الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفع سعر الفائدة يطفىء لهيب الاسعار , لماذا قررت تركيا العكس؟!

محمد رضا عباس

2021 / 12 / 18
الادارة و الاقتصاد


في مقال سابق ذكرنا عن وجود علاقة عكسية بين ارتفاع نسبة التضخم في الاقتصاد الوطني ونسبة البطالة. العلاقة لم تتحول الى قانون اقتصادي مثل قانون العرض والطلب , ولكنها موجود على الأقل في الأمد القصير , وهذا ما اثبتته الإحصاءات الاقتصادية في الولايات المتحدة الامريكية هذا العام. في هذا البلد صعدت نسبة التضخم المالي الى 6.4% في شهر تشرين الثاني , فيما انخفضت نسبة البطالة الى 3.5%.
نسبة التضخم المالي العام 6.4% , او 4.1% , إذا حذف منها أسعار المحروقات والطعام , لا تشكل مشكلة كبيرة على الاقتصاد الوطني، ولكن الخوف من استمرارها في الارتفاع , لان ارتفاعها سوف يحرق جيوب المواطنون , وهذا ما تريد تجنبه جميع حكومات العالم.
وهنا تدخل البنك الاحتياطي الأمريكي (البنك المركزي) من اجل إيقاف زحف التضخم الى جيوب المواطنين وذلك بالإعلان عن خطوتين رقصت له أسواق البورصة , وهي قرار رفع نسبة الفائدة ابتداء من ربيع العام القادم الى 0.09% وخفض مشترياته من السندات الحكومية. هدف كلا الخطوتين هو تقليص عرض النقد في الاقتصاد الوطني.
الطلب على النقد يتقلص عندما ترتفع الفائدة على القروض , على سبيل المثال , رفع سعر القروض العقارية من 5% الى 12% بدون شك سوف يسبب الى رفض الكثير من الذين يزمعون بناء دار سكن لهم , لان كلفة القرض العقاري ستكون مرتفعة. اما بخصوص تخفيض مشتريات البنك الاحتياطي لمشترياته من السندات فهدفه نفس الهدف وهو تقليص عرض النقد في السوق. كان البنك الاحتياطي يشتري ما قيمته 120 مليار دولار شهريا من اجل الاكثار من عرض النقد وإبقاء نسبة الفائدة قريبة الصفر. الا ان قرار البنك الأخير هو تقلص مشترياته بنحو 20 مليار دولار شهريا. بكلام اخر سيتقلص عرض النقد بمقدار 20 مليار دولار شهريا , وبذلك يمهد الطريق الى رفع الفائدة في السوق, ويتم السيطرة على التضخم المالي تدريجيا.
ان قرار البنك الاحتياطي بالتدخل جاء مفاجئا , لان الاعتقاد السائد حول ارتفاع الأسعار كان سببه هو الانقطاعات في سلسلة التوريدات بسبب فايروس كورونا , الا ان مشكلة الانقطاعات قد تقلصت بدون تراجع نسبة التضخم , مما دفع رئيس البنك الاحتياطي الى التعبير عن مخاوفه باستمرار ارتفاع نسبة التضخم والمطالبة برفع الأجور مما يؤدي الى شحة في عرض العمل , وهذا ما يجري الان في الولايات المتحدة الامريكية حيث ان الطلب على العمل أكثر من المعروض منه.
وكما كان متوقعا , كان رد فعل البورصة الامريكية على قرار البنك الاحتياطي برفع أسعار الفائدة هو ارتفاع جميع مؤشرات السوق. صعد مؤشر S&P 500 بنسبة 1.63% , Dow Industrial Average ارتفع بمقدار 383.25 نقطة او 1.08%, و Nasdaq Composite Index بنسبة 2.15%. ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر إيجابا على نشاطات سوق الأوراق المالية.
تركيا , من جهة أخرى , بدلا من رفع أسعار الفائدة حسب النظرية الاقتصادية , من اجل تبريد حرار التضخم المالي الحالي فيها , الا ان ضغط الحكومة على البنك المركزي التركي أدى الى تخفيض سعر الفائدة بدلا من رفعها, مما أدى الى تدهور سعر الليرة ليصل الى أكثر الى 17 ليرة للدولار الواحد. قرار تخفيض الفائدة في تركيا قرارا سياسيا وليس قرارا اقتصاديا , والسبب ان الرئيس التركي رجب أردوغان يريد ان يصنع من اقتصاد بلاده اقتصادا مستقلا غير مرتبط بالاقتصاد الدولي. انه يريد تخفيض أسعار الفائدة من اجل ان يعطي المستثمر المحلي فرصة الاستثمار داخل تركيا , وبذلك يزيد الطلب على العمل , ويزيد من النمو الاقتصادي. لقد ذكر في أحد خطاباته ان زيادة الفوائد لا يزيد من الإنتاج الوطني ولا يدعم فرص العمل بقدر زيادة ثروة الاغنياء , حيث ان كل ما عليهم هو ادخار ثروتهم في أحد المصارف التجارية القريبة منهم ليجني فوائد سنوية كبيرة بدون تعب. بكلام اخر , السيد أردوغان أراد ان يقول يجب ان لا تكون تركيا بقرة يشرب من ضرعها الأغنياء على حساب الفقراء والعاطلين عن العمل.
لحد هذه الساعة لم يتم السيطرة على تدهور الليرة بعد قرار السلطة النقدية في تركيا , حيث ان تخفيض الفائدة حفز المستثمرين الأجانب الى تحويل استثماراتهم (ادخاراتهم) خارج البلاد , مما سبب زيادة في تحويل الليرة الى الدولار الأمريكي واليورو , مما خلق فائض كبير في الليرة التركية وانهيار قيمتها في الأسواق العالمية. وفي يوم الجمعة 17 من هذا الشهر اضطرت السلطات التركية اغلاق سوق البورصة خوفا من انهياره , بعد ان انهارت اسهم مصرفين.
ولكن انهيار الليرة ما زال له جانب إيجابيا على الاقتصاد التركي , لان انخفاض قيمة الليرة يؤدي الى زيادة عدد السائحين الى تركيا , وزيادة صادرتها وانخفاض وارداتها مما يؤدي الى تحسن ميزان المدفوعات وتحويله من عجز الى فائض. أي ان تركيا لا تحتاج الى الاقتراض من اجل تمويل استيراداتها كما يحدث الان مع الكثير من الدول.
باعتقادي , ان الطريق الذي اختاره السيد أردوغان فيه مشقة وتعب وتضحية ودموع , ولكن هو الصحيح اذا دعمت قراره بقية الأحزاب السياسية في تركيا. المواطن التركي يعاني من موجة الغلاء في بلادة وبنفس الوقت الملايين من الشباب بدون عمل , ولكن إذا نجحت خطة أردوغان الاقتصادية فان تركيا قد تخرج من محنتها سريعا مع اقتصاد من نوع جديد , اقتصاد لا يعتمد على الاستثمار الأجنبي الذي يستنزف ثروة البلد.
اردوغان في حاجة الى النجاح , أعداء اردوغان في الداخل والخارج كثيرون , ولكن عندما تتوفر فرص العمل ويتراجع التضخم من حدته يصبح عند أنصاره السبب المعقول بالتمسك به والعزم على حث الاخرين لدعمه , انه الاقتصاد الذي يرفع دول ويقضي على اخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110