الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظرية الأمنية الخدمية الشرطية

وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف

(Waleed Khalefa Hadawe)

2021 / 12 / 19
دراسات وابحاث قانونية


الامن الجنائي(الاجرامي) في المجتمع من واجبات الشرطة، وهذا ما سارت عليه المجتمعات البشرية كافة، منذ ان انتظم السكان في مجمعات بشرية وساد النظام والقانون. ومعنى كلمة الشرطة في التاريخ قبل الإسلام: "اول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت"، ّحيث كانوا يضعون لأنفسهم علامات او اشرطة يعرفون بها. وبعد الإسلام وفي عهد رسول الله (ص)كان قيس بن عبادة بين يديه بمنزلة صاحب الشرطة، وفي عهد الخليفة أبو بكر الصديق(رض) كان عبد الله ابن مسعود أميرا على العسس، الذين كان واجبهم الطواف بالليل لتتبع اللصوص وطلب اهل الفساد. وفي عهد الخليفة عمر ابن الخطاب(رض) تولى بنفسه مهمة العسس.، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان (رض)اتخذ عبد الله ابن قنفذ اليمني بمنصب صاحب الشرطة لأول مرة. وفي عهد الخليفة الرابع على ابن ابي طالب (ع)اتخذ معقل ابن قيس الرياضي بمنصب صاحب الشرطة ...
وواجبات الشرطة بمفهومها الحديث، لم يتغير لا زمانيا ولا مكانيا عما كان عليه في السابق، وهو "منع ارتكاب الجرائم، والقيام بالمراقبة المقتضاة لها، وتعقيب مرتكبي الجريمة، وحماية الانفس والأموال، وضمان تنفيذ القوانين والأنظمة".
والنظرية الأمنية الشرطية موضوع هذا البحث تتعلق بالأمن الجنائي الذي تنجزه الشرطة داخل المجتمع، والعلاقة المطلوبة بين رجال الشرطة وأبناء المجتمع.
"والنظرية لغةً: "تعرّف: بأنّها مصطلح مشتق من الكلمة الثلاثيّة نَظَرَ، ومعناها التأمّل أثناء التفكير بشيء ما، أمّا اصطلاحاً: فتُعرف بانها "قواعد ومبادئ تُستخدمُ لوصفِ شيء ما، سواء أكان علمياً، أم فلسفياً، أم معرفياً، أم أدبياً، وقد تثبتُ هذه النظرية حقيقة معيّنة، أو تساهمُ في بناءِ فكر جديد،".
النظرية الأمنية الخدمية التي ادعو اليها هي" تفسير للعلاقة والعقد الاجتماعي والالتزامات والمسؤوليات المتبادلة فيما بين رجال الشرطة والمجتمع من الجوانب الأمنية والخدمية والاجتماعية والإنسانية. ومسؤولية رجال الشرطة في منع وقوع الجريمة وتحقيق الامن والنظام وتنفيذ القوانين والانظمة والاحترام والتعاون والعلاقة المتبادلة بين الجانبين" وتتكون النظرية الأمنية الخدمية من المبادئ والقواعد الاتية:
1- المبدأ الأول: المجتمع هو من يتنازل عن بعض حرياته حينما تكون مضرة بأمنه وسلامته: يضع المجتمع مجموعة القوانين التي تحدد الأفعال التي تشكل جرائم والتي تضر بحياة واموال ومصالح الاخرين او الصالح العام للمجتمع، والعقوبات المقررة لها من اجل ان ينعم الجميع بالأمن والاستقرار.
2- المبدأ الثاني: المجتمع هو من يعين الشرطة لخدمته: ان المجتمع هو من يضع القوانين الشرطية عبر السلطة التشريعية التي تنتخب افراد الشرطة وضباطها من بين افراده. وبذلك فتعيين رجال الشرطة والشروط المطلوبة في التعيين تُنَظّم بموجب تلك القوانين. اي ان المجتمع هو من وضع آلية انتخاب هؤلاء الافراد لحمايته.
3- المبدأ الثالث: رجال الشرطة يمثلون أبناء المجتمع مع الاخذ بنظر الاعتبار التماثل والتوازن بين الطوائف والأقليات دون تمييز او اقصاء: ينتخب رجال الشرطة من بين افراد المجتمع واسره فمنهم الابن والاخ والزوج والأب والابنة والاخت، حيث لا يجوز تعيين رجال شرطة من حملة جنسيات اجنبية. كما يراعى التوازن والتماثل بين الطوائف والأقليات.
4- المبدأ الرابع: رواتب رجال الشرطة من أموال الشعب: ان رواتب رجال الشرطة من المال العام او الخزينة المركزية للدولة والتي هي من أموال الشعب. وهذه الأموال تدفع مقابل خدمات. فالموظف سواء كان إداريا او في الميدان الطبي او التعليمي او غيره، ابتداءاً من رئيس الدولة حتى عامل البلدية ...الخ. كل منهم يستلم المال مقابل خدمة يؤديها، فالموظف يقوم بأداء واجبات وظيفته والمُنظّف يقوم بتنظيف الشوارع والطبيب يعالج الناس ورجل الشرطة يقوم بحماية أموال وارواح الناس والحفاظ على الامن والنظام والسكينة في المجتمع. ففي كل الأحوال هم يعملون بأجرتهم وتحت امرة الشعب.
5- المبدأ الخامس: الرواتب مقابل الخدمة ولا فضل لاحد على أحد: فلا حق لرجل الشرطة ان يتعالى أو يتكبر او يكون سيدا على الناس، وكل من يستلم مال من أموال الشعب مأجورا أي يعمل بأجر لدى الشعب، وعليه ان يقدم خدمة ولا يكون سيدا لمن يَصْرف له هذا المال، فالمال من حق الشعب وانما اعطي لرجال الشرطة من اجل واجب، فلا تعالي ولا تكبر ولا ازدراء عند التعامل من قبل رجال الشرطة مع أبناء الشعب. أن الكثير من الافراد في المجتمع بلا عمل ودون رواتب. فالوظيفة الأمنية ليست للقضاء على البطالة او تكريماً او انتقاءاً لأشخاص دون غيرهم وانما هي خدمة متخصصة ودقيقة خُوّل رجل الشرطة بموجبها بما لم يخول به رئيس الجمهورية او الوزراء، حيث خول القانون رجل الشرطة بالقتل بأكثر من سبع حالات لذلك فهي اهم وأخطر مهنة في المجتمع.
6- المبدأ السادس: تطبيق شعار "الشرطة في خدمة الشعب" وهو جوهر النظرية: يعني ان يكون رجل الشرطة في خدمة الشعب فعلا، يقوم بحماية ارواحهم، ويقبض على المجرمين من بينهم، ويعيد أموالهم المسروقة، ويحافظ على كرامتهم. ولا باس ان يناديهم بكلمة سيدي، فالشرطي خادم المواطن من ناحية الامن وليس العكس. وان كانت له سلطة فهي ما نص عليها القانون، ولا يجوز تجاوزها، ومن لم يخالف القانون فلا سلطان لاحد عليه، ولا يجوز له الاستقدام او القبض او التحري او التفتيش او الحجز دون نص قانوني يخوله ذلك، كما ليس من حقه التعالي والتكبر والتمادي والتطاول والزجر والنهر، وحتى التوجيه بواسطة مكبرات الصوت يجب ان يكون بصوت هادئ .ان قانون واجبات رجل الشرطة قد خول رجل الشرطة صلاحيات في استخدام القوة بدرجات وفقا لمقاومة المطلوب احضاره او القبض عليه، تبتدأ من الاستقدام والاحضار العادي وصولا الى القتل في حالات انقاذ حياة الاخرين المهددة حياتهم بالخطر، ونَقُرُ ان في المجتمع مثل هؤلاء المجرمين ،لذلك خولهم المجتمع صلاحيات تصل لحد القتل، لكن يجب ان لا يمتزج ذلك التنفيذ مع استخدام القوة على غيرهم من أبناء المجتمع السلميين او ممن لم يرتكبوا مخالفة لنصوص القوانين . ان الخدمة في المسلك لا تعني الا الخدمة للشعب المكلف بحمايته وعلى هذا ينظم دفتر الخدمة ويتم حساب سنوات الخدمة، وهي في الواقع ما قضاه من زمن في خدمة المجتمع.
7- المبدأ السابع :المهنية وإجادة فنون العمل: ان كل مهنة لها ضوابطها ومهنيتها "أي اجادتها" فالطبيب يتعلم الطب في كليات الطب، ويقوم بإجراء العمليات الجراحية وغيرها، ورجل الشرطة يدرس الامن في كليات الشرطة ومعاهدها ومراكزها التدريبية، كما يتخصص في الأدلة الجنائية او المرور او التسجيل الجنائي او المتفجرات ...الخ .فالخطأ والإهمال أوتعمده ممنوع، كإن يقوم محقق الشرطة بقتل المتهم اثناء التحقيق او ان يطلق النار على مجرما فيقتل برئ ،وغيرها من هذه التصرفات كلها ممنوعة وغير مقبولة وتعتبر جحود للنعمة التي ينعم بها (وهي الرواتب) والتي هي من حق الشعب، استقطعها من فمه ليضعها في فم رجل الشرطة مقابل الخدمات الأمنية.
وعلى رجل الشرطة ان يتفقه في القانون ويعرف أصول وظيفته ويتدرب على فنون التحقيق وكشف الجرائم والقبض على المجرمين ويثقف نفسه بكل ما يتعلق بواجبات وظيفته وفقا لصنوفها المختلفة.
وعليه كشف الجرائم والقبض على المجرمين من بين صفوف المجتمع كما يلتقط "الشعرة من على العجين " ودون الحاق أي اذى بالأبرياء.
8- المبدأ الثامن: دفاع حتى الاستشهاد: على رجل الشرطة ان يدافع عن حياة المواطن وكرامته وماله دفاعا حتى الاستشهاد، من اجل أداء الواجب المكلف به. فشعار الكتيبة الأولى التي جاءت منها تسمية الشرطة، والتي وضعت اشرطة كعلامات للفداء يضل قائما ما دامت المجتمعات قائمة.
9- المبدأ التاسع: الوفاء للقسم: قسم التخرج امانة برقاب رجال الشرطة وعليهم الالتزام به ولا بد من التذكير به دائما والعمل بمقتضاه ابتدأ منذ لحظة المباشرة في مسلك الشرطة حتى انتهاء خدمته.
10- المبدأ العاشر: الامن من مسؤولية رجال الشرطة: – منع الجريمة وحماية أرواح وممتلكات المواطنين وحفظ الامن والنظام – مسؤولية رجال الشرطة، وليس لأي جهة أخرى التدخل في اختصاصهم.
11- المبدأ الحادي عشر: الولاء للقانون والدولة: ولا يجوز ارتباط رجل الشرطة باي جهة دينية حزبية او طائفية او قومية اطلاقا.
12- المبدأ الثاني عشر: عدم الانحياز او التفريق بين أبناء المجتمع: رجل الشرطة لا ينحاز للعشيرة او القبيلة او الدين او الطائفة او القومية او الحزب او القرابة او الصداقة او اللون او اللغة فالكل" سواسية كأسنان المشط "امام القانون.
13- المبدأ الثالث عشر: يمنع تسييس جهاز الشرطة: يلتزم المجتمع من خلال سن القوانين التي تمنع إدارة الشرطة او قيادتها من قبل قيادات حزبية او السماح للتنظيمات الحزبية للعمل داخل صفوفه لان ذلك يفقد عنصر الحيادية والاستقلالية عن السياسة، كما يدخلها في مشاكل التناحرات الحزبية والسياسية. على أن يرتبط ويدار من قبل الجهة التنفيذية غير المرتبطة او المنتمية لحزب معين.
14- المبدأ الرابع عشر: حماية رجال الشرطة: مسؤولية الدولة والمجتمع: لا بد من توفير حماية قانونية لرجل الشرطة من قبل الدولة والمجتمع، سواء من الجهات المتنفذة اومن التهديدات العشائرية من العصابات الاجرامية التي تحاول الاستفراد به.
15- المبدأ الخامس عشر: مراعاة حقوق الانسان: ويمنع استخدام العنف او الشدة او التعذيب او التحقير او الاعتداء على الكرامة او التهديد مع المواطنين. وان يكون شعار مراعاة حقوق الانسان متوافقا مع شعار "الشرطة في خدمة الشعب".
16- المبدأ السادس عشر: يمنع ممارسة الفساد بمختلف انواعه ويعتبر الرشا او السرقة او تعاطي المخدرات او التهريب ...الخ من ممارسات الفساد.
17- الخلاصة "رجل الشرطة موظف لدى المجتمع ومن بين أبناؤه ويعمل بأجر مقابل ما يتقاضاه من رواتب ومخصصات من أموال الشعب، حاله حال أي موظف او مستخدم اخر في المجتمع، لذلك عليه ان يحسن أداء وظيفته، ويعامل ويخدم أبناء المجتمع باحترام ووقار، معاملة الموظف لولي نعمته والخادم لسيده في المجال الأمني. مجسداً شعار "الشرطة في خدمة الشعب" تجسيدا حياً. ولا يجوز التعالي والتكبر والاهانة او الاعتداء على أبناء المجتمع اطلاقا، وعليه ان يرفع من مهنيته ويحسن من كفاءة عمله واحترامه وتقديره للناس وان يبتعد عن التدخل في السياسة ويلتزم بالحياد بين شرائح المجتمع المختلفة واقلياته وطوائفه ويمنع وقوع الجرائم ويقبض على فاعليها ويرجّع الحقوق لأهلها . ويذب عن كرامات الناس واعراضها ويبذل روحه فداء الارواح أبناء المجتمع ان لزم الامر ،يحارب الفساد والمخدرات والرشا وكل السلوكيات المنبوذة والمجرّمة جاعلا خدمته وظيفة مباركة من الله والمجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال