديث في مدينة حيفا وسيطروا على شركة الألبان الأكبر في إسرائيل “تنوفا” وعلى مشاريع بنى تحتية مثل ميترو تل أبيب، كما تعتبر اسرائيل الدكتاتور السعودي ولي عهد المملكة محمد بن سلمان حليفاً لها، في الوقت الذي (MBS) شخصية غير مرغوب بها في البيت الأبيض على خلفية قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي.

وفي هذا السياق، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية شركة “NSO” الإسرائيلية، المتهمة بتصدير برمجيات تجسسية، ضمن القائمة السوداء، وتتصرف تجاهها باعتبارها شركة تتعارض مع السياسة الخارجية ومصالح الأمن القومي الأمريكي. ويأتي ذلك عل خلفية الانتقاد لدور شركة “NSO”، التي انتجت تطبيق “بيغاسوس” للتجسس على هواتف معارضين ونشطاء حقوقيين إضافة للعديد من المسؤولين حول العالم، واستعداد الشركة الإسرائيلية لتقديم المساعدة لأنظمة مثل النظام السعودي الذي استخدمها للتجسس على جمال خاشقجي.

وبناء على ما سبق، تشهد الحكومة الإسرائيلية ارتباكاً كبير وهي تخسر في كل الاحتمالين، من جهة إذا عارضت سياسة واشنطن ستجد نفسها معزولة، ومن الجهة الأخرى إذا سارت في ركب السياسة الأمريكية فهذا يعني تغييراً جذرياً في دورها في المنطقة المبني على التحالف مع دول الخليج ضد إيران.

الخلاف الاقتصادي الاجتماعي

ولكن الخلاف بين الحكومة الإسرائيلية وبين الرئيس الأمريكي بايدن لا يقتصر على السياسة الخارجية فقط، وإنما حول طبيعة سياسات بايدن الاجتماعية والاقتصادية أيضاً. وعلى الرغم من التحول الحزبي الذي شهدته إسرائيل مع صعود ما يسمى بـ “حكومة التغيير” برئاسة بينيت ولابيد وسقوط نتنياهو بقيت إسرائيل ملتزمة بنفس المبادئ الاقتصادية – النيو ليبرالية – التي تعتمد الخصخصة وتقليص دور الحكومة وعدم الاستثمار في البنية التحتية، وهي السياسة التي بدأت بها الولايات المتحدة وبريطانيا في الثمانينيات في أيام الرئيسين دونالد ريغان ومارغريت تاتشر. وتتجاهل حكومة بينيت كسابقتها حقيقة بأن هذا النهج السياسي والاقتصادي تسبب في نهاية المطاف إلى تهميش الطبقة العاملة وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي عالمياً، الأمر الذي توّج بصعود رموز مثل ترامب وبوريس جونسون والشعبوية القومية العنصرية التي تهدد النظام الديمقراطي برمته.

وتنتهج إسرائيل بقيادة الحكومة الجديدة سياسة اقتصادية رأسمالية مفرطة، لدرجة أنها أصبحت من بين الدول التي تعاني من فجوات اجتماعية واقتصادية عميقة بين الأغنياء والفقراء، وهي بذلك تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. ومعروف أن هذه الفجوات الاجتماعية تؤدي إلى انشقاق داخلي خطير بين المواطنين من أصل شرقي (يهود الدول العربية) والغربيين (الاشكناز من اصل اوروبي) حيث تحصل الشريحة الغربية على حصة الأسد في الحكومة الحالية وهم الأكثر ثراءً. كما تؤدي إلى تعميق الصراع الطبقي والإثني والاقتصادي والفجوة بين اليهود والعرب الذين يقبعون بالفقر، هذا فضلاً عن خمسة ملايين فلسطيني في المناطق المحتلة الذين يعيشون تحت سيطرة إسرائيل مجردين من أي حقوق.

إن الهيمنة والتأثير الكبير الذي تتمتع به الولايات المتحدة على المستوى العالمي لا بد أن يكون له انعكاسات، لاسيما على الساحة الإسرائيلية، حتى ولو حاولت حكومة “التغيير” التقوقع والتشبث بسياسات نتنياهو والسير على خطاه رغم أنها هي من أبعدته عن الحكم.

وتجدر الإشارة إلى أن انتهاج فريق بايدن سياسة اصلاح اقتصادي واجتماعي ضخم على غرار برنامج “النيو ديل” الذي قام به الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات من القرن الماضي، من الضروري أن تجد لها صدى داخل إسرائيل عبر ظهور أصوات تنادي بإصلاح اقتصادي واجتماعي وإعادة دور الدولة في تأمين ومراعاة حقوق واحتياجات المواطن والاستثمار في مجال السكن والصحة والتعليم والرفاه لإعادة التوازن الاجتماعي. وعليها أن تطالب بتغيير التوجه الحكومي الذي يركز على الجيش وسياسة الحرب، الذي يستثمر التهديد الإيراني لزيادة الميزانيات العسكرية على حساب الميزانيات المدنية. وقد رأينا كيف اشتد الجدل الداخلي عندما طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية ميزانية تصل لـ 1.3 مليار شيكل سنوياً، لزيادة معاشات التقاعد للضباط رغم خروجهم إلى التقاعد في عمر45 سنة وليس 67 مثل بقية المواطنين.

إيران وإسرائيل.. نظامان توأم

في الواقع يبقى الادعاء بأن إيران تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل ادعاء زائف ليس له علاقة في الواقع، ويواجه انتقادات في الولايات المتحدة ومن داخل الإدارة الحالية.

واللافت أن هناك انتقادات أيضاً من داخل الساحة الإسرائيلية للتهويل من الملف الإيراني، لأن إسرائيل تريد الاستمرار بنفس السياسة التي تقادم عليها الزمن، وتريد أن تبقي القضية الفلسطينية معلقة من دون حل، كما تستمر في سياستها الحربية ضد أعداء افتراضيين وفي الوقت ذاته تتمسك بسياسة اقتصادية أثبتت فشلها لأنها لا تتلاءم مع التقدم العلمي والثورة الصناعية الرابعة.

أما إيران هي الأخرى تخطو على خطى إسرائيل نفسها، وهي دولة متخلفة، خاضعة لنظام ديكتاتوري مبني على أيديولوجية دينية وطائفية ضيقة (نظام أوليغارشي)، وتتوهم بأن القنبلة النووية ستغطي فشلها الاقتصادي والاجتماعي. وتستخدم إيران دعاية محاربة إسرائيل وتحرير القدس كمبرر لتوسيع نفوذها في المنطقة العربية على حساب الشعوب العربية وتقدمها. وقد أثبتت التجارب في اليمن والعراق وسوريا ولبنان بأن إيران تشكل خطراً على وجود المواطن العربي وليس خطراً على إسرائيل. ومن هنا فإن إسقاط نظام الملالي يعتبر مصلحة للشعب الإيراني بالدرجة الأولى قبل غيره.

ومن المفارقات هي حقيقة أن ما يجمع إيران والسعودية وإسرائيل هو الموقف المعادي للقوى الديمقراطية في العالم العربي التي تهدد وجود الأنظمة الاستبدادية بما فيها إيران التي تتعاون مع إسرائيل، بشكل ضمني، لمنع أي تغيير جذري يقلب المعادلة في العالم العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى