الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصلاح حال العراق ... كيف وأين يبدأ ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يكثر الحديث في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي المختلفة ,عن تردي أحوال العراق في جميع مجالات الحياة وعلى كل الصعد , دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل بإنفراج قريب بتحسن أحوال شعبه , بل تزداد سوءا يوما بعد آخر, فقر مدقع يطال معظم الناس وأمراض وأوبئة منتشرة في كل مكان, وجهل مطبق على أنفاس الناس , شح مياه حاد جعل من أراضي العراق الخصبة صحارى جرداء , معامل صناعية معطلة بفعل فاعل لا يهمه أمر العراق, ونظام تعليمي مدمر مما أدى إلى تزاييد أعداد الأطفال المتسربين من المدارس بمعدلات مخيفة, بحثا عن لقمة العيش لهم ولعوائلهم, وعودة إنتشار الأمية بين صفوف الكبار والصغار , بعد أن كاد العراق أن يقضي عليها تماما في أواخر عقد السبعينيات من القرن المنصرم , وجامعات أقرب منها إلى دكاكين لبيع الشهادات لذوي الجاه والمال السحت الحرام , جهارا نهارا أمام أنظار الجميع دون حياء أو وجل , فساد وهدر في المال العام في دوائر ومؤسسات الدولة , ومافيات وعصابات جريمة منظمة تعبث بأمن الناس في كل مكان دون رقيب أو حسيب , وسلاح منفلت تحت مسميات مختلفة , وأشياء أخرى كثيرة لا حصر لها.
لسنا بحاجة إلى إطالة أكثر في هذا الموضوع الذي بات يعرف تفصيلاته القاصي والداني . إن ما أردنا قوله هنا أن حال العراق الذي حباه الله بثروات هائلة يحسده عليها كثيرون , وحضارة عريقة تعد الأقدم والأكثر عطاء في تاريخ الحضارات البشرية ,وشعب نال قسطا وافرا من التعليم , والتي جميعها تؤهله ليكون في طليعة الدول الأكثر رقيا وتقدما , ليس على صعيد دول المنطقة فحسب , بل ربما دول العالم أجمع, لينعم شعبه بحياة مرفهة كريمة, لو خلصت النوايا وتصافت القلوب وتضافرت الجهود الخيرة لبناء عراق حر مزدهر, بعيدا عن شعوذة المشعوذين وهرطقات الدجالين الذين لا هم لهم سوى جني المال السحت الحرام , ولا تربطهم به أية رابطة إنتماء وطني , حيث أنهم إتخذوا من العراق سكنا مؤقتا ليعودوا فيما بعد إلى من حيث أتوا غير مأسوف عليهم .
فإذا كان هذا هو حال العراق يا ترى, فهل هناك ثمة أمل أن يستعيد عافيته وكيف يكون الحل. إبتداء نقول لن تجدي نفعا الخطابات الرنانة والأناشيد الحماسية ولا المقالات المنمقة بأي حال من الأحوال , ما لم تصاحبها برامج عمل . ربما يعتقد البعض أن الحل واضح يكمن في حث الناس على المشاركة في العملية الإنتخابية التي تجري في العراق الديمقراطي بين الحين والآخر, بخلاف ما عليه الحال في البلدان العربية الأخرى , وعلى من ينشد الأصلاح فصناديق الإنخابات أمامه لتحقيق مبتغاه .وهنا نقول أن أية صناديق إنتخابات في العراق لا يمكن أن تفضي إلى إصلاح حال العراق , طالما أن تركيبة نظامه السياسي ألتي أفرزها غزو العراق وإحتلاله منذ العام 2003, والتي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية التي تثير المشاعر العاطفية أكثر من مخاطبة العقول, وهذا ما أكدته الممارسات الإنتخابية التي جرت في العراق منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا , والتي تغير شيئا من الواقع العراقي سوى إستبدال بعض الوجوه بأخرى دون أن تمس جوهر تركيبة النظام السياسي , إذ ما زال الفقر والفساد في تزاييد مستمر, والخدمات متلكأة والتنمية معطلة في مشاريع وهمية . ولم تحقق ما عرف بإنتفاضة تشرين على الرغم من إتساعها وتقديمها ضحايا , أية نتائج ذات قيمة بحصول بعض مرشحيها على عدد قليل من المقاعد النيابية , يمكن أن تغير المشهد السياسي الراهن .
يغرق البعض في أحلام وردية بإنتظار القائد المنقذ القادم من وراء الأفق بدبابته , ولا يهم أن تكون هذه الدبابات أجنبية أم عراقية , ليعيد العراق إلى سابق عهده , ويبشرون بذلك أنصارهم عبر منصات التواصل الإجتماعي ليل نهار , بينما كانوا هم أنفسهم يتباكون على العراق بالأمس ويندبون حظهم العاثر لما حل به نتيجة غزوه وإحتلاله من قوات أجنبية وصفها يومذاك عراب الغزو بأنها قوات تحرير جاءت لإنقاذ العراق ,تماما كما يفعل دعاة الإنقاذ الجدد.
أما من يعتقد بأن إنقاذ العراق من وضعه الحالي يمكن أن يتم عبر إنقلاب عسكري كما هو الحال في مصر السيسي أو كما جرى في العراق سنيين طويلة , نقول أن ذلك غير ممكن في وضع العراق الراهن, ذلك أنه لم يعد في العراق جيش واحد تحت سيطرة الحكومة بحيث يمكن لبعض قادة هذا الجيش بالتعاون مع بعض القوى السياسية ومخابرات دول أجنبية , تدبير إنقلاب عسكري للإطاحة بالحكومة وإستلام مقاليد السلطة كما كان يجري في السابق , بل هناك اليوم جيوش متعددة تدين بالولاء لأحزابها السياسية حصرا دون سواها , أبرزها قوات البيشمركة الكردية بشقيها التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الإتحاد الكردستاني , وفصائل الحشد الشعبي التي تدين بالولاء لأحزاب الطيف الشيعي المختلفة بحسب إرتباط كل منها , فضلا عن أن تشكيلة الجيش العراقي نفسه قائمة على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية ويفتقر إلى العقيدة العسكرية المهنية . وإزاء هكذا تعقيدات عسكرية متناقضة مع بعضها كيف يمكن لأي منها التفكير بالإنقضاض على السلطة دون أن تتسبب بحرب أهلية طاحنة لن يكون فيها رابحا أبدا.
كما يتوهم كثيرا من يعتقد أن بالإمكان إصلاح قطاعا معينا كقطاع التعليم العالي أو قطاع الصحة أو غيره , بمعزل عن إصلاح الدولة العراقية بمجملها , ذلك أن تدهور هذه القطاعات , إنما هو جزء من تدهور عام يشوب الدولة والمجتمع بأسره , وليس تدهورا جزئيا يمكن إستبدال أجزائه التالفة بأخرى صالحة , بل يستلزم إجراء عملية قيصرية شاملة .
هل يعني ذلك أن طريق إصلاح العراق والحالة هذه بات مغلقا ؟ نقول أن طريق الإصلاح مفتوحا على مصراعيه , ولكن ينبغي الحذر ودقة العمل والإبتعاد عن تجيش المشاعر العدائية والحقد والكراهية بين الناس تحت أية ذريعة أو أي مسوغ , وإسدال الستار على أحداث الماضي , والتطلع إلى عراق غد مشرق لكل العراقيين , وهذا يتطلب صياغة مشروع إنقاذ وطني شامل ومنصف لجميع العراقيين بعيدا عن مداخلات الدول الأجنبية قريبها وبعيدها على حد سواء ,يمكن أن يتضمن الآتي :
1. إعداد دستور مدني عراقي جامع شامل لحقوق جميع العراقيين بمختاف أطيافهم وقومياتهم ومعتقداتهم , تنبثق عنه القوانين التي تنظم حياة العراقيين .
2. ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر إنتخابات نيابية ديمقراطية تجرى بإنتظام بموجب قانون إنتخابي على أساس الدوائر المتعددة والترشيح الفردي.
3. إنتخاب رئيس الجمهورية إنتخابا مباشرا من قبل الشعب لمرة واحدة فقط غير قابلة للتجديد.
4. تحريم العمل السياسي الطائفي والأثني تحريما باتا.
5. تحريم العمل السياسي في سلك القوات المسلحة بصنوفها المختلفة , الجيش والشرطة والأمن والمخابرات .
6. تحريم العمل السياسي في سلك القضاء.
7. تحريم الدعوات الإنفصالية أو كل ما يهدد بتفتيت وحدة العراق جملة وتفصيلا.
8. تحريم مقاضاة الناس على أساس أفكارهم ومعتقداتهم.
9. تحريم إرتباط الأحزاب السياسية العراقية بتنظيمات سياسية أجنبية فكرا وتنظيما.
10. حصر السلاح بيد الدولة وحل جميع التشكيلات العسكرية الأخرى بمسمياتها المختلفة
11. إعداد تقارير حسابات ختامية للدولة العراقية للسنوات العشرين المنصرمة , بإشراف دولي , ومحاسبة كل من يثبت تقصيره بهدر المال العام أو شبهات فساد أو الثراء العام غير المشروع, لإسترداد أموال العراق قانونا.
وكيف السبيل لتحقيق هذا الحلم الوردي , هنا نقول أولا قيام كل من يهمه أمر العراق , وبخاصة مثقفيه ومفكريه , الإبتعاد عن ترويج العنعنات الطائفية والأثنية وكل أشكال التعصب والحقد والكراهية تصريحا أو تلميحا تحت أي مسمى , وتبني خطابا وطنيا عراقيا شاملا لجميع العراقيين ونشره بجميع الوسائل المتاحة وهذا أضعف الإيمان , وثانيا السعي الحثيث والعمل الدؤوب لبلورة رأي عام مدني عراقي لترويج مفهوم الحكم المدني الرشيد الذي سيكون دون شك في مصلحة الجميع , وثالثا الكف عن نبش الماضي وتوجيه التهم جزافا بحق الآخرين بعد أن ثبت للقاصي والجاني مسؤولية الجميع بما آل إليه حال العراق بصورة أو بأخرى . وهنا ندعو المنابر الفكرية والجمعيات الثقافية والأكاديمية والنقابات المهنية العراقية وكل من يهمه أمر العراق إلى دراسة ما جاء بهذه الدراسة المتواضعة لتكون منطلقا فكريا لوضع برنامج عمل عملي لإنقاذ العراق من وضعه المتردي الذي يزداد سوءا يوما بعد آخر . فالله لا يغيروا ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .والله من وراء القصد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكفين طفل استشهد بمخيم النصيرات


.. وكالة الأنباء السورية الرسمية: قصف إسرائيلي استهدف منشآت دفا




.. طفلة تروي كيف استهدفها الاحتلال وهي نائمة في مدرسة نازحين غر


.. قائد الجيش الإيراني: قواتنا يقظة وأسقطت أجساما طائرة صغيرة ف




.. وسائل إعلام تكشف أسباب تركز الهجوم الإسرائيلي على أصفهان