الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخونة

مازن كم الماز

2021 / 12 / 14
الادب والفن


شغلت الرسالة القصيرة باله ، أحس بشيء من المسؤولية عما قراه فيها ، فتاة آمنت بما كان يردده لدرجة أن حطمت كل قيودها ، كل قيود مجتمعها و محيطها و نامت مع من تحب ، لوهلة تساءل ، لماذا تطلب مني أنا حلًا ، لكن "المثقف" داخله استيقظ و أيقظ "ضميره" و سوية أقنعاه … عندما التقاها و فهم منها أن لا حل الا بزواجها حاول أن يحاورهما لكنه كان متعبًا فتمكنا من إقناعه ، ماذا يهمه إن تزوجها و هو الذي لا يؤمن لا بالزواج أو بالأسرة ، ماذا سيضيره أن يكون زوجا لزوجة لم يختارها ، لم يحبها و لا تحبه ، كل ذلك سيكون مجرد ورقة ، لا أكثر … كان يعرف عن عشاقها و كانت تعرف عن عشيقاته دون أن يشعرا قط بأي انزعاج ، كان ذلك اتفاقهما منذ البداية و كان ذلك منصفًا ، للغاية ، كانا يعرفان أنهما "سينفصلان" ، في أي وقت ، قريبًا جدًا على الأغلب ، و أن علاقتهما الشاذة لا بد ستنتهي قريبًا … كان الصراع الاجتماعي كما يسميه الماركسيون يتفاقم و يتأزم و كصحافي "ثوري" كان في القلب منه ، كان الشباب يلتقونه يوميًا و يناقشون الخطوات التالية في مواجهة السلطة و كان دائمًا يصر على الذهاب إلى أقصى ما يمكن ، خيل اليه أن ما حلم به كان يقترب بالفعل ، كل ما تعلمه و علمه ، ما حلم به الفقراء و المسحوقون منذ أول التاريخ ربما ، على وشك أن يصبح حقيقة … لم يكن غريبًا لذلك أن تقبض عليه السلطة و تزجه في السجن … لم تكن أول تجربة له مع السجن لكن هذه المرة كانت مختلفة ، كانت همجية الجلادين لا توصف ، و لأول مرة عرف ذلك الشك المؤلم و الآلام التي تبشر باقتراب الموت ، لكنه استطاع بطريقة أو بأخرى أن "يصمد" حتى النهاية ، كانت النهاية قريبة جدًا بالفعل لكن شيئًا ما أنقذه ، فوجد نفسه أخيرًا خارج أسوار السجن … "استقبلته" "زوجته" وسط أعداد كبيرة من الشباب الغاضب و المبتهج ، كانت تتوسطهم و كأنها زعيمتهم ، انقضت عليه وسط دهشته ثم أطلقته لتهتف باسمه قبل أن يرفعها الشباب على أكتافهم … سألها أمام الجميع ، ما هذه اللعبة ، ردت عليه بنظرة ملائكية شيطانية أفزعته فآثر الصمت بينما بقي صوتها وحده يصدح … سرعان ما سيعرف ، ليس فقط أنها تولت مكانه في الحركة ، بل أنها أصبحت من أهم قادتها ، كانت تحاضر ، تجتمع بالشباب ، تناقش و تتقدم المظاهرات ، تجتمع علنًا و سرا بهم ، بدبلوماسيين أجانب و بكبار ضباط النظام أيضًا ، أصبح لديها عشاق كثر ، من الثوار و خصومهم و أعدائهم ، من كل لون و صنف … حمل له كل يوم اكتشافا جديدًا ، اكتشافا جديدًا مؤلمًا ، لأول مرة سيشعر بالخديعة ، لأول مرة يحس بالخيانة … لم تنتظر طويلًا قبل أن تفهمه أن لا يحاول استعادة دوره في الثورة ، هو مجرد اسم تحتاجه كي تكمل صورتها كثورية ، كقائدة للثورة ، أفهمته أن كثيرين مستعدون لأي شيء تأمرهم به و أنها لن ترحم أيا كان إن اقترب من مكانتها الجديدة … لم يصدق عينيه ، أذنيه ، احتاج لبعض الوقت و بعدها أصبح حزينًا و صامتًا و عندما لم يعد قادرًا على الاحتمال قرر العودة إلى السجن برجليه … لم يصدق كبير السجانين ما سمعه من الثوري العتيق الذي أذهلهم بصموده ، و عندما سمع نفس الكلام للمرة الثالثة أو الرابعة من خصمه المنهك وقف ، ذهب إلى الباب الضخم الفولاذي و أغلقه بهدوء … تساءل بصمت ، لماذا لا يقضي علي ، لماذا يتردد في قتلي ، في سلبي حلمي و روحي ، الا استحق و لو شيئًا من الشفقة ، ألا أستحق رصاصة الرحمة … بعد صمت سأله كبير الجلادين ، لماذا … كان ذلك أقسى من الرصاص … لم يجد بدا من أن يعترف ، قال الحقيقة كاملة ، أحس أن هذا هو أفضل انتقام ، أفضل من أن يخنقها ليلًا بينما تشخر بصمت إلى جانبه و هي تحلم بعروش و صولجانات … بعد اعترافه كان الصمت … وقف كبير الجلادين و بدا بالسير بعصبية ، ثم بدا يتمتم ثم بدأ يصرخ ثم بدأ يبكي ، ها هو خصمه يريد أن يموت لينتقم و أنا اقف امامه عاجزًا ، عاجزًا حتى عن الغضب ، عن الموت … يلتفت كبير الجلادين أخيرًا نحو خصمه السابق و يخاطبه ، لن تموت ، سأهرب انت و أنا ، سنهرب من هنا و سنفضح كل شيء … في لحظة الضعف الإنساني ذلك ، لحظة الغضب الذي لا يمكن اخراسه ، اعترف الرجل أن زوجته ليست الا عشيقة الديكتاتور المفضلة و أنه قرر أن يفعل كما سيفعل القائد الثوري ، أن ينتقم… سيهربان بعيدًا و يفضحان كل شيء ، إنهما لا يعرفان بالضبط ، هل ما يدفعهما هو فقط جنون الانتقام أم رغبة مبهمة بأن يتوقف الشباب عن الموت في سبيل ثورة زوجة هذا أو عرش زوجة ذاك … لأول مرة يتوحد النظام و خصومه الثوار في ملاحقة الخائنين ، أرسلت القائدة الثورية أكثر عشاقها الثوار إخلاصًا ليقتلوا زوجها و أرسل الديكتاتور بأقرب حراسه و أشدهم إخلاصًا لذبح الخائن و صديقه الجديد … لا نعرف كيف انتهى الصراع الاجتماعي و السياسي ، يقول الواقع أن أيا من الطرفين قد ينتصر ، و أن من سينتصر سيذبح خصومه و يكتب التاريخ على هواه و يجبر الجميع على الصمت و سيبشر بالرضا و السمع و الطاعة … كل ما نعرفه هو أن الخونة قد ماتوا ، قتلوا ، لا نعرف من قتلهم بالتحديد ، أهم الثوار أم أتباع الديكتاتور ، لكننا نعرف جيدًا أن هذا مصير الخونة على الدوام …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81