الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيلم الايراني -رجل نزيه - وثيقة سينمائية تدين الحالة السياسية والاجتماعية في إيران اليوم

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2022 / 1 / 2
الادب والفن


بعض السينمائيين ألايرانيين يسعون إلى المتاعب والاستفزاز وإثارة الجدل وأحد هؤلاء المخرج الأيراني " محمد رسول أوف . بالرغم إنه يعترف بأنه ليس من هذا الصنف ويقول "أريد السينما فحسب. السينما سبب وجودي على هذه الأرض ، "محمد رسول‌ اوف" هو مخرج ومنتج إيراني و يبلغ من العمر 47 عاماً، ويعدّ من بين أشهر المخرجين الإيرانيين في الساحة الدولية إلى جانب "أصغر فرهادي" و"جعفر بَناهي" وتوصف أفلامه بأنها ذات نزعة انتقادية وتحمل مضمون أفلامه سياسي، ولهذا السبب تعّرض خلال حياته المهنية لضغوط كثيرة من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية، حيث تمّ استدعاؤه مراراً إلى المحكمة . في عام 2009 فاز رسول أوف بجائزة التحكيم الخاصة، وجائزة أفضل ممثّل في مهرجان دبي السينمائي الدولي عن فيلم "الحقول البيضاء "، وبعد فترة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تلتْها احتجاجات واسعة في البلاد ، وعند استعداده لإنتاج فيلم وثائقي، ألقي القبض على رسول أوف مع زميله المخرج "جعفر بناهي" بعد اتّهامه بترويج "الدعاية ضدّ النظام" و"العمل ضد الأمن القومي"، في مارس -آذار عام 2010 كان جعفر بناهي ومحمد رسول آف، يصوران فيلماً، عندما اقتحمت الشرطة منزل بناهي وتم اعتقالهما. التهمة هي التخطيط لإنجاز فيلم انطلاقاً من حكاية عائلة تورطت في الحوادث التي تلت انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد . عاش رسول آف جحيماً قضائياً طوال عام ونصف العام ولم تنته آخر فصولها بعد. حظيت قضيته بالتدويل وجُمعت من أجلها التواقيع، بعدما باتت نموذجاً لقمع الحريات في بلد أرتأى حكامه أن يحولوه الى سجناً كبيرا ، وحكم على المخرج في عام 2011 بالسجن سنة بعد إدانته بتهمة القيام بـ“نشاطات تهدد الأمن القومي“ و“الدعاية“ ضد النظام في حين حكم على السينمائي جعفر بناهي بالسجن 6 سنوات بناء على التهم نفسها، يومها قال المخرج "النظام الإيراني لا يحب أن يرى تأثيره السيئ ولا يحبذ النظر في واقع الأمور. بعض النقد مقبول، ولكن له سقف معين، فيجب ألا يطال السيستم، ". ورغم ذلك واصل رسول أوف العملَ وأنتج فيلم "إلى اللقاء"، الذي يروي معاناة محامية إيرانية وإحساسها بالغربة في بلدها بعد سحب رخصة العمل منها، ثمّ تقرّر الهجرة إلى خارج البلاد. وفاز الفيلم بجائزة "نظرة ما" لمهرجان كان عام 2011 ، غير أن رسول أوف مُنع من مغادرة البلاد لاستلام جائزته . في عام 2013، صادرت السلطات الإيرانية جواز سفر رسول أوف لدى عودته إلى إيران، بعد فوز فيلمه "المخطوطات لا تُحرق" بجائزة في مهرجان كان السينمائي والذي يتحدث فيه عن عملية القتل المتواصلة للصحفيين والكتّاب في إيران، إستولت الأجهزة الأمنية على جواز سفره عام 2017 ثانية عقب عودته من مهرجان كان السينمائي ، الذي فاز فيلمه "رجل النزاهة" فيه بجائزة مسابقة "نظرة ما"، وتطرّق رسول أوف في هذا الفيلم إلى قضية الفساد في إيران . وتم اعتقاله وسجنه لمدة عام ومُنع من مغادرة إيران وكذالك مُنع من صناعة الأفلام مدى الحياة . وفي تصريحات عديدة قال رسول أوف: "من الغريب أنّهم يتّهمونني بالدعاية ضدّ النظام لأنني أروي قصصًا. أفلامي ليست سياسية. إنّها نقد اجتماعي، له تداعيات سياسية. بدلاً من فهم الأفلام بشكل مغلوط ويؤولونها على أنها تشهير بالدولة" . لم يمنعه ذلك التضيق من العمل و بعد ثلاث سنوات فقط حين قام بعمل كبير في السينما الإيرانية الحديثة. وأخرج فيلم "لا يوجد شر"، صوّر المخرج رسولوف سراً فيلمه المكون من أربع قصص وهي شهادات ضد عقوبة الإعدام وفاز الفيلم بجائزة الدبّ الذهبي في مهرجان برلين لعام 2020 ، الفيلم من كتابة وإنتاج رسولوف إضافة إلى الإخراج ، نشير إلى أن أياً من أفلامه لم يعرض في إيران . في فيلم (رجل نزيه) ، يكون بطل الحكاية رضا (رضا أخلاغيراد) الذي تعلّم في الجامعة بطهران ، وهجر المدينة واختار أن يعيش مع زوجته هاديس (سودابة بيزاي) وإبنه في الرّيف، حيث بدأ رضا هناك مشروع مزرعة سمكية في قطعة الأرض التي اشتراها بموجب قرض مصرفي، وفي وسطها بنى المنزل الذي يقيم فيه مع زوجته وإبنه . ومزرعة أسماك هي مصدر رزقه إضافة إلى عمل زوجته كمديرة في المدرسة الحكومية في القرية . عائلة متعلّمة ومثقفة ومن الطبقة الوسطى، وهو يحاول الاستقلال بعمله. لكنّ رضا وزوجته يتعرضون للتهديد و الضرب ، حتى إبنه يتم الاعتداء عليه في المدرسة ، إذن هم يعانون أولاً من الغربة في قرية لا ينتمون إليها، فمراراً سمعا ممن حولهما أنّهما ليسا من القرية وبالتالي لا طائل من مواجهة بلطجيّ القرية(عباس) ، ولهذا البلطجي قصّته الذي تستخدمه شركة كبرى تحاول شراء الأرض من رضا، شراء مصدر رزقه الوحيد، والرّجل النزيه ( رضا) يرفض ذلك ويتجاهل تهديدات الشركة ، مواجهاً الشركة ومكائدها وكذلك نصائح الجميع بأن يبيع وأنه ليس بحجم الشركة كي يواجهها( لانها مدعومة من أحد رجال الدين) . يبدأ رضا ببيع سيارته كي يسدّ قرض المصرف حتى يحافظ على أرضه ، وبعدها تبدأ الخسارات تتوالى ، (عباس) بلطجي القرية، وهو هنا ممثل مصالح الشركة فيها، يريد أن يستولي على المزرعة ويضيق الخناق عليه ، لذلك يقطع المياه عن البحيرتين اللتين تعيش فيهما أسماك رضا، وعند محاولة رضا فتح حاجز المياة يهجم عليه عباس ويدخلان في عراك ، يشتبك رضا معه بالأيدي لكن عباس القوي ورجاله يضربونه، ثم يذهب عباس ليشكو رضا مدعيا أنه أصابه في ذراعه بعد أن حصل على تقرير طبي مزور عن طريق استغلال نفوذه كما اشترى تواطؤ الشرطة، فيتم القبض على رضا واحتجازه ثم إطلاق سراحه بكفالة تمهيدا لمحاكمته . تمارس الضغوط على رضا لكي يتصالح مع جاره عباس. لكن رضا ليس من النوع الذي يقبل المساومات أو الانحناء أمام العاصفة، يتمسك بالطرق القانونية التي يثق أنها لابد أن تعيد إليه حقه ، يرفض أن يدفع رشاوى لموظفي البنك لكي يسقطوا عنه غرامات التأخر في سداد الأقساط ، ويفضل بيع سيارة زوجته لكي يسدد ما عليه ، ويرفض الاعتذار لعباس أو التصالح معه ، فيكون من الطبيعي أن يتعرض لمزيد من المشاكل والضغوط . ويتصدّى (رضا)، لمصالح شركة نافذة التي لديها أطماع في أرضه ، ويلقى في معركته مساندة زوجته في المراحل الأولى، ويتشبّث بمبادئه، لكن الأبواب تُغلق في وجهه واحدا تلو الآخر . بعد سجنه تلجأ الزوجة الى شقيقها لمساعدتها في إخراج زوجها رضا من التوقيف بعد دفعه الرشوة الى ضابط الشرطة . تغضب الزوجة وتخبر شقيقها بأنّ رضا ما كان ليفعل ذلك حتى لو كانت هي المسجونة. ومن أجل المزيد من الضغوطات على رضا يقومون رجال الشركة (عباس وعصابته) بتسميم الأسماك التي يربيها ويحرقون منزله. بعدها يضغطون على زوجته مديرة مدرسة للبنات في البلدة ويلوحون لها بقدرة عباس على الفتك بمن يعارضه ، وحتى عندما يريد أن يبيع المزرعة ترفض الشركة عرضه للبيع بما طلبه من ثمن بخس استجابة لضغوط من عباس . جميع من حوله ضالعون في حلقة كبيرة من الفساد . بعد تسميم المياه تهجم غربان على الأسماك في مشهد ”مرعب “، ويكون هذه الهجوم الضربة القاضية على رضا التي نفقت وكان لا بد من تجميعها كالتراب ونقلها في سيارة لإتلافها . لكن رضا لن يرضى بالخنوع والاستسلام بعد أن يرى كيف رفض عباس مصالحته مصراعلى إذلاله ثم حرق منزله . من هنا وبعدما قُضي تماماً على مصدر الرزق الوحيد لرضا بدأ التحوّل في شخصية رضا من رجل نزيه يعتذر إن أخطأ ويرفض الرشاوي، إلى آخر ، لا بد له أن ينتقم لنفسه وعائلته وأن يتبنّى نفس طرقَ من أذوه ، فيحصل على كمية من المخدّرات ويزرعها في سيارة البلطجي عباس والذي سيسجن، ثم بعدها يدبّر عملية لتصفيته والخلاص منه بعد مقتله، ويذهب لتقديم التعازي لعائلته لأبعاد الشبه عنه ،هناك يشكره بعض المعزّين، لكن الجميع يعرف بطريقة ما أنّه من دبّر عملية القتل، والجميع كان يتمنى موت هذا الشرير لآن الكل كان متأذ من البلطجي الذي قُتل والذي ترك مكاناً فارغاً ، لذاعرضت الشركة على رضا بأن يملأه . ففي العزاء ذاته أتى ممثل الشركة إلى رضا ليخبره بأن الشركة ما عادت تلاحقه لشراء أرضه، بل على العكس فهي تعرض عليه أن يحل محل البلطجي (عباس) كممثل لمصالح الشركة في القرية . من ذلك نرى أن لا مكان للرجل النزيه الذي أُحرق بيته كاملاً في مرحلة من مراحل الفيلم، وأنّه لن يكون بمأمن إلا إن اتّبع السياسة الفاسدة وهي بأن يصير قوياً ويأكل حق الضعيف، وقتها فقط سيصير وعائلته في مأمن، وقد قيل له ذلك في مشهد من الفيلم، بأنّه إن لم يثبت للقوي الآخر بأنّه لا يقل قوّة فلن يخرجه من مأزقه شيء، وأن لا دولة ولا مجتمع يقف معه . في فيلم “رجل نزيه” لدينا بطل فردي مهزوم يواجه، بمساعدة زوجته الشابة الجريئة، مجتمعا فاسدا حتى النخاع، فتتكرر هزيمته إلى أن يصبح مهددا بفقدان البيت والأرض والمزرعة أي مصدر دخله الوحيد، ثم بفقدان حياته أيضا. تنهار علاقته بزوجته أو تكاد، ويجد نفسه مطرودا، مطلوبا منه الاستسلام لما يريده منه “الكبار” أصحاب النفوذ، فيضطر أن يلجأ إلى التعامل مع خصومه بنفس أساليبهم حتى يمكنه قهرهم، ولكنه في هذه الحالة يكون قد انضم إلى “النظام” بعد أن ارتضى باللعب على أرضيته . يعتمد الفيلم أساسا على السيناريو الجيد المكتوب ببراعة ودقة، مع مراعاة التفاصيل التي تكسب الشخصيات ملامحها الإنسانية، يقول المخرج الإيراني محمد رسولوف العالق في بلاده، إن ”الفساد واقع يومي“ في إيران ويطبع المجتمع برمته، وهو يتناول هذه المشكلة في فيلمه الأخير ”رجل نزيه" . ويضيف المخرج في مقابلة مع وكالة فرانس برس عبر ”سكايب“ على الإنترنت، ”الفساد يخترق كل الطبقات الاجتماعية“ في إيران "، في هذا الشريط السينمائي يروي المخرج قصة ”رضا“، وهو رجل يعيش حياة بسيطة ويحاول محاربة الفساد في شركة خاصة تدفع سكان بلدة إلى بيع ممتلكاتهم ، ويرى المخرج رسولوف، " أن الفساد واقع يومي في بلده ، يخترق المجتمع من أدنى السلّم الاجتماعي إلى قمة هرم السلطة“، حيثُ يتوافق كلام المخرج مع بيانات منظمة الشفافية الدولية التي تعطي إيران درجة 29%، أي ما يدلّ على فساد كبير وهذا هو الواقع الذي أراد المخرج تصويره في فيلمه الجديد، وقد سبق أن تناول في أعمال أخرى ملامح خفيّة من المجتمع الإيراني . ويشدد المخرج على أن هذا النظام يجبركم على أن تكونوا فاسدين حتى وإن كان الفساد بغيضا في نظر المحيطين بي . وهذا ما يحصل لبطل فيلمه رضا الرجل الشريف فهو امام خيارين ،فإما أن ينخرط في الفساد، تجنبا لمواجهة مع إمبراطورية الملالي، وإما رفض الفساد والدخول بالتالي في تحدٍ خاسر وبكلفة باهظة. "رجل نزيه" أكثر أفلام رسول أوف إثارةً لغضب النظام عليه، رغم حصوله على تصريحٍ بالتصوير من "وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران". ولكن بعد الانتهاء منه، قرّرت السلطات الإيرانية عدم عرضه في مهرجان "فجر"، في فبراير/ شباط 2017، وحاولت إقناع مخرجه بعدم عرضه في مهرجان "كانّ". لكنّه عُرض في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) للمهرجان نفسه، وفاز بالجائزة الأولى "نظرة ما". صوّر الفيلم مقاومة رجل نزيه في عدم الوقوع في حبائل الفساد المستشري في السلطة المتمثلة بالشركة التي تُصرّ على امتلاك أرضه وتحاول بشتى السبل إجباره على بيعها. ترتبط الشركة بالسياسة والمال والسلطة، وتنتهك القوانين والقيم الاجتماعية، لفرض قراراتها على مجتمع البلدة. لكن رضا لا يريد التنازل، فتبدأ لعبة الرشاوى . لكن الأمور تفلت منه وتُخرَّب أعماله ومشاريعه بسبب تصلبّه ومواجهته "الكبار" .في حوار ترويجي رافق مشاركة الفيلم في مهرجان "كانّ" آنذاك ، قال محمد رسول أف إنّ ما دفعه إلى كتابة الفيلم موقف تعرّض له قبل 20 عامًا، مُشابه لما واجهه رضا، لا سيما في محاولاته الضغط على نفسه، وعدم "الانفجار" أمام مضايقة السلطات له من دون سبب. وأوضح أن رضا يعاني بسبب "تركيبة أنجبها النظام، فيها القمع الاجتماعي كلّه الذي يعاقِب من لا يتبع الخط نفسه ". لكن رضا ، الذي رأيناه بالفعل يرفض المشاركة في تقديم الرشوة في عالم فاسد تحركه ايدي فاسدة ، ويعتقد أنه يعرف من المسؤول وهوجاره عباس (ميساغ زاري زينب) هو رجل عصابات شرير ينفذ تعليمات أسياده من الطبقة المقربة الى سلطة الملالي ويعمل لصالح "الشركة" التي تحاول شراء أرض رضا ، وعلى الفور دخل رضا في مواجهة معه أدت به إلى السجن ، هناك خط مدفون بعمق من الفساد الذي سيطفو في النهاية ، بالنظر إلى ما يكفي من الشدائد. كما تقول إحدى الشخصيات لرضا ، "في هذا البلد ، إما أن تكون مظلومًا أو مضطهدًا" ، ينقل المشهد الافتتاحي هذا في إيماءة انعكاسية ذاتية: تتحرك الشخصيات في منزل ذي إضاءة خافتة بحثًا عن شيء مخفي بعيدًا مثل موضوعات هذا الفيلم أو حتى مكانه. البطيخ ، كما اتضح أنه يحتوي على المخبأ ، في اللحظات الأكثر غرابة ، مثل زيارات رضا إلى كهفه وهو مكان عزلته (ينبوع ساخن في كهف يتعارض بشدة مع بقية المناظر الطبيعية ومخططات الألوان التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها حلم) حيث يشرب من النبيذ الذي يخمره بنفسه من ثمرة الرقي ويصنعه في مخبأه في بيته . وكل حادثة لاحقة تنتج عن اتخاذ القرار الصادم والصريح بانه لو دفع رشوة لأي شخص على طول الطريق ، فلن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه ، ودائما يقدم الآخرين النصيحة للزوجين (رضا وهاديس) بأن يوقفوا خسائرهم ويتحركوا بدلاً من الخوض المزيد من المعارك . إذا لم يقاوم رضا ذلك الرجل الذي اتهمه بالاعتداء وخرب مزرعته ، فستفقد الأسرة كل شيء دون خوض معركة من أجل كسب قوتها. إذا عارض رضا ، فقد تستمر القضية لسنوات وتتكلف في النهاية أكثر من قيمة المزرعة. الحل الوحيد لرضا هو أن يلجأ إلى نفس اسلوب الخداع والمراوغة اللذين جعلتهما ضحية في المقام الأول. غالبًا ما تعتبر الرشوة في مجتمع رضا عملا ضروري لتمشية المعاملات في دوائر ومؤسسات الدولة . ولكن رضا رجل شريف لدرجة أنه سيقدم بسهولة غرامات لمصرفي فاسد واضح بدلا من رشوته فقط ليكون في الجانب الآمن. لكن مع سير الاحداث وتقدم الفيلم الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ ، حيث يفكر رضا في إيجاد الحلول والخروج من ورطته بأقل الخسائر في عزلته في الكهف مع نبيذه الذي يصنعه في بيته سرأ . وفي نهاية الفيلم ، سيدرك رضا أنه لا توجد أرضية وسط ، ولا حياة صادقة، إما أنه يسمح لنظام فاسد أن يدوس عليه أو أن يصبح جزءًا من النظام بنفسه . المناظر الطبيعية هنا قاتمة مثل وجهة نظر قابلية الإنسان للخطأ. السمكة الذهبية التي هي من بين ومضات اللون الوحيدة في الفيلم، والتي تموت بشكل جماعي بعد تسممها، وتكون طعاما لقطيع من الغربان وسط صراخ الزوجين ومحاولة ابعادها عن المزرعة والكلاب تنبح من مسافة بعيدة ، والمطر يتساقط بلا كلل ويتحول الريف إلى نفس درجات اللون الرمادي مثل الشوارع المزدحمة والمباني البلدية في طهران . رجل النزاهة هو قطعة سينمائية مكثفة عالميًا تُظهر مخاطر محاولة القيام بالشيء الصحيح عندما تعيش في عالم لا يوجد فيه هذا المفهوم حقًا . تفاقمت المشكلة التي يواجهها رضا في المدينة بزيارة شقيقته في طهران ، التي أبلغته أن شقيقهما أوميد يواجه عقوبة سجن تصل إلى ست سنوات بسبب أتهام السلطات الايرانية له بقيامه بنشاط تخريبي سياسي. وتضطر زوجته المترجمة و المثقفة على العمل بتحويل سيارتها الى معرض لبيع الملابس في الشارع لان إجور الترجمة لاتكفي للعيش، يُحسب لـ "رجل النزاهة" أن ينتهك موضوعات القسوة المستمرة للبيروقراطية والمسألة الأكثر ضررًا لفساد الشرطة والتي من الواضح أنها من المحرمات في ظل النظام الحالي لإيران. السيناريو تعامل ليس فقط مع الصراع القائم مع السلطة وفسادها ولكن أيضًا مع الصراع الديني حين يتم إبلاغ إحدى الطالبات في مدرسة زوجة رضا (هاديس ) برفضها وطردها من المدرسة بسبب ديانتها رغم توسلات اهلها ، ويكشف لنا المخرج لاحقا إقدام الفتاة على الا نتحار حين تاتي الشرطة الى المقبرة لمنع دفنها في مقبرة إسلامية . على الرغم من أنه أقل أهمية هنا في تناول تلك المسألة لكنها إشارة الى عدم الاستقرار وعدم الراحة لدى أولئك الذين يعيشون في جزء من إيران لأي نوع من الأقليات وغير مرحب بهم ويثبت أنه مسار ثري يستحق المزيد من الاستفادة منه . يرسم لنا الكاتب والمخرج محمد رسولوف لوحة بسيطة عن رجل يحاول ببساطة أن يعيش حياته بهدوء ينغمس ببطء في دوامة من اليأس في نظام فاسد . لكن قصة مثل هذه لا تحتاج إلى أن تكون مبهرجة. لذا تكون الصورة غائمة ومغبرة بشكل دائم تقريبًا في تصوير رسولوف لشمال إيران ، وهو ما يتناسب مع محنة الشخصيات . وقد ابدع المصور السينمائي أشكان أشكاني في التقاط كل شبر من الغرفة داخل إطار ، مفضلًا عرض النطاق على اللقطات القريبة ، والتي لا تُستخدم إلا عند الضرورة للفت الانتباه إلى التعبيرات الدقيقة للممثلين . أداء الممثل" رضا أخلاغيارد" كان مبهرا ويتمتع بحضور قوي على الشاشة حوله ، ويكشف لنا الخط الفاصل بين رجل بسيط كل يوم وآخر على حافة الانهيار العاطفي وربما الجسدي بفضل الضغوط التي يتعرض لها ولا يعرف تمامًا الطريقة التي يتجه بها لحل مشكلته . يستكشف المخرج كيف يضطهد النظام الفاسد أولئك الذين ليسوا في السلطة ويفسدهم أيضًا في النهاية. إنها دراما موجهة ببراعة وتشتمل بشكل مدهش على دراما تستحق أكبر قدر ممكن من التعرض لها. أنه فيلم يبين لنا مدى سهولة تحويل الإنسان الصالح إلى أكثر أنواع الشر سوءاً. لكن الجانب الأكبر في نجاح المخرج وتوفيقه في صياغة هذه الحبكة ودفعها بهدوء نحو ذروتها، يكمن في عنصر التمثيل . هنا يبرع الممثل رضا أخلاقي راد في الدور الرئيسي، في صمته، ولحظات تأمله الطويلة وهو تحت مياه “الدوش” في الحمام، أو مع إبنه وهو يقوم بتعليمه كيفية الاستحمام، ثم وهو يواصل تخمير البطيخ الأحمر عن طريق حقنه بمادة كحولية ثم دفنه في مستودع صغير سري تحت الأرض، وهو نوع آخر من المحاذير التي لا يكشف الفيلم عنها سوى بالإشارة التي يفهمها الجميع، كما لا يكشف فيما بعد عن كيفية استفادة رضا من هذه المادة التي تتحول إلى مشروب مسكر يقوم بوضعه في زجاجات ثم يخرج وهو يحمل تلك الزجاجات ولا نعرف أين يبيعها، وكيف سيستخدم الحصيلة بعد ذلك في تمويل “مشروعه” الخاص بالتخلص من خصمه العنيد ، أمام "رضا أخلاقي" تقف بكل شموخ وتألق وجمال رصين مليئ بالنبل الممثلة "سودابة بيزاي" التي تتميز بقدرة مدهشة وحضور خاص في دور الزوجة التي تتألم لما يحدث لزوجها، تريد أولا أن تدفعه إلى تقديم بعض التنازلات خشية تفاقم الأمور وانعكاسها على حياتهما المشتركة بالسلب خاصة بعد أن تروي لها معلمة بالمدرسة كيف أن عباس لم يتورع عن قتل إحدى بناته في خضم صراع مع خصم سابق له، ثم اتهام خصمه بقتلها حتى يزج به في السجن ثم يحصل على تعويض. لكن الزوجة مع تطور الأحداث تحاول مساعدة زوجها عن طريق ابتزاز ابنة عباس وهي تلميذة لديها في المدرسة، لكي تقمع والدها بالتخفيف من ملاحقة زوجها والتضيق عليه، ولكن هذه المحاولة تفشل . وفي لقاء أخر له يقول المخرج رسولوف " لقد مرت عليّ أوقات فكرتُ خلالها في ترك السينما. أنا لستُ عاشقًا متطرفًا للسينما. السينما بالنسبة لي ساعة لانعكاس تجارب الحياة الإنسانية" . في كل مرة أصور فيلما يتوجب علي تفسير كل شيء لطمأنة الجهاز الرقابي أني لست بصدد صناعة فيلم لإسقاط النظام الإيراني، وأن كل همي صناعة فيلم يناقش ويعكس المشاكل الاجتماعية لتحسين هذا المجتمع".. بهذه الكلمات رد المخرج الإيراني محمد رسولوف على وسائل الإعلام خلال مشاركته بفاعليات النسخة الأخيرة من مهرجان “كان” السينمائي الدولي، موضحًا بين طي كلماته مدى الصعوبات التي يواجها صاحب الـ 45 عاما في مجتمعة الذي يرى فيه تهديدًا كبيرًا لنظامه السياسي بسبب جرأة أفلامه في طرح مساوئ هذا النظام . في الخلاصة فيلم فيلم “رجل نزيه” يكشف تدريجيا دون حوارات كثيرة معقدة، ودون صراخ أو شعارات، آليات الفساد و التدهور ألاخلاقي في مجتمع شمولي، بل إنه حتى يتجرأ ويتجاوز المحظور حين يعرض اضطهاد وإبعاد طالبة من المدرسة بسبب ديانة أسرتها “التي تفهم في السياق على أنها البهائية”، وإخراج جثتها بعد انتحارها بسبب هذه التضيق عليها وعلى عائلتها من قبور المسلمين بعد أن اكتشفت السلطات أنها "غير مسلمة ". المخرج الإيراني محمد رسول آف هو مخرج مضطهد يعيش من أجل السينما ، وحظي فيلمه (رجل نزيه) وهو دراما عن رجل يرفض استخدام الرشوة كطريق للخروج من المشكلات، بإشادة مجلة فارايتي التي وصفته بأنه "دراما مثيرة للتوتر والغضب حيال الفساد والظلم … ونقد لاذع للمجتمع الإيراني المعاصر … وهو ما من شأنه أن يكون له صدى على كلا المستويين المحدود والعالمي".
في الختام : يمكن اعتبار الفيلم وثيقة سينمائية تدين الحالة السياسية والاجتماعية في إيران اليوم، وليس ظهور الخامنئي على التلفزيون في أحد مشاهد الفيلم، مع استعراضات عسكرية، إلا إشارة إلى أن المظالم الحاصلة على الشخصية الرئيسية رضا وزوجته تمتد من كونها اجتماعية ومحلية جداً، إلى قسم الشرطة إلى المجتمع بعمومه إلى المؤسسات الفاسدة التي تحاول القضاء عليه كفرد، إلى السلطة السياسية الحاكمة والمتحكمة في كل ذلك باسم الثورة الإسلامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير