الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الاقتصاد السياسي للرأسمالية، أو الطب كعمل تجاري
مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر
(M.yammine)
2021 / 12 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
عندما يصبح المرض أشبه بسلعة في السوق
• بقلم فالنتين كاتاسونوف (ترجمة م.ي.)
وُلد الاقتصاد السياسي للرأسمالية منذ أكثر من قرن ونصف مع ظهور "رأس المال" لكارل ماركس. بعد ذلك، تطور الاقتصاد السياسي الماركسي اللينيني حتى نهاية القرن العشرين، ولكن كانت هناك أيضًا ثغرات فيه. كان يُنظر إلى الاقتصاد على أنه مزيج من صناعة وزراعة ونقل وتجارة وبنوك وعدد من الصناعات الأخرى؛ في الوقت نفسه، بقي المجال الاجتماعي، وخاصة الرعاية الصحية، بعيدًا عن الأنظار. وقد حاول تعويض هذا النقص في الاقتصاد السياسي لدى المحترفين طبيبان فرنسيان هما جاك لاكاز (Jacques Lacaze) ولويس دي برويرLouis de Brouwer.
لقد أظهرا بشكل مقنع أن الرأسمالية، بسعيها للربح، دمرت الطب التقليدي، وأن الطب الحديث لا يرى الإنسان كغاية، بل كوسيلة. الطب الحديث لا يهتم بصحة الإنسان. فكلما زاد عدد المرضى، زاد دخل أولئك الذين يقدمون الخدمات الطبية وينتجون الأدوية. اليوم، تتضافر المؤسسات الطبية (العيادات والمستشفيات ومراكز التشخيص، إلخ) وشركات الأدوية التي تنتج المستحضرات الصيدلانية من أجل تحقيق الربح، وتشكيل مجمع طبي وصيدلاني واحد. وشركات التأمين عنصر آخر من هذا المجمع.
في عام 1999، نُشر في فرنسا كتاب من تأليف لويس دي بروير بعنوان:
“La mafia pharmaceutique et agroalimentaire: avec pour coséquences le discrédit de la médecine allopathique et le grave état sanitaire des populations du monde occidental” (مافيا الأدوية والأغذية الزراعية: عواقب أنشطتها: تشويه سمعة الطب الوبائي والمشاكل الصحية الخطيرة لدى سكان العالم الغربي).
بروير يشير في كتابه إلى طبيب فرنسي آخر هو جاك لاكاز. سيبلغ لاكاز من العمر 80 عامًا في نهاية العام الجاري 2021، لكنه يقود معركة قوية ضد التطعيم من COVID-19. ويقدم بشكل مقنع الطب الغربي الحديث على أنه جزء من نظام رأسمالي موحد يظهر طبيعته اللاإنسانية. أود أن أشير بشكل خاص هنا إلى ما نشره لاكاز في مجلة Médecines nouvelles (العدد 71، أكتوبر 1993)، حيث توجد أفكار مثيرة للاهتمام لن تجدها في أي كتاب اقتصادي.
إن الرأسمالية، التي عرّفها ماركس على أنها نمط إنتاج، لا تخترق على الفور جميع مجالات المجتمع. هذا يحدث عادة في الصناعة. ثم تتلقفه الزراعة والتجارة والقطاعات الأخرى. وأخيراً نصل إلى الطب. ويعتقد جاك لاكاز أن الطب في فرنسا بدأ يكتسب سمات نمط الإنتاج الرأسمالي فقط في القرن العشرين. قبل ذلك، كان الطب مظهرًا من مظاهر الإنتاج الصغير: “حتى وقت قريب، بين الحربين العالميتين الأخيرتين، كان الطب والمستحضرات الصيدلانية يُمارسان بشكل حصري بطريقة الحرف اليدوية، أي كما كانا يعملان لعدة قرون مضت. . . ومع حلول القرن العشرين أصبح المرض أيضًا مظهرًا من مظاهر السوق".
لقد ظهرت علامات تحول الطب إلى إنتاج رأسمالي واسع النطاق في الفترة ما بين الحربين العالميتين، عندما بدأت حملة محاربة شر القرن العشرين – السرطان: “بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت تتكشف الحرب ضد السرطان. كان الهدف الرئيسي من هذه "الحملة الصليبية" الجديدة هو إحياء هياكل المستشفيات التقليدية. إن نموذج المراكز المضادة للسرطان، الذي تم تطويره حتى قبل الحرب العالمية الثانية (تركيز الأموال، تعميم الإنجازات العلمية) كان بمثابة الأساس لإنشاء مراكز مستشفيات إقليمية، تعود باكورة افتتاحها إلى الخمسينيات”.
لذلك، تمامًا كما تم إنشاء الشركات الكبيرة والكبيرة جدًا في الصناعة في القرن التاسع عشر، بدأت الشركات العملاقة نفسها في الظهور في نظام الرعاية الصحية: “كان هذا هو المكون الأول والأكبر لنمط الإنتاج الرأسمالي في المجال الطبي: فقد بدأ إنشاء هياكل شبيهة بالمصانع وتركيز المرضى فيها، في مكان واحد. كان هناك انتقال تدريجي من دُور إيواءٍ تستقبل المحتاجين إلى مستشفيات حديثة يتراكم فيها المرضى الذين أصبحوا موضع الممارسة الطبية”.
في موازاة ذلك، حدثت تحولات ثورية في المستحضرات الصيدلانية. قبل الحرب العالمية الأولى، كانت المستحضرات الصيدلانية في كل من فرنسا والبلدان الأخرى تعتمد بشكل شبه حصري على المواد الطبيعية من أصل نباتي وحيواني ("المواد العضوية organics"). ثم بدأت الثورة في مجال الأدوية على يد الألمان (في المقام الأول، شركة Farbenindustrie AG، اليوم يطلق عليها اسم باير Bayer)، الذين بدأوا يُحِلون محل الكيمياء العضوية الكيمياء من صنع الإنسان: “في الفترة ما بين الحربين، يظهر العامل الحاسم الثاني: الكيمياء والكيمياء الألمانية بالذات. وتم اختبار هذه الأخيرة في فرنسا أثناء الاحتلال . . . منذ ذلك الوقت بدأ كل شيء".
قبل ذلك، كان يمكن تسمية المستحضرات الصيدلانية بالفن والإنتاج اليدوي. كانت الأدوية التي يتم إنشاؤها نتاجًا مشتركًا بين الطبيب الذي يكتب وصفة طبية مفصلة والصيدلي الذي يصنع الدواء وفقًا للوصفة الطبية بالتمام والكمال: “حتى هذه الفترة، كان إنشاء دواء معين عمل طبيب ممارس: فهو كان ينشئ تركيبة الدواء المستقبلي في حضور مريضه وأثناء استجوابه شخصياً، وطبقًا لعمق معرفته، كان يكتب الوصفة الطبية. وكان الصيدلي يصنع الدواء بناء على هذه الوصفة الطبية".
وها هي المستحضرات الصيدلانية تحولت خلال الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعدها، من فن وإنتاج على نطاق صغير إلى صناعة عملاقة ذات تحيزٍ كيميائي واضح: “تدريجياً، بدأ الطبيب الممارس يفقد تفرّده. وأصبحت صناعة الأدوية أولوية بالنسبة للصناعة الكبيرة".
وبات التطوير الإضافي اللاحق للمستحضرات الصيدلانية يخضع تمامًا لقوانين نمط الإنتاج الرأسمالي: “بدأت المختبرات الصناعية في تصنيع جميع الأدوية، وفقًا لقانون الفائدة القصوى، الذي يتجلى في شكلين رئيسيين: إذا تبين أن عقارًا جديدًا هو أقل تكلفة ولكن أكثر فاعلية، تم اتخاذ قرار بتعليق إطلاقه، ثم ظهر عقار آخر أغلى ثمناً في السوق قريبًا”.
إعلم تبدأ الأدوية الصناعية في سحب الأموال من جيوب الناس فحسب، بل بدأت في زيادة إمراضهم وحتى قتلهم. وقد كتب جاك لاكاز أنه عند تطوير عقاقير جديدة، "كان يتم أخذ النتائج الفورية فقط في الاعتبار فيما العواقب الوخيمة للآثار الجانبية لبعض الأدوية التي يتم طرحها في السوق لم تكن تؤخذ في الاعتبار..."
أخذت شركات الأدوية تتحول إلى مختبرات كبيرة، وتجري تجارب على الناس: “المختبر الكبير يصبح سيد الموقف: فهو في آن القاضي والمدعي العام، وينظم التجارب على البشر ويستمر في إجرائها أكثر، متجاوزًا بمهارة القوانين التي كان قد تم إقرارها مؤخرًا".
ولا تقوم شركات الأدوية العملاقة فقط بتسويق منتجاتها غير المختبرة بلا خجل، وهي التي تكون في بعض الأحيان شديدة الخطورة. إنها، في الوقت نفسه، تعمل على تدمير مطوري الأدوية المستقلين كمنافسين محتملين. فمبدأها هو: “منع أي اكتشافات من خارج دورة الإنتاج الرئيسية. والويل للباحث، الذي توصل إلى اكتشاف خارج دورة الإنتاج هذه نفسها، أيا كانت ألقابه السابقة وجدارته. وإذا ما حدث هذا، فإن هذا الباحث سيواجه اضطهادًا من قبل الماكنة القمعية العلمية الإدارية والقانونية الهائلة. على سبيل المثال، في عام 1988، دفع طبيب ممارس من مدينة نيس هو الدكتور فيليب لاغارت ثمن تفكيره المستقل بإيداعه السجن لمدة 45 يومًا. أضف إلى ذلك الإجراءات التي اتخذتها الإدارة العليا أثناء الاحتلال، والتي وفرت الحرية للبحث الكيميائي، وحظرت جميع الأدوية العشبية (بالإضافة إلى طرق العلاج الأخرى، بما في ذلك العلاج الكهربائي) وأنشأت خدمة مراقبة، وهي هيئة رقابة من قبل النظام الجديد، لا تزال موجودة في هذا المجال حتى الآن”.
بالفعل في الستينيات من القرن العشرين، أصبح الطب بالمعنى الواسع (المستشفيات بالإضافة إلى صناعة الأدوية، وبدعم من شركات التأمين) صناعة تتسم بأحد أعلى هوامش الربح (في كل من فرنسا والدول الغربية الأخرى): “خلقت مراكز الاستشفاء الكبيرة، من خلال تركيز المرضى والمتخصصين والموارد المالية الضخمة، ظروفًا مؤاتية لتطوير التقنيات الطبية العالية في مجال التنظير والجراحة، وبالتالي فتحت مركزًا جديدًا مربحًا للغاية للمستثمرين".
بالطبع، يدين الطب كعمل تجاري بالكثير للمسؤولين الحكوميين الذين تم شراؤهم من قبل الشركات فمنحوه الرعاية التفضيلية من قبل الدولة. ويلفت جاك لاكاز الانتباه إلى حقيقة أن دور الدولة كمنظم لقطاع الرعاية الصحية بدأ تدريجياً يضعف. وتظهر الآن أنواع مختلفة من التحالفات والنقابات غير الحكومية، التي تتولى مهام "التنظيم الذاتي" في مجال الطب والرعاية الصحية. وفي أوائل الثمانينيات، كان هناك "ظهور لمنظمات جديدة كبيرة مثل، على سبيل المثال، "مديرية ليون لمراقبة مياه الشرب"، التي بدأت هي نفسها في تشكيل عيادات خاصة، وإعادة تجهيزها بالتكنولوجيا الحديثة والتنافس بنجاح مع المصالح الحكومية المماثلة. وفي بعض المناطق (مدينة مرسيليا)، بدأ القطاع العام يفقد سلطته . . . "
لقد تم تدمير الصناعة الصيدلية القديمة، حيث كان الصيادلة يعملون على "القطعة" في إنتاج الأدوية. وفي ديسمبر 1989، أصدرت فرنسا قانونًا يمنعهم من صنع الأدوية بأنفسهم. وفي الوقت نفسه، اختفت القابلات القانونيات أخيرًا، واستُبدلن بأطباء التوليد في المستشفيات والعيادات ومستشفيات التوليد. كما تغير وضع الأطباء المعالجين. فباتوا "يلعبون بشكل متزايد دور الموزعين المرسلين للمرضى إلى باقي الاختصايين، ومراقبي وصول مرضى جدد". فبدأ المريض الذي يقع في مجال رؤية الطبيب في "يُرسَل إلى هذا أو ذاك من أطباء الاختصاص" : “وبدأ الأطباء المتخصصون في التجمع في المراكز الكبيرة وإحالة المرضى إلى زملائهم الآخرين".
ينتقد جاك لاكاز في هذا المقال وفي مقالاته الأخرى بشدة فكرة التطعيمات الشاملة (كان هذا قبل وقت طويل من حملة التطعيم الحالية ضد COVID-19). علاوة على ذلك، بنى جاك لاكاز حججه ضد التطعيمات الجماعية، ليس فقط كطبيب محترف، ولكن أيضًا كخبير فريد في الاقتصاد السياسي للطب الرأسمالي، على حقيقة أن هذه اللقاحات "تدرّ المال بشكل لا يوصف البزنس الطبي والصيدلاني".
لقد مرت ثلاثة عقود تقريبًا منذ أن نشر لاكاز أفكاره حول الاقتصاد السياسي للرأسمالية مطبّقةً على مجال الرعاية الصحية والطب. خلال هذا الوقت، أصبحت الطبيعة المتوحشة والقاسية للأعمال الطبية والصيدلانية أكثر وضوحًا.
المصدر:موقع "مؤسسة الثقافة الاستراتيجية”
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - هناك الأكثر من هذا عزيزي مشعل
صباح كنجي
(
2021 / 12 / 24 - 17:41
)
اتمنى ان تواصل بحثك في كشف المزيد من اوجه الاستغلال في مجال الطب وبيع الأدوية وكل ما له علاقة بتحويل الطب الى مشروع تجاري والمرضى الى سلعة ... نحن في عصر نواجه ابشع انواع الاستغلال غير المكشوف للآخرين وثمة من ينبهر بشكل الرأسمالية ومشافيها ولا يتصور انها تمارس شكلا من اشكال المتاجرة بالبشر ولا يستوعب كيف يمكن تحويل الطبيب الى جزار ضمن الشروط التي يفرضها النظامي الطبي للمؤسسات الرأسمالية التي خصخصت الطب وجعلت من المشافي متاجر .. وهذا يدعونا للنظر الى طبيعة الاستغلال الجديدة وما يفرزه هذا الاستغلال البشع من آثار نفسية على الاطباء والعاملين في المشافي ممن يعانون من حالة صراع انسانية بين موقفهم من المريض ومعالجته ومتطلبات الربح التي تفرضها المشافي عليهم لغرض تحويل
المريض الى زبون ..
2 - اهلا بالاستغلال
ايدن حسين
(
2021 / 12 / 25 - 06:23
)
لولا الحربين العالميتين لكنا الان نحن و اطفالنا و احباؤنا نعاني من الجدري و الطاعون
الاسغلال و الجشع و حب المال ضروري جدا جدا جدا للتطور
الربا ضروري للتطور
لو ان بيل غيتس او ايلون ماسك او اخرون يستغلوننا لكسب المال فانا ارحب بذلك
فاغنياؤنا منشغلون ببناء الجوامع
اما اغنياؤهم فمنشغلون باستعمار القمر و المريخ
مرحبا بالاستغلال و لا و الف لا للكلام الذي لا يفيد
..
3 - جشع رأسمالي
دلير زنكنة
(
2021 / 12 / 27 - 03:27
)
احد نماذج جشع الراسماليين في امريكا هو المليونير مايكل شكليري و الذي عمل مديرا تنفيذيا لشركة سيطرت ( عبر حقوق براءات اختراع )على عدة ادوية ضرورية لمرضى الكلى و مرضى فقدان المناعة المكتسبة و امراض اخرى، فقام بزيادة سعر الحبة الواحدة لمرضى الكلى من 1.5 دولار الى 30 دولار مع العلم بان المريض الواحد يحتاج من 10 الى 15 حبة في اليوم ، و قام ايضا بزيادة دواء فقدان المناعة من 13.5 دولار للحبة الواحدة الى 750 دولارا ، وبهذا قد جنى مع شركته اموالا طائلة على حساب المرضى و دافعي الضرائب في الولايات المتحدة
.. Read the Socialist issue 1268
.. Socialism the podcast episode 130 The fight for worker’s pol
.. المحكمة الابتدائية في تونس تقضي بإعدام 4 أشخاص أدينوا باغتيا
.. حكم بإعدام 4 مدنيين والمؤبد لشخصين بقضية اغتيال شكري بلعيد ف
.. شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني