الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرياتي مع الفقيد الراحل اسحاق الشيخ يعقوب بعد عودته إلى أرض الوطن

نجيب الخنيزي

2022 / 1 / 3
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


( الأخيرة )

في أواخرعام 1975 رجع إسحاق الشيخ ( أبو سامر ) إلى أرض الوطن حيث أستقر في مدينة الخبر، وسكن في منزل صغير مستأجر حيث التحقت به عائلته . زوجته نعيمة فضلت الإحتفاظ بجواز سفرها البحريني ، وبعد فترة أستطاع أن يبني منزلا كبيرا في أحد الأحياء الراقية في مدينة الخبر( الحزام الذهبي ) بعد أن تحسنت أوضاعه المالية من بيع بعض العقارات المشتركة للعائلة .
أستمرت صلتي التنظيمية مع إسحاق الشيخ ( أبو سامر ) بعد عودته ، غير أن ظروف العمل الحزبي الجديدة وغير المألوفة بالنسبة اليه ، والمتسمة بالسرية الكاملة والعمل التنظيمي الصارم لم يستطيع التلائم معها ، وهو ما انعكس في ضعف بل وغياب مساهمته في العمل التنظيمي والنشاط الحزبي العام و اليومي ، وانحصر نشاطه ضمن الاجتماعات الدورية للقيادة ( اللجنة المركزية والمكتب السياسي ) وعلى الصعيد الخارجي شارك في حضورالمؤتمر السادس والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي في فبراير عام 1981.
غير أنه أشرف على نشاط " لجنة أنصار السلام " وإصدار المجلة الثقافية الدورية " الثقافة المعاصرة " والتي كان يشارك فيها مثقفين وأدباء من أعضاء أو أصدقاء الحزب الشيوعي ، ومن أبرزهم الشاعر الكبير وأحد رواد الحداثة في بلادنا الأستاذ محمد العلي ( كان صديقا وقريبا جدا للحزب ) والشاعر الكبير علي الدميني ورئيس جمعية الثقافة والفنون الراحل شاكر الشيخ وغيرهم .
وفي الواقع من خلال التأثير المباشر وغير المباشر لمحمد العلي وعلي الدميني أنضم العديد من المثقفين والأدباء المبدعين إلى صفوف الحزب أو أصبحوا قريبين منه ، أذكر من بينهم الشاعر الكبير الراحل محمد الثبيتي ، و الأديب والروائي البارز الراحل عبد العزيز مشري وغيرهم .
اعتقالات 1982 شملت العشرات من القيادات والكوادر الحزبية ( وكنت انا وأبو سامر من ضمنهم ) في الحزب الشيوعي، كما كان ضمن المعتقلين بعض أعضاء اتحاد الشباب الديمقراطي ( القريب من الحزب ) .
بعد أن قضينا قرابة العام في المعتقل جرى الإفراج عنا غيرانه تم منعنا من السفر قرابة 12 عاما .
وفي الواقع بعد خروج أبو سامر من السجن لم تعد له أية صلة تنظيمية مباشرة بالحزب ، ومع أني والعديد من أعضاء القيادة التي خرجت من المعتقل ، وبناء على طلبنا أنسحبنا ( نظرا لإنكشافنا وقيود الرقابة الصارمة ، والخشية من الإختراق الأمني ) من قوام القيادة و المشاركة في العمل التنظيمي اليومي،غيرأننا حافظنا على صلة دائمة بالحزب وقيادته الجديدة حتى مراحله الأخيرة ، حين انتهى وجود الحزب التنظيمي في مطلع 1992 ( سأحاول أن أكتب عن تلك التجربة وخصوصا مرحلة جبهة التحرر الوطني وصولا إلى ملابسات تغيير مسماها إلى الحزب الشيوعي وصولا إلى انتهاء العمل الحزبي في مطلع التسعينات من القرن المنصرم ) .
في عام 1999 اعتقل أبوسامر للمرة الثانية مع عدد محدود من الأشخاص في الرياض ، لكن ليس بتهمة الإنتماء إلى الحزب الشيوعي، حيث كان المعتقلين متبايني الأتجاهات الفكرية ، والوحيد من بينهم الذي كان له توجه وتجربة في إطار اليسار في مرحلة الخمسينات والستينات هو المناضل النقابي القديم عبد الرحمن البهيجان .
وفقا لحديث إسحاق بعد الإفراج عنه أنه وجهت لهم تهمة تكوين ما يسمى حزب أو تجمع " الزنبقة " والذي سمعت عنه لأول مرة ، غير أنه كان شحيحا في الحديث عن تلك التجربة وطبيعتها وسياقاتها ، وقد تحدث عن تلك التجربة ، وعن اعتقاله عام 1982 في كتابه " المساءلة " الصادر في عام 2011 والذي أهداه إلى الرفيق الشاب المهندس خالد النزهة (من حائل) الذي توفي في السجن حين كنا في المعتقل عام 1982 ، كما أصدر سيرته الذاتية في جزئين تحت عنوان" إني أشم رائحة مريم ".
مع أن إسحاق الشيخ ومعه بعض الرفاق ، بما في ذلك الأمين العام السابق (مهدي مجيد ) لم يتحدثوا لاحقا عن مدى صواب أو خطأ تغيير مسمى "جبهة التحرر الوطني في السعودية " إلى الحزب الشيوعي في عام 1975، غير أن الفقيد الراحل ( وبعد اختفاء الحزب الشيوعي عن الساحة السياسية بسنوات عديدة ) كان يطرح باستمرار ضرورة استعادة العمل المنظم تحت أي أسم أوعنوان ، وهو ما كان مدعاة للتباين،حيث كان الموقف السائد أنه لا يمكن في ظل الظروف والعوامل المستجدة العودة إلى العمل التنظيمي السري السابق ، وبأن العمل المتاح ضمن المرحلة الراهنة ، هو من خلال النشاط السلمي العلني ، والتركيز على القضايا الإصلاحية ، والمهام الوطنية / الديمقراطية .
أذكرذلك هنا ردا على تساؤلات بعض الرفاق القدامى والأصدقاء ومفادها لماذا لم تشر إلى نقاط وقضايا خلافية بينك ( ومعك آخرين ) وبين الفقيد الراحل وبعض الرفاق رغم أنها كانت معروفة لدينا ، ومن المهم الإشارة إليها لأنها جزء من الذاكرة التاريخية .
وهنا أقول على الرغم من محبيتي وتقديري واحترامي الكبير لنضال وعطاء وتضحيات الفقيد الكبير الراحل إسحاق الشيخ على مدى عقود ، واتفاقي معه في جل القضايا الجوهرية ، غيرأنه ليس سرا أنه كانت هناك تباينات بيني (والعديد من الرفاق ) وبين الفقيد الراحل وآخرين إزاء العديد من المسائل ، أذكر من بينها معارضتي والأغلبية الساحقة من الرفاق في الداخل للموقف الذي كان يتبناه ومعه العديد من الرفاق في الخارج ( بإستثناء المنظمة الحزبية للجبهة في الولايات المتحدة الأمريكية ) بمن فيهم الأمين العام في تغيير مسمى " جبهة التحرر الوطني في السعودية " إلى "الحزب الشيوعي في السعودية " والذي جرى تمريره في 31 أغسطس1975 .
مع قناعتي الراسخة بالمباديء والقيم الإشتراكية بإعتبارها البديل الإنساني الوحيد إزاء توحش وتغول الرأسمالية خصوصا في طبعتها المعاصرة المتمثلة في الليبرالية الجديدة " ، و التي تتعارض جذريا و على طول الخط مع مصالح البشرية في الحرية والديمقراطية والمساواة والسلام والعدالة الاجتماعية ، وبأن انهيار ما سمي بالمعسكر الإشتراكي وتفكك الأتحاد السوفيتي لم يكن فشلا للأشتراكية لأنها ببساطة لم تتحقق هناك مع عدم إغفال المنجزات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والعسكرية الضخمة التي نقلت روسيا من بلد شبه إقطاعي / نصف مصنع إلى ثاني أقوى دولة في العالم في غضون عدة عقود ، غير ان ذلك جرى في ظل مرحلة انتقالية ( صعبة و معقدة ومتناقضة ) طويلة بهدف الوصول إلى الأشتراكية ، وبالتالي ضرورة تجاوز رأسمالية الدولة ( رأسمالية بدون طبقة رأسمالية ) وهيمنة الجهاز الحزبي والإداري البيروقراطي ، وتأكيد دور الجماهير في الإشراف والمراقبة والمحاسبة وفقا لتصور الماركسية وترسيمة لينين لدور مجالس السوفيتات ( مجالس العمال والفلاحين والجنود ) المنتخبة ،غير أن ذلك لم يتحقق .
إذا يمكن القول بثقة بأن الأشتراكية هي مرحلة غير مطروحة أمامنا على جدول العمل على صعيد بلادنا ، أو حتى على الجيل الذي سيأتي بعدنا ، وبالتالي فأن المنهج الماركسي الجدلي ، يستدعي بالضرورة التحليل العلمي المادي ، انطلاقا من الواقع الموضوعي والملموس الذي نعيشه ، وليس الإسقاط التعسفي للنظرية والفكر الماركسي على الواقع بغية تطويعه بشكل قسري وإرادوي ، وبالتالي علينا التفريق بين المنهج الماركسي الجدلي العلمي ، الذي يتجاوز وفقا لحركيته وتفاعله ( ديناميته ) ما تقادم من معطيات ورؤى ومفاهيم من جهة ، و يغتني ويتطور مع المتغيرات الموضوعية والمعطيات والتجليات المستجدة على أرض الواقع والفكر والحياة من جهة آخرى ، وبالتالي لا يمكن الحديث هنا عن ماركسية واحدة أو ماركسية تمامية ، وإلا أعتبرت بمثابة دين أو رؤيا ميتافيزيفية منبت الصلة عن الواقع الحي ، وأستذكر هنا قول ماركس الشهبر " الشيء الأكيد الذي أعرفه أنني لست ماركسيا " وذلك ردا على محاولة تحويل أطروحاته إلى مذهب وتعاليم جامدة ، كما يستحضرني هنا قول الأديب الألماني الشهير جوته " النظرية، يا صديقي، رمادية اللون، ولكن شجرة الحياة خضراء الى الابد" .
إلى جانب هذه الرؤية من وجهة نظري ووجهة نظر الغالبية من قيادات وكوادر الداخل ، تبرزمسألة مهمة تتعلق بالصلة مع الجماهير، ومعاينة طبيعة ومستوى الوعي الاجتماعي والثقافي السائد في بلادنا ، والتأثير القوي للتوجهات الأيديولوجية المحافظة ، والحملات المركزة للخطاب الديني ووسائل الإعلام والتعليم ، المعادية للفكرالتقدمي واليساري، والتي تصور الشيوعية رديفا للإلحاد والكفر والزندقة ، وفي الواقع فأن العديد من الأحزاب الماركسية في العالم ومن بينها أحزابا حاكمة في أوربا وأسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها لم تكن تتسمى بالحزب الشيوعي رغم وجودها في السلطة .
كما أتضح لنا ، فأن الحزب الشيوعي السوفيتي ولجنة التضامن الآسيوي الإفريقي السوفيتية ، و غالبية الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية أبدوا تحفظهم على تغييرمسمى الجبهة إلى الحزب الشيوعي وذلك من منطلقات مختلفة ، لكنها في المجمل لا تختلف عن ماكنا نطرحه .
ليس سرا ان هناك بعض الأختلافات مع الفقيد الراحل في التحليلات والمواقف في عدد من القضايا السياسية ، وبما في ذلك موقفه السلبي إزاء بعض الأحزاب والشخصيات اليسارية ( بمن فيهم العديد من رفاقنا الحزبيين سابقا ) والوطنية في داخل وخارج الوطن .
أقول هذا ولا أنزه نفسي وغيري من الأخطاء والسلبيات التي حدثت في الماضي أوتحدث في المستقبل ، فهذه طبيعة الملحمة ( التراجيديا ) البشرية ، حيث تتعايش نقاط ومكامن القوة والعظمة ان وجدت ، مع مكامن الضعف الإنساني .
سيظل الفقيد الراحل إسحق الشيخ و ذكراه العطرة عميقة في الوجدان والذاكرة الوطنية كأسلافه ومجايليه البررة من الرواد والشخصيات الوطنية والتقدمية والتنويرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمت أناملك
حسين علوان حسين ( 2022 / 1 / 3 - 19:23 )
الرفيق العزيز الاستاذ نجيب الخنيزي المحترم
تحية حارة
أشد على يديك و أكبر فيك روح الوفاء و الصراحة و الموضوعية و نقد الذات .
كل الحب و التقدير و الاعتزاز لشخصكم الكريم و لكل الرفاق في المملكة .


2 - السعودية تضمن استمرار النظام الراسمالي المتوحش
طلال الربيعي ( 2022 / 1 / 4 - 00:49 )
السعودية هي زعيمة الرجعية في المنطقة والعالم وذهبها الاسود هو ضمانة قوة وبقاء البترولار.
هذا تقرير يصف قمع حقوق الانسان والمرأة المقرف في السعودية, وهي الدولة الوحيدة المساة باسم ملوكها!
https://www.amnesty.org/en/location/middle-east-and-north-africa/saudi-arabia/report-saudi-arabia/
وهذا يقرير يصف حالة الفقر فيها رغم غناها
Om Mohammed is one of millions of Saudis stuck in a vicious circle of poverty on the peripheries of cities whom the world rarely sees´-or-hears about.
Although the government rarely releases statistics, it is estimated that around 20 percent´-or-more of the 34 million Saudi citizens live in poverty. Many of them are women´-or-members of female-headed households.

Vision 2030 and poverty in Saudi Arabia
MBS’s Vision 2030 will not alleviate poverty among Saudis and its austerity plan could lead to upheaval.
يتبع


3 - السعودية تضمن استمرار النظام الراسمالي المتوحش
طلال الربيعي ( 2022 / 1 / 4 - 00:50 )

https://www.aljazeera.com/opinions/2019/12/23/vision-2030-and-poverty-in-saudi-arabia
فاذا كانت الاشتراكية تعني تحرير الإنسان من الظلم والقمع والعوز والفقر المادي, لا ندري لماذا تستثنى زعيمة الرجعية من حاجتها الماسة الآن الى الاشتراكية إن لم يكن ليس بهدف ضمان استمرار النظام الرأسمالي المتوحش والتشديد من قمعه للشعوب محليا وعالميا!

اخر الافلام

.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا


.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.




.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي