الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى انتفاضة تونس

الطاهر المعز

2021 / 12 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تونس - كل عام وأنتم غارقون في الدُّيُون

امتنعتُ عن كتابة بضعة جُمَل، في ذكرى انتفاضة تونس، التي انطلقت يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، بسبب ترشُّح منتخب كرة القدم لنهائي كأس (أو بطولة؟) العرب، بمَشْيخة قَطَر النّتِنَة، والمُلَوّثة برائحة الغاز، ولو انتصر المنتخب التونسي لاَنْتَشَى فُقراء وشباب الشعب التونسي (أي الأغلبية)، ونَسِيَ، لبضعة أيام، ظروف حياته البائسة، ولَنَسِيَ أيْضًا أن يَقِفَ على أطْلال هذه الذّكْرى... في ساعة متأخِّرة من ليلة السّبت 18 كانون الأول/ديسمبر 2021، ألقَيْتُ نَظْرَةً على أخبار اليوم، على شاشة الحاسوب، فشاهدتُ مقاطع فيديو لآلاف الجزائريين في ساحات وشوارع أهم المُدن الفرنسية (باريس وليون وتولوز...)، يهتفون ويرفعون علم الجزائر، احتفالاً بالإنتصار الكُرَوِي العظيم على الجيران التونسيين بدُوَيْلَة قَطَر، ولو تَظَاهرَتْ هذه الآلاف من المُهاجرين والعرب بفرنسا، من أجل الدّفاع عن حقوقها، أو مُساندة للشعب الفلسطيني، لتراجَعَتْ أَسْهُم اليمين المتطرف بفرنسا، ولَتراجع عنادُ الرئيس "إيمانويل ماكرون" وصَلَفُهُ، وكُسِرَتْ شَوْكَتُهُ...
ظَنَنْتُ وتوقَّعْتُ أن تُشَكِّلَ هذه الهزيمةُ الكُرَوِيّة حافزًا للعودة إلى أرض الواقع التونسي، وما يَتَمَيَّزُ به من شُحّ الوظائف، وارتفاع الأسعار وانخفاض الرّواتب وارتفاع الدُّيُون الخارجية، وما إلى ذلك، وقبل هذه المُباراة الرياضية (وهزيمة منتخب تونس لكرة القدم) نَظّمت بعض الأحزاب مظاهرات بالعاصمة يوم 17/12/2021، بَعْضُها مُؤَيِّد والآخر مُعارض للرّئيس الحالي (قَيْس سعَيِّد وحكومته)، أما بسيدي بوزيد، نقطة انطلاق انتفاضة 2010/2011، فقد تظاهر مئات العاطلين عن العمل، وردَّدُوا هتافات "العمل والحرية والكرامة والوطنية"، وهو شعار انتفاضة 2010/2011، بحسب وكالة تونس إفريقيا للأنباء ( رسمية ) وكذلك مُراسل وكالة "رويترز"، وأظهرت هذه الإحتجاجات اختلافًا بين اهتمامات سكان المناطق الفقيرة مثل "سيدي بوزيد" والأحياء الشعبية بضواحي المُدُن الكبرى، من ناحية، واحتجاجات شارع بورقيبة بالعاصمة، التي نظّمتها أحزاب أو ائتلافات، كان بعضها يدعم الإخوان المسلمين، وركّزت على الحُرّيّات العامّة والفردية وعلى تعليق عمل مجلس النّوّاب، حتى تنظيم استفتاء على "إصلاحات دستورية"، لدستور 2014، في تموز/يوليو 2022، وتنظيم انتخابات برلمانية، بعد نحو خمسة أشهُرٍ، بنهاية سنة 2022.
ما لم يتغيّر في تونس، منذ عُقُود، هو التّواجد المُكَثّف لعناصر الشّرْطَة بالزّي الرّسْمِي المُمَيِّز أو الزّي المَدَنِي، واستخدام العنف الشديد واعتقال المُشاركين في الإحتجاجات، وإحالة المَدَنِيِّين على القضاء العسكري، كما لم يتغيّر الوضع الإقتصادي، بل ساء بسبب الركود، بل الوُصُول إلى حالة عجز الدّولة عن الإنفاق على الرّواتب وتسيير الشُّؤُون اليومية للبلاد، واستمرار (أو زيادة) الفساد وسرقة المال العام وتهرُّب الأثرياء من تسديد الضّرائب، في حين يُعاني الشُّبّان والكهول من البطالة التي بلغت نسبتها الرّسمية (وهي دون الواقع بكثير، 18,4%، ويُعاني مُعظم المواطنين من ارتفاع الأسعار...
أما العاملون فأصبحوا عاجزين عن مواجهة الظّروف الإقتصادية في ظل تدهور الرواتب، كما يُعانون من تدهور ظروف العمل، ومن ارتفاع أسعار السّلع والخدمات، خصوصًا عاملو شركات القطاع الخاص التي بقيت مفتوحة أثناء اشتداد حدّة وباء "كوفيد 19"، ما دَفَع نقابة الأُجَراء "الإتحاد العام التونسي للشغل"، يوم الخميس 28 تشرين الأول/اكتوبر 2021، إلى تنظيم إضراب وتظاهرات شارك بها عُمّال نحو 150 شركة بمحافظة "صفاقس"، من أجل رفع قيمة الرّواتب، وتطبيق اتفاقيات زيادة الأُجُور التي وَقّعتها نقابة الأُجراء ونقابة أرباب العمل.
ازداد وضْعُ الإقتصاد التّونسي تدهوُرًا، منذ عشر سنوات، أي خلال فترة حُكْم الإئتلاف الذي يَقُودُه الإخوان المسلمون، وبلغ معدّل النمو الإقتصادي، خلال العشرية 2011 - 2020 مُعدّل 0,6%، فيما تضاعف حجم الدّيُون الخارجية، بالتّوازي مع انخفاض قيمة الصّادرات، وانهيار قيمة الدّينار، وارتفاع الأسعار (خصوصًا أسعار السلع المُسْتَوْرَدَة)، ما خَفّضَ القيمة الحقيقية للرّواتب، وما رفَعَ النسبة المُتراكمة للتّضخّم إلى 46%، فضلاً عن انتشار الفساد ونهب الممتلكات العمومية...
فشلت الحكومة التونسية، في أيار/مايو 2021، في الحصول على قَرْض بقيمة أربعة مليارات دولارا (تمتد أقساطُهُ لفترة ثلاث سنوات) من صندوق النّقد الدّولي، الذي اشترطَ مزيدًا من الضّغوط على الأُجَراء والفُقراء والمُزارعين والمُستهلِكِين، وقبل زيارة الرئيس الجزائري (يومَيْ 15 و 16 كانون الأول/ديسمبر 2021)، "لتعزيز روابط الأخوة التاريخية وعلاقات التعاون والشراكة وترسيخ سُنّة التشاور والتنسيق القائمة بين القيادتين في البلدين حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة"، وفق بيان رئاسة الجمهورية التونسية، وبعد إعلان ممثِّلي حكومَتَيْ البلدَيْن (يوم التاسع من كانون الأول/ديسمبر 2021)، العمل على تنفيذ خطط التّكامل الإقتصادي بين البَلَدَيْن المُهَدّدَيْن بالإرهاب القادم من ليبيا، وبرواسب الإرهاب المَحَلِّي، أعلنت الحكومة التونسية، يوم الثلاثاء 14 كانون الأول/ديسمبر 2021، عن اتفاق يتضمّن الحصول على قَرْضٍ من الجزائر، بقيمة ثلاثمائة مليون دولارا، لتصريف الشؤون اليَوْمِيّة الطارئة، بينما أعلن صندوق النّقد الدّولي عن "مُباحثات تقنية" مع الحكومة التونسية، "لتحديد الأولويات الاقتصادية للبلاد"، أي أن صندوق النّقد الدّولي يُحَدّدُ "الأوْلَوِيّات الإقتصادية"، ويُراقب تنفيذ شُرُوطِهِ، بعد الموافقة على القرض الذي لا يُسَدَّدُ دُفعة واحدةً، وإنما أقساطًا، وفْق دَرَجَة تطبيق الشُّرُوط، وسبق للصّندوق أن رَفَضَ تسديد قِسْطٍ أو أقْسَاط من قَرْض للدّولة التونسية، وغيرها...
إن التّعاون بين حكومَتَيْ الجزائر وتونس أمر إيجابي بحدّ ذاته، غير أن الحُكُومتيْن تُطبّقان شُرُوط الإقتصاد النيوليبرالي، في بَلَدَيْن يَسْتَوْرِدان السلع الأساسية (وأهمُّها الغذاء، والحبوب بشكل خاص، والدّواء، والتجهيزات...)، ويتماديان في خصخصة القطاع العام وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والنّقل، ويكمُنُ البديل في إطْلاق نقاش أُفُقِي مُعَمّق حول أوْلَوِيّات التّكامل الإقتصادي على مدى بَعِيد، وطُرُق تمويل وإنجاز مخطّطات هذا التّكامل، بالإعتماد على القُوى الذّاتية بشكل أساسي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن