الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مريانا مراش.. رائدة في حركة التنوير العربية

فهد المضحكي

2021 / 12 / 25
سيرة ذاتية


في العام 1919 رحلت الرائدة النهضوية مريانا مراش بعد معاناة مع الداء العصبي الذي تمكن منها في سنوات حياتها الأخيرة، فاورثها الضيق والملل ولانقباض، حتى إنها كانت تفضل الموت على الحياة. هذا ما نقله الكاتب اللبناني د. كرم الحلو عن حفيدها الأديب الحلبي فتح ألله اسيون نشره موقع «أفق» من هي هذه الرائدة التى لم تنصفها الدراسات الفكرية، حتى أن الأديب اللبناني مارون عبود في كتابه «رواد النهضة العربية الحديثة» أغفل إسهاماتها النثرية، المضمون والتوجهات في فكرنا العربي الحديث؟ في أي إطار تاريخي جاءت إنجازات مريانا الثقافية وأي رؤى وتطلعات طرحتها على المرأة العربية في زمن كانت فيه المرأة أسيرة الجهل والتقاليد، محرومة حتى من أبسط حقوقها الاجتماعية والإنسانية. وتكشف قراءة أكرم الحلو لنشاط واسهامات الرائدة النهضوية مريانا مراش إنها لعبت دورا مميزا في النهضة العربية الحديثة، حيث تتفق المصادر على ريادتها في اللغة والأدب والفكر والانفتاح على الغرب، ولدت مريانا في العام 1848، ونشأت في كنف عائلة نبيلة عريقة في الآداب والعلوم. فوالدها فتح ألله كان في طليعة الداعين إلى الأنظمة الدستورية في العالم العربي. وأخوها فرنسيس، أعتبر بحق طليعة الليبراليين العرب، ورائد حقوق الإنسان في الفكر العربي، فضلاً عن كونه أديبًا وشاعرًا وروائيًا ومجددًا في اللغة. وأخوها عبدالله عرف بمقالاته الثورية في الصحف العربية في لندن وباريس. أما مريانا، فقد بادرت، وهي لم تبلغ الثانية والعشرين من العمر، إلى الخوض في معترك الفكر والثقافة، جنبا إلى جنب مع الرواد الاوائل، وكانت أول سيدة عربية كتبت مقالة في مجلة او جريدة، والكاتبة الأولى التي نشرت أفكارها في الصحف العربية، وفقاً لفيليب طرازي في كتابه «تاريخ الصحافة العربية». عندما كتبت مريانا مقالتها الأولى «شامة الجنان» في مجلة «الجنان» للمعلم بطرس البستاني في عامها الأول في (أغسطس) 1870، كان العالم العربي يرسف في ظلام يكاد يطبق على مشرقه ومغربه؛ فالكتب في حلب كانت حينذاك عزيزة الوجود لا يحصل عليها إلا القليلون، وذكر جو باورنج، الذي قدم إلى بلاد الشام في العام 1838 لدراسة أحوال البلاد، انه لم يجد بائع كتب في دمشق ولا في حلب، ولم يكن للصحف والمجلات أدنى وجود قط. أما حياة المرأة، كما يصفها المستشرق الروسي ز. ل. ليفين، فكانت كلها مقتصرة على الوسط المنزلي، وكان عقلها غارقًا في أسر الجهل والخرافات، وكانت اهتماماتها الروحية فارغة، حتى قياس إلى حياة الرجل الروحية الهزيلة، فكما أن فكرة دونية المرأة كانت واسعة الإنتشار في كل الأوساط الاجتماعية والطائفية، مقرونة في الأحيان بنظرة بالغة العنف في أعدائها للمرأة، إذ لم يكن مسموحا لها، على الرغم من إقرار أكثر متنوري النهضة بضرورة تعليمها، تجاوز قدر محدود في التربية المناسبة لقصورها، ولكونها المربية. حتى أن دراسة الكتب المقدسة كانت وقفا على الرجال فقط.

لقد أشار الحلو إلى مقالتها الأولى «شامة الجنان» فيذكر: في هذه المقالة حضت مريانا مراش بنات جنسها على الاقتداء بالغرب، حيث اقبلت النساء على دراسة العلوم والصنائع كالرجال، وأصبحن يمارسن الأعمال العقلية والتجارية. فطالبت بالاقتداء بهن «بالقوة حتى إذا ما اضطرنا الحال وساعدتنا وتختم مقالتها مخاطبة هؤلاء: «هلم بنا أن نتسابق في ميدان آلاداب والمعارف ولا نصغي لما اقترف به علينا بعض المغرضين بنفيهم عنا صلاحيتها. ألم نكن فطرنا من جبلة الرجال، ولو كنا أضعف بنية. ففينا نفس الاستعداد لقبول ما يقدم لنا وتطبيعنا عليه، فيا لغبننا إذا لم نرفع عقولنا ونوسع أفكارنا لكي نأخذ رتبة ومقاما في الهيئة الاجتماعية، ونستميل العقلاء بآدابنا وتهذيبنا»٠ واتبعت مريانا شامة الجنان بمقالة أخرى في الجنان بعنوان «الربيع»، حيث قالت مخاطبة نساء عصرها: «ها شجرة التمدن التى يقدمها لنا العصر ذات العلوم والمعارف، فلنمد لها أيدينا ولنعانقها مقتطفين من اثمارها وازهارها.. هذه هي الذخيرة الحقيقية ألتي لاتفنيها السنون»٠ ولم تكتف مريانا بالكتابة في مجلات عصرها، بل حولت منزلها إلى صالون أدبي هو أول صالون أدبي في الشرق العربي بمفهومه الحديث كما يذكر سامي الكيالي. كان أدباء عصرها ومثقفوه يجتمعون فيه، يتطارحون الشعر ويتكلمون في الآداب والعلوم والاكتشافات الحديثة. وكانت مريانا في هذه المجالس تعزف على القانون وتغني بصوتها الرخيم، فيما كان مطرب العصر باسل الحجار يطرب الحاضرين بالقدود الحلبية.

كان من رواد صالون مريانا الذي افتتحته بعد عودتها من أوروبا وتعرفها على الصالونات الأدبية هناك، جميل باشا والي حلب و عبدالرحمن الكواكبي ورزق الله حسون والأديب قسطاكي الحمصي الذي اعتبر منزلها»بمثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء «. فضلاً عن انجازاتها الصحافية والثقافية، أصدرت مريانا ديوان شعر في العام 1893بعنوان»بنت فكر «حددت في مقدمته مقاصدها التنويرية بقولها:» بنت فكر خرجت من الخباء وعلى وجهها برقع الحياة تلتمس من مطالعيها أن يحيوها بالسلام، لأنها تروم التعاضد والتساعد مع بني جنسها لتسرح واياهن في هذا الميدان للوصول إلى شجرة الفوائد ألتي تحمل دررا فيلتقطن الفرائد ويحلين جيدهن بها «٠ هذه الإنجازات ألتي اضطلعت بها مريانا تؤكد التزامها بقضية المرأة العربية في عصرها وتطلعها إلى إخراجها من جهلها وضعفها، وتحريرها من القيود المفروضة عليها، وحثها على الانخراط في حركة الحداثة والتنوير. وهذا ما يشي به تكرار كلمات الغرب والعصر والتمدن والتهذيب والعلوم والآداب في مقالاتها، وهي كلمات مفتاحية تعبر عن روح العصر الذي كان يلهم رواد النهضة العربية الحديثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر