الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات لا تنسى مع الفقيد الكبير اسحاق الشيخ يعقوب

نجيب الخنيزي

2021 / 12 / 19
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


حرب أكتوبر1973 بين العرب وإسرائيل
أحدى زياراتي لدمشق كانت في أوائل شهر أكتوبرسنة 1973 ، في اليوم الثاني أو الثالث من أقامتي ، وفي 6 أكتوبر بالتحديد ، جاءني إسحاق وعلامات الإنفعال على وجه .. أخبرني بأن الحرب بين سوريا وإسرائيل قد أندلعت، أجبته لا يوجد ما يوحي بذلك سواء عبرالأخبار أو من خلال مؤشرات لأي نشاط عسكري غيرمعتاد بما في ذلك أجواء دمشق ، أجابني المواجهة لم يمضي عليها سوى وقت قصير جدا .
بطبيعة الحال علينا أن نعرف بأنه يفصلنا عن تلك الفترة قرابة نصف قرن ،ولم يشهد العالم بعد ما يسمى بثورة الإتصالات والتكنلوجيا والمعلومات ، حيث دقة الرصد وسرعة نقل الخبر والمعلومة الحية كالبرق إلى كل زوايا العالم .
عندما سألته عن مصدر معلوماته أكد لي بأنه نقلاعن صديقه الشخصي مراد يوسف عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري ، وكان معروفا بإفشاءه الأسرار الحزبية والتنظيمة لمن يثق به وهي أحد المسوغات التي طرحت وأدت إلى فصله من الحزب لاحقا ، وبالتأكيدهناك أسباب أخرى في مقدمتها معارضته الشديدة للخط السياسي للأمين العام ( المزمن ) للحزب اشيوعي خالد بكداش وما اعتبره سياسة ذيلية للنظام السوري ، وهوما أدى إلى تشكيله مع بعض القياديين لاحقا لفصيل شيوعي أخر تحت مسمى الحزب الشيوعي السوري – منظمات القاعدة .
الجدير بالذكر أني التقيت برفقة إسحاق عدة مرات مع مراد يوسف والدكتور نبيه رشيدات ( أصله أردني ) وقيادات شيوعية سورية أخرى في منزل يعقوب كرو وزوجته زينت نبوة ( أصلها لبناني ) القيادية البارزة في رابطة المرأة السورية والتي كانت تقودها ناشطات شيوعيات
ومفاد حديث مراد يوسف هو التالي : دعا الرئيس السوري حافظ الأسد إلى اجتماع طاريء للقيادة المركزية لما سمي " الجبهة الوطنية التقدمية التي تشكلت في عام 1972 وهو إئتلاف يضم مجموعة من الأحزاب القومية والناصرية والشيوعية بقيادة حزب البعث الحاكم .
.
المعروف عن حافظ الأسد أنه قاد انقلابا عسكريا عندما كان وزيرا للدفاع في 16 نوفمبر1970 ، أستطاع بموجبه إزاحة واعتقال ممثلي الخط اليساري في حزب البعث ، ومن بينهم ما يطلق عليهم مجموعة الأطباء ( وهي مهنهم السابقة ) والتي تضم الرئيس السوري نور الدين الاتاسي ورئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية ابراهيم ماخوس ، ومعهم الرجل القوي اللواء صلاح جديد رئيس الأركان السابق والأمين القطري المساعد لحزب البعث إلى جانب الكثير من أنصارهم .حيث أودع القادة في السجون لفترة طويلة تجاوزت أكثر من 20 عاما .
ومن أجل أن يكرس حافظ الأسد مركزه الداخلي ويوطد علاقاته مع اليسار السوري بما في ذلك الحزب الشيوعي السوري القوي نسبيا آنذاك ( قبل ان يدخل لاحقا مرحلة الانقسامات والصراعات الداخلية المتتالية على الصعيد التنظيمي، والإهتراء والتشظي والضعف على الصعيدين السياسي والجماهيري ) كما أستهدف الأسد طمأنة الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية واليسار السوري والعربي ونيل ثقتهم ودعمهم للنظام السوري ، مما جعله يقدم على تشكيل ما يسمى " الجبهة الوطنية التقدمية " تحت قيادة حزب البعث .
ومع مرور الوقت وتوطد مواقع ونفوذ نظام حافظ الأسد أصبحت الجبهة ومكوناتها الحزبية الذي تكرم عليهم ببعض الوزرات الهامشية ومقاعد في مجلس الشعب ( النواب ) السوري ، كما شمل ذلك حزب البعث الحاكم الذي أصبح مجرد واجهة سياسية ودعائية ، و هيكل فارغ ملحق عمليا بالسلطة المطلقة لحافظ الأسد ثم لأبنه بشار الأسد .
في ذلك الإجتماع الإستثنائي الذي دعا اليه الرئيس حافظ الأسد بحضور الأمناء العامون لأحزاب الجبهة ، و وكان من بينهم خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري ، حيث أبلغهم بأن الوضع متوتر جدا على الحدود مع إسرائيل وتحديدا في منطقة الجولان السوري المحتل ، وبأن الحرب مع إسرائيل قد تندلع في أي لحظة ( والذي فهم من قبلهم بأن الحرب قد اندلعت بالفعل ) وبالتالي يتعين على أحزاب الجبهة اليقظة والإستعداد والنزول للشارع للعمل على تأمين وحماية تماسك الجبهة الداخلية وتوفير مستلزمات المساندة والمساعدة على الصعد الأمنية والمدنية والجماهيرية .
واستطرد إسحاق الشيخ قائلا ( وهو ما يعكس رهافة حسه وعواطفه الإنسانية النبيلة) لذلك أرى وجودك هنا ( شقته في حي أبو رمانة ) خطرا عليك ، نظرا لأن المنطقة ستكون مستهدفة لامحالة من الطيران الحربي الإسرائيلي .
جرى تأمين مكان بديل مؤقت على وجه السرعة ، وبالفعل انتقلت للإقامة في شقة كان يسكنها طالبين من البحرين يدرسان في جامعة دمشق ، وهما الصديقين عيسى الشايجي ( أصبح فيما بعد رئيس تحرير جريدة الأيام البحرينية ) وفهد المضحكي ( الكاتب البحريني المعروف ) .
ماهي إلا بضع ساعات على مكوثي في الشقة الأخرى حتى سمعنا صفارات الإنذار ، ودوي أصوات الإنفجارات الناجمة عن المدفعية والصواريخ المضادة للطائرات و شاهدنا بالعين المجردة ملاحقة صواريخ سام االسوفيتية المضادة للطائرات الإسرائلية في سماء دمشق .
وحصل فعلا ما توقعه إسحاق الشيخ بناء على معلومات الرفاق السورين ، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية ودمرت مواقع مهمة في حي أبو رمانة حيث توجد شقته ، وأذكر من بين تلك المواقع المركز الثقافي السوفيتي الذي حضرت العديد من فعالياته الثقافية والسياسية والموسيقية والفنية ، حيث جرى تدميره بالكامل وقتل العديد من العاملين فيه ومن بينهم مديرالمركز وهو يساري سوري .
كانت مشاعري متضاربة ما بين الأمل والرجاء في أن تحقق هذه الحرب استعادة العرب لكرامتهم وقوتهم وهيبتهم ووحدتهم وحقوقهم الوطنية والقومية المهدورة من جهة ، والخوف من أن يكون القادم من الأيام أكثر كلحة وظلمة ، وبالتالي الانحدار نحو قعر الهاوية والهزيمة النهائية من جهة أخرى .
تفجرت الحرب مجددا مع العدو الصهيوني ، ولكن هذه المرة أختلفت عن المرات السابقة ، حين كانت إسرائيل هي المبادرة في عدوانها على العرب بدء من قيام العصابات الصهيونية بإغتصاب فلسطين ، وقتل وتهجير سكانها الأصليين من الفلسطينيين العرب في عام 1948 ، أو في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 بمشاركة فرنسا وبريطانيا ، وأخرها في عدوان 6 يونيو/ حزيران عام 1967 ضد ثلاثة بلدان ( مصر وسوريا والأردن ) عربية حيث احتلت إسرائيل الضفة الغربية الخاضعة للأردن ، وقطاع غزة الخاضع للإدارة المصرية ، ناهيك عن سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية .
في حرب 6 اكتوبر 1973 كانت مصر وسوريا هما من بادرتا بالهجوم من أجل تحرير الأراضي المصرية والسورية التي أحتلتها إسرائيل في عدوان 1967 ومسنودتان بموقف عربي موحد وقوي .
في أجواء الحرب جرت التعبئة العامة وإعلان حالة الطواريء وأقفلت الأجواء والمنافذ البحرية والبرية في سوريا ،وكان السؤال المطروح أمامنا كيف يمكن الخروج من سوريا في تلك الظروف الإستثنائية ؟
بعد يوم أو يومين أخبرني إسحاق الشيخ بأنه جرى الترتيب لمغادرتنا سوريا برا عبر العراق وفعلا أستقليت سيارة باص كبيرة وضمت العديد من الطلبة والطالبات من دولة البحرين ، متجهين إلى بغداد ، وأثناء رحلتنا كنا نشاهد الأرتال العسكرية العراقية متجهة نحو الحدود السورية ، وأخيرا وصلنا إلى الكويت حيث تفرقنا من هناك .
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تغير مسار الحرب من نصر كبير لصالح العرب في الأسبوعين الأولين إلى حال تراجع ، أدى إلى عودة الجولان مرة أخرى إلى السيطرة الإسرائيلية بعد أن تحررت، واختراق القوات الإسرائيلية للخطوط المصرية وعبورها قناة السويس ومحاصرتها للجيش الثالث المصري فيما يعرف " بثغرة الدفرسوار " واستيلائها على أراضي مصرية شرق القناة ؟
وفقا لقناعاتنا والتي تتفق مع تحليلات الساسة والمفكرين و معاهد الأبحاث والدراسات العربية و الأجنبية ، وما كشفته الوثائق الأمريكية التي رفعت عنها السرية بأن العامل الرئيسي في الإنتكاس والتراجع إثر الانتصارات التي تحققت يكمن في موقف الرئيس المصري السابق أنور السادات في اعتباره الحرب ، بأنها لتحريك عملية السلام ، وليس حرب لإنتزاع الحقوق وتحرير الأراضي العربية ، وبأن الولايات المتحدة وفقا لتصوره تمتلكك 99 % من أوراق الحل ، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن استخدام هذه الأوراق لم يكن متوازنا على الإطلاق، من قبل الولايات المتحدة ، بل في خدمة إسرائيل وعلى طول الخط في المقام الأول على جميع الأصعدة .
العامل الأخر في اعتقادي يكمن في العقيدة العسكرية السائدة والتي تستند إلى المفهوم الكلاسيكي التقليدي للحروب بين الجيوش النظامية في ظل غياب المشاركة الشعبية المباشرة في الحرب ، وعلى هذا الصعيد تمتلك إسرائيل أولوية السبق على مستوى الأعداد والتدريب والتسليح والتكنولوجيا والدعم اللامحدود من قبل الولايات المتحدة .
ولنقارن ذلك بالصمود الأسطوري للشعب الفيتنامي وشعوب الهند الصينية الأخرى ( كمبوديا ولاوس) والذي تكلل بهزيمة العدوان الأمريكي المدجج بأحدث الأسلحة والعتاد والقوات ( في ذروة الحرب قدرت بنصف مليون جندي أمريكي) والذي يمتلك التفوق الجوي والقوة النارية والأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة الكيماوية التي استخدمت على نطاق واسع ضد البشر والشجر والحجر .
أهم عامل في الأنتصار الفيتنامي تمثل في الوحدة العضوية بين الشعب والنظام ، والقدرة على الصمود وبذل التضحيات الهائلة ، و قبل كل شيء إشراك الشعب في المواجهة الشاملة التي أستندت إلى استراتيجية حرب التحرير الشعبية .
وعلى الصعيد العربي نجحت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ( جمول ) التي كان يقودها عمليا الحزب الشيوعي اللبناني في اجبار القوات الإسرائيلية من الخروج من غالبية المناطق اللبنانية بما في ذلك العاصمة بيروت التي احتلتها في 6 يونيو 1982 ، غير أن دورها تراجع فيما بعد لأسباب وعوامل مختلفة .
وفي25 مايو 2000 تم اجبار القوات الإسرائلية على الإنسحاب من كامل الجنوب اللبناني ( بإستثناء مزارع شبعا ) بفضل صمود وتضحيات المقاومة اللبنانية ،وهو ما عجزت عن تحقيقه الجيوش العربية مجتمعة .
كما استطاعت المقاومة الفلسطينية اجبار قوات الإحتلال الإسرائيلي في 15 أغسطس 2005 للإنسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات الإسرائلية فيها ، وذلك وفقا لقرار رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، آرييل شارون تحت عنوان "خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية".
النتيجة المنطقية لهذا الموقف المتخاذل للسادات تمثلت في زيارته إلى الكنيست والتوقيع على اتفاقية سلام انفرادية (اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978) مع إسرائيل، دون أن ينسق ويتشاور مع شركائه العرب في الحرب والانتصار (النسبي) الذي تحقق ، وذلك على الرغم من المساندة العسكرية والسياسية والاقتصادية القوية التي قدمتها الدول العربية وفي مقدمتها الدول النفطية.
تغيير في موازين القوى لصالح الدول المنتجة للنفط
ونشير هنا إلى تداعيات قرار العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز بقطع البترول عن الولايات المتحدة ، وبعض الدول الأوربية المساندة للإحتلال والعدوان الإسرائيلي ، والذي أحدث ما يسمى بالصدمة النفطية الأولى التي اجتاحت العالم وقفزت بأسعار النفط إلى أكثر من ثلاثة أضعاف سعره السابق .
الجدير بالذكر هنا ان أسعار النفط ظلت ثابتة تقريبا طيلة السنوات التي سبقت عام 1973 عند مستوى قريب من 3.6 دولار حيث كانت أسعار النفط تحددها الشركات العالمية وخاصة مجموعة الشركات التي تعرف باسم الأخوات الـ7 (إكسون وموبيل وشيفرون وغلف وتكساكو وشل وبي بي) فيما بينها وكانت هي التي تحدد حجم العرض في السوق وذلك على حساب الدول المنتجة للنفط
وانهار هذا الترتيب المجحف بحق الدول المصدرة للنفط ا إثر القرار الذي ااتخذه الملك فيصل بقطع البترول ، وحصل هذا القرار على دعم الدول العربية المنتجة للنفط داخل أوبك في اجتماع الكويت في أكتوبر عام 1973 بعد أسبوعين على إندلاع الحرب ، والقاضي بحظر تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة ودول أخرى احتجاجا على دعمها لإسرائيل في حربها ضد مصر وسوريا آنذاك.
وسرعان ما بدأت أسعار النفط في الارتفاع. وواصلت الأسعار ارتفاعها تدريجيا حتى بلغت 12 دولارا بنهاية عام 1974 ، وصولا إلى أستحواذ الحكومة السعودية على كامل حصة الشريك الأمريكي في شركة أرامكو في عام 1980 حيث أصبحت الشركة سعودية بالكامل ، وتحول أسمها إلى شركة أرامكو السعودية . للحديث صلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكراً للرفيق نجيب الخنيزي
فؤاد النمري ( 2021 / 12 / 19 - 06:18 )
لي ملاحظات على المقالة العذبة عذوبة الروح الشيوعية
منذ أن قامت عضابة خروشتشوف باغتيلل ستالين يالسم في 1 مارس 53 إنقلب الحزب الشيوعي إلى حزب معاد للشيوعية واقترف جرائم عديدة ليس آخرها انقلاب حاغظ الأسد الذي عارضه خالد بكداش ولم يشكل الأسد حكومته قبل أن تطلب موسكو من بكدتش الموافقة على الإنقلاب
كان هدف موسكو القضاء على الروح الوطنبة المتأججة في العالم العربي التي كانت امتداداً للثورة الشيوعية، ولذات الأسباب كان انقلاب لابومدين على بن بللا الاشتراكي الماركسي
هزيمة حرب 73 كانت بسبب تقدم الجيش المصري إلى ما بعد الحدود المقررة المحمبة جواً بإلحاح من موسكو وكان بأمر من السادات رغم معارضة القيادة الحربية
التقدم خارج الحطة كان لحماية عميل موسكو في دمشق فكانت هزيمة مصر ووضول جيوش اسرائيل إلى ضواحي دمشق وإعلان موسكو النفير النووي

ما زالت صفحة الأسد مفتوحة فب المخابرات الروسيةمما استدعى القضاء على الشغب السوري ومواجهة كارثة لم تمر البشرية بمثلها من ىقبل

تخياتي البولشفية للرفيق نجيب الخنيوي

اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري