الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجّار الدّين يشترونَ الإستبداد.

ازهر عبدالله طوالبه

2021 / 12 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنَّ ‏مِن أكثَر الأمور رُعبًا في العُقود الأخير، هو الانتشار الكبير والكَثيف للجماعاتِ الدينيّة المُتشدِّدة، المُنغَلِقة، المتكوِّرة على نفسها، التي ترفُض الخُروج مِن الأقبية التي زُجَّت بها، والتي لا تكُفّ عن سلب النّاسِ حرُيّاتهم. فهذه الجماعات، لَم تبدِع بشيءٍ كما أبدعَت بخنق النّاس، وحصّرهم في بوتقةٍ واحدة، وعلى حدِّ زعمها، فإنّ من خرجَ من هذه البَوتقة، كانَ مصيره النّار، ومَن تمسّكَ بها، كانَ مثواه الجنّة . وليسَ هُناكَ ما هو أكثر تأكيدًا مِن هذا، على أنَّ هذه الجماعات، لا يهمّها إلّا سَلب حريّات البشَر، كما أنّها لا تعرِف الإجادة بالاجتِهاد ؛ بقصدِ الوصول إلى ما يتناسَب مع حياة الإنسان في هذا العصِر، وإلى الوصول، ولو إلى أدنى درجة مِن درجات المواكبة للتطوّراتِ العصريّة والحديثة، فهي اجتهدَت وأبدَعت، نعم . لكن، كُلّ هذا لَم يكُ إلّا في نطاقِ التَّحالف الدائم مع الأنظمة السياسيّة المُستبدِّة، فهُما -بالغالِب- يشتركان بصفة "الاستبداد" .

و‏نتيجة لهذه الصِّفة (الإستبداد) المُشترَكة، تجِد هُناكَ ثمّةَ أعداد كبيرة تتعامَل مَع الدّين على أساس أنَّهُ مؤسَّسة سياسيّة و/أو اقتصاديّة، وليسَ على أساس أنَّهُ أمرًا مُتعلِّقًا بالفردِ بذاتهِ قبَل كُلّ شيء . لذا، تراهُم يرزحونَ تحتَ وطأة التكسُّب المصلحيّ ؛ مِن خلالِ توظيفهم المُقيت للدّين، الذي يجعلهم ينظرونَ للدّين على أساس ‏أنَّهُ متِجَر يتمكّنونَ فيه مِن التسوّق متى وكيفما أرادوا، وليسَ على أساس أنَّهُ أمرًا يترتَّب على مُعتنقيهِ الكثير مِن المُسؤوليّة، لكن، ليسَ أيّ مسؤوليّة، وإنّما المسؤولية أمامَ مَن أوجدَ الدّين، ومَن أنزلهُ على النَّاس على شكلِ أوامرٍ ونواهٍ.

ومِن هذه الأعداد الكبيرة، تجِد أُناسًا يُسمّون أنفسهم ب"رجال الدّين". فدونَ أيّ ترتيبٍ مُسبَق، تسوقكَ الأقدار إلى أن تُجالِس بعضهم، وتكتَشِف أمورًا عجيبة، ما أنزلَ الله بها مِن سُلطان، يُتحدَّث بها مِن قبَلهم، دونما أن يعطوها أيّ هامشٍ يُذكَر. تُجالسهم، فتستمِع لأحاديثِهم. ثم بعد ذلك، تُدرِك، بأنّهُم ما هُم إلّا "تُجّار دين"، وأنَّ الفرقُ بينهُم، وبينَ مَن تسمَع لبعضِ ترهاتهم السّخيفة ‏على مواقِع التّواصُل الاجتماعيّ، هو أنّ لكُلّ واحدٍ منهُم أسلوبهُ الخاص، الذي يُمكِّنهُ مِن عرضِ بضاعتهِ بطريقةٍ تسويقيّة، تسويفيّة، وأنَّهم يستغلّونَ الجهل الدينيّ المُستشّري في مُجتمعاتنا، والذي عُملَ عليهِ مِن سنينٍ طويلة.

وأقولُ صراحةً بأنَّ هذا الجهلِ الدّينيّ، ساهمَ بشكلٍ كبير بأن يكونَ لكُلّ مِن جماعة "الإستبداد الدّينيّ" وجماعة "الإستبداد السياسيّ" مَنزِلة رفيعة في المُجتمَع، وأنَّهُما يتقدَّمانِ على مَن سِواهُم مِن النّاس، كما أنَّهُما، على حسابِ سذاجَة العُقول البسيطة للكثيرِ مِن المُسلمين، أصبحا أثرى الأثرياء، وسادَة وقادَة الرأي العام في المُجتمَع.

وهُنا، وفي ظلّ الوصول إلى قناعةٍ شبِه مُطلَقة، بأنّ تاريخ أيّ أُمّة يُكتَب ويُدوَّن على أهواءِ حّكامها ورجال دينها، وأنّنا لسنا أكثَر مِن ضحايا لمَن تلاعبَ بتاريخنا وبتاريخِ ديننا، ونسجَ بُطولاته على ما يتَّسق مع مصالِحه، فلا بُدَّ مِن أن نسأل أَنفسنا :
كيفَ تمكَّن كُلّ تجّار الدّين مِن زرعِ أنفُسهم وأفكارهم النَّتنة والدّنيئة في مُجتمعاتنا، وصنعوا لأنفُسهم قُدسيّة كبيرة، لم تكُ موجودة حتى في زمنِ الرّسول..؟!
أحقًّا كُلّ هذا ما كانَ ليكون، لولا تخلُّف الشّعوب، التي تدّفع لتُجار الدين، ببذَخ ..!!

الخُلاصة: إنَّ ما يحدُث، اليومَ، مِن تكبيل للدّين، وتوظيفهِ لصالحِ مَن يجب أن يوظَّفوا لخدمَته، أكبَر مِن أن يستوعبهُ العقلِ السّليم . لذا، فأنا أرى بأنَّنا بأمسِّ الحاجة للإصلاح الدّينيّ والفكريّ، قبل أيّ إصلاحٍ آخر، خاصّةً، وأنَّنا شُعوب لا تُحرِّك حجرًا عن الطريق، أيّ طريق، إلّا وترُد هذا الفِعل للدّين، وتحسبهُ من الأفعال التي حثّها الدّين عليها ‏وكما تحسب هذه الأفعال مِن صميمِ الأخلاق الدينيّة، حسبما نزعُم، وهذا، يدّفعنا إلى القَول ؛ بأنَّنا شُعوب جُبلِت على الدّين، وعلى الطّاعة الدينيّة، التي سُقنا لها دون الوقوف عند آليّة فرضها، وعندَ مَن أسرفوا بتفسيراتهم للنّصوص الدّينيّة، وعمِلوا على تحميلها ما لا تحتَمِل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س