الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة الدقة في نقل وقائع التاريخ دراميا أو سينمائيا

شكيب كاظم

2021 / 12 / 19
الادب والفن


قرأت كثيرا من آراء الروائيين بشأن عملهم الروائي، الذي يُصَيّره المخرج عملاً درامياً أو فيلماً سينمائياً، وشكواهم المريرة من التغيير المدمر الذي يقوم به السيناريست والمخرج، وحتى المنتج! وقد يصل إلى حد التلاعب بالنص الروائي، وتغيير بعض مساراته، ومازالت في الذاكرة أحاديث الروائي الكبير نجيب محفوظ (٢٠٠٦) الشاكية في هذا الصدد، فضلاً عن أحاديث الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، الذي كتب سيناريو بعض رواياته المحوّلة أفلاماً.
هذا الأمر يدفعنا إلى الحديث عن الرواية، أو العمل الذي يكتبه صاحبه خصيصاً لفيلم من الأفلام، وإلى العمل الروائي المكتوب للقراء، ثم يقع اختيار أحد المخرجين عليه كي يُصَيّره فيلما، ولأسباب شتى، منها الشهرة التي نالتها الرواية، أو شهرة كاتبها، أو قربها من ذوق الناس ودغدغتها لإحساساتهم، ومن الحقل الأخير الذي أشرت إليه رواية (قصة حب) للروائي الأمريكي إريك سيكال؛ رواية قصيرة بسيطة، جاءت أهميتها من تعاطف القراء والمشاهدين مع بطلتها التي سيودي بحياتها، المفعمة بالحبور هذا المرض الوبيل، وجعلت كاتبها يمسي من أصحاب الملايين، وعلى الرغم من أنه اردفها برواية (قصة أوليفر) إلا إنها كانت همسة في واد لاصرخة!
من الروايات الشهيرة التي حولت أفلاماً، وسأذكر الذي نال شهرة واسعة فيلم (من الآن وإلى الأبد) بطولة الرائع برت لانكستر، ورواية (الحرب والسلام) لتولستوي بنسختيها الأمريكية التي جسدتها الرائعة اودري هيبورن، فضلاً عن السوفيتية، ويجب أن لا ننسى (الشيخ والبحر) لإيرنست همنكوي، حيث تألق فيها عجوز السينما الأمريكية سبنسر تريسي، بدور سانتياغو، فضلاً عن (أطول يوم في التاريخ) و(مدافع نافارون) و(جين اير) لشارلوت برونتي، و(مرتفعات وذرنك) لشقيقتها اميلي و(البؤساء) لفكتور هوكو، والقائمة تطول.
وفي السينما العربية، العديد من روايات نجيب محفوظ (القاهرة الجديدة)، و(الشحاذ) و(اللص والكلاب)، (ثرثرة فوق النيل)، فضلاً عن المسلسل الشهير المأخوذ عن ثلاثيته الروائية الرائعة؛ (بين القصرين) و(قصر الشوق) و(السكرية) الذي جسد دور البطولة فيه؛ دور سي السيد عملاق السينما المصرية الراحل محمود مرسي، وتألقت فيه الفنانة معالي زايد، فوق تألقها!
كما يجب أن لا ننسى ملكة الشاشة العربية فاتن حمامة التي جسدت دور بطلة رواية (الحرام) ليوسف إدريس.
هذا الأمر الذي ذكرته آنفا؛ كتابة عمل روائي لغرض التمثيل، فيلماً أو مسلسلاً، يعيد للذهن الجهد الفني السامق الذي بذله الروائي والكاتب المسرحي الكبير توفيق الحكيم، فهو كان يكتب مسرحياته الفكرية، يكتبها للقراء ولم يكن في ذهنه ووكَدِه، انها ستحوّل إلى مسرحية أو عمل درامي، ومن أمثلها في الذهن مسرحية (أهل الكهف) و(يا طالع الشجرة) التي تمثل ركوبه لموجة أدب اللامعقول، التي سادت في سنوات الستين من القرن العشرين، وكان أول المبشرين بها صموئيل بيكيت في مسرحيته الشهيرة (البحث عن كودو) وهي تورية بلاغية بحثاً عن الخالق؛ واجب الوجود ومدبر الأكوان، التي تقترب مفاهيمياً من رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ.
وإذ ذكرت كل هذا الذي ذكرت، فإني أرغب في الحديث عن الأفلام أو المسلسلات التي تتناول أحداثاً تاريخية، وشخوصا تاريخية على مختلف الصعد: قادة، خلفاء، سلاطين، ادباء، فلاسفة ، و و، فثمة من يبيح لمنتجي العمل أن يغيّروا في حقائق التاريخ، تماشياً مع رغبة الناس وذوقهم، وشباك التذاكر والمردود المالي، مسوّغين ذلك أن تقديم عمل درامي، لا يعني تقديم دراسة تاريخية للناس، فمثل هذه الدراسة مكانها الكتب والمجلات المُحَكّمة، وإن إطلاع الناس؛ عامة الناس على نصف الحقائق، أفضل من الجهل بها، بسبب تراجع هواية القراءة لدى الناس، لا بل ضمورها، واعتمادها- غالباً- على ثقافة الصورة، ووسائل التواصل التي تقدم لهم ثقافة كسلى، إن كان فيها ثقافة.
لكني أرى- مع كل هذه المسوغات التي سقتها- إن الحقائق التاريخية يجب أن تصان وتحترم، ويجب أن لا ننساق وراء رغبة عامة الناس، ولا أقول العوام، في تقديم أنصاف الحقائق، فلهؤلاء الناس ما يشغلهم عن ذلك، لذا كنا نقرأ في الأفلام التاريخية الإسلامية، ما يشير إلى أن نص الحوار وسيناريو الفيلم قد عرض على الجهة العلمية الفلانية، لا بل أني شاهدت في فيلم ( الوعد الحق) المأخوذ من كتاب لطه حسين بالعنوان ذاته، شاهدت الدكتور طه حسين يظهر متحدثا في بداية الفيلم.
ويجب أن لا يقتصر عرض نصوص الأفلام التي تتناول حوادث وشخوصا في التاريخ الإسلامي ، على جهات مختصة فقط- وأنا هنا لا أدعو إلى رقابة صارمة جدانوفية متزمة، بل أدعو إلى احترام حقائق التاريخ- لأنها تتناول أمورا حساسة، قد تدفع إلى ما لا تحمد عقباه، بل أرى أن تشمل الدقة والتدقيق، كل حوادث التاريخ وشخوصه في كل مكان وزمان، لأن وقائع تلك الأزمان الماضية، وضرورة نقلها بصورة أقرب إلى الحقيقة، أو الحقيقة كلها، دَيْن في أعناق أجيالنا الحاضرة هذه، كما أن الحوادث التي عاصرناها، وحقائقها دَيْن في أعناق الأجيال المقبلة.
يجب ان لا يدفعنا حب المال، أو التقرب من الحاكم، أو دغدغة مشاعر عامة الناس، إلى الكذب على أنفسنا، ومن ثم التدليس على الناس والتاريخ وتزويره، وقد دعا بعضهم إلى إعادة كتابة التاريخ، وإعادة كتابته تعني لَيّ عنقه لكي يوائم رغبة السلطان، لا بل الأصح إعادة قراءة التاريخ، والتبصر في خفاياه وزواياه، وصولاً إلى الحقيقة لا ضالة المؤمن فقط، بل ضالة كل نزيه وشريف في هذه الحياة الدنيا، الذي سيسره يوما أن يلمس ويرى نتاج ما خطت يداه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى