الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليت ذلك كذلك يا صديقي..

علاء الدين أبومدين

2021 / 12 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أعلم أن صديقاً لي بعد مشاهدته لعنف السلطة أثناء مظاهرات الخميس 30 ديسمبر 2021 قد تمنى تدخلاً حميداً من طرف الأمم المتحدة تحت البند السابع، وصديق آخر كان يرجو انقلاباً عسكرياً يأتي بعسكري ديمقراطي.. أو هكذا خُيِّل له..

لكنني أخاطب هنا صديقي الذي يتمنى تدخل الأمم المتحدة تحت البند السابع الذي يقرره مجلس الأمن.. ولأن هذا يبدو أكثر معقولية، فإن السؤال المفتاحي هو: متى يمكن أن تتدخل أعلى هيئة في الأمم المتحدة في دولة ما تحت البند السابع؟

ياصديقي، أنا متأكد أنك في دواخلك تعلم جيداً أن ذلك لن يحدث قبل وصول أعداد القتلى إلى مليون أو مئات الآلاف.. ففي رواندا مثلاً، تدخلت الأمم المتحدة بعد وصول أعداد القتلى إلى حوالي 1,000.000 وتدخلوا في دارفور ضمن بعثة هجين hybrid لحماية المدنيين (في دارفور فحسب) بعد حوالي 300,000 قتيل.. وقس على ذلك مناطق أخرى حول العالم..

كما أن التدخل، من حيث المبدأ، تحكمه عوامل كثيرة؛ ربما يكون في آخرها تلك العوامل الإنسانية كما تتصورها..

أيضا فإن العساكر من الرتب الدُنيا الذين يعملون بالقوات النظامية في السودان وغيره من دول العالم الثالث، إنما يمثلون الفئات الأكثر فقراً ضمن مجتمعات تلك الدول، وربما تكون توعيتهم بأن طاعة الأوامر لا تعفيهم من المساءلة والعقاب في الجرائم الجنائية؛ مجدية أكثر في حالة عدم توفر مرتزقة أجانب عند الطلب او الطمع، فالأمر سيان.. لا سيما مع حالة السيولة في العلاقات الدولية التي انتظمت العالم إزاء عمليات الاصطفاف وإعادة الاصطفاف والتموضع وإعادة التموضع من أجل وضعية أفضل في نظام دولي جديد New International Order آخذ في التشكل.. وآسف للاستطراد في هذه الجزئية، لكن واقع السيولة الدولية هذا، وعدم اكتمال تشكل حدود نفوذ الدول العظمى لمستقبل يراه الكثيرون قريباً؛ يؤثر علينا للغاية بسبب الموقع الجيوستراتيجي للسودان وعامل طريق الحرير الجديد وأيضاً بسبب الموارد المعدنية الهائلة للسودان.. وكل ما سبق ذكره له دور أكبر بكثير من دور الموارد الزراعية والحيوانية في أسباب تنامي الصراع الحالي على السودان.. على عكس ما يتصور الكثيرون..

المهم، هؤلاء العساكر الصغار الذين يمارسون العنف تجاه المتظاهرين، هم في غالبيتهم المطلقة؛ أبناء مجتمعات ريفية وبدوية تسود فيها ثقافة عصبية القبيلة والغارات والغنائم مما هو سائر في مناطقهم حتى في إطار الخلافات القبلية والإثنية.. وهو أمر للأسف لم تسلم منه حتى تنظيماتنا المدنية ومنها الأحزاب والنقابات.. وتمظهر ذلك أيضا في الشقيقة مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 في شكل سياسي ونقابي وفئوي وطبقي.. ومنه حق القضاة في تعيين أبنائهم بالجهاز العدلي والقضائي دون اعتبار للكفاءة الفردية، وعلى أساس فئوي وطبقي كما دافع عنها رئيس نادي القضاة ووزير العدل المصري السابق/ أحمد الزند إثر انتحار شاب مصري لم يجد نصيبه من التعيين. زد على ذلك مطالب النوبيين وعرب سيناء بتمييز إيجابي.. وتلك ثقافة تغذيها (للأسف) العقيدة العسكرية في كليات القوات النظامية في السودان والعالم الثالث عموما.. وإن أخذ ذلك منحىً طبقياً حاداً في دولة مصر بسبب اختلاف طبيعة التطور الاقتصادي والتطور القيمي المرافق له عبر التاريخ.. ويتمظهر هذا في السودان ضمن طواقم الضباط الذين يُلقنون في الكليات العسكرية أن المدنيين (الملكية) أقل منهم لأنهم ليسوا حماة البلاد، وبما يتطور إلى تصور أنهم أقل أهلية من أن يكونوا حكاما للبلاد، خاصة عندما يلجأ أولئك المدنيون إلى العسكريين طالبين منهم مساعدتهم في استلام السلطة عبر انقلاب عسكري؛ يسمونه تدليلا (ثورة)..

وهكذا، ضمن السياق والظروف التاريخية المذكورة أعلاه، تتطور ذرائع نمطية لدى العساكر يستخدمونها لتجريم السياسيين المدنيين عند طمعهم في السلطة.. تبدأ من غياب رؤية واستراتيجية الأمن القومي لدى المدنيين وتنتهي باتهام المدنيين بعلاقات تخابر مع الأجانب.. وربما هنالك أيضا تأثير مصري (سلبي) جراء تدريب بعض الضباط السودانيين في مصر، وذلك حسب شهادات منشورة لعدة ضباط.. إذ حسب تلك الشهادات فإن هذا الدور قد بدأ بشكل واضح في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عبر تنظيم الضباط الأحرار، ودوره المعروف في الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية..

بإزاء كل ذلك، ولتقليل سريع لأعداد القتلى والإصابات في السودان، فمن الأفضل الذهاب إلى لم شعث الشارع السياسي وفي قلب ذلك لجان مقاومته وأحزابه بغية التوافق على مطلوبات.. فإن وافق عليها البرهان وجماعته، حقنوا الدماء، وإن رفضوها؛ نكون حينئذ موحدين ويكون هنالك سند إقليمي ودولي معقول.. لنمشي معا الخطوات التي كتبها لنا القدر.. مسنودين بما يمكن أن يفهمه المجتمع الدولي بشكل أفضل، ويمكن أن يتم التصعيد على أساسه، بطريقة تستدعي تدخل الأمم المتحدة بشكل أسرع عند ذروة معقولة.. بعكس ذلك التدخل الدولي المتباطئ الذي يكون جراء تهديد نزاعات السودان للسلم والأمن الدوليين على أساس تصاعد للعنف يقاس بالعدد وليس النوع.. وعلى أساس الحاجة إلى تدابير من هذا النوع في إطار تقديرات وتوازنات مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وليس بالضرورة إنسانيته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية