الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة المستقبل في مؤتمر وكتاب

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2021 / 12 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


على هامش مؤتمر الجمعية الفلسفية المصرية الحادي والثلاثين في كلية دار العلوم أيام 11- 13 ديسمبر 2021م بعنوان( الفلسفة والمستقبل) تم تنظيم معرض صغير وجميل للكتب الفلسفية الصادرة عن الجمعية بإشراف سكرتارية الجمعية في مدخل الكلية. هناك عرضت كتابات عشاق أم العلوم وأربابها ومنهم الفيلسوف العربي الكبير حسن حنفي رحمة الله عليه وهو صاحب نصيب الأسد بالمعرض الذي يظم معظم اصدراته المهمة من التراث والتجديد إلى شخصيات ومواقف وما بينهما. فضلا عن طاولة صغيرة لإصدارات مؤسسة أوراق فلسفية للدكتور أحمد عبدالحليم عطية. في ذلك المعرض الصغير الحجم الكبير الأهمية وجدت سلسلة من الكتب لعدد من فلاسفة مصر والعرب الكبار ومنهم الأستاذ مصطفى النشار. كنت واقفا أتطلع في عناوين الإصدارات بغرض شراء ما يروق لي منها فلفت نظري كتاب مدخل إلى فلسفة المستقبل للأستاذ الدكتور مصطفى النشار. أخذته من بين الكتب فإذا بالدكتور مصطفى يخطفه من يدي ويكتب لي أهداء قائلا: خذه مجانا هدية مني بمناسبة المؤتمر. أسعدني ذلك وتصفحته بسرعة؛ كتاب طازج النشر في 211 صفحة من القطع الكبير يحتوى سبعة فصول فضلا عن المقدمة والخاتمة صادر للتو عن الدار المصرية اللبنانية للنشر والتوزيع في غلاف أنيق يرمز للمحتوى والمعني. جاء في تقديمه " بعد أن وقف العالم عاجزًا أمام فيروس صغير "كورونا" تساءل فلاسفة العالم وعلماء الإنسانيات: هل هذا نهاية عصر وبداية عصر جديد؟! هذا الكتاب يرى فجرًا جديدًا لهذا العصر الجديد يلوح في الأفق تتغي فيه سياسات واقتصاديات العالم، لتصبح فيه السيادة لإنسانية الإنسان، بدلًا من الهيمنة العسكرية والاقتصادية لقطب واحد" لقد بسط الدكتور مصطفى النشار في هذا الكتاب أهم تحديات المستقبل ومدراته الوشيكة إذ أكد أن العالم مقدم على شكل جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، وأن الصعود المتسارع في قوة الصين قد يُدخل العالم في حرب باردة لن تكون بالضرورة على نفس نمط الحرب الباردة التي شهدها العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، موضحا أن ذلك بسبب الاعتماد المتبادل الكبير بين القوتين العظميين وحجم التجارة المشتركة، والمصالح الكبيرة لدى كل طرف، التي قد تتهدد إذا ما انخرطا في صراعٍ مباشر وشدد على أن الدول العربية قد تجد لديها هامشًا أكبر للمناورة في ظل وجود قوتين متنافستين على قمة الهرم الدولي، غير أن أوضاع هذا التنافس ستضع أيضًا قيودًا على الحركة حيث تسعى كل قوة عُظمى إلى استقطاب الحلفاء وأن العرب عليهم الاستعداد لمواجهة أوضاع دولية سوف تشهد سيولة وسرعة في إيقاع التغيير، وبحيث يكون من الصعوبة استشراف اتجاهات المستقبل، مؤكدًا أن أجواء التنافس بين الصين وأمريكا قد يجري إدارتها وضبط إيقاعها حتى لا يحدث تصعيد، ولكن احتمالات الخطأ في الحساب -كما يخبرنا التاريخ- واردة في مثل هذه الأوضاع القابلة للاشتعال.وهكذا في كل عصر من العصور يعاود العقل وظيفته في تأمل العالم ومحاولة فهمه من جديد عبر التساؤل المستمر ما الوجود ؟ يعني من نحن هنا والآن وماذا بوسعنا فعله وكيف نعيش عالمنا الراهن؟ وأجوبة الفلسفة القديمة لا يمكنها أن تسعفنا في تفسير عالمنا الجديد وفهمه. فماذا يفيدنا قول بارميندس اليونان " الوجود موجود والعدم غير موجودا"؟ أو قول الفارابي" الوجود هو الذي إذا تصورته غير موجودا نجم عن تصورك محال" أو قول هيجل "العقل يحكم العالم"أو قول سارتر "الوجود أسبق من الماهية"كل الأجوبة القديمة جاءت لتشبع اسئلة زمانها فهذا المؤرخ الإنجليزي المشهور " جفري باراكلاف" من جامعة اكسفورد يكتب تحت تأثير الإحساس العميق بالأزمة:" إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديد لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة واسئلتها واجاباتها بدليل أمين لسلوك دروبه، وان أحد نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد، إن لم يكن قد فقد سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ آدم حتى اليوم" نعم من الذي ينكر أن العالم المعاصر شهد منذ منتصف القرن العشرين أحداثاً عاصفة ومتغيرات متسارعة في مختلف الصعد الحضارية والثقافية والمدنية، متغيرات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث جدتها وسرعتها وأثرها وقوتها الصادمة للروح والعقل معاً، إذ بدا الأمر وكأن التاريخ يترنح والأرض تميد بأهلها، والقيم تهتز والحضارة تضطرب، والفوضى الشاملة تجتاح كل شيء، وبازاء هذا المشهد القيامي المجنون تحيرت افضل العقول، وفقد العقل الإنساني بصيرته وقدرته النيرة في رؤية الأحداث وما ورائها، ومن ثم تفسيرها وتحليلها والكشف عن ثيماتها العميقة المتخفية في سبيل فهمها وعقلنتها وإدراك معناها. ووسط هذا السديم الحالك من الاضطراب العظيم والعمى الشامل، آخذ العلماء والمفكرون والمؤرخون يبحثون عن تفسير معقول لما يعتمل في لواقع ويدور في عالم جن جنونه وأصاب الناس جميعاً بالدهشة والذهول.ويمكن لنا تتبع حيرة الفكر المعاصر إزاء ما شهده العالم ولا يزال يشهده من اضطراب شامل في ذلك السيل المتدفق من المحاولات التنظيرية التي ترغب في توصيف ونمذجة وعقلنه المشهد التاريخي الراهن في أطر مفهومية مجردة وكلية، إذ أخذ الفلاسفة والمفكرون منذ أواخر القرن العشرين يتسابقون ويتنافسون في صياغة وإبداع ونحت المفهومة المعبرة أو الصورة الفكرية التي يمكن لها ان تعبر عن العالم المعاش، وتمنح الحقبة الجديدة اسمها ومعناها. ومن تلك التوصيفات يمكن الإشارة إلى اشهرها وهي: العولمة، ما بعد الحداثة، ما بعد القومية، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الأيديولوجيا، ما بعد الكولونيالية ، ما بعد البنيوية، ما بعد التنوير، ما بعد الشيوعية، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد التاريخ، نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، عصر الليبرالية الجديدة، عصر التفكيك، مجتمع الفرجة، أو الاستعراض، عصر الكمبيوتر، ثورة المعلومات والاتصالات، الثورة الرابعة، صدام الحضارات، القرية الكونية، نهاية عالم كنا نعرفه" مجتمع الاستهلاك، عصر الديمقراطية، عصر التقنية، عصر التنوع الثقافية، العهد الأمريكي، أو الأمركة، عصر الإرهاب العالمي، السوق الحرة، والوطن السيبرنيتي، عصر الفضاء، والكوكبية عصر كورونا وما بعد الفيروس وغير ذلك من التوصيفات الكثيرة في أبعادها المتنوعة.
السنا في لحظة تستحدث التفكير والتأمل ومعاودة طرح السؤال من جديد؟ بإزاء تحول ثوري دراماتيكي يطال كل شيء في العالم؟ أنها الثورة الرابعة كما وصفها المفكر الأيطالي الجنسية لوتشيانو فلوريدي أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة ورئيس مجلة الفلسفة والتكنولوجيا. أستهل مقدمته لكتاب الثورة الرابعة؛ كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني. الذي قال في مستهل الكتاب ما يلي: " نحن بحاجة الى فلسفة جديدة للمعلوماتية.. فلسفة تمكننا من فهم واستيعاب التحولات العميقة والواسعة النطاق التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفهم طبيعة المعلوماتية ذاتها.. نحن في حاجة الى الفلسفة لنترقب ونوجه الأثر الأخلاقي لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات علينا وعلى بيئتنا. نحن بحاجة الى الفلسفة لبناء الإطار الفكري المناسب الذي يمكن أن يساعدنا على إدراك الدلالات والمعاني العقلية لمأزقنا الجديد، وباختصار، نحن في حاجة الى فلسفة المعلومات بوصفها فلسفة تخص عصرنا، من أجل عصرنا" وتلك هي وظيفة السؤال الفلسفي الدائمة وماذا ستكون الفلسفة إذن – بعيدا عن التراكم الهائل للمعارف المدعاة وضعية – إذا كانت تتشبت، ظاهريا ، بمعرفة سالبة وتنصب على الجهل المتخفي في قلب الحجة المقنعة المؤسسة على الاعتقاد؟ ألا تثير استحالة امتلاك معنى – أي قابلية فهم – ما هو كائن ، الياس فينا؟ إلا أن نقد الجهل المكابر هو استئناس والاستئيناس، بحد ذاته، يرتبط بالبدء، بالبداية. يسمي هوسرل كبار الفلاسفة ب ” البادئون الكبار”. أمسكوا الأشياء من بداياتها وهو ما مكنهم من فهم الأخطاء من خلال جينيالوجيتها (نسابتها) كتب مانويل دودكيز" التفلسف معناه الدخول إلى بداية كل بداية، إلى هذا البدء في الحكمة الذي يعلمنا بأن استنارة الفكر لا يمر من الطريق الملكية لمعرفة واثقة دائما من ذاتـها بل يمر من طريق التواضع الفكري. والحال، أن خمسة وعشرين قرنا من هيمنة العقل تبين، بجلاء، أن اللاكتمال المعرفي هذا هو، بواقع الأمر، السبيل الأمثل نحو تعميق المعرفة الحقة في مختلف المجالات. على سبيل التواضع والشك، أوقد الفكر ضياء الصفاء الذهني إزاء ذاته وإزاء السيرورة الحقة للفهم ضدا على كل أدعياء المعرفة. يلتقي ديكارت، مع كل من مونتاني وسقراط في هذه الفكرة، يقول :”إذا كان الفكر قد أعطى البرهان على أن ما يبحث عنه يتجاوز قدرات الفهم البشري، فإن ذلك لن يجعله يعتقد في جهله، ذلك أن هذه النتيجة، بحد ذاتها، التي توصل إليها ليست علما أقل قيمة من معرفته بأي شيء آخر”
أما بشأن معرفتي الشخصية بالأستاذ الدكتور مصطفى النشار فهي قديمة إذ عرفته من مؤلفاته في الفلسفة حينما كنت طالبا في الجامعة والتقيته وجه لوجه في صنعاء بمناسبة إنعقادة الدورة السادس لاتحاد الأدباء والكتاب العرب الذي نظم ندوة عن ابن خلدون بتاريخ 2006- 7/29-8/1 وحينما قدمت للتفرغ العلمي في قسم الفلسفة بكلية الأدب بجامعة القاهرة التقيته للمرة الثانية أنه الاستاذ الدكتور مصطفى سامي النشار: أستاذ الفلسفة وتاريخها ف جامعة القاهرة وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب ورئيس الجمعية الفلسفية المصرية الذي أصدر العشرات من الكتب الأكاديمية في مختلف المجالات الفلسفية والفكرية. وجدته كما عرفته في صنعاء ودودا بشوشا لم يتغير كثيرا، ربما تغيرت أنا أكثر منه لأسباب يطول شرحها هنا. لفت نظري الحقيبة التي يحملها؛ إذ وجدتها ذات الحقيبة التي منحت لباحثين في ندوة المئوية السادسة لابن خلدون في صنعاء عام 2006م لم اعد أتذكر مصير حقيبتي! لأسباب يطول شرحها. سألت متعجبا أما زلت تحتفظ بحقبتك دكتور مصطفى. ابتسم وقالت: نعم وجدتها منذ شهرين بين حقائبي الكثيرة ولازالت جيدة وصالحة للاستعمال ولها ذكرى عزيزة في قلبي إذ تذكرني بندوة صنعاء الجميلة، وإضافة لقد كانت ندوة رائعة للأدباء والكتاب العرب عن ابن خلدون الحضرمي الذي كتبت في الكثير من الدراسات من ضمنها البحث المقدم في ندوة صنعاء. أخبره بأن أعمال الندوة صدرت في مجلة الكاتب العربي الصادرة عن الأمانة العامة اتحاد الأدباء والكتاب العرب في دمشق في أكتوبر من ذات العام. لم يكن يعلم بذلك فوعدته بالبحث عن المجلة وموفاتها بعنوانها. أتذكر أنني شاركت بذاته الندوة بدراسة بعنوان : المنهج النقدي العقلاني عند ابن خلدون. وفي الطريق إلى بيت الفلسفة بالفجيرة الإماراتية التقينا بصحبة الأساتذة الاجلاء حسن حماد وأنور مغيث ومن محاسن الصدف أن نلتقي في جلسة وحدة؛ الأستاذ مصطفي وأنا بعنوان الفلسفة العربية والتحديات الراهنة. تحدث هو عن الهوية وتحدثت أنا عن ألمشكلات الجديدة والأسئلة الجديرة بالطرح الآن وهنا. وغدا موعدنا مع دوائر الهوية ومدراتها الثقافية في المعهد العالمي للتجديد العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا