الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من الفولكلور الكردي-حكاية الشيخ سليمان أبو رجل الجرس

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2022 / 1 / 4
الادب والفن


الحكاية العاشرة
حكاية الشيخ سليمان "أبو رجل الجرس"

يحكى أن رجلاً مغامراً اسمه سليمان كان يعيش بين ظهراني عشائر زيباري. ولأنه اتخذ السلب والنهب مهنة فقد ألقي القبض عليه وزج في السجن. وعندما خرج من محبسه فكر ملياً وقال لنفسه:
- حسناً سأفعل اذا سافرت الى بغداد ولازمت قبر الغوث (1). سأمكث هناك زمناً وأعلن توبتي وأرد اعتباري، ولن يشك بي أحد بعدها إذا ما عاودت السرقة!
لبس سليمان ثياب الدراويش وعلق في رقبته الدفَّ والكشكول(2) ومضى صوب بغداد حتى وصل مزار الكيلاني واقتعد مكاناً هناك ولزم العبادة ليل نهار دون أن يبرح المسجد للحظة واحدة حتى صار زوار الغوث يضعون ثقتهم فيه ويظنونه عابداً تقيا، وعندما سألوه عن اسمه أجابهم:
- اسمي سليمان، درويش حقير على باب الله!
فاستنكر الناس منه ذلك وقالوا:
- نستغفر الله. كيف تقول هذا؟ بل أنت الشيخ سليمان، تاج رؤوسنا جميعا!
وغدا الناس يطلبون بركته ويسألونه زيارتهم:
- إنا لنرجو من ذاتكم المباركة الشريفة أن تتنازل بالخروج بين الحين والآخر كي يتبارك الجميع بفيض وجودكم المسعود العالي المقام!
فيرد عليهم:
- لا أستحق أنا العبد المذنب كرمكم هذا. ثم إن عندي، لو سمحتم، سبباً آخر يمنعني من الخروج.
- خيراً يا مولانا.
- ثمة على الدروب المحيطة كثير من الناس، وإني أخاف الله أن تقع قدمي على رأس مسكين راقد على قارعة الطريق فأكون سبباً في هلاكه ومضاعفة ذنوبي.
بيد أن عذره هذا جعل الناس يزدادون تعلقاً به وإيماناً فأجابوه:
- كلا، لا مناص من تشريفك لنا في بيوتنا حتى لو حملناك على ظهورنا.
- وأنا لا أرضى باعتلاء ظهر أحد، لكن إن كان لزاماً أن أستجيب لدعواتكم الكريمة فاجلبوا لي زوجاً من الأجراس أخيطهما الى نعليَّ كي ينتبه الناس لصوتهما ويفسحان لي الطريق حتى لا أدوس على رؤوسهم.
فصاح الجميع:
- سبحان الله! يا لها من فكرة عظيمة!
لا أطيل عليكم. شدوا جرسين الى نعليه كما أراد، ولم يعد يمر يوم إلا ودعاه واحد من أكابر بغداد وأغنيائها الى بيته. وذاعت شهرته في المدينة وصار يُعرَف بالشيخ سليمان "أبو رجل الجرس" وتحلق من حوله المريدون والأتباع. وعندما توثق من ايمان الناس به واستبعادهم لأية شكوك حوله قال لبعض من عليّة القوم:
- أفكر بأن أبني لنفسي بيتاً خارج المدينة أقيم فيه برفقة بعض الدراويش كيما نتفرغ للعبادة وذكر الله. الزحام هنا على أشده وهو يربك الفكر ويشغل القلوب ويلهيها عن ذكر الرحمن، فما رأيكم؟
- على الرأس والعين. أرواحنا وأموالنا بأمرة حضرة الشيخ!
وشادوا له بيتاً كبيراً أقام فيه مع عدد من أتباعه "الدراويش" الذين يثق بهم ويعرفهم تمام المعرفة بعد أن أطلعهم على ما يدور في رأسه. وهكذا قادهم ذات يوم الى مرقد الغوث بحجة زيارة الضريح. وباتوا ليلتهم فيه، ثم حفروا الأرض تحت جدار خزانة المرقد وتسللوا إليها وأخرجوا منها قرابة مليون ليرة من الذهب وما لا يحصى من الجواهر، ثم عادوا الى بيتهم بعد أن مكثوا ليومين عند الضريح.
احتفظ الشيخ سليمان بكومة كبيرة من الجواهر والذهب وقال للآخرين:
- ليأخذ كل منكم حصته. وخذوا ما لا تستطيعون حمله الآن الى مكان بعيد وأخفوه جيداً في حفرة معلومة كي تعودوا اليه وتستخرجوه بعد زمان. أما الآن فمن الأفضل أن نتفرق ويرجع كل الى بلاده قبل أن يحيط بنا العساكر ونقع في أيدي الحكومة.
قام الدراويش وتفرقوا، وبعد أيام اكتشف حفظة خزينة الغوث أمر السرقة فأبلغوا الحكومة ولكن بعد فوات الأوان. ومن يعرف أين ذهبوا؟ قد تفرقوا مثل الذئاب بين الشعاب والجبال والوديان! أما الشيخ سليمان فقد رجع الى بلده واستقر وتاب واشترى أراضيَ وعقاراتٍ وماشيةً وأغناماً كثيرة وصار بين عشية وضحاها من كبار الأغنياء ومازال بعض من ذريته يعيشون في تلك الأرجاء ومنهم من يُعَد من أكابر القوم وأثريائهم.
ظل سليمان يتقلب في النعيم والغنى ولم يكن أحد ليجرؤ على التعرض له او لأسرته ما دامت الحكومة لا تصل الى تلك الأصقاع النائية، لكن البعض ممن يعرف القصة وما فيها كان يعاتبه أحياناً ويقول له:
- يخرب بيتك! يوماً ما سينزل بك الغوث البغدادي غضبه جزاء ما اقترفت من ذنبٍ عظيم.
لكنه يجيب دونما اكتراث:
- ولماذا؟ لقد أسديت له معروفاً كبيراً، فالأحياء أحوج الى المال من الأموات! لو إنه غوث بحق فلن يقدم على إيذائي لأنني تبت عن السرقة بسبب المال الذي أخذته منه. أما إذا كان كاذباً فلن يقدر على إصابتي بأذى، وعندها ما من سبب يدعوني لأن أخشاه!
(1) الغوث البغدادي هو لقب الشيخ الصوفي عبد القادر الكيلاني المدفون وسط بغداد.
(2) الكشكول وعاء يجمع فيه الفقراء والدراويش ما يجود به الناس عليهم من أطعمة مختلفة.
(من كتاب حكايات الموقد الخشبي-ترجمة ماجد الحيدر)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السارق مدمن
اسعد طاهر ابراهيم ( 2022 / 1 / 5 - 13:57 )
الأستاذ اخ ماجد، جميع ائمة العراق في اليوم هذا هم من ذرية نفس الجماعة اللي شاركوا مع سليمان ابو جرس، وذرية ابو جرس. والسرقات مستمرة ، وستستمر الى يوم الدين. الأ اذا جائهم قصاب الدين حجاج الزمان لينهي هذه المسخرة الدينية باسم الشيخ محمد علي حسين. والا ، بعد ان تنتهي ماخزن في المراقد والمزارات سيسرقون سكن ودور كل الناس لان السرقة إدمان واسهل طريقة للعيش السعيد وخاصة اذا ماكنت مع الحكومة

اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع