الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أطروحة رأسمالية الدولة : بين الأمس و اليوم

احمد المغربي

2021 / 12 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لقد مرت ثلاثون سنة على انهيار دول حملت الراية الحمراء لأكثر من نصف قرن وأعلن الرأسماليون حينها انتصارهم النهائي فأعلنوا أن انهيار الاتحاد السوفياتي دليل قاطع على فشل الاشتراكية ولحد يومنا هذا لازالت هذه الرواية(أو السردية) تعتبر مسَلّمة لا جدال في صحتها أو صحة جزء منها على الأقل حتى داخل صفوف اليسار الذي وقع ضحية للفكر الرسمي
لكن علاقة الاتحاد السوفياتي بالاشتراكية ليست بهذه البساطة التي يروجها الديماغوجيون فبالإضافة لأن انهيار دولة ما لا يمكن أن يكون دليلا على فشل نظام اجتماعي فالاتحاد السوفياتي و الدول الشرقية التي كانت تدور في فلكه لم يكن يعتبر تعبيرا عن الاشتراكية من طرف العديد من اليساريين الذين سخروا(عن حق) من اشتراكيته القائمة بالفعل
و في الواقع فقد استمر الجدل حول طبيعة الاتحاد السوفياتي أو روسيا السوفييتية منذ اندلاع ثورة أكتوبر إلى عصرنا الحالي و بينما اعتبر اليمينيون ثورة البلاشفة و الثورات التي قضت على الرأسمالية نموذجا يوضح بشاعة الاشتراكية فقد انقسم اليساريون لعدة اتجاهات تبدأ من الذين يدّعون أن ثورة البلاشفة كانت خطأ تسبب في ضرر كبير للقضية الاشتراكية و تنتهي بالستالينيين الذي يدّعون أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان نتيجة لمؤامرة بدأت بصعود خروتشوف و انحرافه عن خط ستالين
و قد صاغ كل اتجاه من تلك الاتجاهات العديدة أطروحة أو أطروحات استند عليها لتبرير موقفه السياسي لكن من بين كل تلك الاتجاهات "أعتقد" أن الأطروحة التي صمدت واستمرت بعد زوال الاتحاد السوفياتي هي أطروحة رأسمالية الدولة التي صاغها بشكلها الكامل التروتسكي طوني كليف بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فبالرغم من أن المرء يمكنه المجادلة حول صحتها إلا أنها تظل أكثر تماسكا مقارنة بأطروحات لا حرج أو مبالغة في اعتبارها "سخيفة" كما أن أطروحة "رأسمالية الدولة" رغم كل شيء من بين الأطروحات المؤهلة للدفاع عن شرف الاشتراكية الذي يتعرض لتتشويه من طرف الديماغوجية الرأسمالية و الأساطير الستالينة فبعد كل شيء اعتبار الاتحاد السوفياتي رأسمالية دولة أفضل و أكثر انسجاما من اعتباره امبريالية اشتراكية أو اعتبار أنه كان جنة اشتراكية صارت جحيما فقط بعد وفاة ستالين
إلا أن الشرف و النزاهة قبل و بعد كل شيء يفرضان علينا عدم التعامل بنهج براغماتي مع الحقيقة فالمسألة لا تتعلق ب "ما هي السردية الأكثر نفعا لقضية الاشتراكية؟" بل يجب على المرء أن يبحث عن الحقيقة بين كل هذه السرديات و خارجها و الحقيقة في رأيي هي أن الاتحاد السوفياتي كان نظاما "انتقاليا" هُدِمت فيه الرأسمالية دون أن تشيّد الاشتراكية و أعتقد أن كتابات ارنست ماندل و اشتراكيين آخرين قريبين لخطه قد تطرقتْ لطبيعة الاتحاد السوفياتي بتفصيل وافٍ و قدمت شرحا كافيا
لكن الحقيقة التي نرغب في التطرق لها بإيجاز هنا هي تلك التي يكشفها لنا تغير دور أطروحة "رأسمالية الدولة" بين الأمس و اليوم فإن أخدنا هذه الأطروحة كنموذج سنرى أنها تكشف لنا عن حقيقة أنه في حين أن صحة الأفكار أو خطأها شيء ثابت فإن الدور التي يمكن أن تلعبه متغير فبعد الحرب العالمية الثانية التي خرج منها الاتحاد السوفياتي المنتصر قوة عظمى تفككت الأممية الرابعة و انقسمت لتيارات بدأت تتباعد شيئا فشيئا على ضوء الأسئلة النظرية الحيوية التي برزت بعد الحرب و بينما ظل ارنست ماندل و تيد غرانت متقاربين نوعا ما فقد كان طوني كليف أول من أعلن مراجعة الأفكار الأساسية لتروتسكي في كتابه "طبيعة روسيا الستالينية" الذي صدر في سنة 1948 و في كتابه "رأسمالية الدولة في روسيا" الذي صدر سنة 1955 و لن يكون من المناسب التطرق هنا لردود التروتسكيين الآخرين على طوني كليف لكن ما أرغب في توضيحه هنا هو أن المسألة لم تكن تتعلق فقط بالأجوبة عن تلك الأسئلة بل ستتعمق الشروخ التي أدت لزيادة تضاؤل نفوذ الأممية الرابعة على أساس الموقف العملي الذي يتبع كل جواب من تلك الأجوبة و في هذا الصدد فبينما حافظ تيار ماندل على حضور لا بأس به في الساحة السياسية الدولية بسبب أطروحته أدت أطروحة كليف لأقصائه و تحويله لتيار تزايدت هامشيته مع تزايد الأحداث الثورية في الساحة الدولية( انفصال تيتو و ستالين – الثورة الصينية – الحرب الكورية – الثورة الكوبية...) إذ أن الموقف العملي الذي نتج عن أطروحته كان هو الحياد الشبه التام من جميع الأحداث الدولية فبالنسبة لتياره لم يكن هناك أي فرق بين النظام الرأسمالي و الحركات اليسارية التي كانت تناضل ضده لأنه كان يرى انها ستؤسس نظام رأسمالية دولة دكتاتورية مشابهة لنظام الاتحاد السوفياتي
و لا توجد هنا مساحة للتطرق لهذه المسألة بتفصيل أكبر لكنني أرغب في التطرق لبعض الأسئلة التي يمكن أن تبرز انطلاقا من ما سبق و ردا عليه(على ما سبق) فبعد كل شيء ألم يتجنب تيار طوني كليف صدمة انهيار الاتحاد السوفياتي بفضل أطروحته كما أشارت بعض المقالات المنشورة مؤخرا؟ و هل يوجد خطأ في أن يعاني المناضل التهميش مقابل الحفاظ على نقائه ؟ و إن افترضنا أن أطروحة رأسمالية الدولة ألحقت الضرر بتيار طوني كليف في الأمس ألا نرى أنها تفيد قضية الاشتراكية و تراثها اليوم؟
كل هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كانت من دوافع كتابة هذا المقال فصحيح أن طوني كليف ترك تراثا "أصيلا" لعب دورا إيجابيا في بناء تيارات أخرى كتيار الاشتراكيين الثوريين المصري مثلا بل و مهما اختلفت الآن مع تيار طوني كليف إلا أنني أؤكد أن تراثهم و رؤيتهم للاشتراكية تمثل مكسبا حقيقيا للقضية فنقدهم الحازم للاستبداد الستاليني و دفاعهم عن اشتراكية إنسانية حقيقية(مثلا كتاب مولينو :ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟) يشكل أساسا يمكن و يجب أن يستند عليه كل دفاع و نضال إيديولوجي من أجل الاشتراكية اليوم و أطروحة "رأسمالية الدولة التي لا تنفصل عن تراثهم الأصيل أشرتُ في مقدمة هذا المقال لأنها من بين الأطروحات الأكثر تماسكا و فائدة لقضية الاشتراكية اليوم لكن كما أشرت أيضا فالمسألة لا تتعلق بالسردية البراغماتية بل بالحقيقة التي ليست أقل فائدة للاشتراكية من أطروحة كليف بل تمثل(الحقيقة) الضرورة الأساسية التي لا غنى عنها للاشتراكية لأن أطروحة رأسمالية الدولة لا تصمد أمام النقد العميق
و في الواقع فبالإضافة لكل شيء لا ينبغي أن يدفعنا الفرق بين دور أطروحة رأسمالية الدولة في الماضي و دورها في عصرنا للانحصار في التفاؤل أو الاعجاب بل ينبغي أن يدفع من يناضل في عصرنا للتأمل و الاستفادة من جميع جوانب مسار من سبقوه فالمناضل لا يخشى بطبيعته السباحة ضد التيار لكن حين يتحول المناضل لهامشي لا تأثير له يغدوا من واجبه مراجعة تكتيكاته على الأقل لأن الدفاع عن فكرة أو مبدأ ما يفترِض أن يتم دون فصل الحاضر عن المستقبل أو التضحية بأحدها في سبيل الآخر لأنهما بطبيعتهما مترابطان وإن حُسب لكليف الدور الإيجابي لأطروحته في عصرنا فموقفه من الحرب في كوريا يحسَب عليه كما يُحسب عليه أن مثل تلك المواقف لم تكن تشوش فقط وعي الطليعة بل كانت أيضا تسمح للستالينين بتقوية نفوذهم و إذا قارنا مثلا نشاط ماندل الذي لم يفوت فرصة الحضور في أي حدث بنشاط كليف ندرك الفرق
إن نقاش مثل هذه المسائل بعيد كل البعد عن أن يكون خاليا من الفائدة فالأمس لا يختلف عن اليوم بشكل تام و أطروحة نظرية الدولة مجرد نموذج لأشياء تتجاوزها و تختلف عنها ففي عصرنا لا يتعلق الأمر فقط بتراث الأمس الذي يلاحق كل من يتبنون القضية الاشتراكية بل يتعلق بأسئلة ملحة برزت أمام اليسار خلال اندلاع الثورة البوليفارية و خلال اندلاع الثروة في ليبيا و سوريا و نحن نرى أن في الصراع الحالي بين الصين و الولايات المتحددة تبرز مجددا أسئلة حول الامبريالية و موقف اليسار و كما لا يخفى على الجميع فرأينا في كل هذه الأحداث حقيقة "مناهضة الامبريالية بين الأمس و اليوم" بشكل معاكس لأطروحة كليف فإن كانت هذه الأطروحة ضارة في الأمس و مفيدة اليوم فالنضال الضروري ضد الامبريالية في الماضي مثل الحاضر صرنا نراه اليوم يُتخذ ذريعة لأسوء المواقف و أكثرها انتهازية و لا زال البعض عالقا بين الأمس و اليوم فلا استوعب دروس الأمس و لا تمكن من استيعاب خط و روح اليوم أما حين ننظر لأطروحة رأسمالية الدولة اليوم فلا يسعنا إلا أن نقول أن طوني كليف فهم خطوط الأمس الذي كان يومه بعمق رغم كل شيء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا