الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجير الثقافة العربية الإسلامية من الداخل

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


مثلت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة ذروة التدهور والاضمحلال في الثقافة العربية، حين برهنت كيف تحولت إلى ما يشبه الوباء الفتاك الذي لا يكتفي بحامله، لكنه قابل لتجاوز حدوده الجغرافية إلى مناطق بعيدة أخرى حول العالم. هؤلاء الذين طاروا ليفجروا أنفسهم في آخرين بعيدين عن لم يحملوا في أذهانهم أي مبررات أو أهداف معقولة، مجرد أماني وهمية وكراهية وأحقاد عمياء. والطريقة التي نفذوا بها جريمتهم لم تخطر حتى على بال إنسان سوي، ليس لها سابقة في التاريخ، لأنها ببساطة غير متصورة من إنسان ذو عقل. هذا جنون. والسؤال: من أين أتى هؤلاء المجانين، وما هو بالضبط نوع المرض الذي يحملونه، وما هي مسبباته؟

كانت أعراض المرض جلية لا تحتاج لجهد كبير في التشخيص. وسرعان ما وضع مفكرو الغرب بقيادة أمريكية أيديهم على أصل الداء الذي ابتلاهم بهذا الوباء: أنظمة الحكم السائدة في المنطقة، وكان معظم الحكام العرب أصدقاء وحلفاء لهم. لكن رغم صداقتهم وخدمتهم للمصالح الأمريكية والأوروبية، كانوا في الوقت ذاته- وبفضل هذه الصداقة- سداً فولاذياً منيعاً بين شعوبهم وأسباب الحياة الصحية الطبيعية. لقد مارس هؤلاء الحكام- بأسلحة وأدوات وأموال أمريكية وغربية- القمع والاضطهاد بحق شعوبهم، حرموهم من النمو والتنمية على كل الأصعدة، ووقفوا بينهم وبين عيش الحياة العصرية مثل بقية شعوب العالم. أصبحت هذه الشعوب أشبه بأهل الكهف، تعيش في عالم من نسج أوهامها، غير حقيقي وغير موجود. حتى صعد نفر من أهل الكهف طائراتهم بعد استغفار ربهم وتسبيحه لتسخيره لما ما كانوا له مقرنون.

أنظمة الحكم في المنطقة العربية والإسلامية هي المشكلة، وهي الحل، أو هكذا على الأقل خلصت مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الأمريكية والغربية. وهم أيضاً حلفاء وأصدقاء، يمررون ويسهلون ويحرسون ويخدمون المصالح الأمريكية والغربية. لكن الخطر الآتي الآن من الشعوب- بسبب سياسات هذه الأنظمة الصديقة ذاتها- أصبح يفوق بكثير فائدة الحكام الأصدقاء. وانتهى التنظير إلى ما يعرف بنظرية "الفوضى الخلاقة"، أو تهيئة الظروف الموضوعية للتغيير الفعلي على الأرض حتى لو انفجر الوضع القائم حتماً إلى فوضى مدمرة حتى حين، وفي الوقت نفسه محاولة حصار الفوضى بأكبر قدر ممكن من السيطرة. وعلى المدى الطويل، يؤمل أن تؤتي هذه السياسة بثمارها تدريجياً خيراً من الاكتفاء بالجلوس الساكن وانتظار الموت الأكيد.

انطلق التطبيق العملي لنظرية التفجير الثقافي الداخلي أو الفوضى الخلاقة على مسارين، أحدهما إسلامي عن طريق غزو أفغانستان في العام نفسه، والآخر عربي عن طريق غزو العراق بعدها بعامين في 2003. من الناحية النظرية، ثمة تداخل لا ينفك بين الحيزين الثقافيين الإسلامي والعربي، لدرجة لا يمكن معها معرفة أيهما الأكثر تأثيراً في الآخر على مر التاريخ، حتى قبل آلاف السنين من انطلاق الإسلام من شبه الجزيرة العربية. هذا التطبيق، على أرض الواقع، ليس أكثر من زرع لجرثومة التغيير المنشود عبر المنطقة العربية والإسلامية، التي ستتكفل فيما بعد استكمال عملية التغيير بنفسها، من داخلها. الأمر لا يعدو أكثر من مجرد فتح أبواب المنطقة الموصدة أمام الرياح العالمية، وترك الباقي لأهلها أنفسهم.

لكن بعد أكثر من عقدين من الزمن، لم يأتي المسار الإسلامي عبر بوابة أفغانستان بأي نتائج تذكر في اتجاه التغيير الثقافي المنشود. بالتالي انسحبت أمريكا ومعها بقية الدول الغربية. وأغلق هذا الملف، ولو مؤقتاً.

على المسار الآخر، وقبل حتى مرور الذكرى العشرية الأولى لغزو العراق وفرجة الجماهير العربية كلها على الزعيم العراقي السابق صدام حسين داخل قفص الاتهام، ثم مشاهدته يشنق في يوم عيد كما الأضحية، أخذت الأحداث مساراً متسارعاً لم يتوقعه حتى منظرو الفوضى الخلاقة أنفسهم. ها هو الرئيس التونسي زين العابدين يفر متخفياً في الليل بعد عقود من الحكم الديكتاتوري المطلق. وسرعان ما لحق بصدام وزين العابدين الرئيس المصري السابق حسني مبارك. المشهد متكرر لكن التفاصيل مختلفة. الأحداث تحبس الأنفاس ولا تتوقف ولا تهدأ، ولا تبدو لها نهاية في الأفق. بمجرد أن يسقط واحد هنا، ستجد آخر يقاوم باستماتة هناك، وثالث تتكبد الغيوم من فوق رأسه من بعيد. هكذا المشهد منذ أكثر من عقد من الزمن، ومستمر حتى اللحظة بنفس قوة انطلاقته.

كأن المنطقة العربية انفجرت في فوضى حقيقية، لكنها بالتأكيد حتى الآن لا هي خلاقة ولا هي مثمرة بعد. يبقي هناك جيب بالغ الأهمية من المنطقة في حمى وسالم ومعافى إلى حد بعيد من حمى هذه الفوضى المسعورة- السعودية ودول الخليج العربي. لماذا بقيت الأنظمة الخليجية في منأى من رياح التغيير التي هزت وأسقطت ولا تزال أغلب أنظمة الحكم في بقية الدول العربية- تحديداً ذات أنظمة الحكم الجمهورية؟! وهل سيستطيع جسد الثقافة العربية الجديد- المنشود بعد هذه الفوضى- أن يسير على قدم دون الآخر؟ كيف؟! لكن دورة الفوضى لا تزال نشطة ولم تسكن بعد.

كرة الفوضى تقفز عبر الحدود من قطر إلى آخر، ثم تعاود أدراجها لزيارة القطر ذاته حتى بعد مرور السنين. وهناك أماكن تأخرت الكرة حتى بلغتها، مثل السودان، لكنها في الملعب السوداني الآن وبكل قوتها. وقد عادت إلى تونس بعد نحو عقد من قذفها من هناك أول مرة. لكنها في كل مرة تغادر ثم تعود في ثوب آخر، أسباب وغايات أخرى؟ فهل نحن في وسط تغيير حقيقي، حتى لو طال بنا الزمن وعظمت التضحيات؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية