الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيحيو العراق والهجرة الى برالأمان

وسام صباح

2021 / 12 / 27
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


مسيحيو العراق والهجرة الى بر الأمان

نبذة تاريخية
حكمت منطقة الشرق الأوسط قديما امبراطوريات كبيرة وعظيمة الشأن، أسست اروع الحضارات في وادي الرافدين، وخلدت أثارها بالقصور والتماثيل والجداريات والمنحوتات والمخطوطات الطينية والحجرية التي ملئت متاحف العالم و أرض العراق . قامت في وادي الرافدين اولى حضارات العالم وأول الكتابات واول اختراعات للعجلة و العربة التي تجرها الخيول و البطارية الكهربائية و استخراج المعادن وتصنيعها . تقسيم اليوم الى 24 ساعة واستعمال النظام الستيني في تقسيم الوقت والساعة ، و تم تشريع أول الشرائع والأحكام التي تنظم الحياة الاجتماعية بين الدولة والشعب .
من هذه الحضارات والممالك السومريين والاكديين والبابليين والآشوريين وغيرهم . امتدت الإمبراطورية الآشورية من شمال العراق الى تركيا شمالا ، والى سواحل الخليج العربي جنوبا، وإلى مصر والسودان وقبرص غربا ،. كانت شعوب تلك الممالك تدين بالوثنية قبل ظهورالأديان الإبراهيمية الثلاث. أن أقدم الأديان السماوية هي اليهودية التي نشأت من نسل النبي إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط الأثني عشرة اولاد يعقوب على يد النبي موسى .
وبعد بيع يوسف بن يعقوب الى تجار نقلوه ليباع عبدا في مصر، نشأ هناك وكان الله معه حتى وصل للعيش في القصور وأصبح المسؤول الأول عن ادارة الاقتصاد المصري وتنظيم الزراعة في عهد أحد فراعنة مصر . ثم التحقت عائلته معه الى مصر و تكاثروا هناك عبر القرون فأصبحوا شعبا كبيرا تحت عبودية المصريين . ومنهم ظهر النبي موسى الذي قاد شعبه بأمر من الله عبر سيناء إلى أرض الموعد.
وبعد اليهودية ولد السيد المسيح ليحمل رسالة الخلاص والفداء لبني اسرائيل وشعوب العالم الأخرى. آمن بالمسيح بعض اليهود ورفضه الأحبار وقادة رجال الدين، تآمروا عليه وكادوا له تهمة مزيفة فحكموا عليه بالصلب ونفذ الحكم من قبل الحاكم الروماني حينئذ . لكن المسيح قام من الموت بقدرة لاهوته و أوصى تلاميذه ان يبشرون بالإنجيل للخليقة كلها منطلقين من اورشليم الى كل ارجاء العالم . فرحل التلاميذ إلى جهات الأرض الأربع للتبشير بالمسيح والمسيحية وعبادة الله وترك الوثنية . فانتشرت المسيحية في سوريا ولبنان ومصر وشمال أفريقيا و اليونان و تركيا وتحولت الأمبراطورية الرومانية و الدول التي تحكمها في زمن قسطنطين الى المسيحية ثم توسعت في اوربا .
دخول المسيحية إلى وادي الرافدين
جاء مار توما أحد تلاميذ السيد المسيح الى العراق مع بعض من رفاقه وأتباعه ليبشر بالمسيح ، فأسس مع مار ادي ومار ماري ومار شمعون أول كنيسة في جنوب بغداد وتسمى كنيسة كوخي عام 73 ميلادية حيث آمن الكثير من اهالي العراق بالمسيحية واتبعوها وتركوا عبادة الأوثان . و بنيت العديد من الكنائس والأديرة في تكريت والنجف وبغداد و سهل نينوى . وتحول أهل وادي الرافدين المسيحية منذ القرن الأول الميلادي، وهم شعب العراق الأصيل . وتأسست ممالك مسيحية في العراق مثل مملكة الحيرة .

بعد دخول الإسلام الى العراق بقيادة خالد بن الوليد ، فُرض الدين الإسلامي بقوة السيف على السكان العراقيون ، فأسلم الكثير من الناس من نجا من القتل، واضطر المسيحيون لدفع الجزية حفاظا على دينهم وحياتهم و ممتلكاتهم وعاشوا بين المسلمين تحت مسمى أهل الذمة. تعايش المسيحيون في زمن دولة الخلافة الأموية ثم العباسية بسلام ووئام مع المسلمين، وقد اشتهر منهم الكثير من الأطباء والصيادلة وعلماء الفلك و قاموا بترجمة الكتب اليونانية الى العربية واسهموا ببناء حضارة كبيرة في العراق وسوريا. حيث كان الأطباء السريان هم من يعالجون الخلفاء المسلمين والحكام وعوائلهم عند المرض .، كما عملوا مستشارين في دواوين الدولة .
استمر المسيحيون يعيشون بأمن وسلام تحت الحكم الإسلامي لغاية نهاية دولة الخلافة العثمانية، ثم تأسيس الحكم الملكي الوطني في العراق بعد الاحتلال البريطاني . وكانوا يؤدون مراسيم و طقوس ديانتهم بكل حرية ويبنون الكنائس و الأديرة دون أي اعتراض من الحكام . واستمر الوضع على حاله حتى بعد الانقلابات العسكرية المتتالية في العراق وتبدل الحكومات .
بداية التفكير بالهجرة
في السبعينات من القرن العشرين وبعد تذمر العراقيين والمسيحيين خاصة من تصرفات البعثيين و الضغط عليهم للانتماء لحزب البعث و ممارسة التفرقة بين المواطنين حسب الانتماء الحزبي والديني للقبول في الكليات المدنية والعسكرية و التمييز بينهم في التعيينات في الوظائف الحكومية نشطت موجة خفية من الهجرة المسيحية للكلدان والآشوريين إلى امريكا، فكانوا يسافرون الى اليونان وهناك يطلبون الهجرة لأمريكا بواسطة جمعيات خاصة تقوم بهذه المهمة . فتجمع الكلدان في ديترويت والآشوريون في شيكاغو . ثم بدأت العوائل تسحب اقربائها شيئا فشيئا من العراق للالتحاق بها . كان عدد نفوس المسيحيين في العراق آنذاك بحدود ثلاثة ملايين مسيحي منتشرين في مدن سهل نينوى ومدينة الموصل ودهوك وبغداد والبصرة . ويسكن عدد من الاشوريين في الحبانية للعمل مع القوات البريطانية قبل عام 1958، و في كركوك للعمل في شركات النفط .
الهجرة بسبب الحصار الاقتصادي على العراق
في السنوات الأثني عشر العجاف التي مرت على شعب العراق، عان الشعب بكل مكوناته من صعوبات العيش و تدهور العملة و غلاء الأسعار وشحة المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي وتوقف المصافي عن إنتاج الوقود، وشحة الأدوية و موت أكثر من نصف مليون طفل انعدام الدواء و الغذاء والحليب لهم . حتى ان الناس بدأت تبيع أثاث بيتها لشراء المواد الغذائية . وزادت السرقات وعمليات السطو وسرقة السيارات وإطاراتها . فتذمر الشعب من شظف العيش والحرمان من كل مقومات وضروريات الحياة . فهاجر الملايين من العراقيين مسلمين ومسيحيين وأكراد و يزيديين الى دول أوروبا. كل منهم يبحث عن وسيلة توصله إلى أي بلد يقبل لجوئه ، ليتخلص من حياة الذل و الخوف والموت والحروب ومآسيها التي سببتها للشعب سياسة صدام حسين وحزبه .
الهجرة بسبب ظلم الأحزاب الإسلامية
بعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، واستلام الأحزاب الإسلامية المتشددة الحكم، بدأت ممارسات طائفية ضد السنة والمسيحيين بدوافع دينية طائفية بتوجيه من خارج الحدود، فكان حزب الفضيلة الشيعي وافراد جيش المهدي يضايقون الطالبات المسيحيات في كليات جامعة البصرة لارتداء الحجاب، وقتلت بعض المسيحيات الرافضات الانصياع لهم . ومن هنا بدأ الشعور يتنامى عند المسيحيين بأنهم

مستهدفون وأنهم الفئة الأضعف، ولا يوجد من يحميهم بعد ان اصبح الحكم بيد الأحزاب الشيعية المتطرفة وهي من يضطهدهم. ولهذا فكر المسيحيون ان يتركوا بلد الآباء والأجداد حفاظا على حياتهم وكرامتهم وبلا عودة .
بدأت بعض العوائل المسيحية في بيع ممتلكاتها وعقاراتها وتصفية أعمالها والهجرة الى دول الجوار.الأردن ، سوريا ، لبنان وتركيا، للبحث عن دولة اجنبية قبولهم كلاجئين يطلبون الأمن والحماية والعيش الكريم . وكذلك نشطت العوائل والأفراد المسلمين في الهجرة إلى أوروبا منذ زمن الحصار الاقتصادي على العراق بعد غزو الكويت . وقد نشطت عصابات تهريب الأفراد في ابتزاز الناس بأموال كبيرة لتسهيل تهريبهم ونقلهم بطرق مختلفة الى اليونان عبر تركيا ومنها الى دول اوربا الغربية وامريكا واستراليا . ومنهم من طلب حق اللجوء الإنساني والسياسي عن طريق منظمات الأمم المتحدة.
غزو داعش لمدن نينوي
في عام 2014 وبعد غزو عصابات داعش الموصل ومدن سهل نينوى وتخلى البيشمركة عن حمايتهم بانسحاب قواته وترك العوائل تحت رحمة مجرمي داعش ، انذرت عصابات داعش المسيحيين كافة في مدن نينوى بأختيار قبول الإسلام دينا لهم بدلا من المسيحية، أو دفع الجزية او مغادرة مدنهم وبيوتهم مشيا على الأقدام، وترك كل ما يملكون من أموال نقدية ومصوغات ذهبية وأثاث وسيارات وعقارات وأموال في المصارف لصالح دولة الخلافة الإسلامية، ومن يخالف هذه التعليمات يعرض نفسه وحياته للموت .
على إثر ذلك بدأت الهجرة الجماعية للمسيحيين من مدنهم وقراهم التي سكنوها منذ آلاف السنين، ونشطت عمليات السلب والنهب المنظم كغنائم لدولة الخلافة الإسلامية ضد المسيحيين الآمنين . فلجأت بعض العوائل الى مدن كردستان طلبا للحماية والأمان، وعوائل هربت الى بغداد والى مدن اخرى حيث الأمان بعيدا عن رصاص وسيوف الدواعش بعد ان تركوا كل ما يملكون غنائم من يدّعي الدين والإسلام والجهاد في سبيل الله . حتى أقراط الذهب وخواتم الزواج نزعها الدواعش من الأطفال والنساء وسرقوها.
تهديم الكنائس والأديرة
بدأت حملة منظمة من دولة الخلافة الإسلامية في سرقة محتويات الكنائس والأديرة من مخطوطات وآثار ونفائس ، ثم باشروا بتكسير الصلبان والتماثيل وصور المسيح ومريم العذراء والقديسيين، و سرقوا الأبواب الخشبية والشبابيك الحديدية الفاخرة من أبنية الكنائس ونقلوها الى سوريا ليبيعها ويقبضون اثمانها . كما حطموا الآثار الرائعة والتاريخية في متحف الموصل و في مدينة نمرود الأثرية وفجروها بالقنابل . وسرقوا ما خف وزنه وغلا ثمنه وهربوها الى خارج العراق لتباع هناك . فهل بعد كل هذا سيبقى اي مسيحي في العراق يتفرج على هذه المآسي ويبقى صابرا غير آمن على حياته وأمواله و كرامته فاقدا لحقوقه الوطنية التي كفلها الدستور ؟
داعش يقتل المسيحيين داخل الكنائس
وصل الإنتحاريون الدواعش المغسولة ادمغتهم بنكاح حور العين في الجنة إن هم قتلوا المسيحيين (الكفرة) ثم فجروا أنفسهم استجابة لنداء ربهم للاستشهاد جهادا في سبيل الله والفوز بالجنة الموعودة الى داخل بغداد العاصمة، خططوا لغزو احدى الكنائس في بغداد وقتل المصلين فيها لنشر الرعب بين المسيحيين في غفلة من قوات الأمن.

في 31 تشرين الأول 2010 اخترق اربعة مسلحون كنيسة سيدة النجاة في قلب بغداد واقفلوا أبوابها ، وبدؤوا بإطلاق الرصاص عشوائيا على اثنين من رجال الدين الذين يقيمون الصلاة أمام المصلين، ثم بدؤا بإطلاق زخات من رصاص رشاشاتهم على المصلين رجالا ونساء وأطفالا مع تفجير القنابل اليدوية بين الناس . فقتلوا العشرات منهم وجرحوا آخرين . وبعد نفاذ ذخيرتهم فجروا اجسادهم القذرة و انتقلوا الى جهنم . والقوات الامنية واقفة خارج أسوار الكنيسة متفرجة تخشى اقتحام الكنيسة، وبعد ان هدأت أصوات إطلاق الرصاص وتفجير الإرهابيون انفسهم، دخلت القوات الأمنية لتجمع جثث الضحايا والجرحى ! كانت هذه الحادثة السبب الرئيس لتشجيع المسيحيين للفرار من وطنهم والنجاة بحياتهم وطلب اللجوء في اي دولة تقبلهم .
يصرح البعض من مدعي الوطنية من السياسيين ان أمريكا والدول الأوربية هي من تشجع المسيحيين لترك بلدهم والهجرة اليها وتمنحهم التأشيرات بسهولة، وهذه أكاذيب تدحضها الحقائق التي عشناها ولمسناه .
العوائل المسيحية التي تنوي الهجرة تسافر الى الدول المجاورة للعراق كمحطة اولى للبحث عن أي دولة تلجأ إليها، السفارات الأجنبية لا تمنح العراقيين تأشيرات الدخول لغرض اللجوء، فيضطرون للاستعانة بالمهربين لإيصالها إلى أي دولة اوربية مقابل مبالغ كبيرة من الأموال مع تحمل مخاطر الطريق واحتمال القبض عليهم في الحدود واعادتهم الى بلادهم او القائها في السجون لاختراقهم الحدود بصورة غير رسمية . او يقدم العراقي طلبا للهجرة الى دولة معينة عن طريق مكاتب دوائر الهجرة التابعة للأمم المتحدة في لبنان او الاردن او تركيا . وينتظر سنوات عديدة تصل إلى أكثر من عشرة سنوات أحيانا بانتظار صدور موافقة دولة ما لقبوله لاجئا لديها ، ويصرف كل مدخراته في دولة الإقامة المؤقتة منتظرا الفرج، او يضطر الذكور منهم الأب و الأولاد البالغين البحث عن عمل مهما كان لتوفير لقمة العيش و تسديد مصاريف الإيجار و الطعام وغيرها . ويلاقي الذل والهوان هناك كي يواصل العيش بصبر لكي يحصل على موافقة اللجوء .
اما اذا استطاع الشخص الوصول عن طريق المهربين إلى دولة ما، فيقدم طلبا الى دوائر الهجرة فيها لمنحه اللجوء الإنساني او السياسي حسب ظروفه في بلده ، والكثير منهم يختلق قصصا غير صحيحة من أجل إقناع دائرة الهجرة بأنه كان مضطهدا و معرضا للتعذيب في سجون دولته و هرب بحثا عن الحياة والحرية والكرامة . وبعد تحقيقات ومعاناة مريرة وانتظار أشهر وسنوات قد يحصل على الإقامة الدائمة له ن ثم يقدم طلبا لغرض لم شمل عائلته ، لكن المعضلة الكبرى التي ستواجه من له اولاد او بنات بعمر يتجاوز السبعة عشر سنة ، أنهم لا يمنحوا حق الإلتحاق مع والديهم في بلد اللجوء لأنهم بالغي سن الرشد ، وهنا تبدأ المعاناة الكبرى لفراق وتشتت شمل العائلة الواحدة بين دول عديدة وخاصة الشباب الصغار دون سن العشرين . هذه حقائق حدثت معي ومع غيري و ليست قصصا من نسج الخيال فأنا لم استطع سحب احد ابنائي الذي رفضت دائرة الهجرة منحه لم الشمل مع والديه لكون سنّه أكثر
من 17 عام ، وبقينا نعاني الأمرين ونصرف عليه ليسافر من دولة إلى اخرى ولمدة ثمانية سنوات عجاف، حتى استطعنا استقدامه إلى البلد الذي نعيش فيه بعد مرور ثمان سنوات مرة، ولم يحصل على الإقامة إلا بطريقة الزواج من فتاة لديها إقامة في هذا البلد وبعد ان رزق بطفل كان السبب في منح الإقامة الدائمة .عائلتي واولادي منقسمون ما بين دولتين اوربيتين، لا استطيع لم شملهما في مكان واحد . اما اخواني واخواتي الذين هاجروا أيضا للظروف الإقتصادية الصعبة بزمن الحصار وفقدان الأمن والأمان في العراق، فقد تشتتوا في بلدان العالم المختلفة شرقا وغربا طلبا للأمن والكرامة والحرية، ومنهم من توفى في بلدان المهجر دون ان نلتقي مرة اخرى .

إن كانت دول اوربا وامريكا و الغرب يشجعون هجرة المسيحيين كما يدعي بعض الساسة الجدد كذبا، فلماذا تشتت عوائلنا واولادنا في دول عديدة ولم نستطع لم شملنا في مكان واحد ؟
هذه معاناة العوائل المسيحية في الهجرة و قد تركت مضطرة بلاد الآباء والأجداد، ويتشدق السياسيون في بعض المناسبات بقولهم ان المسيحيين هم اصحاب البلد الأصليين، ولكنهم لا يقولون للشعب انهم بلا كرامة ولا حقوق في وطنهم ، وهذا سبب هجرتهم لبلادهم وهم الشعب العراقي الأصليل قبل نزوح العرب من جزيرة الحجاز واحتلالهم بلادنا بحجة نشر الإسلام .
لم نهاجر لدول الغرب طمعا في خيرات دول المهجر، بل كنا ننشد الحفاظ على حياتنا وكرامتنا ومستقبل أبنائنا فقط .
لازلنا نقول : بلادي وان جارت علي عزيزة ***** وأهلي وإن ضنوا كرام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي