الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ الموازي للصراع الطبقي

عبد السلام أديب

2021 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


1 – نشأ مفهوم التاريخ مع انفجار الصراع الاجتماعي وتشكل الطبقات الاجتماعية وهيمنة البعض على البعض الآخر عبر بلورة مؤسسات اجتماعية جديدة نتجت بالضرورة من أجل ضمان واستمرار هيمنة الطبقات على بعضها البعض، مثل آلية الدولة وأجهزتها القمعية، من جيش وشرطة أو ما يسميه كارل ماركس بالبنيات الفوقية لنمط الإنتاج القائم. فالتاريخ أصبح يشكل منذ ذلك الحين سردا لوقائع الصراع الاجتماعي والتغني بأمجاد المنتصر فيها وتشويه صورة المنهزم.

2 – فالتاريخ الذي نشأ في عصر الثورة الزراعية (العصر النيوليتي) ومع تشكل الدول والامبراطوريات، وتوسع بعضها على حساب البعض الآخر، انطلاقا من تفوق عائدات نمطها الطبقي الإنتاجي على الطبقات المستضعفة وحيث أصبحت الحضارة نفسها مجرد وجهة نظر تاريخية تعبر عن انتصار مجموعات بشرية على مجموعات بشرية أخرى تعمل على تسخيرها لبناء مجدها الذاتي على حساب مجد الأطراف المغلوبة. لذلك فان التاريخ المكتوب أو المحكي هو مجرد تعبير عن وجهة نظر واحدة حول وقائع الصراع التي تحسم لصالح المنتصر، علما ان "تاريخ كل مجتمع، حتى الآن، كان يتحرك في اطار تناحرات طبقية، اتخذت أشكالا مختلفة حسب العهود المختلفة". وقد يختلف هذا التاريخ حسب الزاوية التي ينظر منها المؤرخ وهل هي زاوية المنتصر أم من زاوية المنهزم، وحسب اختلاف الموقع. فقد يصبح المنتصر منهزما والمنهزم منتصرا، ويتحول الظالم الى مظلوم بينما يتحول المظلوم الى ظالم، بسب انقلاب موازين القوى السياسية. لذلك تصبح النسبية هي سيدة الفهم التاريخي للوقائع، مهما تغلبت الموضوعية والفهم العلمي للأشياء على المؤرخين، فدائما هناك تاريخا موازيا للتاريخ الرسمي او شبه الرسمي ينبثق من أجل اعادة النظر بشكل جذري في سير الوقائع والاحداث وانعكاساتها.

3 – فهل تاريخ المغرب الرسمي منذ خمسة قرون الماضية الى اليوم هو التاريخ الحقيقي للوقائع والاحداث وللإيديولوجية الرسمية، خاصة حول حقيقة التدخل الأجنبي ومسلسل وضع المغرب تحت الحماية الفرنسية؟ ألا يخفي هذا التاريخ تواطؤا محتملا بين أجهزة الدولة المستعمرة وأجهزة الدولة المستعمرة من أجل بناء دولة عصرية تابعة وفبركة شرعية وهمية مفصلة على المقاس، لضمان وحدة المغاربة تحت سلطة الكيان الذي تمت صناعته من طرف المستعمر، بعلمه واحزابه ونقاباته وشعاراته الأيديولوجية ولغته الرسمية وتنظيماته الإدارية والعسكرية؟ فالمقاومة الامازيغية التي سبقت عهد الحماية واستمرت على مدى نصف مدة تواجد نظام الحماية (1912-1933) تؤكد جزئيا هذه الاطروحة. كما ان امعان النظر في مجمل تاريخ المغرب يؤكد جزئيا أيضا قوة هذه الأطروحة، فقد كانت كل دولة تقوم على انقاض دولة سابقة فتعمل على محو كلي لتاريخ تلك الدولة السابقة، وإعادة بناء تاريخ للعهد الجديد على أساس أطروحات وشرعيات جديدة مختلقة. وفي هذا الاطار نجد العديد من الوقائع والاحداث التاريخية الكبرى ثد تم اخفائها بالكامل، بينما تم ابراز وقائع ثانوية، وجعلها مرجعا لشرعية بعض هذه الدول المنتصرة بعد افول عهد الدولة السابقة. ومن اهم هذه الوقائع والاحداث الكبرى مسلسل التاريخ الأمازيغي وثوراته الكبرى سواء قبل الغزو الإسلامي أو في ظل الدول الإسلامية المتعاقبة.

4 –ففي ظل كل حقبة هناك تاريخ رسمي وهناك تاريخ موازي يتحداه، وقد يكون هذا الأخير أكثر تعبيرا عن الوقائع التي حصلت فعلا وعن التلفيقات الأيديولوجية للتاريخ الرسمي. والامر لا يتعلق بالتاريخ القديم فقط، بل حتى بالتاريخ الحديث نسبيا، كجمهورية القراصنة بسلا مثلا والتي دامت لمدة ثلاثة قرون وجمهورية الريف في الفترة المتراوحة ما بين 1921 و1926، والأحداث التي أعقبت سنة 1956 التي شهدت تصفية قائد جيش التحرير عباس مساعدية وأغلبية أعضاء هذا الجيش الذين تم اقتيادهم نحو منطقة أوكيفيون لتصفيتهم بالكامل ومدى علاقة هذه الاحداث بتمرد منطقة الريف سنة 1958 والعقاب الجماعي الذي طال هذه المنطقة ووضعها تحت رحمة الظهير العسكري الى اليوم وهو ما يفسر لنا جزئيا الاحكام السريالية على نشطاء حراك الريف.

5 – من المؤكد ان عامل المصالح السياسية يأتي دائما لتشويه الحقائق وتحريفها لأغراض أيديولوجية محضة من اجل إرساء التحكم والهيمنة السياسية باسم شرعية مختلقة، انطلاقا من أوهام لم يكن لها وجود مطلقا من قبل مثل الاطروحة الصهيونية الملفقة بالكامل حول ارض الميعاد والتي شوهت حتى تاريخ الفراعنة واعطت اليهود كذبا هالة بناء الاهرامات وشرعية استعمار ارض فلسطين وصنعت من سكان المنطقة أعداء وهميين للإمبريالية الرأسمالية الصهيونية، وبالتالي الدعوة الى ابادتهم تدريجيا.

6 – يتناقض التاريخ الرسمي إذن مع التاريخ الموازي، حيث يحل الواحد محل الآخر مؤقتا بحسب رجحان موازين القوى سياسيا لصالح هذا الجانب أو ذاك. وعلى الرغم من أن الحقيقة والمصداقية تبقى لصيقة بأحد الجانبين رغم ما قد تتعرض له من تشويه. فالمعسكر الاشتراكي الذي نشأ عقب الثورة البلشفية سنة 1917 انطلاقا من الاتحاد السوفياتي وضم ثلثي بلدان العالم، سيتعرض الى عملية شيطنته منذ نجاح الثورة، وتدخل 14 دولة رأسمالية بجيوشها لتدميرها، وحيث تواصلت الحرب الاهلية الى غاية انتصار البلاشفة سنة 1928، تحت وابل من الدعاية الامبريالية، وعند فشل الثورة المضادة، بدأت مختلف المؤامرات الفاشية والتروتسكية تستهدف تدمير المناطق الصناعية الجديدة الناشئة للاتحاد السوفياتي خلال الفترة 1928 و1932، وهي المؤامرات التي تم افشالها واستدعت محاكمات 1936 ضد المتآمرين الذين تم ضبط خيانتهم العظمى للدولة السوفياتية. وبفعل الدعاية الفاشية والامبريالية والتروتسكية سيتم تحويل هذه المؤامرات ضد شخص جوزيف ستالين وتحويل المتآمرين الى معارضة شريفة وستالين الى سفاح مجرم، والعمل بالتالي على اغتياله بالسم سنة 1953 وتكريس خطاب خروتشوف لهذا التشويه التاريخي الامبريالي امام المكتب السياسي للحزب البولشفي سنة 1956، وانطلاقا من هنا بدأت عملية منهجية من تشويه الفكر التحرري الماركسي اللينيني عن طريق تحريف مجمل الأفكار، واعتماد مصطلحات ملتبسة لتشويه الاشتراكية، كوصفها بالشمولية وبالديكتاتورية. فهذا التاريخ الموازي الملفق بالكامل يستهدف تشويه التاريخ الحقيقي للفكر الاشتراكي التحرري، وقد جندت الامبريالية والصهيونية اليات أيديولوجية متعددة، من بينها القوى الظلامية الوهابية في البلدان المغاربية والعربية وتمويل عملياتها الدعائية في كل مكان.

7 – لم تسلم القوى الثورية المغربية من مثل هذا التشويه، كما كان الشأن بالنسبة للمنظمات الثورية السرية خلال عهد الحماية كاليد السوداء والهلال الأسود، وحيث تم تصفية كافة أعضائها مباشرة عقب الاستقلال الشكلي سنة 1956، كما تم تصفية مجموعة شيخ العرب والصاق كافة التلفيقات بشأنها ونعتها بالإرهاب على الخصوص وما شابه ذلك لمحو واخفاء مقاومتها ضد المحتل الفرنسي. نفس الشيء تم مع ارث المهدي بنبركة وعمر بنجلون اللذان تم اغتيالهما لوقف تأثيرهما وسط الطبقة العاملة. كما شكل التاريخ الرسمي للخط السياسي الإصلاحي أداة فعالة لإخفاء نضالات الخط السياسي الراديكالي منذ انتفاضة 23 مارس 1965، سواء عبر ملتقى افران للأحزاب الإصلاحية أو تشكيل ما يسمى بالكتلة الوطنية لبداية السبعينات، وتبني دستوري 1970 و1972 واعتماد أطروحة ما يسمى بالمسلسل الديموقراطي والانتخابات المنبثقة عنها سنة 1977 وخروج الاتحاد الاشتراكي من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بدعوى العمل من داخل النظام لدمقرته، وهي العملية التي قادت نحو تأسيس الكنفدرالية الديموقراطية للشغل والجمعية المغربية لحقوق الانسان سنة 1979، علما ان هذا التاريخ الرسمي الإصلاحي يناقضه التاريخ الموازي منذ انقلابي 1971 و1972 وانتفاضة مولاي بوعزة ومجموعة عمر دهكون الذين تم اعدامهم سنة 1973، والاختطافات التي طالت أعضاء الحركة الماركسية اللينينية واعدام المناضل عبد اللطيف زروال سرا خارج القانون سنة 1974 واستشهاد سعيدة المنبهي تحت تأثير اضرابها عن الطعام واستشهاد جبيهة رحال سنة 1979 وهو يحاول الفرار من السجن، كل هذه الاحداث تفضح التاريخ الرسمي الإصلاحي المصطنع.

8 – ان ازدواجية التاريخ الرسمي والموازي يؤكد تواصل الصراع الازلي بين الاستعباد والتحرر، وبان التاريخ الرسمي مهما حاول تزوير التاريخ الحقيقي لضمان استمرار الوضع المزور القائم على الاستبداد والاستغلال والاضطهاد فلا يمكنه ان يستمر طويلا، لان التاريخ الموازي المناقض للتاريخ الرسمي والحامل لبذور الحقيقة والاحلام الثورية ما يلبث أن يشق طريقه نحو النور ويشكل معارضة حقيقية ضد الاستبداد القائم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في