الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر الحر في الادب العربي

ماجد عزيز الحبيب

2021 / 12 / 26
الادب والفن


الشعر الحر في الادب العربي.

سمي الشعر الحر بهذا الاسم بسبب عدم احتوائه على العجز وانه يعتمد على تفعيله واحده فقط ,اي انه تحرر من وحده القافيه والشكل ,وان الشاعر فيه له حرية التنوع في المقالات بينما يلتزم بتطبيق القواعد العروضيه التزاماً كاملاً.
الشعر الحر اطلق عليه ايضاً بالشعر المرسل والشعر الجديد وشعر التفعيله الى ان سمي اخيراً بالشعر الحر.
ان الشعر الحر يتسم ببساطهِ الفاظه وسهولتها مما يسهل على المستمع او القارى فهم محتوى هذا النوع من الشعر.
نستغرب كما يستغرب الكثير ممن يقول بأن الشعر الحر شعر غير موزون ,فأحلى ما في هذا الشعر كونه موزون بدرجه كبيره ويستخدم تفعيله واحده موحده من بداية القصيده الى نهايتها ,ان قله استخدام الصور البيانيه في الشعر الحر جعلته سريع الحفظ للمتلقي كذلك ابتعاده عن العبارات الطويله .ان تنويع اسلوب الشعر الحر بين الاسلوب الخبري والاسلوب الانشائي المقيد بالوزن ووضوح الفكره والمعنى بشكل عام جعل الشعر الحر يقفز قفزات عاليه ويتبوء المكانه المرموقه,,انا اجد ان الشعر الحر لم يظهر في الثلاثينيات او الخمسينيات من القرن الماضي بل قبل ذلك بكثير واذا ما رجعنا الى تاريخ الادب العربي وخاصه في مجال الخطابه عند العرب سنجد ان هناك تشابه يظهر بوضوح بين فن الخطابه عند العرب وبين الشعر الحر فهما يشتركان في كثير من الصور الابداعيه ,فالخطابه عند العرب كانت تنافس الشعر ولكن وحسب قول الجاحظ حين قال ان الشاعر ارفع منزلة عند العرب من الخطيب لكن بعدما كثر الشعراء وكثر شعرهم اصبح الخطيب اعلى منزلة عند العرب والسبب ان الشعراء اصبح عددهم كبير واصبحت معاني قصائدهم ومفرداتها مكرره لديهم ,وهذا فعلا ما حصل حين ظهر الشعر الحر ,فالشعر العمودي اصبح اشبه بالموسيقا الكلاسيكيه المعاده وحفظ الناس جميع اوزان الشعر العمودي واصبح رتيباً لا تجديد فيه ومن هنا لابد ان يخرج نمط جديد يكسر هذه الرتابه بالشعر العمودي فظهر الشعر الحديث او الشعر الحر.
ان الشعر هو لسان حال العرب في التعبير عنهم في مختلف امورهم وقد مر الشعر العربي بمراحل عديده وطويله من العصر الجاهلي الى عصرصدر الاسلام الى العصر الاموي والعباسي الى عصر الهبوط ثم عصر النهضه الى عصرنا الحديث ورغم ذلك فأن الشعر العربي وانواعه لم تكن كثيره الى ان ظهر الشعر الحر فقسم الشعر العربي الى قسمين هما الشعر العمودي والشعر الحر,فبدأ الشعر الحر بأسلوبه المستقل في بداية الثلاثينات من القرن الماضي واصبح مقبولاً اكثر واكثر انتشاراً واصبح الاكثر نفوذاً بين الناس لانه ارتبط بتحول كامل في مختلف جوانب الشعر من الجانب الموسيقي في القصيده لأشكال مختلفه في التعبير الابداعي والفكري,فالشعر الحر هو شعر يستخدم لغة الحياة اليوميه ويتجنب المبالغه والفلسفه الزائده ولهذا احبه الناس.ان الشعر الحر يقبل مد الابيات المختلفه من القصيده الحره بطريقه افقيه او رأسيه وهو التوسع في الموضوعات وبالتالي فأن القصيده تصبح خفيفه وحامله لجماليه المعنى.
ان اعتماد القصيده العموديه العربيه على التعقيد افقدت الشعر العربي الحريه الحقيقيه التي يكتب من خلالها ,ان التحرر من وحده القافيه والشكل التي قيدت الشعر العمودي العربي جعلت من الشعر الحر شعراً يطير بأجنحه قويه بين ربوع الادب العربي .ان كثير من مؤرخي الادب العربي يذكرون ان اول انطلاق للشعر الحر كان من العراق من خلال الشاعره نازك الملائكه والشاعر بدر شاكر السياب ففي عام 1947 نشرت الشاعره نازك الملائكه قصيدتها الاولى من الشعر الحر والتي كانت بعنوان الكوليرا والتي جسدت فيها وباء الكوليرا الذي اجتاح مصر وصورته بكل دقه بصوره شعريه غايه بالجمال والابداع المقرون بالحزن الشديد,ثم في نفس العام كتب السياب قصيدته هل كان حبا والتي احتواها ديوانه الشعري ازهار ذابله .ومن رواد الشعر الحر بالاضافه الى الشاعر نازك الملائكه والشاعر بدر شاكر السياب هناك صلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي وامل دنقل ومحمود حسن اسماعيل وعبد الباسط الصوفي ومحمد الفيتوري وعبد الوهاب البياتيومحمد درويش وفدوى طوقان.

تقول نازك الملائكه في قصيدتها الكوليرا.

سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ


ويقول بدر شاكر السياب في قصيدته هل كان حباً

هل تُسمّينَ الذي ألقى هياما ؟
أَمْ جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحبُّ ؟ نَوْحاً وابتساما ؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى ، إذا حانَ التلاقي
بين عينينا ، فأطرقتُ ، فراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني ، إذا ما ؟
جئتُها مستسقياً ، إلاّ أواما
* * *
العيون الحور ، لو أصبحنَ ظلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صحابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحبابِ
هيئي ، يا كأسُ ، من حافاتك السكرى ، مكانا
تتلاقى فيه ، يوماً ، شفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ
* * *
كم تَمَنَّى قلبيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى ، أو من قريبِ
آهِ لو لم تعرفي ، قبل التلاقي ، من حبيبِ!
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكباً شكواهُ آهاً … ثم آها ؟
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها º
أهو شيءٌ من هواها … يا هواها ؟
* * *
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً ، مما يلاقي ، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما ،
السماء البكرُ من ألوانه آناً ، وآنا
لا يُنيلُ الطرفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوء السجينِ º
أهو حبٌّ كلُّ هذا ؟! خبّريني


ماجد عزيز الحبيب
السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا