الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة الغربان ومذاهب الأديان

شهد السويدي
باحثة و كاتبة

(Shahad Al-suwaidi)

2021 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أسطورة الغربان ومذاهب الأديان

كما تقص لنا الأساطير مِن أن غرابا رأى زميلا لهُ من نوعهُ فهاله ما وجد في وجه زميلهِ المُحترم من سوادٍ كالح. لقد إمتعض مما وجد في وجه زميلهِ من سواد، وهو لو نظر وجهه في المراة لرآه لا يقل سوادًا و قبحًا عن وجه زميلهِ.

وما نتناوله اليوم هو لعبة الأديان، من حيث أنها تيار عقائدي وسلوكي واحد مُتجانس لدى معظم البشر. فهناك حبة واحدة تُعرف بإسم حبة القمح ولكن لا حصر لطرق إستخدامها لتحضير الأطباق اللذيذة، فالحد الوحيد الذي يمنعنا من تجربة طرق مختلفة لإستخدام تلك الحبة هو الخيال.

فالأديان على إختلاف مذاهبها نرى أن عقائدها جميعاً مرآة لبعضها البعض. فالعقائد كالمسامير، كل ما إزداد الطرق عليها إزدادت تعمقًا في وِجدان الإنسان وسلوكه. فالأنبياء لم يصيروا معصومين إلا بعد أن ماتوا وعفى عليهم غبار الليالي، وطبيعة العقل البشري في الواقع شبيهة إلى حد كبير بالنبتة التي تأخذ من مواد التربة ما يلائم مزاجها وترفض الباقي. فلنأخذ الآن التسلسل الهرمي لمذاهب دينية مشهورة في الإسلام و المسيحية كمثال على ذلك.

فهل الشيعة أرثوذكسية المذهب والسُنة كاثوليكية؟
إذا جلست وحدك تتأمل في الإسلام و المسيحية فستكون النتيجة مجموعة من التساؤلات أبرزها:
من هم الشيعة ومن هم السُنة؟ ومن هم البروتستانت والأرثوذكس والكاثوليك؟ وهل هناك ربط بين هذه المذاهب؟ وكيف تتقاطع تشريعات المذاهب بالرغم من إختلاف الأديان وأسمائها؟ هل جوهر الدين واحد؟
إن التسلسل الهرمي في الإسلام الشيعي مشابه للمسيحية الأرثوذكسية. فالبطاركة جميعًا متساوون كرؤساء مجامعهم وليس لديهم أي سلطة على بعضهم البعض، وكذلك الحال لدى الشيعة فإن آيات الله جميعهم متساوون في رئاسة مناطقهم ولا يوجد سلطة لأحدهم على الآخر. أما المسيحية الكاثوليكية فيسود فيها البابا على جميع الكاثوليك وله سلطة على المجلس البابوي للكاردينالات. فنرى أن هذه السيادة في الواقع هي أكثر شبها بالإسلام السني قبل عام ١٩٢٤م عندما كان الخليفة هو نفسه ظل الله على الارض.

من ناحية النزاع والحروب
إن الناس يحبون تشبيه الصراع في الشرق الاوسط بين الشيعة والسُنة بنفس الصراع الكنسي الكاثوليكي البروتستانتي. إن حقيقة هذا الإدعاء باطلة لأن بداية الصراعات المسيحية المذهبية كانت لاهوتية فقط، وتدور حول جوهر المسيحية من حيث المحرّم والمباح. فاللوثرية بأطروحاتها الــ ٩٥ تدور جميعها حول إجراءات الكنيسة والبروتوكول والإيمان وليس لها أي خلافات سياسية مع الكنيسة. ولكن عندما قام الالمان باعتماد البروتستانتية اللوثرية كمذهب رسمي للدولة كان الهدف منه سياسيًا. والنتيجة كانت أن الكنيسة الكاثوليكية قد أعلنت بطلان وهرطقة البروتستانت.

وعلى النقيض نجد أن الدافع الأساسي للصراع السني الشيعي هو المظالم السياسية والتاريخية التي لم يكن هناك أي تنازل بشأنها من قبل أحد الطرفين تجاه الآخر. كان هناك ظُلم وألم وإضطهاد شديد عاناه كل طرف عندما كان الآخر في السلطة. فقد كانت تركيا هي قِبلة أهل السنة بعد سقوط الخلافة العباسية والأموية، وإيران هي قبلة الشيعة بعد ظهور المختار الثقفي. وهنا أحب أن أنوه الى أن "التشيع العلوي" لم ينتشر بين الفرس إلا بعد ظهور هذا الأخير"المختار"، فالعرب قبل أن ينقسموا إلى سُنة وشيعة قد إلتفوا حول علي بن أبي طالب في بادئ الأمر ثم إنحاز العرب السُنة إلى الحزب الأموي، فأخذ حزب التشيع يبتعد تدريجيًا عن البيئة العربية ويتجه نحو الفرس و الموالي.

واليوم نجد إيران قد أصبحت منارة للأمل والمركز التبشيري للمدد الشيعي في الشرق الاوسط، ويتجلى ذلك بوضوح بسعي إيران الحثيث إلى إرجاع أمجاد بلاد فارس من خلال الزحف الديني الشيعي في العراق واليمن وسوريا ولبنان بصورة مكثفة مع محاولات متواضعة لبسط هيمنتها نوعاُ ما في البحرين والمملكة العربية السعودية وباكستان. ثم أن الثورة الايرانية عام ١٩٧٩ هي المرة الاولى التي إكتسب فيها الشيعة في القرن العشرين قوة مؤثرة منذ آخر فترة حكم لهم والتي تمثلت في إمبراطورية الخلافة الفاطمية والتي إنتهت في القرن الثاني عشر، والامبراطورية الصفوية التي إنتهت في القرن الثامن عشر.

وأخيرا وجد العرب الشيعة أن الثورة الإيرانية أعطتهم الفرصة للاعتزاز بانتمائهم المذهبي والإطمئنان أن لديهم حليفًا وملاذًا آمنا بعد سنوات الإضطهاد وانعدام الحماية. إن أعظم مثال على قوة هذا الاضطراب هو تأسيس وصعود حزب الله في لبنان في الثمانينيات والذي أسسته إيران ومولته بعد أن وجدت من جنوب لبنان تربة خصبة لزراعة إسلامها السياسي والذي حضي بشعبية كبيرة لدى شيعة لبنان حيث إكتسبوا صوتًا في البلاد لأول مرة منذ قرون، فأصبحت الصور والاغاني التي تتغنى بالخميني ونصر الله والخامنئي وغيرهم من القادة الإيرانيين في كل مكان، بعد أن كانوا يعيبون و يجرمون على خصومهم مثل هذه التصرفات ويتفذلكون بمختلف التحريمات الشرعية تجاهها. إن كان هذا يكشف شئ ما فإنه يكشف طبيعة النفس البشرية بما تحتويه من عقد نفسية لا تفهم المنطق، فكل هذه الأفعال هي مجرد إندفاع لاشعوري يدفع صاحبه نحو الهدف والذي هو نسبي أيضًا في مدى شرعيتهِ بدون رؤية أو تفكير. تبع ذلك حملة لاهوتية تبشيرية شيعية ذات أهداف سياسية وبرعاية التمويل الايراني لحشد الطوائف الشيعية لتحقيق المطامع الايرانية. فتم نشر ما يسمى "آية الله" في جميع أنحاء ما يسمى اليوم بالشرق الاوسط. قد يتسائل القارئ لماذا الإسهاب عندما أتكلم عن إيران وهل أنا مناصرة لتركيا، ولمَ لا أتكلم عنها مثلما أتكلم عن إيران؟ السبب هو أن رجال الدين الشيعة يميلون لكسب أرزاقهم و تطبيق سلطتهم الشرعية المستمدة من سلطة الاله على بسطاء الناس ويعلنون دوما كراهيتهم للسلطة والحكام فيكونون بذلك أنصار المستضعفين ويتغنى بهم الفقير الجاهل المستعبد والذي لا حول له ولا قوة فيكون حضورهم في نفوس هؤلاء يختلف تأثيره من شخص لآخر ومن رواية لأُخرى. أما رجال الدين السُنة فالوصول إليهم سهلٌ حيث أنهم سيخلدون بكتب السلطة الطبقية الأبوية الرأسمالية الحاكمة والتي يأخذون رزقهم منها فيكونون محط النظر في كل آن و زمان.

هل ستصبح للشرق الاوسط "جمعة حزينة" يوما ما؟
إذا كان هناك مثال يستحق المُقارنة بأزمة الشرق الاوسط والصراع المذهبي داخله فسيكون إيرلندا بصراعها الكاثوليكي-البروتستانتي، حيث يشار إلى الجماعات الدينية في إيرلندا كونها أكثر ميلًا للولاء السياسي والعرقي على الولاء العقائدي. ظلّت إيرلندا الشمالية موضع صراع عنيف ومرير بين الإيرلنديين الكاثوليك المنادين بالاستقلال و الانضمام إلى جمهورية إيرلندا و الاتحاديين المواليين للتاج البريطاني الذين يعتبرون أنفسهم بريطانيين وهم من البروتستانت في الغالب. وقد إتخذ هذا الصراع أشكالا عديدة منها ما كان موسميًا يظهر في فترة الاحتفالات بالاعياد الدينية الخاصة بالكاثوليك و البروتستانت. وحتى المُلحدين في إيرلندا يجب أن يختاروا ما إذا كانوا ملحدين كاثوليك أو ملحدين بروتستانت، فالاختيار يعتمد على هذه العوامل أكثر من الايمان، وذلك يؤدي إلى تحديد هوية الفرد إجتماعيًا من حيث إختيار الصداقات والزواج ومن يجب أن يحب ومن يكره، وهكذا.

في أواخر عام 1960 أخذت رابطة الحقوق المدنية على عاتقها مواجهة التمييز الطائفي لتبدأ المظاهرات في بعض المدن ثم تصل في نهاية المطاف إلى العاصمة بلفاست عام 1968، ليأخذ النزاع منحى أكثر عنفًا تمثل بتشكيل مجموعات قتالية، وبعد قرابة ثلاثة عقود من الحرب الأهلية، نجحت إيرلندا في تجاوز الإقتتال الأهلي وتم توقيع إتفاقية "الجمعة الحزينة" عام 1998 لإحلال السلام بين كل الأطراف المتنازعة وعلى رأسها بريطانيا وجمهورية إيرلندا و الاحزاب والمجموعات المسلحة في إيرلندا الشمالية برعاية الولايات المتحدة طبعا.

إن أغلبية المظالم التاريخية بين مختلف الطوائف المسيحية في العصر الحديث تم التكفير عنها، وبقيت الخلافات اللاهوتية فقط. فعلى سبيل المثال إعتذر الكاثوليك عن "إغتصاب بيزنطة" وكانت هذه محل نزاع كبير بينهم وبين الارثوذكس. في حين أن الأتراك لم يعتذروا أبدا للعلويين والاقليات الشيعية الاخرى عن قمعهم سواء في العهد العثماني أو العهد الحالي، كذلك آيات الله الايرانيون لم يعتذروا أبدا للسنة عن قمعهم في العهد الصفوي وفي الوقت الحالي.

في الختام عندما نتأمل هذه السطور نتذكر قصة "صراع العروش"، فالصراع مستمر حتى فناء البشرية على السلطة ولا شئ غير السلطة والمبرر لذلك هو أن رب السلطة "الحاكم" هو الجوهر الحقيقي للدين والباقي كذب وتضليل. فماذا نستفيد من كل هذا؟ وبأي دين يجب أن نثق، فالسلطة ورجالها من "وعاظ السلاطين" يقولون جميعا أن هناك رب واحد و جوهر الدين واحد، ولكني أرى أن إلاههم يختلف عن إلاهنا نحن البسطاء. فإلاههم يريدون به بسط نفوذهم على كل الكوكب من أجل أن يقولوا "إنتصرنا بعون الله" مُشبعين بذلك غرورهم المقيت، فهل إنتصارات جورج بوش الابن و لغته المسيحية بنزعتها الارهابية المقتبسة من كتابه الفلسفي المفضل"الانجيل" وغنائه المستمر مع أتباعه بأناشيده التي سخرت "الله" لشن الحروب كقوله:

"الله أوحى لي بأن أنهي الإستبداد في العراق" . God told me to end the tyranny in Iraq
أو "نحن أمة واحدة تحت الله".(One Nation Under God)
أو "نحن نثق في الله". (In God (We Trust
أو "فليبارك الله أميركا". (God (Bless America

من هنا نرى أن كل خطاباته تعتمد على وجود هذا الاله الدموي الذي يستظل هو بعرشه كاستظلال أسامة بن لادن بنفس العرش وكل منهما يردد أن هدفه نشر الخير والعدل والسلام والتحضر، وكلاهما غرابان يتقاتلان ليثبتا من هو الأقبح، هل الحضارة التي ينادي كل منهما بها تحتاج إلى هذا القدر الهائل من القرابين البشرية لها في العراق وإفغانستان والصومال وفلسطين وغيرها لكي تقوم؟ وهل أن بوش هو "اليسوع" المخلّص في الغرب؟ على الرغم من أن الدماء التي أزهقها في سبيل الصليب الذي يرفعه لا تزال ترتشف الأرض بها حتى اللحظه الراهنة.

وأيضا، هل أن الخميني بحروبه التي سحقت كل البسمات البريئة من روح الشعبين الايراني والعراقي على حد سواء تعني أنه المهدي المنتظر في الشرق؟

أم هل أردوغان بدروشته الإخوانية المجرمة وآل سعود بوهابيتهم وضمائرهم المعدمة هم الجوهر الحقيقي لتمثيل ارادة الله؟

ثم ماذا عن الفلسفة الناصرية والماركسية والتي يتغنى بها أصحاب الفكر والطبقة المثقفة المتجردة نوعا ما من الفلسفة الكهنوتية، هل هي حقيقة الوجود والهدف الرئيسي للحياة؟

كل الحُكام قاطبة ومنذ نشأة المجتمع الزراعي وحتى اللحظة الراهنة هدفهم "الخلود الكَلكَامشي" على حساب دماء الشعوب المستعبدة. هم يبحثون عن الأبد لأنهم ملكوا مفاتيح الأرض كلها ونحن البسطاء نبحث عن كفاف يومنا محاولين التمسك بسراب السعادة، فلا يهمنا أن يذكرنا التاريخ بعد عام واحد من موتنا، فنرى أن الله هو الرحمة بيننا والعطف والمساواة، فإلاهنا نحن البسطاء بدون وجود هؤلاء القتلة هو "الصدق والأمانة والاخلاص". فالسلطة الطبقية الأبوية المسيطرة على هذا الكوكب تعشق بسط نفوذها بجعلنا نحن البؤساء من أبناء الصعاليك كالبيدق بين أصابعهم بوضع مذاهب مختلفة ، بعد أن حجبوا عنا الفكر والتأمل بجوهر تلك المذاهب من خلآل نشر علومهم وفلسفتهم الطبقية الرأسمالية الأبوية.

سأخبرك عزيزي القارئ حقيقة من وجهة نظري الشخصية قد لا تصدقها لأن الحقائق نسبية دوماً ولايوجد حقيقة مطلقة، ولكنها ستجعلك تهتم بإنسانيتك بعيداً عن الإنسانية الكهنوتية التي تربينا عليها.
ضع دوماً في إعتبارك أن الأديان جميعاً مجرد خيال إبتدعته النفس البشرية في لحظة من لحظات شعورها بالوجود فهي تسعى للعدل حين تكون محرومة منه فاذا حصلت عليه بخلت به على غيرها. وهذا حال البشرية في كل زمان ومكان. فالرب هو المصدر الأزلي للواقع في حين تشكل المادة الأساس الوحيد للوجود والمصدر الأزلي للمكان. فنحن كبشر في هذه اللحظة عمرنا على المقياس الكوني للكون هو "مليون سنة" بالنسبة لعمر الكون، والذي يقدر بــ ١٣بليون سنة. فقد يكون كل ما تراه أعيننا غير حقيقي ومن نسج الخيال. فالكون يجب أن يتوقف في مكان ما، لكن ماذا يوجد بعد ذلك؟ لا بد من أن هناك شئ أبعد من ذلك. إن للوقت بداية بطريقةٍ ما وستكون له نهاية بطريقةٍ ما ولا يوجد شئ يمكن فهمه قبل أو بعد ظهور الوقت وبالتالي فالكون سينتهي في مكان ما ويكون كل شئ غير حقيقي. فهل هناك شئ يستحق أكثر من أن يحاول الانسان ان يعيش لحظته الحالية ويملأ المحيطين به بمبادئ الحب والخيروالعدل بدون التفكير بقبل أو بعد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah