الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجه الآخر من القمر

شريف حتاتة

2021 / 12 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


---------------------------------------------------

أجلس فى السيارة الصغيرة ، و أتأملهما من الخلف .. رأس بيضاء تماماً تلمع خيوطها فى شمس الصباح .. ورأس أخرى تخللتها شعيرات فضية فى الضفائر السوداء .. أقول كبرت أبنتى .. الزمن يطير بسرعة الصواريخ فى الفضاء .. تقود السيارة بثقة ، ومهارة وسط حشد السيارات .. أصابعها طويلة ، مرهفة فرضت أظافرها أسنان القلق الدفين .. تبحث لنفسها عن مكان فى الحياة .. عندما انظر فى مقلتيا العسليتين اقرأ المرح أحياناً ، وأقرأ الألم ، والحيرة ، والتساؤل فى أغلب الأوقات . أشعر بالإشفاق ، ثم أتذكر أنني لم أر فى مقلتيها الهزيمة قط .. قلبى يدق باطمئنان ، فحزنها ليس من حزن الضعفاء .. أتعجب للفتاة التى كبرت وتفوقت فى كثير من الأشياء .. تشق طريقها فى عصر عبادة المال ، والسلطة ، والآلهة ، والأصنام .. عصر يحاول أن يخنق البراعم ، والخمائر ، والأفكار التى تتحدى أنماطموروثة منذ قديم الزمان .. أتتبعها وهى تبحث عن مخرج لحصار مضروب حول الإنسان .. وأحب فى شعرها خيوط الإدراك جاءت مبكرة فى السواد .
نحمل الحقائب ، وننظر إلى الوراء .. تقف إلى جوار السيارة ، وعلى شفتيها ابتسام .. تلوح بيدها فى الهواء .. تبعث إلينا برسالة حنان كأننا نحن الأطفال ، وهى الأم تودعنا فى المطار .. أودعها فى تلك اللحظة وأقول لنفسى عندما أعود سأنتزع من دوامة الأيام ساعات نتبادل فيها الأحاديث فى هدوء الأمسيات .. كم من المرات ودعتها ، أو ودعتنى ، وجاءتنى هذه الفكرة ، ولكن سرعان ما أنساها .. الحياة كالسباق ، والزمن فيها كالكرباج .. والمشاغل الصغيرة كثيرة .. لا سبيل إلى الإفلات منها سوى للمرفهين أو الأغنياء .. والقلم يخط كلماته المتعثرة ، أو المندفعة على الورقة البيضاء ، والزحام من حولنا ، والتراب ، والدخان ، والضوضاء ، والصحف ، والسياسة . وأمل محاصر بقوى متعددة الجنسيات . ومحاولة يومية لرؤية اصغر الانتصارات .. لرؤية زحف التاريخ ، ونسيان حقيقة العمر المحدود للإنسان .
أنسى أنا .. وتنسى هى .. ولكننى أقرأ فى مقلتيها الكلمات .. معاناة من تختطف منها الأحلام قبل أن ترى الحياة .. صرخة المرأة الفتاة الباحثة عن المساواة .
نقف أمام سيدة يونانية ترتدى العوينات .. ملامحها مشدودة وحول العينين خطوط الإرهاق .. تنطق اللغة العربية مثل أهل البلاد .. نتتبع بقلق المسافر أصابعها تضع بطاقة أثينا على الحقيبة الحمراء .. ترى هل عاشت حياتها كلها فى مصر ؟ ولدت فيها ، وترعرعت ، وعرفت الملك فاروق وعبد الناصر والسادات مثل صاحب البقالة الذى مازلت ابتاع منه الجبن الرومى ، والأبيض ماركة " زخارى" ، والذى أحب أن أتبادل معه الذكريات ؟ .. فكان أبى من قبلى يبتاع منه المأكولات .. كلما خطوت فوق العتبة رأيت صورته فى الزجاج .. انحناء الكتفين ، وخطوط الجسم ، والابتسامة فوق الشفاه ، وحركة القدمين فوق البلاط مثله تماماً .. قدر مكتوب فى شفرة الوراثة ..نموذج مصغر مصبوب فى الخلايا تحقق خلال المراحل منذ يوم الولادة .. يقترب الآن من النهاية فى ثياب .
اليونانيون يثيرون عندى ، وعند جيلى الذكريات .. عندما كنت فى السنوات النهائية لكلية الطب ، وقبل أن تنتهى الحرب العالمية الثانية كان عددهم فى مصر يزيد عن ثلاثمائة ألف .. ساهم بعضهم فى حمل الأفكار الاشتراكية إلينا .. وتمرد جنودهم فى القنال على ملك اليونان ، وحاصرتهم جيوش الاحتلال الانجليزى . كتب " تسيركاس " رواية عظيمة عن الإسكندرية اسمها " المدينة التائهة " تستحق أن تترجم إلى اللغة العربية .
تزوج الشهيد " شهدى عطية الشافعى " من سيدة يونانية تدعى " روكسانا " ما زالت تحيا فى القاهرة ، فأنجبت منه ابنتها الوحيدة عادت إلى مصر منذ سنة بعد أن أصبحت فتاة فى سن ابنتى .. قوام فارع ، ووجه جميل خال من المساحيق .. فنانة تجيد العزف على البيانو .. رأيتها فى معرض الكتاب ، وهى تقف فى القسم الخاص بدار النشر الذى أنشىء باسم أبيها .
فى قريتى " القضابة " ، محافظة الغربية كان وابور الحليج مملوكاً لتاجرالقطن المشهور " سكالاريدس " كما كان لى صديق اسمه "نيكولا" ينضم إلينا كل يوم خميس عندما نذهب إلى السينما ، وندخن السجائر الفرط فى الاستراحة ونشرب معها زجاجة ليموناد " اسباتيس " . اليونان هى موسيقى " ثيود وراكيس " الذى حضر إلى مصر خصيصاً ليسير فى جنازة عبدالناصر .. وأفلام " زوربا اليونانى " ، و" زيد " .. ثلاثين ألف من المصريين انتقلوا بحثاً عن العمل هناك ، بعد أن انعكست تيارات الهجرة بين البلدين . اليونان هى حضارة عظيمة جاءت بعد حضارتنا مباشرة منذ آلاف السنين .. استفادت منها .. أضافت إليها حيوية ، وحركة ، وابتكار فى الفكر وتوسيع فى الآفاق .
معنا فى الطابور " ايكاتيرينا يناكاكو " المستشارة الصحفية فى سفارة اليونان ، تصطحبنا فى هذه الرحلة التى نقوم بها لمدة أسبوع بناء على دعوة من وزيرة الثقافة ميلينا مركورى .. أعرف ايكاترينا منذ أن وطئت قدماها ارض مصر سنة ,1982 عندما اسألها عن كتاب أجنبى فى الفن والثقافة غالبا ما اكتشف أنها قرأته .. فيها حس فنى وقدرة على التذوق .. ترى لماذا لم تهتد بعد إلى نبع التعبير بالكلمات ؟ على وجهها ذلك الحزن الذى لا يفارقها إلا لحظات .. كأنها تنتزع روحها من قبو عميق ، ثم سرعان ما تتركها تغوص فى الأعماق .. نلتقى نادراً ، ونتحدث طويلاً .. اعرفها ، ولكنى لا اعرفها ، رغم البساطة التى تتعامل بها مع كل الناس .. فهناك غلالة تخفى وراءها الأشياء ولا سبيل إلى اختراقها .. ربما درع تحمى به نفسها .. تحمى بها أسباب الحزن ، أو القلق ، أو آثار التجارب الأولى فى الحياة .. الأب الذى مات وهى لا تزال صغيرة ، أو الطفلة المتروكة فى اليونان من زواجها الأول . هكذا النساء يخفون الجرح المتوارى فى الأعماق . هكذا فى مدينتى ، وفى قريتى بل وفى كل البلاد التى زرتها من نيودلهى حتى نيويورك ومن لندن حتى دار السلام .. علمتهن الضرورة أن النفس المكشوفة معرضة للطعنات .
كان موعدنا مع " ميلينا مركورى " فى الساعة الحادية عشر صباح اليوم التالى لوصولنا إلى اثينا . جو المدينة فيه بهجة الاجازات . أفواج الشباب يسيرون فى الشوارع . السماء صافية وريح طرية تهب علينا رغم أننا فى شهر يوليو .
صعدنا إلى الدور الثالث من المبنى الحديث . وجه السكرتيرة فيه صرامة . ترتدى بلوزة وسروال ، وشعرها الغزير ينسدل خلف ظهرها فى ضفيرة صغيرة . عندما قلنا لها أننا من مصر ذابت خطوط الصرامة فى وجهها ، وأضاء الابتسام . قالت أنها ولدت فى الإسكندرية ، وتركتها فى سن التاسعة . كان أبوها صاحب مصانع " كوتاريللى " للسجائر .. لحظة خاطفة أخرى رأيت فيها أصابع أبى تفتح علبة وردية اللون عليها بطاقة خضراء وتسحب منها سيجارة رفيعة . استنشق رائحة الدخان الذى كان يميز صناعة التبغ المصرية .. كنا فى ذلك الوقت نصدر سجائرنا إلى عديد من البلاد .. يدخلها الأوروبيون الأغنياء ، ويأتى ذكرها فى الروايات .

امرأة ورجل
----------------------------
حجرة السكرتيرة فيها حركة دائبة من الرجال والنساء . الشعر دائما طويل ، والملامح منتظمة ، وحركة الرأس فيها كبرياء . شعب جميل يحس بجماله ويعتز بنفسه . أشعر بهذا الاعتزاز فى الحركات .. أسرح فى تأملات ثم أعود فجأة إلى امرأة تقف أمامنا مرفوعة القوام فى ثوبها الأصفر .. بشرتها نحاسية مثل الصيادين فى بحر الايجيه وأصابعها حول يدى تضغط عليها فى حسم . حركة الجسم فيها حرية وليونة رغم أنها تعدت منذ زمن بعيد مراحل الشباب . ابحث عن تلك الصورة التى ظلت فى مخيلتى منذ أن شاهدت فيلميها ، " أبدا الأحد " ، و" وعد فى الفجر " .
دخلنا فى حجرتها وجلسنا على الكنب .. واسعة ، ومريحة ، ولكها خالية من الأبسطة الغالية أو الفراش الوثير أو الزخرفة . أشعر أنها مكان للعمل ، وليس للإيحاء بالسلطة أو التباهى بالمنصب .. توحى بالبساطة التى أحسست بها عندما خرجت للقائتنا فى الإنسانية تنتصر . أترك عينى لعينيها وأستمع إلى صوتها تتخلله بحة الصرخة والعناد . عاشت حياة التمرد ، نشأت فى أسرة كانت تحكم . جدها كان محافظاً لأثينا وأبوها كان عضو البرلمان الذى يتحدث بأسم التيار الليبرالى فى اليونان . المال عندهم وفير إلى درجة فقد معها قيمته . يبحثون عن شىء آخر عن المجد ، والأعمال العظيمة . فى بيتهم يجتمع أشهر القمم فى السياسة والأدب .. رأتهم منذ نعومة أظافرها حول مائدة الطعام ، أو فى أرجاء البيت الكبير الذى يطل من فوق الجبل . تزوجت فى سن السابعة عشرة من رجل يكبرها بعشرون سنة . أعطاها إحساساً بالأمان وحرية مطلقة .
ولكن ينابيع الخلق ظلت كامنة تنتظر. ثم جاء الحب الكبير فى شكل رجل أسمه "جولز داسان " . مخرج سينمائى عمل فى هوليوود ثم طرد . عصر المكارثية فى أمريكا .. موجة من الاضطهاد شملت عشرات الفنانين مثل الروائى " جون شتاينبيك " والمخرج السينمائى " جوزيف لوزى " و " شارلى شابلن " عبقرى السخرية الحزينة ، والمرح .
والتهمة ، كما هى العادة ، كانت الشيوعية والعمالة للسوفييت . فعندما تشتد الحملة على الديمقراطية تصبح مقاومة الشيوعية ستاراً للتآمر على الشعب ، وسيفا مسلطاً لإيقاف التقدم.
أختار " جول داسين " أن يحيا فى باريس .. قطبان انجذبا إلى بعضهما بقوى لا تقاوم وكأن كل منهما كان يبحث عن الآخر .. إنه القدر.. فالطيور على أشكالها تقع .. والحب الناضج ليس أعمى ، وإنما قوى هائلة مبصرة .. عقل وعاطفة .. فى أعماقها ينبوع أنفجر . كان " جولى " هكذا تقول " خير امرأة عرفتها " .. أتأمل هذا التعبير .
فى عالمنا حتى الآن عندما يراد الاستخفاف بالرجل أو أهانته أو شتمه يطلق عليه أنه امرأة . فالمرأة كائن أدنى محتقر وها هى تقول عن زوجها أنه " خير امرأة عرفتها " لأنه تعامل معها كإنسان على قدم المساواة .. فساعدها على أن تنمى فى نفسها أحسن ما عندها .. والمرأة إذا ما وجدت رجلا يتعامل معها هكذا تستطيع أن ترتفع إلى مستويات عجزنا حتى الآن عن إدراكها .
صرخت المرأة فيها صرخة الفن العظيم وتمردت .. أخرج لها ، " جول داسان " الفيلم الذى أشهرها " أبدأ الأحد " .. و أفلاما أخرى . ومثلت على المسرح " ميديا " التى كتبها " يوربيديس " منذ أكثر من ألفى سنة .
من الفن إلى السياسة
----------------------------------------
ولكن الفن الحقيقى لا ينفصل عن الحياة ، وعن السياسة . أنه مع الإنسان مع الحرية. انه ضد الظلم والتعصب أيا كان . كانت الدكتاتورية العسكرية قد فرضت عهدها على اليونان منذ سنة 1968 . الدماء تسيل فى الشوارع وفوق الجبال ، والمعتقلات تحتوى الآلاف . والتعذيب يمارس ليل نهار فى زنازين من الأسمنت مدفونة تحت الأرض حتى لا يسمع صراخ الضحايا .. يقوم عليه رجال ونساء تدربوا على التكنولوجية الأمريكية الحديثة.
كانت اذ ذاك فى الخارج .. تشاورا سويا كما كانا يفعلان فى كل الأشياء .. " جولز داسان " أمريكى ، واليونان ليست بلاده .. ولكن هل يمكن أن تتجزأ الحرية .. ؟ . وهل يمكن للإنسان الصادق أن يتناقض مع نفسه ؟ . قال لها .. " تكلمى ، ولا تصمتى " .. أسمع البحة فى صوتها وهى تتذكر .. " أحسست بالخوف ، كنت أدرك الثمن جيدا ولكن فى ليلة من ليالى برودواى بعد أن مثلت أحد أدوارى على المسرح وقفت تحت الأضواء الكاشفة .. ترددت لحظة .. لحظة رهيبة لن أنساها أبدا .. أعيشها الآن وأنا اجلس بينكم ، وقلبى يخفق .. تحدثت بصوت يرتعش قليلاً عما يجرى فى اليونان .. فلم يكن ممكنا أن أصمت بينما يتعذب ويموت أخوة لى وأخوات فى السجون والمعتقلات ، وفوق السهول والجبال .
ومنذ تلك اللحظة لم أصمت .. أصبحت حياتى هى هذه الأحاديث القيها بعد كل عرض أقدمه .. أو فى الصالات التى يذهب إليها الناس لمشاهدة أفلامى .. أصبحت الاجتماعات مع المنفيين والاتصالات ، والتصريحات فى الصحف وحملات جمع الأموال لمساعدة ضحايا الإرهاب العسكرى هى حياتى .. إلى جوارى وجدت " جولى " يقف دائماً. كان صوتى قوياً لأنه كان صوت الحقيقة .. صوت الفن .. وصوت المرأة .
صرخة النساء
-------------------------------
صرخة النساء أقوى وأكثر تأثيراً من كل الأصوات لأنه يأتى من اعمق أعماق الاضطهاد ، ولأن المرأة هى الأم ، والأخت ، والزوجة ، والحبيبة . المرأة هى الحب .. استغرق فى عينيها .. فى لون البحر إذا غضب .. لون يصعب تحديده .. يتأرجح بين الأزرق ، والأخضر ، والرماد المشتعل . مساحتان هائلتان من الحيوية .. يطل منهما إشعاع غريب كالنور القوى .. عينا امرأة فيهما تحد للقدر. فيهما إنسانية تنتصر .. فيهما العذاب والأحلام . اسمعها تستطرد ..
" أننا كثيراً ما نتحدث عن علاقة الفن بالسياسة ، ولكن نادراً ما نتذكر علاقة السياسة بالفن . فالفنان الذى يريد أن يساهم فى إعادة صياغة الحياة على نحو أفضل وأجمل ، واكثر إنسانية لا يستطيع أن يتجاهل السياسة . ولكن السياسى الثورى الذى يريد أن يدافع عن الاستقلال والحرية والسلام ، وإن يبنى مجتمعا خال من الاضطهاد ، والاستغلال ، والتعصب العرقى أو الجنسى لا يستطيع أن يتجاهل الفن .. فالفن تجسيد لحياة الناس وانعكاس لها .. الفن يذكى العواطف الإنسانية ، يولد الحماس والحب ، ويثير الكراهية ضد كل أشكال الظلم .. الفن يضيف عنصراً إنسانياً جديداً على السياسة ويساعد على إنقاذها من الغرق فى الاعتبارات العملية المحضة ، والتحركات اليومية الضحلة ، والتصنيفات المجردة . نحن فى حاجة إلى سياسيين فيهم فن حتى يروا الآفاق التى يستطيع أن يصل إليها الإنسان .
ولكن ربما أهم من ذلك نحن فى حاجة إلى التنبه لدور المرأة .. فى عصر ماركس ، ثم فى عصر لينين أصبح العاملون قوة لهم صوت مسموع ، ولهم تأثير نتيجة التطور الرأسمالى ذاته .. لذلك نشأت الأحزاب والتنظيمات التى تدافع عنهم . ولكن المرأة ظلت مقهورة ، تابعة للرجل ، لا حول لها ولا قوة .
ولكن الآن تغير الوضع . فى كل مكان يرتفع صوت النساء وتتشكل لهن تنظيمات .. وتتبلور أفكارهن .. وفى كل بلاد العالم المتقدم تكتب المؤلفات عن البيولوجية والفلسفة ، وعلم النفس ، والتاريخ ، والاجتماع لتوضيح حقائق هامة عن نصف المجتمع الآخر . حقائق ظلت غائبة ومطموسة بحكم القهر والنسيان الواقع على المرأة .. وهذه الحركة الناشئة تشويها العيوب والتطرفات والعثرات ، وبعضها يقع أحياناً فى خطأ معاداة الرجل كرد فعل ولكنها تشق طريقها ، وتقوى .. وهى فى جوهرها حركة معادية للامبريالية ، والاستغلال الطبقى والعنصرى ، والجنسى . وهى حركة ذات أبعاد خطيرة لا فى قضية السلام العالمى ، فحسب ولكن فى كل القضايا السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية .. والقوة الرأسمالية فى العالم تريد أن تستغلها لتقسيم الصفوف . والقوة الاشتركية لم تتنبه إلى أهميتها بعد .. لم تتنبه إلى أحد مظاهر التطور فى القرن العشرين الذى سيغير وجه العالم ، وهذا مظهر من مظاهر" الجمود فى اليسار " ..
صوتها الآن فيه رنين آخر . استمع إليه واستغرق فى عينيها . انظر إلى المرأتين تجلسان على الكنبة . إلى الثوب الأصفر ، والثوب الأبيض . إلى عينين زرقاوين أو خضراوين تشعان ضوءاً قوياً .. وإلى عينين سوداوين فيهما بريق الحماس . فيهما الجرأة والحنان .. قلت .. " يا ميلينيا .. ألا تراودك فى بعض اللحظات رغبة فى ترك السياسة والعودة إلى الفن " .. رأيتها تسرح لحظة . شىء كالظل على وجهها ، ثم صوت فيه كسرة .. صوت ضعيف ، صغير مثل صوت الأطفال ..
" ربما فات الآوان .. أحيانا أفكر فى هذا .. أحيانا . ولكنى .. ولكنى .. لا اعرف .. لا اعرف . ساد الصمت لحظة .. ترى ما الذى أراه على ملامحها الآن .. هل هو الحزن أم الذكريات .. ؟ " .
وقفت " ميلينيا مركورى " . رفعت رأسها بحركة فيها كبرياء .. صوتها يأتينى هامساً . " لا سبيل إلى الإفلات .. من يعلم ربما نلتقى هنا أو فى مكان آخر " .
قلت .. " ليتنا نلتقى فى القاهرة فبيننا أشياء مشتركة منذ قديم الزمان " .
وأنا عائد فى الطائرة أحسست أنى أطللت على الوجه الآخر من القمر .
من كتاب " فى الأصل كانت الذاكرة " 2002
---------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا