الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملفات الحرب الباردة.. هل كان المهدي بن بركة، زعيم المعارضة المغربي، عميلا وجاسوسا؟

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2021 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


أحمد رباص - حرة بريس

نشرت جريدة الغارديان البريطانية في إصدارها ليومه الأحد 26 دجنبر مقالات مطولا عن عريس الشهداء المهدي بنبركة ناعتة إياه بأنه كان عميلا للمخابرات التشيكوسلوفاكية. يبدأ المقال بالإشارة إلى أن الناشط المغربي الذي اغتيل في باريس عام 1965 كان بطلاً في النضال العالمي ضد الإمبريالية، لكن ملفات من المخابرات التشيكوسلوفاكية تلقي بظلال من الشك على استقلاليته.
إنها واحدة من أكبر وأشهر جرائم الحرب الباردة. في حوالي ظهر يوم 29 أكتوبر 1965، اختُطف المهدي بنبركة، زعيم المعارضة المغربية وأيقونة اليسار الدولي ، لدى وصوله إلى مطعم على الضفة اليسرى لننهر السين بباريس. على مر السنين، ظهر الكثير من الحقائق حول مقتل المنشق البالغ من العمر 46 عاما: كيف تم نقله إلى منزل جنوب باريس، حيث تعرض للتعذيب والقتل على أيدي عملاء المخابرات المغربية. لكن العديد من أنشطة بن بركة قبل وفاته ظلت محاطة بالغموض.
ويمضي كاتب المقال إلى أن بحثا جديدا جرى مؤخرا في أرشيف دول الاتحاد السوفيتي السابق وتبين منه أن المفكر صاحب الكاريزما ورجل التنظيم السياسي ربما كان أيضا جاسوسا.
أظهرت الملفات المفرج عنها أخيرا من ارشيفات براغ أن بن بركة لم يكن لديه فقط علاقة وثيقة بجهاز الأمن التشيكوسلوفاكي المخيف، ولكنه تلقى منه مبالغ كبيرة.
وقال الدكتور جان كورا، الأستاذ المساعد في جامعة تشارلز ببراغ،
إن بن بركة تم تصويره في الغالب الأعم على أنه مناضل ضد المصالح الاستعمارية ولصالح العالم الثالث، لكن الوثائق تكشف عن صورة مختلفة تماما: رجل كان يتحرك على العديد من الجبهات، وكان يعرف الكثير ويعرف أيضًا أن المعلومات كانت ذات قيمة كبيرة في الحرب الباردة. واردف الأستاذ الجامعي الذي تمكن من الاطلاع على الملف أنه كان انتهازيا ولعب لعبة خطيرة للغاية.
سوف تكون هذه النتائج التي أفضى إليها البحث مثيرة للجدل؛ إذ لا زال بن بركة بطلاً بالنسبة ليساريين كثر، وتنفي أسرته بشدة أي اتهامات بأنه كان متورطا في التجسس أو ربطته علاقات وثيقة بأي دولة.
أثيرت إمكانية وجود صلة بين بن بركة وجهاز المخابرات التشيكوسلوفاكية لأول مرة منذ ما يقرب من 15 عاما، رغم أن قلة فقط أولت اهتمامًا كبيرا بالتحقيقات التي أجراها آنذاك صحفي تشيكي. لكن كورا لم يكن قادرا فقط على الوصول إلى ملف بن بركة بأكمله في أرشيفات الجهاز المذكور، بل قام بمراجعة 1500 صفحة مع الآلاف من المستندات السرية الأخرى التي تم إصدارها حديثا.
يبدو أن كاتب المقال واثق من نفسه، حيث راى أن هذه المعلومات غير مشكوك فيها ما دامت كل الوثائق المفرج عنها تؤكدها، كما صرح بذلك كورا لجريدة الأوبزرفر البريطانية.
وفقا للملف الذي اطلع عليه كورا، بدأت علاقة بن بركة مع مكتب المخابرات المركزية في تشيكوسلوفاكيا خلال 1960، عندما التقى بأكبر جاسوسها في باريس بعد مغادرة المغرب هربا من الحكم الاستبدادي المتزايد للملك محمد الخامس. كانت بلاده موالية للغرب منذ بداية الحرب الباردة لكنها مالت في الاخير إلى موسكو في محاولة للتقرب منها. كان جواسيس براغ يأملون أن يقدم لهم هذا الزعيم البارز أثناء كفاح المغرب من أجل الاستقلال ومؤسس أول حزب اشتراكي معارض معلومات قيمة، ليس فقط حول التطورات السياسية في المملكة ولكن أيضا حول تفكير القادة العرب مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وأشار المكتب إلى أن بن بركة كان أيضا شخصية رئيسية في "الحركة المناهضة للإمبريالية في الدول الأفريقية والآسيوية"، والتي تضمنت اتصالاتها مالكولم إكس وتشي جيفارا والشاب نيلسون مانديلا. وكشفت الأرشيفات بعد وقت قصير من اجتماعاتهم الأولى، أن مكتب الاستخبارات أبلغ عن بن بركة كونه مصدرا لمعلومات "قيّمة للغاية" ولقبته ب"شيخ" كاسم رمزي.
بحلول سبتمبر 1961، وفقا لمحتويات الملف، تلقى بن بركة 1000 فرنك فرنسي من الجهاز المعني مقابل تقارير حول المغرب ادعى أنه تم نسخها من النشرة الداخلية لجهاز المخابرات الفرنسي المكلف بما وراء البحار.
في الواقع، كانت المادة متاحة للجمهور، مما أدى إلى الغضب والإحراج في براغ عندما تم اكتشاف الخدعة. ومع ذلك، عُرض على بن بركة رحلة مدفوعة التكاليف بالكامل إلى غرب إفريقيا لجمع معلومات استخبارية عن الأنشطة الأمريكية في غينيا الاستوائية. اعتبرت هذه المهمة ناجحة.
سرعان ما بدأ التشيكوسلوفاكيون في الشك في أن بن بركة كانت له علاقات مع لاعبين آخرين في الحرب الباردة أيضا، حيث سمعوا في فبراير 1962 من عميل في فرنسا أن "شيخ" قد التقى نقابيا أمريكيا في حانة "الفيل للأبيض" في باريس وتلقى شيكا بالدولار الأمريكي. أدى ذلك إلى مخاوف من أن بن بركة كانت له صلات بوكالة المخابرات المركزية الامريكية، التي كانت حريصة على دعم الإصلاح الديمقراطي في المغرب وتأمين وقوف المملكة إلى جانب المعسكر الغربي.
وقال كورا إن مكتب التحقيقات التشيكوسلوفاكي تلقى المزيد من التقارير التي تزعم أن بن بركة كان على اتصال بالولايات المتحدة، رغم أن السياسي المغربي نفى ذلك جملة وتفصيلا عند مواجهته.
واستمرت العلاقة مع ذلك. دعا التشيكوسلوفاكيون بن بركة إلى براغ، حيث وافق على المساعدة في التأثير على الساسة والقادة في إفريقيا مقابل 1500 جنيه إسترليني سنويا.
تم إرسال بن بركة إلى العراق للحصول على معلومات حول انقلاب فبراير 1963 مقابل 250 جنيها إسترلينيا، وفقا للوثائق. في الجزائر، التقى مرارا أحمد بن بلة، الرئيس والصديق، وأبلغ عن الوضع في الدولة المستقلة حديثًا. في القاهرة، طُلب منه جمع معلومات عن كبار المسؤولين المصريين من شانها أن تساعد السوفييت في المفاوضات خلال زيارة نيكيتا خروتشوف، رئيس الوزراء السوفيتي. وصلت تقارير بن بركة إلى أجهزة المخابرات السوفيتية، التي اعتبرت المواد المقدمة "ذات قيمة عالية". كمكافأة على خدماته، تمت دعوته وأطفاله الأربعة لقضاء عطلة في منتجع صحي في تشيكوسلوفاكيا، وفقا لتحريات كورا.
لم يعترف بن بركة أبدا بأنه كان يتعاون مع أجهزة المخابرات، ولم يدرجه مكتب المخابرات التشيكوسلوفاكية أبدا كعميل، بل اعتبره فقط "جهة اتصال سرية". لكنه كان يقدم معلومات، وكان يتقاضى رواتب". "لقد كان واحدا من الرجال شديدي الذكاء. لا يوجد مستند بتوقيعه ، ولا توجد عينات من كتاباته. تم استجوابه شفهيا لساعات ... في بعض الأحيان، كان يستخدم آلة كاتبة لكنه رفض كتابة أي شيء باليد". لا تزال دوافع بن بركة، الناشط الملتزم الذي تم اعتقاله وسجنه بشكل متكرر في المغرب، غير واضحة.
يقول المدافعون عنه إنه كان على استعداد لمناقشة الوضع الدولي مرارًا وتكرارا مع المسؤولين التشيكوسلوفاكيين لأن هذه كانت أفضل طريقة للتأثير عليهم. ويقولون أيضا إنه على الرغم من أن تحليلات بن بركة قد تكون مفيدة لـلاستخبارات التشيكوسلافية، فإن هذا لا يجعل منه "عميلًا"، كل ذلك كتبه البيروقراطيون والجواسيس الطموحون في مذكراتهم الداخلية.
جادل المدافعون عن بن بركة أيضا بأن مثل هذا الدور كان سيتعارض مع تفاني بن بركة في الحفاظ على "حركة العالم الثالث من النفوذ السوفيتي والصيني".
وقال ابنه البشير، الذي يعيش في شرق فرنسا، لصحيفة الأوبزرفر إن علاقات والده مع الدول الاشتراكية ودول أخرى كانت ببساطة تلك المتوقعة من أي شخص منخرط بعمق في النضال العالمي ضد الإمبريالية والاستغلال الاستعماري في ذلك الوقت، مشيرا إلى أن الوثائق التي درست من قبل كورا "تم إنتاجها من قبل جهاز مخابرات، [وهكذا] ربما تم تحريرها أو لم يقع اكتمالها".
لكن كورا أقل اقتناعا بالمدافعين عن بن بركة، لأن هناك في نظره شيئا من البراغماتية والمثالية. ومع ذلك، هو لا يدينه. وقال "لم تكن الحرب الباردة فقط بيضاء وسوداء".
في أشهره الأخيرة، كان بن بركة مشغولاً بتنظيم مؤتمر القارات الثلاث، وهو حدث كان من شأنه أن يجمع في كوبا العشرات من حركات التحرير والجماعات الثورية ورعاتها. سيصبح المؤتمر لحظة حاسمة في تاريخ مناهضة الاستعمار الدولية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، وأراد الناشط المخضرم أن يرأس الحدث.
لكن السوفييت اشتبهوا في أنه أصبح قريبا جدا من الصينيين، خصومهم على زعامة اليسار العالمي. قال المسؤولون السوفييت لـجهاز المخابرات في براغ إن بن بركة تلقى 10000 دولار من بكين، وضغطوا على المصلحة لسحب أي دعم أو حماية له. ومع ذلك، أحضر الجهاز بن بركة إلى براغ ليتلقى لمدة أسبوع تكوينا في الاتصالات والرموز والمراقبة والمراقبة المضادة. كان ذلك غير كاف، وكان الأوان قد فات. فبعد أسبوع من طلب مسدس من مكتب التحقيقات التشيكوسلوفاكي، تم اختطاف بن بركة واغتياله.
رغم مطالبة جهاز المخابرات التشيكوسلوفاكية بإجراء تحقيق، إلا أن الرئيس شارل ديغول نفى أي تورط للمخابرات الفرنسية والشرطة في الجريمة. لم تفرج فرنسا والولايات المتحدة حتى الآن عن الوثائق السرية الرئيسية المتعلقة بالقضية. كشفت الوثائق التشيكوسلوفاكية الجديدة أن براغ حاولت إلقاء اللوم على وكالة المخابرات الامريكية في اغتيال بن بركة. وفي وثيقة حصلت عليها جريدة الأوبزرفر بموجب قوانين حرية المعلومات البريطانية، أثنى دبلوماسيون من لندن على "الاعتدال" الذي أبدته باريس في مواجهة الأدلة "الدامغة" على مسؤولية أجهزة المخابرات المغربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟