الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا حياء فيها

منير المجيد
(Monir Almajid)

2021 / 12 / 29
كتابات ساخرة


جاري فرانك أشار لي من نافذة الشرفة إن كنت أريد مرافقته في مشوار اليوم، فرافقته. هي عادة يُمارسها الناس هنا بكثرة لينفضوا عنهم آثار الوجبات الدسمة ومعاقرة شتّى أنواع الخمور طيلة شهر ديسمبر.
لم نكد نمشي بضع خطوات حتى سمعت صوت سلسلة مُتواصلة من رياح معدته كطلقات رشّاش مكتوم.
«أوپس!». قال فرانك، وشكى من مشاكل في معدته وأنه لا يستطيع السيطرة على ضراطه، بعد أن اعتذر بطبيعة الحال.
أراد أن يستفيض بالشرح، فقلت أن لا عليه، فنحن في الهواء الطلق ويستطيع أن يطلق ماشاء من الرياح.
هو مُصاب بسلس رياح المعدة والأمعاء. هذه يُعاني منها البعض، تماماً مثل المُصابين بسلس البول، دون أن يكونا على صلة.
في صالة العلوم في مدرسة إعدادية، تحدّث الأستاذ لطلاب الصف السابع عن نظرية الأواني المستطرقة. «هل يمكن للمرء أن يغرق في حوض الإستحمام، بدخول الماء إليه من الشرج؟». سأل طالب بصوت قلق، وقبل أن يردّ الأستاذ ويشرح عن عمل العضلات الشرجية، قال آخر بنظرة خبيثة مُوجّهة نحو الفتيات «الفتيات أكثر عرضة للغرق من الأولاد».
تذكّرت هذه القصة، ثمّ أردت أن أخبر فرانك أنّه ليس مُسلماً لحسن حظه، لأنّه سوف يقضي معظم وقته أمام المغسلة ليتوضّأ، إلّا أنني صرفت النظر عن النكتة، لأنه لن يفهمها وسوف تحتاج لشرح عريض.

لا حياء في الدين، ولا في العلم. بالتأكيد. كتب الفقه والتراث مليئة بالأحكام والقصص عن، نعم لقد حزرتم، الضراط والفساء.
ماحكم الضرطة إذا اشتبه بها أثناء الوضوء؟ وهل أعيد الصلاة إذا كانت الفسوة من غير رائحة؟
تسأل مواطنة مُحتارة أحد الدُعاة.
الفساء والضراط، ما له صوت يسمى الضراط، وما ليس له صوت يسمى الفساء. وقد قال أبو هريرة، رضي الله عنه وأرضاه أن النبي ﷺ قال: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. قالوا: يا أبا هريرة ما هو الحدث؟ قال: «فساء وضراط».
وعند الحيوانات تسميات مُختلفة، عند البعير تُدعى ردام، وحصتم عند الحمير، أما العنز فإنّه يحبق، أي يضرط.
يعترف الخليفة عمر بن الخطاب أمام الناس بضراطه على المنبر حينما وقف خطيباً فيهم. ويُروى أنه قال أيها الناس إني ميزت بين أن أخاف الله وأخافكم فرأيت خوف الله أولى اﻻ وإني قد خرجت مني ضرطة وها أنا أتوضأ وأعود (الراغب اﻷصفهاني - جزء ١، ٤٤٦).

اقترحت على فرانك أن يتّصل بالشركة الوطنية للتنقيب عن البترول والغاز، فقهقه وراح في وصلة اخرى من إطلاق مدافعه. ثمّ تماديت في تعليقي وقلت «أنا سعيد أنك لا تُدخّن، وإلا لأشعلت النار في قريتنا».
يجب أن أُشير إلى أنني غير مُصاب بمتلازمة حساسية الأصوات (Misophonia)، فليضرط فرانك ما شاء.
ولأنني فضولي للغاية، بالمُقابل، فقد سارعت إلى غوغل، حالما ودّعته وتمنيت له يوم ضراط سعيد.

اعتاد الصينيون على إصدار صوت وهم يمضغون، ويتجشأون ويضرطون حين تناول الطعام، ليؤكّدوا للمُضيف تلذّذهم بالطعام، وسهولة مروره إلى المعدة، وأخيراً إطلاق الريح لسعادة الجهاز الهضمي بهذه الوجبة الإستثنائية.
بينما تراه شعوب اخرى مُحرجاً ومُعيباً، في الوقت الذي هو مُثير للضحك وإطلاق النكات. صحيح، مازال البعض يراه مُضحكاً في أفلام السينما، المسرح ومقالب اليوتيوب.

الضراط والفساء مسألة عادية للغاية، ودرجات رائحتها تتفاوت حسب نوع الأطعمة التي نتناولها. البقول هي الأكثر ذنباً. في مدينة براغ، أيام النظام الشيوعي، استقل مواطن الباص، وفي أول هزّة ضرط، وكذلك فعل في الهزّة التالية. سرعان ما لفت إليه أنظار، لا ليس أنظار بل أنوف، بقية الركاب، فنزل في الموقف التالي يغطّيه الخجل. نزل بقية الركاب واقتربوا منه، فسارع بالإبتعاد عنهم، لكنهم تابعوه. ركض فركضوا خلفه. حينها وقف مُهتاجاً وقال: ماذا تريدون بحق السماء؟ قل لنا من أين اشتريت الفاصولياء؟ أجابوا.

نطلق بين عشرة وعشرين واحدة في اليوم، وإن زادت كثيراً عن ذلك فقد نحتاج إلى معرفة السبب لدى المُختصّين.
هي في بعض الأحيان هادئة، وفي اخرى هائجة عاصفة.
إنّها مُجرّد هواء في الجهاز الهضمي، بعضه يتسرّب من الفم أثناء تناول الطعام، وبعضه يتشكّل حينما تقوم البكتيريا النافعة في القولون بتكسير بقايا الطعام الذي لم تستطع الأمعاء الدقيقة بالتعامل معها.
الصوت يحدث حين يتمّ دفع الهواء والغازات عبر القناة الشرجية فيحدث الإهتزار، تماماً مثلما تضرب الرياح زاوية منازلنا.
إذا استطعت التحكّم بإسكاتها في موقف ما، وأنت مع آخرين مثلاً، فهذا يعني أنّك تُسيطر على الأمر لأنك توقف حركة الأنسجة حين اهتزاز المصرّة الشرجية وانغلاق الإليتين. بعكس صاحبنا فرانك.
في أواخر القرن التاسع عشر كان بعض «الفنانين» الذين عُرفوا بإسم «الفلاتوفونيين»، يؤدّون عروضاً أمام الجمهور بتقديم معزوفات من شروجهم.

السبب الرئيسي للرائحة الكريهة يأتي من المركّبات البيرولية المُتطايرة (الإندول والسكاتول) في أنابينا الهضمية. وهي في الحقيقة تُستخدم في صنع القنابل التي تُطلق لفكّ المظاهرات ومكافحة الشغب. إسمها «القنابل النتنة»، وكذلك يفعل الظربان الذي يطلق الريح النتنة ويستعمله كسلاح دفاعي حين شعوره بالخطر. لكن حين تعريض الإندول والسكاتول لتركيز شديد تتحوّل الرائحة الكريهة إلى مُركّب يُماثل أريج زهر البرتقال، ويشيع إستعمالها في صنع العطور. مفاجأة، أليس كذلك؟

الحيوانات، مثلنا، تضرط أيضاً، وبعضها على وشك التسبّب في كوارث بيئية. في نيوزيلاندا واوستراليا وأمريكا تطلق قطعان الماشية ملايين الأطنان من غاز الميثان (١٧٪ من مجموع الإنبعاثات في العالم) فتؤثر على طبقات الأوزون وبعض ترسّباته أُكتشفت على ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا